الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

الأمن بين المواطن والدولة : لن يتحقق الأمن ما لم تتعزز الثقة بالأجهزة الأمنية

الاضطهاد السابق هدم علاقة المواطن بوطنه

الأمن عند كثير من المواطنين لا يعني أكثر من الحفاظ على ممتلكات (الحكومة)

التعامل السلبي مع الوضع الأمني جاء نتيجة للتهميش الذي عاشه المواطن

سعيد عبد الهادي

قضية الأمن هي الشغل الشاغل لعموم العراقيين، ولكنه شغل كلامي، إذ إننا نلمس سلبية من المواطن في تعامله مع أمنه ما هي أسباب هذه السلبية؟، وكيف نعالجها؟ وكيف ينظر المواطن لعلاقته بالدولة؟.. هذه الأسئلة كانت مدار تحركنا بين شريحة من المواطنين والمعنين لاستطلاع آرائهم.. فكانت هذه الإجابات، التي انشغل بعضها بالدولة. وسار بعضها بهدي التجربة الشخصية.

فقدت المحلة التكاتف

(ابو حسن) مختار في إحدى محلات بغداد تحدث بألم عن الوضع الراهن، في هذا الظرف لا يجد الإنسان عوناً حقيقياً من الأجهزة الأمنية، لأنها أجهزة ما زالت ضعيفة، الكثير من الغرباء اسكنوا في المنطقة التي أنا مختارها، لم أطرق بابهم إلا للترحيب، ولكن لا أجرؤ على سؤالهم؛ من أنتم؟، ومن أين قدمتم. لدي ولدان في جهاز الشرطة، وأعلم جيداً بمحدودية إمكانات هذا الجهاز، لهذا أعول على السنوات القادمة، وليس هناك تكاتف حقيقي بين أبناء المحلة كما كان الأمر عليه في السابق، التشرذم والأنانية، والتخوف هي التي تحرك الناس أنهم يبحثون في كل مشاكلهم عن كبش فداء، ولا يستطيعون مواجهتها بأنفسهم لهذا ترى أن الاختراق الأمني في المحلات كبير وهناك لا أبالية عالية عند الجميع أردنا أن نجمع مبلغاً بسيطاً لسحب مياه راكدة، معظم العوائل رفضت الأمر.

المواطنون بحاجة إلى قوة كبيرة تحركهم وتشعرهم بالأمن، والشرطة الحالية ليست لديها الإمكانيات لتكون هذه القوة.

الخوف.. والاحترام

أما الشرطي محمد عباس الكعبي فقال: صادفنا الكثير من التعاون عندما استكملنا عدتنا وبدأنا التحرك على العصابات التي كانت تعيث فساداً في المنطقة، ولكن هذا الأمر، قوبل بمجابهة من بعض المستفيدين من العصابات ومن تواجدها لهذا أعطينا عدداً من الشهداء عند اقتحامنا لأوكار العصابات.. وما يظهر الآن أن الناس تدريجياً تستعيد ثقتها بالشرطة، ويتزايد تعاونهم معنا، ولكن هناك كره لتطبيق القانون، فأمر العصابات يتعلق بأمن الناس الشخصي، ولكن القانون بحذافيره مكروه عند الأغلبية، أنت ترى التجاوز على الشوارع وعلى المرافق العامة، والاستهتار بالتعامل مع الأملاك العامة، هذه الأمور تدلل على أن هناك كرهاً للقانون وخوفاً منه، إذا زاد الخوف طبق القانون. وهذا يعني إننا نحتاج لأن نعلم الإنسان استبدال الخوف بالاحترام، وتغيير النظرة للمتلكات العامة، من ممتلكات الغير إلى ممتلكات الشخص نفسه.

الاضطهاد وطّن الأمراض السلوكية

المهندس عبد الستار ربيع تحدث باستفاضة حديث من عانى ذاتياً هذا الأمر إذ قال: إن تاريخاً طويلاً من الاستبداد والاضطهاد واستبعاد المواطن من المساهمة في الحياة السياسية، وتقرير مصيره ومصير عائلته، وبالتالي مصير الوطن، ولدّ، بل وطّن الكثير من الأمراض النفسية والتعقيدات السلوكية في عقل وروح المواطن العراقي. وكان أهم مظاهر ذلك التعقيد والمرض، السلبية الغريبة والكبيرة التي أبداها الكثير من العراقيين إزاء مخاطر جسمية هددت، وما تزال تهدد أية فرصة لبناء مجتمع متحضر ومتماسك.. ولعل ما حصل أثناء سقوط النظام الديكتاتوري من عمليات سلب ونهب، وحرق وتخريب لكل مفاصل البنية التحتية، أثبت أن نسبة كبيرة من العراقيين فقدت حس المواطنة، والانتماء إلى الوطن والحرص على ممتلكاته، التي هي بالنتيجة النهائية ممتلكات المواطن نفسه ومستقبل أطفاله. هذا الأمر لا ينفصل عما يحصل الآن من تخريب لآبار النفط وأنابيبه والمحطات الكهربائية، وحتى الإنسان نفسه اصبح مهدداً بهذا التخريب.

الأيديولوجيات أفرغت الوطنية من محتواها

وأضاف المهندس ربيع: أرى أن الأيديولوجيات التي لا يمثل الوطن بالنسبة لها أكثر من نقطة انطلاق آمنة، لأن ما تسعى إليه يتجاوز حدود الوطن، هذه الأيديولوجيات أفرغت الوطنية من محتواها وساعدت على إضعاف الحس الأمني عند المواطن، والكثير من السلوكيات الشاذة والغريبة وجدت لها ملجأ وملاذاً فيها، وهذا التقسيم إلى انتحاري وكافر نتيجة طبيعية لغياب الحس الوطني عند هذه الايديولوجيات.

وختم كلامه بوضع عدة نقاط يراها حلولاً لضعف الحس الأمني ولعودة المواطن إلى حضيرة الوطن، رأى فيها أنه يجب أن تقوم  الدولة بحملة توعية شاملة لتعليم الأبجديات التي تساعد في ترسيخ مفهوم المواطنة من تعريف بمفهوم الحكومة نفسها إلى جميع المفاهيم الأخرى التي لم يألف مواطننا التعامل معها، هذا العمل يجب أن يصاحب باهتمام جدي وسريع بتفعيل الأنشطة الاقتصادية المعطلة وإعادة إعمار البلاد التي خربتها الحروب، فضلاً عن التأكيد على الفساد الإداري، فما يجب العمل على اجتثاثه هو الفساد الذي ساعد في تخريب المواطن.

والعمل على بناء شرطة وحرس وطني وفق قاعدة الكفاءة والخبرة والوطنية، وإلا عدنا إلى سابق عهدنا، وأنهى مجموعة النقاط بقوله: يجب الحرص على شفافية المؤتمرات الوطنية والانتخابية لكي يشعر المواطن أن له القدرة على انتخاب ممثليه.

السلبية الأمنية وليدة التهميش

ذهب طالب القانون (علي الأميري) إلى القول: إن علاقة المواطن بالدولة في العراق تميزت، على مدى عقود، بعدم الثقة، التي كانت وليدة للتهميش، تهميش دور الفرد وعدم إشراكه في العملية السياسية، وإبعاده عن رسم مستقبل بلاده، وكذلك بسبب عقود من سنوات الاضطهاد الفكري والجسدي، كل هذا ولد حالة سلبية عند المواطن. أي إننا كمواطنين كنا غرباء، وما حصل بعد سقوط النظام، إن المواطن بقي مهمشاً، ولم يرفع التهميش حتى عن المثقفين، إن السياسة الأمريكية المتخبطة (زادت للطين بلة)، المشكل إننا الآن لا نجد حلاً سوى الدعوة لإعادة بناء دولة قوية تستطيع فرض القانون بقوتها، فليس من سبيل للتخلص من ضعف المواطن الحالي وسلبيته سوى هذا الحل، وليس ضعف الدولة الحالي وعدم قدرتها على فرض سلطتها على المليشيات والحركات المتطرقة إلا المسبب الأكبر لهذه الروح الإنهزامية التي سيطرة على المواطن. وختم كلامه بالقول: إن الدولة القوية القادرة على الضرب من دون هوادة لكل الخارجين عن القانون هي الحل الوحيد لدمج المواطن بوطنه.

الحروب الطوال اضعفت الشعور الوطني

المدرس (أسعد كريم) قال: بعد مرور أكثر من عام على تخلص العراق من السلطة الدكتاتورية التي عملت على إحداث تغيير جذري في الموارد البشرية والاقتصادية من خلال الحروب غير الشرعية، التي لم تبن على غير استنزاف طاقات البلد، هذه الحروب أدت بالمواطن العراقي إلى السقوط في براثن الضعف والوهن على الصعيدين الاجتماعي والنفسي. هذا الضعف جعله يشعر أن ليس هناك أي نظام حقيقي يستطيع أن يحقق له بعض طموحاته المشروعة، وجاءت هذه الظروف لتأكيد هذا الأمر. فازدياد الضغوط عليه وفشل مجلس الحكم والحكومة الحالية في تحقيق الاستقرار، فضلاً عن اعتمادها على الكثير من العناصر الفاسدة من بقايا النظام المنحل، واستبعادها للعناصر المستبعدة سابقاً، جعل الصورة واحدة برغم التبدلات التي حدثت، وهناك بعض القضايا التي ربما تراها الحكومة بسيطة ولكنها فعلت فعلها في تشويه صورتها، منها قضية الاستقرار وقضية الكهرباء والماء وانعدام المشاريع الخدمية الحقيقية، والعودة إلى لغة الشعارات هذه القضايا التي لم تحل، جعلت المواطن يتقوقع في محيطه الأسري أو العشائري أو المذهبي ليجد متكأً حقيقياً فاعلاً ما دامت أجهزة الدولة، أضعف من أن توفر له أية حماية حقيقية، تجعله يتعالى عن هذه الأمور.

الدولة تعمل ضد المواطنة!

ذهب الأستاذ عباس مهدي المؤمن إلى القول: بأن تاريخ دولة العراق المعاصرة في اساسه مبني على التفرقة الطائفية، ولم تعمل الحكومات المتعاقبة، وإن تغيرت أشكالها، إلا على اعتماده مبدءاً أساسياً في التعامل مع المواطن، حتى ترسخ لهذا تولد شعور جمعي عند المواطنين، إن الدولة العراقية (مهما تكن) فهي ضده. وبعد انهيار الدولة في نيسان 2003 وانهيار جميع النظم والأسس السابقة، من الصعب اجتثاث هذا الإحساس المترسخ (الضدية)، ما زال الخوف السائد من الدولة يفعل فعله، لهذا كان من المفروض أن تقدم الدولة على محاولة رأب هذا الصدع، باتخاذ إجراءات محسوسة من خلال ترسيخ مفهوم أمني جديد، وكان على الأحزاب أن تأخذ دورها بمشاركة الدولة في تعزيز روح المواطنة، والتأكيد على ضرورة إيجاد علاقة تفاعلية بين المواطن والدولة، على وفق هذا الأمر يمكن فعلاً إشراك المواطن في العملية الأمنية، أما أن يعاد بناء الدولة وفق المحسوبيات والعلاقات الحزبية، والشخصية فهذا يعني الدوران في حلقة مفرغة. وتكون قضية مطالبة المواطن بالمشاركة في تعزيز أمن بلد لا يحترم وجوده، قضية بائسة ولا معنى لها.

أزمة ثقة

في حين رأي أحمد عبد علي (مهندس) إن المواطن العراقي عانى من ازمة ثقة مع كل الحكومات المتعاقبة التي تولت إدارة البلد تحت مسميات مختلفة، أنظمة الحكم كانت السبب الحقيقي وراء هذه الأزمة. بعد أن انشغلت هذه الحكومات بالقضايا الخارجية من مشاكل قومية وإقليمية وأهملت هموم المواطن العراقي واحتياجاته، واليوم وبعد زوال آخر الديكتاتوريات العراقية المعاصرة، يرى المواطن نفسه بعيداً عن الحكومة الحالية، برغم الحديث المتواصل عن الديمقراطية، لقد ترسخ الشعور بلا وطنية الحكومات ومن بينها الحالية، حيث عزز الاحتلال هذا الأمر، ولم تعمل الحكومة بجد لكسب شعب تعود على كره حكوماته لانعدام ثقته بها، فضلاً عن تجربة مجلس الحكم حيث سادت المحسوبيات، ووزع البلد بين الأحزاب وعاد المنتفعون للتخلخل في كل مفاصل الدولة، كل هذه الممارسات أضعفت حس المشاركة الأمنية عند المواطن، كيف يستطيع المواطن أن يحافظ على أمن سلطة يشعر بأنها تحاول إقصاءه. وكانت المشكلة الكبرى في حل الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش، ثم إعادتها بملاكاتها القديمة هذه اللعبة ما زال المواطن يجهلها تماماً.

الانتماءات اللا وطنية أضعفت الشعور الوطني

السيد جعفر كريم رأى إن الانتماءات المتطرفة للقومية أو لمذهب أو لطائفة التي سادت منذ نشوء الدولة القومية، أضعف الشعور الوطني، وأصبح، التفكير الوطني بوجودها وترسخها ثانوياً!، بل إنه عد نزعة شعوبية، هذا الأمر خلق ما جزء بين المواطن والشعور بالمسؤولية تجاه الدولة، وبعد التحول الذي حصل بعد سقوط النظام الدموي الديكتاتوري، وجد المواطن نفسه في فراغ كبير بسبب الإنهيار الكامل لكل الأجهزة القمعية القديمة، فارتكس ثانية باتجاه القبيلة، أو القرية، التي تسيدت طوال العقدين السابقين على المدينة العراقية ولكن العودة للقرية داخل المدنية، أفقد اجتماعيات القرية قدرتها التنظيمية، وافقد المدينة طابعها الاجتماعي، ولم تستطع الدولة التي أسست على هذه التركة الثقيلة من الإنهيارات أن تعيد ترميم شيء. هذا الإخفاق جعل الممارسة تبقى في إطار الأمنيات فلا يمكن تفعيل دور المواطن الأمني ما لم يشعر بالانتماء الحقيقي للدولة.

لا أمن بلا رغبة المواطن

أنهينا جولتنا بالوقوف عند رأيين، الأول لباحث نفسي والثاني لرجل قضاء. ذهب الباحث النفسي الأستاذ سلمان عبد الواحد كبوش إلى القول: يمكن تصنيف شخصية المواطن العراقي عموماً تحت لافتة التمرد الحساس إزاء القوانين (الحكومة)، وذلك بسبب تاريخ طويل جداً من حكومات لم تضعه هدفاً لوجودها، فكأنه في واد والحكومة في واد آخر. ولد هذا الإهمال المقصود والقطيعة على مدى مئات السنين نوعاً من النفرة إزاء أي قانون ترسبت في اللاوعي الجمعي للعراقيين. هذا ما يفسر لنا دهشة العراقي، بل صدمته وهو يتعامل مع مفاهيم لها وقع مستحدث تماماً، مثل الديمقراطية والحرية وإساءته استخدامها والتعبير عنها.

والمواطن هو وسيلة الأمن وغايته، فلا يمكننا تخيل قوة مهما تعملقت بإمكانها الحفاظ على الأمن بخلاف رغبة المواطن، وإحساسه بحاجته إلى هذا الأمن. ولكن مفهوم الأمن يبقى نسبياً من الممكن أن نختلف فيه، ففي الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى الأمن على أنه الحفاظ على كيان المواطن وممتلكاته الشخصية واسباب ديمومة حياته، لا يستطيع البعض الآخر عزل هذا المفهوم عن مفهوم أهم هو أمن الوطن بأكمله.

قاعدة (فرق تسد)

أما القاضي الأستاذ نبيل حياوي فقال: بعد غزو الكويت حصل تبدل جوهري في علاقة المواطن بالدولة، إذ رأى المواطن أن الدولة لم تعد ممثلة حقيقية لمجموع الأفراد، وإنما هي دولة قائمة على أساس إنها (اوليفاركية) حقيقية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، جرى إفساد متعمد للمواطن العراقي من ناحية ولائه للوطن، وهذا بالتأكيد، ينسحب على مشاركته الأمنية، ومن ناحية قيمه الأخلاقية وارتباطه ببقية أبناء وطنه.. اعتمدت المجموعة الحاكمة قاعدة (فرق تسد) للمحافطة على السلطة.. فخلال سنوات الحصار، وما عاناه المواطن من مصاعب اقتصادية جعلته يندفع نحو تلبية احتياجاته فحسب، إذ إنه بات يشعر بتهديد لوجوده، هذا الوجود القلق، مع الضغط المتعمد من قبل السلطة لإفساد الذمة، جعلا المواطن، يفقد مواطنته شيئاً فشيئاً، ولم ينته العقد التسعيني حتى اصبحنا نعيش في وسط متبدل بالكامل، لم تعد هناك مصلحة وطنية، بل تغلبت المصالح الشخصية. وهذا التذويب لا أظنه يخرج عن مجال العولمة كنظام دولي جديد.

ثم انتقل بحديثه عن صور واقعية عاشها، اختلط فيها الإفساد المتعمد بالتهديد والضغط الذي مارسته الحكومة السابقة على جهاز القضاء، برغم حساسية هذا الجهاز وأهميته.

القاضي يمارس التعذيب بيديه

وأضاف القاضي حياوي: إن أحد القضاة، لا أود أن اذكر اسمه، عينوه قاضياً في مديرية الأمن العامة، كان يقلب ملفات المتهمين الموضوعة أمامه بأصنافها عن أي شخص ينتمي إلى قوميته وحين يجد بغيته، ينزل إلى غرف التعذيب ويمارس جلد وتعذيب المتهم بيده، لم يكن يبغي من هذا الفعل سوى إرضاء السلطة التنفيذية عنه، هذا الأمر يدلل على حجم الخراب الذي حل بالقضاء العراقي.

والحكاية الثانية التي رواها القاضي حياوي تتعلق به شخصياً، إذ قال: جاءني خير الله طلفاح وغالب المحمود زوج أخت صدام طلبا مني إخراج أحد السجناء لأنه يهمهم، فقلت لهما أن هذا الشخص لم أسجنه أنا، بل سجن وفق القانون، وأنا أمثل القانون، فقط، فكيف تريدا أن أخرج أنا على القانون الذي أمثله، فاستشاط خير الله غضباً، ونهض من مقعده محمراً وحين وصل إلى الباب نظر نحوي، وهز يديه وهو يقول: (وي وي الدولة دولتنا والمال مالنا والأغراب يحاججونا!).

الإعدام من دون محاكمة

وروى لنا القاضي حياوي حكاية ثالثة قائلاً: ضابط تكريتي اصطحب غانية إلى بيته واتصل بصديق له، ضابط أيضاً، دوري، وبعد أن تمكن السكر منهما حاول التكريتي الاستئثار بالغانية، وبالممازحة والمجادلة أخرج كل منهما مسدسه، فقتل الدوري التكريتي، وهرب إلى أهله، اتصلوا بعزة الدوري، فأمرهم بالذهاب إلى عائلة التكريتي وتلبية ما يطلبون عشائرياً، وأمر ابنهم (القاتل)، بالذهاب إلى (قصي صدام)، وقام عزة بالاتصال بقصي وإبلاغه عن الحادثة، حين وصل الدوري إلى قصي، قام هذا بقتله مباشرة، عائلته ظنت إن ابنها محجوز لديه في سجون جهاز الأمن الخاص الذي كان يشرف عليه، وسارت الدعوة في إطارها القانوني، حيث حكم على القاتل غيابياً بالسجن المؤبد، وهي العقوبة القصوى للقتل غير المتعمد.

حين سمع قصي بهذا الحكم اتصل بوالده (الطاغية)، فقام هذا بالاتصال بمحكمة التمييز وأمرهم بأن يعاد النظر في الحكم ويتحول إلى حكم بالإعدام، ولكن تسعة من القضاة رفضوا الاستجابة لهذا الأمر لأنه يتعارض مع القانون وثمانية مالؤا الطاغية وطالبوا بتغييره إلى إعدام، ولكن القرار صدر بتحقيق الحكم السابق، هنا استشاط الطاغية غضباً وأمر بفصل القضاة التسعة.

وعاد القاضي للتعليق على ما حكاه قائلاً: هذه الحوادث توضح نظرة الحكم السابقة للسلطات الموجودة ولعموم الشعب، هناك إقصاء وتهميش، وصل حد إجبار القضاة على الفساد. وكان المفروض بعد إسقاط النظام الدكتاتوري إبقاء الأجهزة الأمنية والعسكرية وتنظيفها لأنها أجهزة مسلكية، الخبرات فيها تتوارث.. حل هذه الأجهزة ولد ضعفاً كبيراً في قدرة السلطة التنفيذية على أداء مهماتها، وهذا الأمر بكل تأكيد عزز السلبية عند المواطن الذي ما زالت روح العقد التسعيني، بكل عقدها، هي التي تحركه.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة