وزير بريطاني سابق: عيون العرب
مسمّرة على ايران
بقلم:
مالكولم رفكايند *
ترجمة: عبد علي سلمان
*كاتب
المقال مالكوم رفكايند
كان وزيراً للخارجية 1995 - 1997 .
في
وسط المعركة بين اسرائيل وحزب الله ومع الصواريخ التي
تتساقط على حيفا والقنابل المتساقطة على بيروت، حدث تطور
غير مألوف لم يلق ما يستحقه من الاهتمام، لكنه برغم ذاك
جزء من اعراض التبدل الدراماتيكي احتل مكاناً في الشرق
الاوسط. فلقد قام نصف العالم العربي ابتداءً وبصورة غير
معهودة وبدبلوماسية لا تكاد تختلف، بتحميل حزب الله
مسؤولية هذه الازمة. ووسع الانتقاد ليشمل ايران وسوريا.
اما جامعة الدول العربية فقد دانت في اجتماعها الطارئ في
القاهرة هجوم حزب الله على اسرائيل واختطاف الجنديين
الاسرائيليين باعتبار أنه "تصرف مفاجئ وغير مناسب وغير
مسؤول". في حين وافقت مصر والاردن ومن المحتوم دول الخليج،
الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في رأيه بان
هجوم حزب الله "اعاد المنطقة كلها إلى سنين خلت وانما
ببساطة لا نوافق عليه (يقصد الهجوم)".
وبعد ايام اصدرت الحكومة السعودية بياناً قالت فيه ان حزب
الله و"اولئك الذين يقفون خلفه"يتحملون كامل المسؤولية
وسيتحملون عبء انهاء الازمة "التي قاموا بخلقها". وكان
تصريح الرئيس مبارك الموجز مساوياً لهذا الرأي.
وبينما شددت بعض الحكومات العربية في تعليقها على اسرائيل
(يدفعها إلى ذلك زيادة الخسائر بين المدنيين) فان من
الصعوبة المبالغة باهمية هذه التصريحات او باهمية الانشقاق
الذي ظهر في الشرق الاوسط. وفي ازمات مشابهة في الماضي،
كانت الحكومات العربية تشترك في ادانات "طقوسية" لاسرائيل
على الرغم من التفاوت في درجة الحماسة.
اما في هذه المناسبة فالوضع يختلف. اذ يتوجب علينا ان ندرك
ان لهذه التصريحات اهمية حقيقية. ذلك انها لا تدل على
تعاطف وجداني بين اسرائيل والمعتدلين من القادة العرب
والذي هو مثير للاعجاب. وتطور مثل هذا سيترك على المدى
البعيد صوراً مرعبة للخراب والمعاناة التي راحت تنتشر حول
العالم لتصل إلى الملايين من المسلمين. وعلى كل حال فان
الرد الاولي الصامت ليس دليلاً على ان الحرب العراقية
والحكومة الحليفة للامريكان في بغداد ستؤدي إلى تغيير
استراتيجي في المنطقة لدعم كبير لاسرائيل كما كانت تأمل
حكومة المحافظين الجدد الامريكية وتعتقد. وقد حدث العكس
تماماً.
اما سبب الانتقاد العربي لحزب الله ومؤيديه فيرجع إلى
الخوف من تنامي قوة ايران التي تساند حزب الله. ويالسخرية
الاقدار فان النتائج المهمة للسياسة الخارجية لادارة بوش
كانت تدمير العراق كقوة وسيطة وبروز ايران كقوة قائدة في
الخليج.
واستراتيجية ايران الراهنة هي السعي لتوسيع تلك القوة في
ارجاء الشرق الاوسط. وطوال السنين كانت هذه القضايا تبرز
تحت واجهات التنافس الطائفي. ففي المرحلة الاولى من الثورة
الايرانية بعد عام 1979 دعا اية الله الخميني الشيعة
للانتفاض وفرض انفسهم في العالم العربي. كان يطمح لهيمنة
شيعية من ايران شرقاً مروراً بالعراق وسوريا إلى لبنان على
البحر المتوسط.
لقد حذر الملك عبد الله من هلال شيعي. اما الرئيس حسني
مبارك فكان مغتاظاً من الشيعة في ارجاء المنطقة كلها بقوله
ان الشيعة في ارجاء المنطقة كلها بقوله ان الشيعة في
العراق وفي كل مكان اكثر ولاءً لايران قياساً بولائهم
لاوطانهم.
لكن الحقيقة تختلف كثيراً. فليس ثمة حرب بطور الاعداد
والايرانيون يعرفون ذلك جيداً. والشيعة في العراق يستمتعون
بالسلطة في بلدهم اكثر مما لو كانوا مرؤوسين من قبل رجال
الدين الايرانيين. وهذه الحال هي نفسها في أي مكان.
حتى بالنسبة لحزب الله (الذي هو حليف مقرب لايران وينظر
إلى آية الله خامنئي على انه مرشده الروحي)، فلا يجب النظر
إليه على انه مجرد جزء من المخطط الشيعي الاكبر.
وعلى اية حال، وعلى الرغم من عدم وجود حرب دينية بين
المسلحين لا في الوقت الحاضر ولا هي في طور الاعداد، فان
هناك صراعاً سياسياً من اجل السلطة والسيطرة. ان ايران
الان هي في نفس الوضع الذي كان فيه الاتحاد السوفيتي عندما
تسلم ستالين السلطة. وقد تبرأ ستالين من الايمان بالثورة
العالمية التروتسكية برغم بقاء الشعارات والتعابير
البلاغية. لقد انقلبت قوة الثورة إلى الداخل واتخذت شكل
مجاعات مفروضة وعرض محاكمات اما خارجياً فقد احتلت المصالح
القومية للدولة السوفيتية (التي خلفت الامبراطورية الروسية
القديمة) مكان الشيوعية العالمية.
وكانت الدولة السوفيتية هي اول من تحالف مع المانيا
النازية لتقسيم بولندا ودول البلطيق.
كل ذلك لتقاتل هتلر بعدها وتبدع الستار الحديدي وتهيمن على
وسط وشرق اوربا. لقد كان الاتحاد السوفيتي هو القوة
العالمية العظمى وليس الشيوعية العالمية.
وبنفس الطريقة فان ايران تسعى لتكون القوة الاقليمية في
الشرق الاوسط. وستستخدم أي حلفاء تعثر عليهم، وليس مفاجئاً،
فان ذلك سيكون اكثر يسراً مع الجماعات الشيعية في العراق
ولبنان والذين هم مضطهدون تقليدياً لكنهم الآن يؤكدون
قوتهم.
وبالنسبة لمصر، وهي القوة التقليدية المهيمنة في العالم
العربي، فان ذلك بمثابة خطر مباشر ولا تملك إلا القليل
لتفعله بخصوص الدين. وذلك هو خطر ايضاً بالنسبة للعربية
السعودية التي تطمح لقيادة الخليج، وعليه يجب مقاومة
الطموحات الايرانية. اما حزب الله وهو احسن الاحوال محرض
خطر، وفي اسوأ الاحوال هو عميل لايران فيجب تهميشه اذا لم
يمتد تأثير ايران وقتها إلى البحر المتوسط.
ان الصدام بين ايران وسوريا وحزب الله من جهة ومصر
والعربية السعودية والاردن من جهة اخرى ليس بالنزاع المؤقت
الذي يمكن تغطيته والتستر عليه. واللغة المكشوفة التي
استخدمت في اجتماع الجامعة العربية الاخير يظهر انها ستكون
معركة بالايدي المجردة.
وكل ما جرى ليس مهماً لاسرائيل وحدها، بل انه ذو فائدة
سياسية كبرى للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد
الاوربي والامم المتحدة في كفاحهم في منع ايران من ان تكون
قوةً نووية.
وهناك اقطار مثل مصر وتركيا والعربية السعودية مهتمة كثيراً
بهذا الشأن وليس امراً غير معقول انها قد تسعى لتكون دولاً
نووية لحماية انفسها من ايران.
وليس ببعيد قيام هذه الدول بالتعبير عن قلقها سراً او
بفترات متقاربة. ومن المحتمل ان معارضة هذه الدول لايران
نووية سيكون عنصراً اساسياً في سياستها الخارجية. واذا
اظهرت الغالية من بلدان العالم العربي الدعم لزيادة الضغط
على ايران، فان روسيا والصين ستجد صعوبة في مقاومة
المقترحات الغربية. وان عملاً جدياً دولياً يتم من خلال
الامم المتحدة يطلب من ايران ايقاف برنامجها للتسلح النووي
سيكون احتمالاً واقعياً. وحينها ستكون المراهنة باهظة
الثمن ويجب ان تكون كذلك. |