الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

الأولمبي العراقي الذي أسعدنا هو فريق الوحدة الوطنية عن حق هزم فرقاً قوية كما هزم الظروف السيئة خسرنا أمام البارغواي الذي كان قد فاز على البرازيل مرتين!

خالد محفوظ

تختتم مساء اليوم في العاصمة اليونانية (أثينا) دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لتطوي المشاركة الرياضية العراقية صفحة جديدة في سجل مشاركاتها الشرقية مشيرة باستحياء إلى الوسام الأولمبي الوحيد الذي حصل عليه الرباع عبد الواحد عزيز قبل ما يزيد على الأربعين عاماً. غير أن التغيير الإيجابي هذه المرة جاء على أيدي نجوم منتخبنا بكرة القدم، فبعد غياب هذا الفريق عن الدورات الأولمبية منذ عام 1988 إذ كانت مشاركته الأخيرة في دورة سيئول، رسم هذا الفريق صورة متألقة في ملاعب سالونيك وهيركوليز وكريت جعلت من الجميع يقف احتراماً لإمكانيات هذا الفريق وكفاءته وكفاءة مدربه الكفء عدنان حمد صاحب اللبنة الأساسية في البناء والإعداد السليم لهؤلاء النجوم يوم جمعهم قبل ستة أعوام في منتخب الناشئين الذي شارك في بطولة آسيا عام 1998 وعلى الرغم من خروج الفريق من دور الثمانية آنذاك فقد استبشر الجميع خيراً به وفعلاً بعد مرور عامين فقط كان حمد يقود اللاعبين ذاتهم إلى العاصمة الإيرانية طهران ليحرزوا كأس آسيا للشباب نهاية عام 2000 وهو الإنجاز الأكبر للكرة العراقية في تلك الأيام وعلى مدى عقد ممن الزمان وفي منتصف العام الذي تلاه كان تلامذة حمد على موعد مع بطولة العالم للشباب في الأرجنتين قبل أن يصبحوا بعد عودتهم اللبنة الأساسية للفريق الوطني المشارك في تصفيات كأس العالم 2002 والذي أحرز فيما بعد بطولة غرب آسيا الثانية في العاصمة السورية دمشق لذلك لم يكن أي أحد يشك في إمكانية هذه النخبة من النجوم وملاكهم التدريبي القدير على تجاوز التصفيات الأولمبية الأولية والتأهل لدورة أثينا في ظروف عصيبة معروفة للجميع. وكان أبطال منتخبنا الأولمبي عند الوعد فحجزوا مكانهم تحت شمس أثينا.

كان الجميع يساوره القلق، فماذا يمكن لمجموعة من الهواة أن تفعله أمام الفرق المنافسة وجل لاعبيها من المحترفين، وكان التساؤل الأهم يدور عن مباراتنا الأولى مع البرتغال ثانية أوربا، فقد ذهب الفريق الأولمبي نفسه للمشاركة في بطولة آسيا فخرج من الدور الثاني بخسارة كبيرة أمام البلد المضيف، وأظهر في البطولة ضعفاً دفاعياً واضحاً وقلة حيلة هجومية وغياب اللاعب القائد داخل الملعب أدى إلى عدم سيطرة بعض نجوم الفريق على أعصابهم في الأوقات الحرجة.

لا شك في إن غياب الدوري عندنا منذ قرابة الموسمين وعدم قدرة الاتحاد المحلي على إقامة أية بطولة بسبب الظروف الأمنية التي كانت تشكل حجر عثرة أساسياً لعملية الإعداد، والتدريب القاصر الذي كان يجري في ملاعب أغلبها غير نظامي، وتقاسم ملاعب الغير.. كل هذه الأسباب خلقت حالة من عدم التفاؤل، وكان من المفهوم أن الفريق ذهب إلى أثينا لكي يشارك ليس إلا.

كان أشد المتفائلين فينا يمني النفس بأن ينجح فريقنا الأولمبي في الارتقاء لدور الثمانية الذي سبق لنا أن ذقنا طعم اللعب فيه مرة واحدة في موسكو عام 1980، ثم ودعناه مسرعين آنذاك على يد ألمانيا (الشرقية) بخسارة ثقيلة بلغت أربعة أهداف دون مقابل، سجلت جميعها في الدقائق الخمس عشرة الأولى، لكن مع صافرة البداية للقائنا الأول مع البرتغال اتضح للجميع مدى الإصرار والعزيمة التي يمتلكها الإنسان العراقي والتي جعلته يتسامى مع كل آلامه وجراحاته ليحلق مزهواً بنفسه وسط بحر ليس له نهاية من التحدي، وكان نصرنا الأول قد لقن المدرسة البرتغالية وطلابها درساً قوياً في فنون الكرة وأصول لعبها ومعنى الإرادة والغيرة والوحدة التي أنتجت لنا أربعة أهداف كانت بإمضاء كربلائي وموصلي وكركوكلي ليؤكد هؤلاء الفتية بالفعل لا بالقول إنه فريق الوحدة الوطنية، فريق العراق من أقصاه إلى أقصاه، كما أكدوا في الوقت نفسه علو كعبهم وقدرتهم على قهر الظروف التي كانت في رأي الكثيرين هي الخصم الأول لفريقنا الأولمبي وليس الفرق المنافسة، ومع دعاء الطيبين من أبناء العراق كان أسود الرافدين يقتحمون أسوار كوستاريكا في منازلتهم الثانية مصرين على قطف ثمار ما زرعوه في اللقاء الأول والمرور من البوابة الكوستاريكية لدور الثمانية وهو ما تحقق فعلاً هذه المرة وبهدفين نظيفين جعلا سماء بغداد الجريحة وكل محافظات العراق تلتهب فرحاً بأبنائهم حملة راية العراق في أكبر محفل رياضي عالمي على الإطلاق، وهذا الفوز كان كافياً لإدخال البهجة والطمأنينة في نفوس الجميع على فريقهم الرائع الذي أصبح مقعده في الدور الثاني محجوزاً بصرف النظر عن نتيجة مباراتنا الثالثة مع المغرب التي كانت مجرد تكملة فرض لا أكثر ولا أقل فاستغلها المدرب حمد لإشراك جميع من لم يشارك في المباراتين الأوليتين، كما طلب من لاعبيه عدم اللعب القوي للابتعاد عن الإصابات أولاً والانذارات ثانياً فكان من المنطقي أن لا نحصل على النقاط الثلاث في تلك المباراة التي أعلنت نهايتها صعودنا كأول مجموعة لملاقات منتخب استراليا الأولمبي ثاني مجموعته، وكانت المواجهة الاسترالية تتطلب الحذر الشديد فالفريق المنافس يضم لاعبين يلعبون في أبرز الأندية الأوروبية وتحديداً الإنكليزية منها، كما إن البنية الجسدية للاعبي الفريق الاسترالي تميزت بالطول والضخامة، ثم مارس الضغط النفسي الذي مشلكته أخبار معارك النجف على اللاعبين وقلقهم الطبيعي على عوائلهم، كل هذه العناصر المقلقة كانت حاضرة وجاهزة تمارس تأثيرها السلبي في الفريق، إلا أن الفريق بدد جميع الشكوك وحقق ما كان يصبو إليه ومعه كل جماهير الكرة العراقية بالانتقال لدور الأربعة وهو إنجاز بحد ذاته لفريق يمر في تلك الظروف والحال إن الروح القتالية التي تميز بها الفريق عكست الروح الوطنية السائدة في بلدنا فكان أحد لاعبينا حين يسدد الكرة في تلك المباراة كنا نشعر بإننا نسددها معه، وعندما كان أحد الغيارى من نجومنا يقطع الكرة من المنافس كنا نشعر بإننا جميعاً نقف سداً منيعاً إلى جانبه، إزاء ذلك أظهر حارس مرمانا نور صبري شجاعة لا يملكها إلا العراقي وقت الشدة وقطع الطريق أمام أعمدة الكهرباء الاسترالية ذات المنشأ الإنكليزي والأوروبي ليرتفع علم العراق من جديد مع صفارة الحكم وعلى أهازيج ثلاثة آلاف مشجع عراقي حضروا إلى ملعب جزيرة كريت اليونانية (حيو العراقي حيوه ما ظل فريق ما غلبوه) وكانت مشاعر الفرح والمحبة تنطلق من بغداد وكل مدن العراق في تلك الليلة لتختصر المسافات وتعانق أحبتها في أثينا بعد أن قطع نجومنا الغيارى بطاقة الدور النصف النهائي بكل جدارة واستحقاق ووسط إعجاب منقطع النظير من الجميع الذين بدأوا يتساءلون كيف يفعل أبناء الرافدين ذلك في وقت عجزت عنه أكبر الفرق العالمية في الوصول للبطولة مثل البرازيل وفرنسا وإنكلترا والتشيك، بل إن فرقاً لديها إمكانيات أكبر بكثير في الجانب المادي والإعدادي والتقني مثل البرتغال والمغرب واليابان وصربيا وتونس فشلت في اجتياز الدور الأول ولم تكن مباراتنا مع بارغواي في الدور النصف النهائي سوى محطة جديدة لتأكيد مدى ما وصلته الكرة العراقية من إيجابية في هذه المشاركة فخسارة المباراة لا تعني على الإطلاق إننا كنا سيئين بل إن العكس صحيح فمن خطأ دفاعي وتحكيمي في الوقت نفسه أحرز البارغوانيون هدفهم الأول بالطريقة نفسها عززوه بهدف ثان، وبين هذين الهدفين أضاع لاعبونا أكثر من فرصة للتهديف بعضها كان محققاً ولم يكن غريباً أن يستغل الفريق المنافس اندفاع لاعبينا في الشوط الثاني بشن هجمات مرتدة ينتج عنها هدف وهو ما حصل فعلاً، فمن المنطقي أن نندفع للهجوم محاولين التقليص أولاً والحصول على التعادل ثانياً، وضاعت من جديد عدة فرص قبل أن ندرك هدف الشرف في ذلك اللقاء، لكن دعونا لا نخلط الأخضر باليابس، ففريق البارغواي كان قد فاز هذا العام مرتين على البرازيل، في بطولة أمريكا الجنوبية قبل شهرين بنتيجة (2 - 1) وهي البطولة التي أحرزتها البرازيل فيما بعد، والثانية في تصفيات الدورة الأولمبية نفسها وأيضاً بنتيجة (2 - 1)، كما إن اللقاء الثالث بينهما هذا العام انتهى بالتعادل (1 - 1) وأقيم حينها في البرازيل أي إن البارغوانيين لم يخسروا في ثلاث لقاءات متتالية مع البرازيل بطلة العالم وأمريكا الجنوبية، بل فازوا عليها مرتين، فمن حقنا وحق لاعبينا الغيارى أن نهنئهم ونهنئ أنفسنا بالإنجاز الكبير الذي حققوه، فليس من السهل إطلاقاً أن تصبح واحداً من أفضل أربعة فرق كرة قدم في الدورة الأولمبية خصوصاً في ظل التطور الكبير الذي تشهده كرة القدم العالمية، ولعل واحداً من أهم الإنجازات التي ستجنيها الكرة العراقية في المستقبل القريب هو انفتاح أبواب الاحتراف الحقيقي والفعال على مصراعيه أمام نخبة كبيرة من نجوم منتخبنا الأولمبي بعد عروضهم الرائعة في الدورة الأولمبية، إذ أبدت عدة أندية أوروبية من ألمانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان اهتماماً كبيراً بهذا الموضوع الذي سيفتح بلا شك في حالة حدوثه أبواب العالمية على أوسع مدياتها أمام الكرة العراقية، أما المشاركة في بقية الألعاب في الدورة الأولمبية فلم تكن في الحقيقة سوى نزعة لرياضيينا وإدارييهم وكانت مساوئها أكثر بكثير من فوائدها ولولا النتائج الباهرة لفريق كرة القدم لكانت سيوف الإعلام الرياضي تقطع الآن أوصال المشاركة الخائبة لبقية الألعاب.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة