تحقيق/صائب ادهم
تصوير/نهاد العزاوي
انهم صبية في عمر الورود. لكن وراء كل مجموعة منهم يقف (حوت) كبير..
تراهم في كل الشوارع وفي كل الساحات وعلى امتداد الارصفة يبيعون (البنزين)
و(الكاز).. كل واحد منهم يقف الى جانب عدد من (الدبات
البلاستيك) وبيده قنينة بلاستيكية يلوح بها للسيارات التي
تمر امامه..
كم سعر الدبة..؟
السعر يتوقف على حجم (الدبة) ويتراوح هذا الحجم من 5 ـ 20 لتر ومن 20 ـ
60 لتر. واسعارها ترتفع عند (الازمات).
وتنخفض بعض الشيء في الحالات العادية. أي توفر (البانزين) في محطات الوقود.
ففي الازمات يرتفع سعر (الدبة) حجم 10 لتر الى 10 آلاف
دينار، وسعر الدبة 60 لتر يصل الى 20 ألف دينار اما في
الاحوال الاعتيادية فالاسعار تتراوح ما بين (5) الى 20 ألف
دينار والاسعار تتباين أيضاً بالنسبة للبانزين المحسن
و(البانزين) العادي.
وفي محطات الوقود سعر اللتر المحسن (50) ديناراً وسعر اللتر الواحد العادي
20 ديناراً. ويشكو بعض اصحاب المركبات من عدم وجود
(البانزين) المحسن حيث يؤدي ذلك الى الحاق اضرار بمحرك
السيارة وانخفاض معدل سرعتها.
حالات اضطرارية
سألت احد سواق (التاكسي) عن السبب الذي يدعوهم لشراء (البانزين) من الباعة
المتواجدين في الشوارع. قال: حالات اضطرارية تدعونا الى شراء
الوقود من هؤلاء الباعة. خاصة اصحاب المركبات التي ينفذ
وقودها وهي في عرض الشارع. ولا توجد محطة وقود قريبة منه او
ان يحمل رقماً فردياً والتزود بالوقود في ذلك اليوم للارقام
الزوجية او العكس. اذن في مثل هذه الحالات لابد من اللجوء
للباعة المتواجدين في الشوارع.
وسائق تاكسي آخر برر لجوءه الى شراء (البانزين) من خارج المحطات قائلاً:
الشراء من المحطة حالة ومتعبة ومجهدة ومملة. انها مضيعة
للقوت وتحطيم للاعصاب.
وسائق (تاكسي) آخر قال: ان عدم حصولي على الوقود يعني أنني اصبح في ذلك
اليوم عاطلا عن العمل. وان حصلت عليه بعد صبر طويل مع طوابير
السيارات الاخرى التي تنتظر دورها في المحطة، يصبح الشارع
خالياً من أي زبون، خاصة (الموظفين). فيذهب انتظاري سدى
ويكون الوقود قد استنفد بسبب تجوالي في الشوارع بحثاً عن
زبون وان عثرت عليه اتقبل منه أي مبلغ يعرضه علي، بلا مساومة
ومهما كانت المسافة طويلة.
كيفية الحصول
وجهت هذا السؤال لاحد سائقي (التاكسي)، قال: لا تعجب اذا اخبرتك ان هؤلاء
الباعة (الصغار) يتعاونون مع بعض من سواق (التاكسي) والبعض
من اصحاب المركبات الخاصة. فهؤلاء يمونون مركباتهم
(يفولونها) من محطات التعبئة ويبيعون ما في مركباتهم الى
اولئك الباعة لقاء عملة او اسعار يتفق عليها واوضح لي ان
محطات التعبئة تمتنع الآن عن ملء (الجليكانات) وفقاً
لتعليمات وزارة النفط. ولهذا لجأ باعة الشوارع الى الالتفاف
على قرار المنع عن طريق الاتفاق مع بعض اصحاب المركبات وصار
كل منهم عميلا للآخر.
وسائق (تاكسي) ثالث ـ لم يشأ هو ان يذكر اسمه قال لي: ان الشرطة او وزارة
الداخلية مهملون في مراقبة هذه العملية وأوضح انه سبق ان
قامت الشرطة قبل مدة من مداهمة باعة الشوارع ومنعتهم من
ممارسة عملهم ـ اللاقانوني ـ وامتثل هؤلاء الباعة لأوامر
الشرطة لكنهم عادوا الى ممارسة عملهم مرة أخرى بعد هدوء
الزوبعة وتراخ المراقبة.
واعادني سائق (التاكسي) هذا الى تذكر ازمة (البانزين) الحادة قبل عدة شهور
اواخر عام 2003 مشيراً الى ما قامت به قوات التحالف آنذاك من
اجراءات للقضاء على ظاهرة باعة الوقود (الرصيفين) حيث قامت
هذه القوات.
بـ (طعن) الدبات البلاستيكية بالسكاكين والحربات العسكرية فيتدفق
(البانزين) الغالي نحو الاسفلت والمجاري، وهذه العقوبة رغم
قساوتها فانها قد ادت الى ان يبقى الوقود في خزانات المحطات
وتم الحفاظ عليه واضاف، بعد مدة وجيزة عاد كل شيء الى حالته
السابقة. وبررت يومها مصادر في التحالف موقفها قائلة: ان
مكافحة باعة الارصفة ليست من مهمات قواتنا وقال احد ضباطهم
ان على العراقيين ان يكافحوا هذه الظاهرة ويحافظوا بانفسهم
على اقتصادهم الوطني..
حالة مستمرة
واليوم تستمر حالة السوق (البانزينية) السوداء. وترى الآن الباعة الصغار
اكثر انتشاراً في الشوارع مدعومين من أيادي خفية ممكن ان
نسميها مافيا البانزين و(الكاز). ويمكنا الآن بكل وضوح رؤية
سيارات (بيك آب) محملة بعدد من (براميل الكاز) تطوف الشوارع
الرئيسة وتتخذ من بعض الساحات وخاصة عند (كراج لبياع) محطات
بيع.
وأوضح لي احد سواق (التاكسي) ـ لم يشأ هو الآخر ذكر اسمه ـ قائلاً: ان بعض
من سواق (التاكسي) او المركبات الخاصة يوجد عندهم (رقمين)
لمركابهم، زوجي وفردي يمكنهم من الحصول على الوقود من محطات
التعبئة يومياً. واضاف ان هؤلاء من ذوي الرقمين لا يعملون في
الشوارع لانهم يكسبون من بيع (البانزين) من مركباتهم لباعة
الطريق. وشعارهم اذا ما سألتهم عن تصرفهم هذا الذي يساعد على
انتعاش السوق السوداء يردون عليك: ان هذا العمل احسن من
التجول في الشوارع ومناطق الاسواق وزحام المرور والتوقعات
(القاتلة).
وسألته: في رأيك ما دور شرطة المرور في الحد من ظاهرة باعة الوقود على
الارصفة؟ قال: ان تخفيض الزحام من شأنه ان يقضي على هذه
الظاهرة الاحتكارية ويساعد على انتشال اقتصادنا الوطني من
كبوته.
مع مسؤولي محطات التعبئة
لصلة الموضوع بمسؤول محطات التعبئة التقينا السيد عدنان عبد الحسين مسؤول
محطة تعبئة السعدون.
أكد في جملة قصيرة (اننا محطة تابعة لوزارة النفط). وتمنع ضوابطها
وتعليماتها ملء (الجليكانات) لأي شخص اوجهة. ويتم تموين
المركبات وفق الارقام. يوم فردي ويوم زوجي.
وفي لقاء آخر مع مدير محطة تعبئة ساحة الحرية ببغداد اكد لنا:
ان سواق المركبات الذين يبيعون وقود سياراتهم لباعة الشوارع، امر يخصهم
ونحن لا (نفول) أية مركبة في غير موعدها حسب نظام الفردي
والزوجي.
وبالنسبة لمن يحملون رقمين، فهؤلاء سيخضعون للمساءلة القانونية عند اكتشاف
امرهم وان شك احد عمالنا بأية مركبة، فانه يطالب صاحبها
بالسنوية ليتأكد من رقمها.
سيارات الصهاريج
شكا لنا احد سواق السيارات ـ الصهريج ـ تعرض سياراتهم للتسليب من قبل اشخاص
مسلحين بخاصة عند مرور الصهريج على الطرق الخارجية في طريقه
للتفريغ في المحطة. ووصف عملية (التسليب) بانها اعتداء على
كل الثروة الوطنية، وطالب وزارة النفط والاجهزة الامنية
بتشديد الرقابة على هذه الطرق لحماية الصهاريج.
باعة الوقود
التقينا اثنين من باعة (البانزين) في الشوارع وسألناهما:
هل تحققون ربحاً عن عملكم، وهل تتعرضون الى مساءلة من رجال الشرطة
اجاب احمد سكران طالب في الصف الثالث الابتدائي: لقد تركت المدرسة لأوفر
لعائلتي متطلبات المعيشة. ولو وجدت عملا لما اتجهت الى بيع
(البانزين) بطريقة غير قانونية واوضح ان عددا من المركبات
العسكرية الأمريكية اعترضته وصادرت بضاعته واحتجزوه لمدة من
الوقت.
وسألته: أين يا ترى احتجزوك؟ قال في احدى مركباتهم وتجولت معهم في عدد من
الشوارع ثم اعادوني الى مكاني.
والبائع الآخر ـ علي حسين عمره 19 سنة ـ قال وهو يقسم قسماً غليظاً: لو
وجدت (شغلة) لما مارست هذا العمل. على الرغم من انني احقق من
ورائه ربحا.
كانت اجابات مقنعة ولكن...
أخيراً.. ملاحظة لأمانة بغداد
ليس هدفنا من هذا ـ التحقيق ـ الصحفي ان نكشف جوانب من عملية انتشار ورواج
عملية بيع الوقود (البنزين والكاز) في الشوارع.
فان هذه العملية تدعوني الى لفت نظر أمانة بغداد الى ما حل في شوارعنا
وارصفتها من تلوث (وقودي) جعل بعض المناطق تبدو وكأنها ارضية
(كراج) خربة اختلط فيها الوقود بكل مشتقاته ودهونه.
بالتراب ـ حتى صارت الارصفة تحتاج من قبل السائرين عليها ان يمارسوا اولاً
تمارين في القفز والحذر من التزحلق.. ثم الكارثة بلا شك
اقترح على امانة بغداد تثبيت لافتات المواطن (دون كلمة
رجاءً) تتضمن: احذر أمامك موقع لبيع الوقود والكاز ودهون
المحركات لكيلا تعثر في (الدبة) او تهوي (الدبة) عليك!
|