الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

خمسة وستون عاماً على تأهيل المعمار جعفر علاوي : معالي العمارة المهنية

د . خالد السلطاني

معمار ، واكاديمي عراقي

 

عشية تكوين وظهور المرحلة التأسيسية الثانية للعمارة العراقية الحديثة ، برزت لأول مرة أسماء جديدة وعديدة لمعماريين عراقيين ، قدر لهم فيما بعد أن يكونوا رواد العمارة الحديثة ومؤسسيها . ومن ضمن تلك الأسماء برز اسم المعمار ( جعفر علاوي ) ، الذي تحتفي الأوساط المعمارية المحلية ،هذا العام  بمرور خمسة و ستين عاما على تأهيله المهني بتخرجه عام 1939 م من قسم العمارة بجامعة ليفربول في المملكة المتحدة .

وكما أن العمارة بمقدورها أن تمنح رجالها مكانة مهنية مؤثرة ، وان تصبغ ممتهنيها ومريديها بصبغة خاصة تسعى لتميزهم ضمن فئات المجتمع ، فان المعماريين ؛ والمعماريين المجدين منهم على وجه الخصوص ؛ هم الذين في الأخير يساهمون في إرساء قواعد واشتراطات قوة ونفوذ العمارة التي يخلقونها عبر تصاميمهم المعبرة .

ومسيرة ( جعفر علاوي ) المهنية التي تجاوزت نيفاً ونصف قرن كانت بلا شك حصيلة تأثير هذين العاملين المتداخلين الواحد في كنه الآخر. فنهوضه بأعباء تكريس ممارسة التكوينات الحديثة في تطبيقات العمارة العراقية أسهمت هذه الممارسة ذاتها في تشكيل شخصيته ونوعية نشاطاته ؛ وكأنه بهذا يثبت صوابية مقولة ( لو كوربوزيه ) في .. ( إننا نشارك في تشكيل العمارة ، لتشكلنا هي ، ذاتها ، في النهاية ) .

والحديث عن عمارة ( جعفر علاوي ) يعني الحديث عن مرحلة مهمة في تاريخ العمارة العراقية الحديثة ؛ مرحلة بدأت مع بداية الأربعينات، غداة وصول المعماريين العراقيين الذين اكملوا دراساتهم المعمارية بالخارج ، ليتبوءوا المناصب التي أعدت لهم كمهندسين محترفين ومؤهلين أكاديميا لممارسة العمل التصميمي .

وعلى الرغم من مشاركة المعماريين الآخرين في أرساء القيم الجديدة في الممارسات التصميمية بالعراق ، فقد ظلت عمارة ( جعفر علاوي ) ، ذات نكهة خاصة ، تفردت بأسلوبيتها الواضحة ، وطابعها المّميز ، عن تجارب وطروحات زملائه المعماريين الآخرين . فعمارته لا تحاول أن تكون ( خطابية ) أو ذات نَفَس ( بيانوي ) . فهي في هذا المعنى لا تتقصد افتعال الاثارة التنظيرية ، أو الإلحاح في تسويغ أو تسويق الاتجاهات ( الافانغاردوية ، - الطليعية في تكوينات العمارة الناجزة .

لقد ظلت القرارات التكوينية لديه تنطلق ، أساساً ، من مهمة ( تبسيط ) المعضلة التصميمية ؛ والالتزام بمنطقية التوزيع الفراغي ، والاهتمام بكفاءة الاستعمال والتشغيل ؛ والمقدرة على استخراج أشكال واجهات وهيئات التراكيب الكتلوية من مدخلات عناصر البساطة ، والمنفعة ، والراحة، والأمان ، والفتنة ، والديمومة للمنجز المعماري . وهو يصل بسهولة إلى ذلك ، جراء فهمه وإدراكه من أن هدف الممارسة التصميمية في النتيجة، هي خلق أحياز تفي تماماً بمتطلباتها ؛ وأن يكون العمل المعماري الجديد إضافة مميزة تغني ، وتثري البُنى المادية للواقع المعاش .

لقد صمم ( جعفر علاوي) وأشرف على مبانٍ عديدة نفذت في أنحاء مختلفة ، في بلده العراق . واعتبر أمر ظهور تلك المباني وتنفيذها بمثابة حدث عمراني مهم حمل دلالات حضرية واسعة ؛ فقد صمم ونفذ عمارة مرجان بالباب الشرقي ببغداد (1953-1954)، وثانوية الحريري بالأعظمية (1953) ،  والمدرسة الجعفرية ببغداد (1946) ، وثانوية الحي في واسط (1947) ، ومبنى سامي سعد الدين في ساحة الرصافي (1949)، كما قام بتصميم مدرسة دار المعلمات والأقسام الداخلية لها سنة (1957) والتي نفذت في وقت لاحق في الستينات ، وكثير من دور الأبنية السكنية في بغداد وفي أنحاء مختلفة في مناطق العراق .

وتعتبر ( عمارة مرجان ) من الأمثلة المعمارية المهمة والرائدة في عمارة الخمسينات بالعراق ، ويتضح تأثيرها القوي والعميق ليس فقط في الحلول الحديثة لمساقطها والمعالجات المعمارية النظيفة الدقيقـة لواجهاتها ، فحسب ، وإنما أيضاً بالمقياس المعماري الضخم المختار لها وأهميتها في تحديـد ورسـم وتأشير الميدان ذي الأهمية الكبيرة في مجمل النسيج الحضري للمدينة ، الواقع بجانبها .. فعمارة المبنى هي بمثابة واجهة الساحة الرئيسية فيها ، ومقياسها المعماري هو الضابط الفعلي والحقيقي لعمارة مباني الساحة الأخرى .

وعلى الرغم من التغيرات الكثيرة والتبدلات الجذرية لوظيفة ساحة التحرير ، فقد ظل المبنى يفرض قوته وهيمنته عليها ، وبقي شكل المبنى المتماسك يخضع ويطوع الأبنية التي نفذت لاحقاً بجواره وليس من قبيل المصادفة أن تنقاد عمارة المبنى القريب منـه وهو المبنى المجاور لمبنى الأموال المجمدة وتتبع مبنى عمارة مرجان على الرغم من الارتفاع العالي والشاهق لذلك المبنى .

ومعروف أن ( جعفر علاوي ) مولع باختيار التفاصيل المعمارية الدقيقة وحسن التنفيذ لمبانيه . ولهذا السبب فقد اكتسب مبنى مرجان عناصر معمارية مشوبة بسعة المعارف والثقافات البنائية التي يمتلكها .. وهذا واضح جداً من طريقة بناء المبنى وأسلوب فتحات النوافذ وتغليفها واختيار ( الشكل ) الديناميكي البديع والجميل للطابق الأخير …

أما ثانوية الحريري للبنات فقـد صممت ونفذت كما هو معلوم ، في 1953-1954 ، وتمثل تكوينات المدرسة وتفاصيلها حدثاً معمارياً مهماً في تصاميم المدارس التي كانـت تصمم وتنفذ في العراق ،  فطراوة اللغة المعمارية ونظارتها ، وتأكيد المنطق الوظيفي كأساس لخلق التكوين المعماري - الفني ،واستثمار المواد المصنعة بكثيرة ، فضلاً على توظيف خاصية الألوان في المعالجات الفنية لها ، كل ذلك كان من الأمور الجديدة والحديثة التي ميزت مدرسة الحريري عن مثيلاتها التي كانت تنفذ آنذاك .ونرى في معالجات واجهات المدرسة ونتحسس صدىً لتأثيرات مشغل الهلال الأحمر لـ ( ألين جودت الأيوبي ) على صياغة الأشكال المختارة من حيث أفقية خطوط النوافذ الممتدة وأسلوب رسمها .

وتمثل عمارة مدرسة ثانوي الحيّ ، والمدرسة الابتدائية معها منجزاً معمارياً حقيقياً، لما انطوت عليه عمارة المدرستين من معالجات تصميمية جديدة ذات تكوينات معمارية حديثة ، تكفلت بنقل ممارسة تصميم وتنفيذ المباني المدرسية من حالتها العادية ، بأشكالها المألوفة الرتيبة ، إلى جعل تلك الممارسة ترتقي إلى مصاف العمل الإبداعي المميز . ولقد سحبت عمارة مدرسة ثانوية الحيّ ( بفورماتها ) المعاصرة ، وأسلوب تنطيق فضاءاتها الحديثة ، وكذلك مستوى دقة العمل التنفيذي وحصافته ، فضلاً عن خصوصية موقعها كونها إحدى مباني (لضواحي ) ، سحبت وراءها كثير من التداعيات التصميمية ، وأمست لغة عمارتها المعبرة ، مثالاً للاحتذاء والتقليد .

وليس من باب الصدفة ، أن يحظى إكمال بنائها عام 1947 بافتتاح مهيب حضره خصيصاً لهذه المناسبة جمع غفير من المهتمين بالثقافة ورجال المعارف المرموقين ، وألقى الشاعر الكبير ( الجواهري ) قصيدته المشهورة (يا بنت رسطاليس) في حفل افتتاح المدرسة ، والتي جاء فيها:

قم حي هذي المنشآت معاهدا                 الناهضات مع النجوم خوالدا

الشامخات أنوفهن الى السما                   والمطلعات لفرقدين فراقـدا

والفاتحات على الخلود نوافذاً           والمجريات مع الحياة روافدا

ان ميزة جعفر علاوي ( المعمارية الأساسية تكمن في رهافة ودقة اختيار التفاصيل المعمارية وتأنقها وتطويع عمارة المبنى كاملة لجمالية وحسن التنفيذ . من هنا تبدو العناية الفائقة بالعملية التصميمية ، والمتابعة الدقيقة لجميع مراحلها بدءاً من الفكرة الأولية للمشروع المعماري وحتى تفاصيله الصغيرة ، يبدو لديه أمراً وجوبياً ومشروعاً ، كما أنها تمثل عنده ممارسة تستوجب ايلاءها وقتاً كافياً ، وجهداً كبيراً لا تخلوا أحياناً من معاناة مضنية ، بيد أن ( جعفر علاوي ) يؤدي دائماً ، كل ذلك على قدر كبير من المتعة والارتياح ! .

ولئن تقصد بعض المعماريين إلى تأكيد خاصية ( الانغلاقية ) في خطوط تكوينات مبانيهم ، طمعاً لتفردها وتميزها ، فان عمارة ( جعفر علاوي ) تسعى إلى عكس ذلك تماماً. انها تتوق لأن تنفتح على جميع الناس : سواء كانوا شاغلي هذه العمارة أم متلقيها ؛ وان تكون مفهومة لديهم . ولعل هذه الخاصية الأخيرة هي التي جعلت منه رمزاً مهنياً معروفاً لدى أوساط اجتماعية عديدة ومختلفة . فهو يعرف جيداً كيف يصغي بانتباه إلى احتياجات (الآخـر ) المعمارية ، وهمومه البنائية ، وسيان عنده ( الآخر ) : أكان مـثقفاً أم متواضع الثـقافة ! .

ومع حرصه على المشاركة النشطة بالعمل التصميمي لمختلف المشاريع التي يدعى إليها ( وكان آخرها مشاركته في مسابقة لتصميم مسجد خاص ) ، مع ذلك فانه لم يهب العمارة كل وقته ، فهو مقتنع قناعة تامة بأن مدى الحياة الإنسانية أوسع بكثير من أن تختزل أو تقتصر على اهتمامات مهنية أو حرفة وحيدة ، وطبقاً لهذا ، فهو ينزع لأن تكون اهتماماته متعددة ومتشعبة ، فهو مقاول متميز ، وإداري كبير ، كما أنه قاريء جيد للأدب العالمي ومتذوق للموسيقى ، ويجد متعة كبيرة في لقاء ومحادثة الآخرين ، فضلاً عن غرامه بأغاني ( أم كلثوم ) وكذلك عشقة بأشياء أخرى عديدة .

لقد أوصل جعفر علاوي بعمله الدؤوب والرائد المهنة المعمارية في العراق إلى مستويات جد عالية ، وجعـل من النشاط التصميمي شأناً مهنياً مرموقاً ، معرفاً فئات عديدة من المجتمع المحلي بأهميـة العمل المعماري وتنظيم الخبرة الاستشارية ، وهو بعمله هذا قد فتح له وللآخرين مسالك وطرق عديدة في تكريس وإرساء فعالية النشاط المعماري الحديث وتنظيم المهنة الاستشارية الجديدة في العراق .؟؟

 

د . خالد السلطاني

مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون

كوبنهاغن – الدانمرك

 


 

انثولوجيا آسرة للرسام فيرناند ليجيه في متحف ليون

ترجمة: زينب محمد/عن لموموند

اعتبرت الاوساط الفنية الرفيعة التي حضرت معرض الرسام الفرنسي فيرناند ليجيه، الذي أقيم احتفاءاً بالمعرض الذي اقيم في المكان نفسه (متحف ليون عام 1955 وكان آخر معرض للفنان في حياته ـ اذ توفي في آب عام 1955) معرضاً غير شامل، فقد افتقد محبو هذا الفنان بعض اعماله التي ينظرون اليها باعتبار كبير مثل (اناء الغلي) ـ طبيعة ميتة) والمنجزة في عام 1918.

تكمن عبقرية فيرناند ليجيه في قدرته التشكيلية بجميع عناصر متنافرة ومتباينة بل متغايرة او لا يمكن تعيين هويتها، فهو يستطيع تكوين لوحة مثالية من خلال صفاء وشفافية تتظيمها وعلاقاتها اللونية المثيرة.

ضم متحف ليون المعرض الذي احتضن عشرين لوحة لـ (ليجيه) لكن الملاحظة تظل نفسها، فقد كان منظمو المعرض يخشون من فشله، إلا انه حقق نجاحاً منقطع النظير.

في صالة اناء الغلي، كانت لوحة (العلم) المرسومة عام 1919. بثلاثة الوان، طبعاً، اذ كان لجيه محارباً قديماً في (آرغون) و(فيردان).

والعالم ينحني كما لو كان يرقص، وثمة اشكال مستطيلة سود تتناسق مع الكل دون ان تضر بالهارموني، وحروف صفراء وبنفسجية خطت كلمة غير كاملة وغير مقروءة، لقد كان العرض احتفاءاً وطنياً مؤثراً.

وفي احدى لوحاته (الشجرة) في (السلم) المرسومة في الولايات المتحدة الاميركية في عام 1943 أو 1944، والشجرة عبارة عن قرن ضخم وغريب ينتهي بنتؤات، يمكن ان نرى فيها ثمارا، وزهوراً، وهي نوع من الصبار وتمر عبر اطار من الخشب وتصعد على اشكال مربعة وغريبة وتحددها دوائر، اشبه بسلم، ان شئت، بل هو عالم البناء الانساني الذي تنمو فيه الشجرة رغم كل شيء وترمي بنهايتها بين حواجز السلم كما لو كانت حواجز زنزانة. لم يكن الفنان فيرناند ليجيه بحاجة الى رموز شديدة الوضوح ليلود علاقات بين الخطوط المستقيمة والمنحنية، بين الالوان الخضر والحمر.

في المعرض فجوات وثغرات في تسلسله التأريخي إذ كان من الصعب الحصول عل اعارة اللوحات الكبرى التكعيبية التأريخية ولوحة (تضاد الاشكال) او (لاعبي الورق).

اما الصالات الاولى من بداية عام 1905 وحتى آب 1914 ـ فقد بدأت بالمساحات

وكتابات جميلة ورقيقة.. مثل لوحة (المرأة القائمة) عام 1913 ولوحة (14 تموز) لعام 1914.

بعد الحرب لم تعد الفترة الميكانيكية ولا تواطؤ ليجيه مع التجريد مهمة: مثل لوحة (الاسطوانات في المدينة) عام 1920 ولوحة (تركيب هندسي واحد) عام 1924، وعلى العكس لم تكن لوحات النساء ذات الوجوه البيضوية، والشعر  المائج، والصدور المتكورة قليلة في هذه الفترة. وكذلك الفتيات السمداوات في ملابس البحر الوردية والخضر وهي آخر لوحات ليجيه، هذا الذي صنع في عام 1950 لوحة احبتها الجبهة الشعبية ولم يحبها الحزب الشيوعي الفرنسي، على الرغم من ان الفنان انتمى للحزب لدى عودته من منفاه في امريكا عام 1945.

اذا فهذا المعرض ليس معرضاً استعادياً تأريخياً بقدر ما هو انثولوجيا تجريبية. حملت معها روائع فنية ومفاجآت كثيرة وغرابة ايضاً جمعت هذه الانثلوجيا ستين عملاً فنياً بعضها من متحف (بيو) الخاص باعمال ليجيه والمتحف الوطني للفن الحديث، ومتاحف من بروفانس، ومن غاليرهات ليريس، في باريس وفي بايلر وبال.

ولهذين الاخيرين فضل كبير لتعاونهما في تقويم اندر الاعمال الفنية (طبيعة ميتة) عام 1927 وهي لوحة باذخة.

ولوحة (اناء الغلي) العمل الذي لا يمكن ان تفهمه بسهولة، لكن هكذا هو ليجيه يجمع المتضادات غير المفهومة مع بعضها في لوحات آسرة ومثيرة للاعجاب.


ريمون موريتي مصمم القصائد الصورية

ترجمة جودت جالي

ربما كان أبرز جوانب مسيرة ريمون موريتي الفنية كونه مصمم أغلفة مجلة (مغزين ليتيرير) الادبية الفرنسية، ومنذ ان صمم أول غلاف (عدد حزيران عام 1972 وكان بورتريه للكاتب فيليب سولير).

أصبحت تصاميمه جزءا لا يتجزأ منها بحيث يصعب الآن تصور المجلة دون غلاف موريتي في مغامرة لا مثيل لها في تأريخ الصحافة.

عندما أرادت بلدية باريس انشاء ميدان (الهال) عام 1979 طلبت من موريتي في مغامرة لا مثيل لها في تاريخ الصحافة.

عندما أرادت بلدية باريس انشاء ميدان (الهال) عام 1979 طلبت من موريتي ان يرسم جدارية بطول أربعين متر وأرتفاع أربعة أمتار وكان ذلك تحدياً حقيقياً، فتخيل لها قصيدة صورية واسعة تتبع تاريخ الانسان منذ بداية وجوده الى عصر موريتي، اتحاد بين ماض يمحي ومستقبل مجهول في قلب مدينة باريس. قبل هذا كان قد وضع (حكاية) الانسان عام 1976 في مسقط راسه (نيس) بجدارية متحف (تيرا آماتا) وهو في الاصل موقع أثري عمره 40000 سنة حيث عثر على بقايا معسكر لصيادي الفيلة والغزلان. في تلك الجدارية وضع جمجمة أنسان توتافيل الكاتالاني القديم وهو أقدم انسان أوروبي معروف مضى عليه 50000 عام وأبرز فكرة أن عدد السنين لا يعتد به.

في الجدارية الباريسية عاد موريتي الى حكاية (تيرا آماتا) تلك ولكنه هذه المرة وضع في عمله الحصيلة الثقافية البشرية كلها من رسم وموسيقى وكتابات، تطور العالم كله مرسوم بالزيت عمل عليه تسعين يوماً ومنذ أن انجزه قبل حوالي ربع قرن شاركه ملايين الناس الذين مروا بالنصب الصوري في تأمل هذا التأريخ. عند اعادة بناء ميدان الهال عام 2000 طرح سؤال نفسه.. ماذا يفعلون بشأن (جدار) موريتي؟ في أي مكن يضعونه؟ وجاء الجواب سريعاً.. ينقل الى متحف توتافيل المركز الأوروبي لما قبل التاريخ ويعاد تسميته باسم (الألف باء).

لم يكن أذن دور موريتي يقتصر على تصميم غلاف مجلة بل تعداه الى النصب وحتى تصميم الطوابع فسلسلة الطوابع الستة المسماة (نجوم الجاز.. آرمسترونغ، أيلا فيتزجيرالد، بيتروشياني، بيشيت، غرابيلي، النغتون) تحمل توقيعه.

يوجد في باريس معرض دائم لأعمال موريتي (عرض بيع) يرجع بعضها الى بداية الستينيات حين عمل مع كوكتو على ابداع اللوحة الضخمة (عصر برج الدلو)، تتلاقى الابداعات بين اصابع موريتي، وفي هذا المعرض الذي هو اصلاً جزء من مسرح خصصه له مالكه نجد أيضاً مئات التصاميم التي لم يقع عليها اختيار هيئة تحرير المجلة فهو يقترح عادة عدة تصاميم تختار منها الهيئة واحداً وهي بمثابة عدة تطبيقات على ملفات المجلة.. كيف يعبر مثلاً عن السأم وكيف يرمز لعلم الظواهر وكيف يرى كوكتو وما هو فهمه لأدب فكونر؟

انه فنان مبدع على اية حال!

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة