اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

بعض خصائص الرئاسة والحكومة في الدولة الفيدرالية
 

د. فلاح اسماعيل حاجم*
*كاتب وأكاديمي عراقي في موسكو
يبدو ان دائرة القبول بالفيدرالية شكلا للدولة العراقية الجديدة باتت تتسع، ما يؤشر لحالة ايجابية في العملية السياسية الجارية في بلادنا في الوقت الراهن. واذا كانت الفيدرالية مرفوضة إلى وقت قريب، من قبل بعض المكوّنات السياسية الرئيسية وبذرائع مختلفة، فأن آراء المساهمين في الندوة العالمية حول الفيدرالية في العراق، التي انهت اعمالها في فينيسيا الايطالية تعبر عن فهم مختلف واكثر ايجابية (للفرقاء) السياسيين

حول المسألة التي اثارت جدلا واسعا في الاوساط السياسية العراقية (وغير العراقية) منذ السقوط المريع للنظام الشمولي السابق. من هنا ضرورة التحليل والبحث في الموضوعات المختلفة للفيدرالية، تأصيلا للوعي السيا- قانوني واسهاما في النقاش الايجابي حول هذه المسألة المهمة في حياة بلدنا السياسية.
تماما مثلما هو الحال في الدولة البسيطة يتربع قمة الهرم في الدولة الفيدرالية رئيس الجمهورية او الملك. وعادة ما يشغل هذا المنصب السامي في الدولة الملك او الرئيس بمفرده (في اغلب الدول البسيطة والفيدرالية)، او تناط هذه المهمة بجهاز للقيادة الجماعية (مجلس الاتحاد، مجلس الرئاسة، مجلس الحكام...الخ). وفي حالات نادرة عرف تأريخ القانون الدستوري بلدانا ذات سيادة يعتبر رئيسها من الناحية الشكلية ملكا لدولة اخرى (استراليا وكندا)، وربما كان ذلك امتدادا لتقاليد الانتداب الاستعماري المعروفة. واذا كان اسلوب الوراثة هو الاكثر شيوعا لتسلم الملك رئاسة الدولة، مع ما يرافق ذلك من اجراءات شكلية مثل البيعة والحصول على مباركة المؤسسة الدينية، فان الطابع الفيدرالي للدولة كان سببا في الشذوذ عن هذه القاعدة في دولتين عرفتا الملكية شكلا للحكم. ففي الامارات العربية المتحدة واستنادا إلى المادة 51 من دستور عام 1971 "ينتخب المجلس الاعلى للاتحاد، من بين اعضائه، رئيسا للاتحاد ونائبا لرئيس الاتحاد. ويمارس نائب رئيس الاتحاد جميع اختصاصات الرئيس عند غيابه لأي سبب من الاسباب.". فيما حددت المادة 52 فترة ولاية رئيس الدولة ونائبه بخمس سنوات قابلة للتمديد، ما يشكل خروجا على تقاليد الشكل الملكي للحكم الذي يفترض اضافة إلى التناوب الوراثي للعرش غياب التحديد الزمني لسلطة الملك. وهذا ما يمكن العثور عليه ايضا في ماليزيا، حيث يقوم تسعة من اعضاء مجلس الحكم الاعلى فيها (السلاطين) باختيار ملكا للبلاد من بين اعضاء ذلك المجلس، فيما يحرم دستور البلاد (لعام 1957) اربعة من اعضائه (محافظين) من حق التصويت.
اما انتخاب رئيس الجمهورية فيعتبر الاكثر انتشارا في البلدان الفيدرالية. ومثلما هو تأثير الشكل الفيدرالي للدولة الملكية على كيفية اختيار رئيسها، يترك (الشكل المساحاتي) للدولة بصماته على كيفية انتخاب رئيس الجمهورية ايضا. وقد اختلفت النظم الدستورية للجمهوريات التي يتولى فيها رئيس الدولة مسؤولياته منفردا، اذ لم يربط الكثير منها بين شكل الدولة وكيفية انتخاب الرئيس (روسيا الفيدرالية، المكسيك، البرازيل، فنزويلا، الارجنتين). اما في الولايات المتحدة الامريكية التي ينتخب رئيسها عن طريق الاقتراع غير المباشر فيمكننا تلمس التأثير المباشر لشكل الدولة الفيدرالي على كيفية اختيار هيئة الناخبين المؤلفة من 538 عضوا والتي يعادل عدد اعضائها عدد اعضاء برلمان الدولة (الكونغرس) بما في ذلك الاعضاء الثلاثة الذين ينتخبهم الجهاز التمثيلي لمدينة واشنطن خصيصا لتمثيل دائرة كولومبيا الفيدرالية في انتخابات رئيس الولايات المتحدة. فيما يتناسب عدد ممثلي كل ولاية في هيئة انتخاب الرئيس مع عدد ممثلي تلك الولاية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب، ما يعكس التأثير الواضح للترابط بين شكل الدولة الفيدرالي وانتخاب رئيس الدولة. وهنا اود الاشارة إلى ان فائزة في انتخابات هيئة الناخبين تعتبر القائمة التي تحصل على الاكثرية النسبية من اصوات ناخبي الولايات، فيما يكون مجلس الشيوخ المحطة النهائية لاعادة التدقيق في نتائج الانتخابات التي كانت قد عدت من قبل اللجان الانتخابية في الولايات نفسها، ما يؤكد اثر الطابع الفيدرالي في هذه المسألة ايضا. ويبدو ان تأثير الشكل الفيدرالي للدولة على كيفية انتخاب الرئيس الاكثر وضوحا في كل من جمهورية المانيا الفيدرالية والهند، حيث ينتخب الرئيسان في كليهما من قبل هيئة انتخابية مختصة يمثل جزءا من اعضائها اطراف الفيدرالية (الاقاليم والمقاطعات). ففي المانيا الفيدرالية تتألف هذه الهيئة من اعضاء المجلس الادنى للبرلمان (البوندستاغ) كمجلس تمثيلي لعموم مواطني الدولة وما يماثلهم بالعدد من ممثلي الاطراف الفيدرالية (تسمى الاراضي الفيدرالية في الادبيات الالمانية)، والذين ينتخبون خصيصا لهذه المهمة شريطة ان يتطابق عددهم مع عدد ممثلي المقاطعة في البندوستاغ. ما يؤمن المساهمة العادلة لمواطني الاقاليم (الاراضي) في اختيار رئيس الدولة الفيدرالية. اما في واحدة من اكبر الدول الفيدرالية مساحة واكثرها كثافة سكانية واعقدها تنوعا في التركيبة الاثنية والدينية والقومية وهي الهند، فانتخاب رئيس الجمهورية يتم من قبل الاعضاء المنتخبين في مجلس البرلمان (في البرلمان الهندي يوجد اعضاء غير منتخبين ايضا) وما يعادل عددهم من اعضاء مجالس الولايات المنتخبين ايضا، وليس من الضروري ان يتناسب عدد الاخيرين مع عدد ممثلي الولايات في برلمان الدولة الفيدرالي. وهذا ما يميّز اسلوب انتخاب الرئيس الهندي عن نظيريه الامريكي والالماني. ولم نجد في دستور العراق الدائم ما يؤكد على تأثير الشكل الجديد لدولتنا على اسلوب انتخاب رئيس الجمهورية، حيث نصت المادة (70- اولا) على ان " ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد اعضائه." فيما احالت المادة (69) مسألة الترشيح لمنصب الرئيس ونائبه (او نوابه) للتشريع الفرعي.
اثناء الحديث عن الترابط بين شكل الدولة وحجم الصلاحيات الموكلة دستوريا لرئيسها واساليب مزاولة تلك الصلاحيات لابد من الاشارة إلى انه ليس هنالك ثمة فروق جوهرية بين رئيس الدولة الفيدرالية ونظيره في الدولة البسيطة، ذلك ان حجم تلك الاختصاصات وشروط مزاولتها اكثر ارتباطا بشكل الحكم (برلماني، رئاسي، ملكي...الخ) منه بشكل الدولة (فيدرالية او بسيطة). ومع ذلك يمكننا العثور في حالات نادرة على عناصر ذلك الترابط في اختصاصات رئيس الجمهورية، ورئيس الدولة الملكية المنتخب (الامارات العربية المتحدة). ففي الجمهوريات الفيدرالية النصف رئاسية (روسيا مثالا) عادة ما يحتل رئيس الدولة موقعا يؤهله لأن يكون حكما بين اطراف الفيدرالية المختلفة (الجمهوريات والمقاطعات والاقاليم والدوائر الفيدرالية...وغيرها). حيث يمنحه الدستور النافذ استخدام صلاحياته، سواء بمبادرة شخصية منه او استجابة لنداء تلك الاطراف، للتوسط لحسم خلافات المكونات الفيدرالية او احالة النزاع إلى اجهزة القضاء المختصة (المادة 85). اما في الامارات العربية المتحدة فقد منح الدستور المجلس الاعلى للاتحاد ورئيسه امكانية " الرقابة العليا على شؤون الاتحاد بشكل عام " (الفقرة السابعة من المادة 47).
ان واحدا من اكثر مجالات اظهار سمات الدولة الفيدرالية في اجهزة الدولة وضوحا هو كيفية تشكيل اجهزة السلطة وخصوصا التنفيذية منها. فالمحافظون في كل من الولايات المتحدة الامريكية والبرازيل، ورؤساء السلطات التنفيذية للمقاطعات والاقاليم في روسيا الفيدرالية يتم انتخابهم من قبل سكان تلك الولايات والاقاليم والمقاطعات، فيما اوكل إلى التشريع الهندي مهمة تشكيل حكومات الولايات لبرلمانات تلك الولايات، مع عدم امكانية الغاء قراراتها من قبل اجهزة الدولة المركزية، ما يشكل ضمانة مهمة لتأمين استقلالية تلك الاجهزة في معالجة القضايا المحلية. اما في روسيا الفيدرالية فقد اعطى التشريع الفيدرالي الصادر في العام 1999 والمعدل في عام 2000 لرئيس الجمهورية ايقاف العمل بالقرارات الصادرة عن رؤساء المقاطعات، وحتى اقالة أولئك الرؤساء، لحين صدور قرار قضائي بشأنها اذا ما تعارضت قواعدها مع دستور الدولة اوالتشريعات الفيدرالية الاخرى. ويعتمد القضاء لحل الخلافات بين السلطات المركزية ومثيلاتها المحلية في كل من الولايات المتحدة الامريكية واستراليا. ويعرف التأريخ السياسي للولايات المتحد ة الامريكية لجوء رئيس الدولة إلى استخدام مبدأ التدخل الفيدرالي والاستعانة باجهزة الامن المختصة لاجبار بعض المحافظين العنصريين على تنفيذ القرارات القضائية حين رفض الاخيرين قبول اطفال المواطنين السود في مدارس الولايات الجنوبية. اما في الدول التي يعتمد فيها اسلوب تعيين محافظي الاقاليم (المحافظات في اغلب الاحيان) فعادة ما تقدم القرارات الصادرة عن أولئك المحافظين للمصادقة عليها من قبل رئيس الدولة (في الهند والباكستان مثلا). وفي هذه الحالة يكون من المتعذر على برلمان الاقليم اتخاذ الفيتو ضد مثل هكذا قرار.
ان واحدة من صفات الدولة الفيدرالية هي ثنائية منظومة اجهزتها التشريعية والتنفيذية، وفي بعض الاحيان القضائية ايضا. ففي الجمهوريات الرئاسية يعتبر جميع الوزراء مستشارين لرئيس الدولة، ولا وجود لمجلس الوزراء، ذلك ان السلطة التنفيذية تابعة بالكامل لرئيس الجمهورية (المكسيك، البرازيل، فنزويلا، الارجنتين، الولايات المتحدة الامريكية). اما في الدول الفيدرالية التي اتخذت من البرلمانية شكلا للحكم، وكذلك الجمهوريات الفيدرالية النصف رئاسية، فعادة ما يتم اخذ التكوينة الفيدرالية بعين الاعتبار عند توزيع الحقائب الوزارية، مع ان دستور الدولة يخلو من قواعد ملزمة بهذا الخصوص. ويبدو مبدأ تمثيل الاقاليم والولايات الاكثر وضوحا في كل من الهند وباكستان، حيث يتم تمثيل الوجهاء والقادة السياسيين في الحكومات الفيدرالية. ولم تشذ عن هذا التقليد واحدة من اكبر الدول الفيدرالية في القارة السوداء، حيث جرى التقليد على تمثيل القبائل الكبيرة والمؤثرة في الحكومات المتعاقبة في جمهورية النيجر الفيدرالية. ومع ان الدول الاوروبية ذات الديمقراطية المتأصلة تحاول الابتعاد عن اسلوب (المحاصصة) فاسحة المجال للتكنوقراط وتنفيذا لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، بات عرفا دستوريا في كندا الفيدرالية تمثيل الناطقين بالفرنسية في الحكومة الفيدرالية. بالاضافة إلى ذلك فان عنصر الفيدرالية يتجلى في وجود ممثليات للاقاليم والولايات.... الخ في الجهاز التنفيذي للدولة (الحكومة)، حيث تنحصر مهمة تلك الممثليات بتقديم المعلومات والاستشارات المتعلقة بالشؤون الداخلية لاقاليمهم (روسيا مثالا). فيما يقوم رئيس وزراء الحكومة الفيدرالية باجراء اجتماعات منتظمة (سنوية) مع نظرائه في حكومات الاقاليم (الهند على سبيل المثال). وكثيرا ما لجأت حكومات البلدان الفيدرالية إلى استحداث وزارة خاصة بشؤون الفيدرالية (روسيا منذ عام 2000). اما في الدولة البسيطة الاكثر مركزية، وخصوصا الشمولية منها، عادة ما يتم احالة الشؤون المحلية لوحدات الدولة الادارية (المحافظات على الاغلب) لوزارة الداخلية، ذلك ان الهاجس الامني الاكثر حضورا في سياسات تلك الدول وبرامجها. انني ارى ان العودة إلى التراث الدستوري للدول الفيدرالية الاكثر اصالة ودراسة ارثها الايجابي في مجال بناء اجهزة الدولة المختلفة، سيكون له بالغ الاثر ليس فقط في التأسيس لبناء دولة المؤسسات، وانما في اختصار الزمن لانجاز ذلك البناء ايضا.


أثريات الطائفية السياسية .. مقاربات أولية في العنف والعنف الطائفي
 

يوسف محسن
ثمة عيوب في أغلب الدراسات المشبعة بالآيديولوجيات التبريرية التي تشتغل حول مسألة العنف الطائفي في المجتمع العراقي. حيث تروج وبشكل اعتباطي ان العنف الطائفي شاذ عن النظام الثقافي في العراق وهو تجاهل واضح لعناصر هذا العنف ومدياته الدورية حيث أن الدولة العراقية تمتلك أقدم نظام طائفي سياسي في التاريخ الحديث وأن هذا النظام مرتبط بشروط تاريخية محددة وهي شروط تكون وتبلور الدولة الوطنية العراقية في طور أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي العالمي.
إن هذه القراءة والدراسات تقع في وهم التاريخية الكليانية للمجتمع العراقي حيث تستخدم منظومة شوفينية معرفية للدمج القسري لكل هذه الفضاءات الاجتماعية. الاقتصادية. الطوائف. الاثنيات. الشفرات السياسية. التنوعات الثقافية التي لم تتشكل كهوية وطنية صلبة على حد تعبير الملك فيصل وأنها بقيت تركيبات مغلقة يتم استنفار مكوناتها نتيجة للأزمات الدورية في طبيعة تكوين الدولة العراقية حيث إن الطائفية السياسية والقائمة في النسيج السياسي للمجتمع العراقي هي المحك الأولي للعنف الطائفي وتمثل الجزء الأهم في تبلور المكونات العراقية كفسيفسيات مضادة داخل التركيبات الديموغرافية يرافقها باستمرار احتكار توزيعات السلطة السياسية والثروة.
في هذا المقال أسعى إلى إيضاح المسألة العراقية الطائفية بلا مكر أو تجاهل بدءاً من تحديد عناصرها التاريخية الأساسية إلى تحولاتها الغامضة كهويات مغلقة في العصر الأصولي أدت إلى اشتداد العنف الطائفي والإبادات الجماعية المتبادلة والقتل على الهوية وتفخيخ الأماكن المقدسة. مشهد يومي صاخب حيث أن هذا العمل يعيد تشكيل بعض المقولات النقدية في مجالات التداول الثقافي العراقي للوصول إلى جدل الطائفية / السياسية واكتشاف حقل العلاقات الشائكة بين الظاهرة الطائفية وأزمة تكوين الدولة العراقية وتركيبات الهوية نتيجة انحراف التراكمات الرأسمالية في المجتمع العراقي وضعف المجال السياسي البنيوي في الدولة العراقية الريعية. وهو إسهام في نقد العقل الطائفي السياسي والبحث عن حالة تنويرية إصلاحية في الحقل الثقافي العراقي حيث أن النظام السياسي العراقي لم يخضع إلى متغيرات راديكالية كبيرة تمس النواة الصلبة والمتماسكة للبنى السياسية فمنذ التشكيل الأول لمجلس الحكم الانتقالي حتى الحكومة الانتقالية الثانية لم يخرج عن النسق القبلي العشائري والنخب التقليدية والجماعات الطائفية والقومية لتوزيعات السلطة / الثروة.
حيث إن قراءة ظاهرة العنف الطائفي المتبادل بين الجماعات العراقية تتطلب قراءة أولية لمفهوم الطائفية السياسية وتشكلها وارتباطها بتعثر خطاب الديمقراطية والحداثة وضعف المدنية والوقوع في فخ المحاصصات.
المتغير الديني
(الدين هو أحد المتغيرات الأساسية في المجتمع البشري وفي المجتمعات المتعددة الأديان يبرز هذا المتغير كأحد معايير التباين بين الجماعات. حيث أن التنوع الديني في نفس المجتمع لا يكتسب أهمية سياسية إلا إذا ترتب عليه تنافس أو تنازع أو صراع في مجالات القيم أو الثروة أو السلطة ومن هنا يبرز الفرق بين مفهومين (الطوائف) (
Sects) والطائفية (Sectarianism) المفهوم الأول يشير فقط إلى التنوع في المعتقدات والممارسات الدينية بين الأفراد أما المفهوم الثاني (الطائفية) فهو يشير إلى استخدام هذا التنوع الديني لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو ثقافية مثل المحافظة على مصالح ومزايا مكتسبة أو النضال من أجل تحقيق تلك المصالح أو المزايا لزعماء أو أبناء طائفة معينة في مواجهة طوائف أخرى حيث تصبح الطائفية بهذا المعنى استخدام الدين كوسيلة لتحقيق أهداف دنيوية) فالطائفية السياسية كمفهوم حديث إنتاج الأصوليات الإسلامية ولكن يمكن اكتشاف مقترباته داخل الثقافة العربية - الإسلامية الكلاسيكية وهي ليست عملية إسقاط مفاهيم معاصرة وإنما هنا تماثل أو متشابهات دلالية برغم أن المفهوم الحديث يحتوي على تصنيفات سياسية ومؤسساتية ونظام قيم ومجال سياسي وفي هذا المقال نأخذ العنف الطائفي كأحد الجوانب المعيارية في الطائفية السياسية العراقية.
إذ أصبح العنف الطائفي يشكل الحيز الأكبر في الفضاء السياسي للمجتمع العراقي برغم التشابك الحاصل بين هذه الظاهرة والمقدس الديني فهو في أحد تعريفاته هيجان جماعي انفعالي محكوم بآيديولوجية دينية كليانة يؤسس نظامه السيمولوجي داخل تركيبات ومؤسسات الدولة. والأفراد، الجماعات، الحياة اليومية والنسق الثقافي. مما تعطيه القوة الدائمية على إنتاج المعنى. إذ أن العنف الطائفي كمفهوم وممارسة تاريخية يشكل عنصراً تشريعياً لقراءة التكوينات الأساسية للنظام المجتمعي العراقي ولا يمكن فهم أبعاده السوسيولوجية دون الإطلاع على تركيبة المجتمع الدلالية واللغوية الحافة به: أي شبكة العلاقات العلاماتية داخل نظام الدين التي تعمل في الحقل الثقافي. أصوله. مرجعياته التاريخية. التقاليد. القيم الفلكلورية. المنظومة الآيديولوجية التخيلية. الطقوس آليات التكفير والتصنيف والتسمية داخل الأنظمة الفكرية الطائفية.
إذ أن ظهور الطائفية السياسية في المجتمع العراقي يؤشر إلى نهاية التاريخ لمقولة الدولة وتأسيس نمط جديد من العلاقات الموغلة في تركيبات بنيوية معقدة سياسياً واقتصادياً ودينياً وصراع مستديم نجد اساسه في حقل الأيقونات المادية الثلاثة (الهيمنة السياسية على السلطة - احتكار الثروات الأرضية - توسيع الرأسمال الرمزي) التي تمثل النسق الأول للعنف بين الجماعات الشيعية والجماعات السنية الأصوليتين. فالأصولية السنية تكرس ذاتها على التمزق الرمزي والخروج التام من التاريخ وتجعل خطوط التماس مع الطائفة الشيعية للصراع على احتكار الرأسمال الرمزي هو الوقوع في الوهم السياسي الذي يتم إنتاجه داخل المخيلة الآيديولوجية في الأصالة والتفرد والهيمنة المستديمة والاستحواذ على الممتلكات الأرضية فيتم استنفار هوية طائفية مضادة لحركة التاريخ.
إن دراسة مولدات العنف الطائفي في المجتمع العراقي مرهونة بالإجابة داخل الحقل السياسي على مجموعة من التساؤلات.
التساؤل الأول: تاريخية الإقصاء الطائفي (حقل السلطة والثروات المادية) والأشكال التي تظهر بها وهذا التساؤل يطول تاريخ الأيديولوجية الإسلامية والخط الارثوذوكسي للدين الحق وكذلك تاريخ الثقافة والحيز المعرفي.
التساؤل الثاني: اختفاء وظهور العنف الطائفي كممارسة سياسية داخل تكوينات الدولة العراقية. بنية المجتمع العراقي القائمة على الصراع بين الطائفية الشيعية والطائفية السنية. تشوش وتفكك الطبقات الاجتماعية لصالح نزعات طائفية.
التساؤل الثالث: قراءة واقعية الصراع (العنف الطائفي داخل الحركات الإسلامية الدينية "الإسلام الأصولي") تلك الحركات التي تمتد إلى استثمار رأسمال الطبقات السفلى في تركيبة الطائفية السياسية.


ضوء على أزمة السكن في العراق
 

نوار جليل هاشم
يعاني العراق أزمات عديدة و أزمة السكن تعتبر إحدى هذه الأزمات، لذلك يجب الاهتمام بموضوع السكن لأنه يأتي بالدرجة الثالثة بعد الغذاء والكساء، ومع الأسف يمكن القول إنها أزمة وليست مشكلة فالمشكلة حلولها بسيطة ولكن الأزمة حلولها صعبة، ومع كل هذا يمكن السيطرة على هذه الأزمة في المستقبل القريب إذا توفرت الحلول المناسبة لها،كذلك فان هذه الأزمة تتفاوت من منطقة إلى أخرى فنراها شديدة في المدن الكبيرة كبغداد والموصل و البصرة وغيرها ونراها شديدة الوطأة في المناطق الأخرى ولكنها بجميع الأحوال موجودة.
بالطبع هناك العديد من العوامل والأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه الأزمة ولعل أهمها:-
1- ارتفاع معدل الزيادة السكانية في العراق، حيث وصل إلى أكثر من 3%.
2- سياسة الدولة في عدم الاهتمام ببناء المجمعات السكنية العمودية حيث بلغت نسبة الذين يشغلون شقق سكنية 9% من مجموع سكان العراق وهذه النسبة ضئيلة جدا.
3- الارتفاع المتزايد في أسعار الأراضي بالإضافة إلى التضخم في أسعار مستلزمات البناء وارتفاع أسعار الأيدي العاملة.
4- انخفاض الدخل الحقيقي للاسرة الذي أصبح لا يتناسب مع الزيادات السابقة الذكر على الرغم من الزيادة الحاصلة في رواتب الموظفين بالأخص ولكنها لا تتناسب في ظل الزيادات الكبيرة في الأسعار.
بالطبع هناك أسباب أخرى ولكن الأسباب المذكورة آنفاً تعتبر أسبابا جوهرية في تفاقم أزمة السكن، لذلك فان الحديث عن وضع حلول ومعالجات لهذه الأزمة يجب علينا أولا ان نجد الحلول في المدن الكبيرة فعلى الرغم من وجود بعض المدن التي تتميز ببعض الشذوذ في توزيع السكان داخل حدودها فان المدن عموما تميل إلى التطابق مع النماذج العامة لتوزيع السكان الداخلي وفي دراسة عن هذا الموضوع فان هناك افتراضين معترفاً بهما عالميا، الأول:توجد أحياء كثيفة السكان في المناطق الداخلية من المدينة ذات نسبة كثافة تقل تدريجيا كلما اتجهنا نحو الضواحي وذلك في المدن الكبرى باستثناء المراكز التجارية المركزية التي يقيم فيها قلة من السكان. الثاني:في معظم المدن وفي الأحياء الشعبية وليس كلها مع مرور الزمن تميل الكثافة إلى الانخفاض في حين ترتفع في الأحياء المتطرفة وتمتد المدينة وتتسع إلى الخارج عادة.ان مفهوم كثافة السكان يشير إلى طريقة التوزيع الجغرافي للسكان على المناطق المختلفة وفقا لطبيعة العلاقة الكمية بين السكان ومساحة الأرض وبغض النظر عن اختلاف الأرض في خصائصها النوعية والاستعمالات المختلفة لها، حيث تشير هذه الكثافة إلى التباين الشديد لتوزيع السكان جغرافيا من ناحية وإلى درجة التركز السكاني من ناحية ثانية وإلى التشتت الكبير من ناحية ثالثة،لذلك نجد ان معدلات نمو المدن الكبرى في الدول النامية تفوق كثيرا معدلات الزيادة الطبيعية، ويرجع معظم النمو إلى تيارات الهجرة الوافدة من المناطق الريفية المتخلفة التي تجذبها فرص العمل في المدن، فالعاصمة بغداد توجد فيها أزمة كبيرة وذلك بسبب ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية وزيادة عدد المهاجرين الوافدين للإقامة والعمل في المدينة، كذلك فان مدينة بغداد نمت بسرعة كبيرة نتيجة تطور الرقعة الجغرافية المساحية للمدينة ولا ننسى ان النمو السكاني سيؤدي إلى تزايد الضغط على البنية التحتية وبالتالي يؤدي إلى تدهور الخدمات البيئية والاجتماعية في المدينة وهذا الكلام ينطبق على المدن الرئيسية في العراق كالبصرة والموصل واربيل، اذا فان أهم جانب في تحديد أزمة السكن هو معرفة عدد السكان حيث ان التعداد العام والشامل هو مصدر معرفة عامة للسكان وهو من أهم مصادر الإحصاءات لأنك من خلاله تستطيع ان تعرف مدى الكثافة السكانية في الرقعة الجغرافية المعينة وبالتالي سيكون أسهل حصر المشكلة في المنطقة المعينة، كذلك فان علاج هذه المشكلة يجب ان يكون في إطار تخطيط وطني شامل يهدف إلى إعادة توزيع السكان بأسلوب علمي بالإضافة إلى خلق مناطق جذب لتقليل تيارات الهجرة نحو المدن الكبرى وخلق فرص عمل في المناطق الاخرى لتقليل الهجرة إلى تلك المدن ويواكب ذلك بطبيعة الحال استخدام سياسات سكانية تهدف إلى تنظيم معدلات النمو لتحسين مستوى المعيشة. وبالطبع ذلك لا يتم الا بمشاركة المرأة وإعطائها دوراً فعالاً في المجتمع وتثقيفها لتساعد في التنمية مما يساعد في نجاح السياسة السكانية التي تعني مجموعة الإجراءات الرامية إلى الحد من مفعول العوامل التي تحدد اتجاه التطور السكاني. كذلك تتضمن الإجراءات الرامية إلى الحد من حرية الأفراد والجماعات في مجال السلوك السكاني غير ان هذه الحرية هي ليست مطلقة بل مقيدة تقررها مجموعة من العوامل تحدد طبيعتها وتقرر آثارها وبذلك يصبح السلوك السكاني للأفراد والجماعات خاضعا في نهاية الأمر إلى مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي بحيث يمكن القول بوجود علاقة عكسية ثابتة بين التطور النوعي والكمي.
مع الأسف إن أزمة السكن في العراق هي من أهم المشاكل التي يعاني منها البلد في الوقت الحاضر وفي المستقبل وإذا لم توجد حلول سريعة لمعالجة هذه الأزمة ستتفاقم لتصبح من المستحيل السيطرة عليها، لذل يجب علينا الانتقال من الكلام إلى الفعل فقد عقدت ندوات كثيرة ومكثفة لمعالجة هذه الأزمة ولكن لم نر أياً منها قد طبق على ارض الواقع،فالحلول اعتقد إنها معروفة للمختصين والمهتمين ومن أهمها التخطيط الحضري الذي مع الأسف نفتقر إلى هذا النوع من التخطيط حيث ان هناك بناء فوضوياً وهذا البناء يتزايد بشكل حاد وسريع، كذلك يجب الاهتمام ببناء المجمعات العمودية التي كما هو معروف مساحة صغيرة تستوعب سكاناً اكبر فللآن لم نجد اي مشروع سكني لبناء المجمعات العمودية، مع العلم ان بناء مثل هذه المجمعات يحتاج إلى خبراء ومختصين في الوزارة المعنية والتي هي بحاجة أيضا إلى قسم للدراسات المستقبلية، هذه الدراسات التي اصبحت ضرورة لا غنى عنها في دول العالم المتقدم فلا يوجد في اي وزارة عراقية قسم يهتم بالدراسات المستقبلية والتخطيط البعيد المدى. هذا القسم وفي اي وزارة كان يجب ان يضم جميع المختصين من مهندسين واجتماعيين وجغرافيين واقتصاديين وغيرهم للخروج بدراسة وافية وشاملة للحالة المراد تطبيقها ويجب التنسيق أيضا بين باقي الوزارات وليس كل وزارة تعمل على حدة، كذلك يجب تشجيع الشركات العقارية المحلية والأجنبية لتتولى استثمار الأراضي السكنية عن طريق بناء مساكن مختلفة الأحجام والتصاميم ليكون هناك تفاوت في الأسعار ليستطيع جميع الفئات من شراء هذه المساكن، ويجب الاستفادة الآن من الأراضي ذات الحيز الشاسع مثل أراضي المعسكرات حيث بالإمكان بناء مجمعات كبيرة في هذه المعسكرات والاستفادة منها، كذلك عند توفير المسكن لأية عائلة يجب الأخذ بنظر الاعتبار حجم الأسرة ودخلها ونوع المسكن وظروف المنطقة السكنية، بالإضافة إلى إنشاء معامل لإنتاج مواد البناء محليا للحد من ظاهرة ارتفاع أسعار مواد البناء ومراقبة الأسعار وتوزيع المواد بشكل عادل على المستهلكين ودعم القطاع الخاص كذلك ضرورة إجراء دراسة عن المستوطنات العشوائية التي استفحلت في المدة الأخيرة للوصول إلى استنتاجات مبنية على الأرقام والحقائق بحيث يمكن بناء مجمعات سكنية عمودية لاستيعاب هذه العوائل بالإضافة إلى عوائل أخرى بعد استيفاء مبالغ تقديرية، بالطبع هذه الحلول مرتبطة بحلول أخرى أهم الا وهي بناء دولة قوية يسودها القانون ويتوفر فيها الأمن والأمان ومستلزمات الحياة الأخرى من كهرباء وماء ووقود وغيرها.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة