ماليزيا
بعد سنة من الكارثة ..
سحـــــــر البلد أكبر
مـــن (تسـونـــامي)
كوالامبور:جزيرة
(لانكاوي) التي تضم أغلبية القرى التي وصل اليها المد
البحري (التسونامي) جعلتنا نشك بمرور هذه الكارثة الطبيعية
بها لولا ما رواه لنا بعض السكان الذين لا تزال ليلة الـ
26 كانون الأول من السنة الماضية راسخة في أذهانهم.
تهافت السواح إلى ماليزيا، جعلنا ندرك أن سحر البلد لم
يترك أثرا للكارثة في نفوس زائريه، وفي مطارها الدولي،
وجدنا السيد فونغ مرشدنا السياحي، يستقبلنا بوجهه البشوش،
حيث قادنا مباشرة إلى المدينة الادارية، الواقعة بمقاطعة
بورتجايا وهي مدينة حديثة العهد تضم جميع الادارات ومساكن
الموظفين العموميين.
الغريب في هذا البلد هو أن الشمس لا ''تغيب'' فيه إلا في
الساعات الاخيرة من المساء.. لاحظت هذا بعد قضاء اليوم
الاول في مدينة بورتجايا، حيث تفاجأنا بارتفاع درجة
الحرارة التي تصل نهارا حتى 32 درجة.
اعتدال طقسها الاستوائي طيلة أيام السنة يقف وراء كثرة
توافد السياح عليها، خاصة الفارين من الثلوج والرطوبة
القاتلة.
في هذه المدينة تجذبك الطبيعة الخلابة وسكون منقطع النظير
يجعلك تعتقد وكأنك أمام لوحات رسمتها ريشة بيكاسو
العملاق.. ما أروع تلك اللحظات التي عشناها ونحن في طريقنا
إلى فندق شانغريلا بذات المدينة، الفندق- المصنف من 5 نجوم
حيث قضينا ليلتنا الاولى، وفي صبيحة اليوم التالي، انتقلنا
إلى مطار كوالالمبور الداخلي متوجهين إلى جزيرة لانكاوي.
من هنا مر
تسونامي..
''لن أستطيع نسيان
ما حدث في الـ 26 من كانون الأول.. ''التسونامي'' كان صدمة
للجميع وأجد صعوبة عند الحديث عنه اليوم''.
بهذه العبارات وصف لنا محمد ذو 32 سنة القاطن قريبا من
قرية كوالا مودا التي تضررت كثيرا من المد البحري..
فبالرغم من أنني لم أشهد تصاعد الامواج، إلا أنني لن أنسى
مشهد هذه القرية وهي تعوم وسط المياه عند ذهابي إلى
العمل''. الصدمة لن ينساها الماليزيون بالرغم من أنها لم
تكن قوية مثل تلك المسجلة في البلدان المجاورة التي كانت
تعد ضحاياها بالملايين، ولا يزال سوء الاحوال الجوية يسكن
في القلوب الرعب والخوف من تكرار الكارثة.
وفي المقابلة التي طلبناها نحن الصحفيين الجزائريين
الثلاثة من فرانسوا سيقريست، المدير العام لفندق بيلانجي
الواقع بقرب فندق العوانة، حيث كنا نقيم، كان لهذا الاخير
مشاهد ما زالت عالقة في ذهنه ''الحمد لله الذي لم يأت لنا
التسونامي ليلة من قبل فلو حصل ذلك لكانت الكارثة أعظم''
قال فرانسوا ذلك والتأثر باد على وجهه، لأن ليلتها وفي نفس
توقيت ضرب المد البحري للتسونامي، أي على الساعة الواحدة
والنصف زوالا، كان الفندق قد نظم ألعابا لـ 250 طفلاً
بمناسبة السنة الميلادية الجديدة تبنتهم مثلما قال فرانسوا
رعاية الله.
وأضاف فرانسوا في سياق كلامه ''كأن شيئا عظيما أراه لأول
مرة في حياتي، حيث تراجعت أمواج البحر إلى الوراء بارتفاع
يصل بالنسبة للموجة الواحدة إلى حوالي 50 مترا والتي وصلت
إلى الجزيرتين اللتين تبعدان عن الفندق بحوالي 800 متر
تاركة البحر وكأنه أرض جافة، لم يبق عالقا فيها سوى
الاسماك لتعود بعد ذلك وتجر معها جميع الحدائق والشاليات
التي ارتفعت تاركة طريقا للمياه.. تلك اللحظة تبنانا الله
للمرة الثانية، حيث ساعدت الاشجار والحدائق على صد المياه
التي لم تصل إلى الفندق، حيث لم تسجل وفاة أي أحد سواء من
الزبائن أم عمال الفندق''.
والغريب في الأمر ونحن نقوم بزيارة تفقدية للفندق بعد
الانتهاء من الدردشة، فوجئنا باكتظاظ الفندق بالسياح
الأوروبيين وكأن أي شيء لم يحدث.. فالفندق استرجع حليه
الجميلة من حدائق ومسابح في ظرف ثلاثة أشهر فقط حسب ما
أكده لنا مديره، لكن الخوف يبقى والحذر أصبح أكبر يضيف
محدثنا الذي كشف لنا عن اعتماده على نظام إنذار مربوط
بجهاز الكمبيوتر ليوصله قريبا بهاتفه النقال هذه التقنية
الحديثة ستسمح له بالتنبؤ بقدوم الزلزال الذي يوحي بدوره
بهيجان التسونامي
400 مليون دولار
لإنعاش السياحة
يحتل قطاع السياحة، الرتبة الثانية بعد قطاع الصناعة، حيث
تخصص له الدولة ما يفوق 400 مليون دولار ميزانية سنوية..
وأجمع من تحدثنا إليهم على أثر التسونامي على الساحة في
بلادهم، مؤكدين على أن انخفاض عدد السياح تم تسجيله في
الثلاثة أشهر الأولى فقط بعد مرور التسونامي. بالنسبة
للفندقة، فجميع الفنادق الماليزية بحكم تطور قطاع السياحة
بالبلد منذ 30 سنة توفر الاختيار لزبائنها حسب تصنيفها من
خمسة نجوم إلى نجمين فقط وفي جميع الولايات والمقاطعات
بتقديم أحسن الخدمات، فمثلا في العاصمة كوالالمبور فقط وصل
عدد الفنادق إلى 244 فندقاً خلال السنة الماضية بعدما كان
عددها 177 فندقاً سنة 2003 مما يوضح جليا اهتمام الحكومة
بالاستثمار في هذا القطاع. أما عدد السياح فتجاوز 15 مليون
سائح سنويا مما يمثل -حسب السيدة سيدني ليم- بين 6 إلى 8
بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وفرة وسائل النقل لا تدعك تفكر في
الانتظار طويلا.. فيمكن لك أن تختار ما تريد من وسيلة نقل
بين الميترو والترامواي إلى سيارات الأجرة التي لا تنقطع
عن العمل إلى الحافلات التي تنقل بجميع الاتجاهات. ويرجع
الكثير من محدثينا سر تطور قطاع السياحة في بلدهم إلى
الخصخصة الناجحة في هذا القطاع، حيث لا تجد فندقا عموميا
بالرغم من أن الدولة لا تزال تمارس دورها كمراقب لكل
النشاطات والقطاعات.
جزيرة لانكاوي..
النسرالأسود والحلم البعيد
حلم العديد منا كان قد تحقق في اليوم الثاني بين أحضان
طبيعة جزيرة لانكاوي الدافئة الواقعة في ولاية قدح
المتواجدة على الشريط الحدودي الماليزي التايلاندي التي
تعتبر أكبر الجزر الماليزية الـ 99 والمعروفة بأساطيرها
وبجبالها الكلسية وبقراها الريفية.
ويعود اسم الجزيرة، حسب ما رواه لنا مرشدنا السياحي السيد
يونغ الذي وصفها بالجنة الطبيعية التي لا يوجد لها مثيل في
شرق اسيا، إلى كلمة ''النسر البني'' باللغة الماليزية الذي
يقابلك تمثاله في مدخل ميناء لانكاوي، ولا يمكنك زيارة هذه
الجزيرة دون المرور بالجزر الصغيرة المتناثرة هنا وهناك..
ونحن على متون تلك الزوارق الخشبية كانت ملامح السرور
الممزوج بالانبهار باديا على وجوه أعضاء الوفد باتجاه
جزيرة المرأة العذراء الحامل صاحبة الاسطورة الشائعة في
لانكاوي.. وتروي الأسطورة حكاية شرب فتاة عذراء من نهر
الجزيرة العذب لتحمل بعدها. قبلتنا الثانية كانت جزيرة
النسور التي تعد وكرا للنسر البني، في حين تلقب الجزيرة
الثالثة بـ ''براس بصاح'' ذهول شواطئها تجعلك تتصور كأنك
تطرق باب مغارة لا تعرف أسرارها.. وأول ما يلفت نظرك
رمالها الذهبية وعلو جبالها وكثرة أدغالها التي تعج
بالقردة. قضينا في جزيرة لانكاوي ثلاثة أيام لنعود في
اليوم الرابع إلى العاصمة كوالالمبور حيث توجهنا إلى فندق
نيكو ''5 نجوم'' حيث أقمنا هذه المرة في غرف بالطابق
العشرين ما مكننا من التمتع برؤية المدينة ليلا بأضوائها
الساطعة وبناياتها من ناطحات السحاب، الشيء الذي حوّلنا
إلى زيارة أكبر برجين في العالم بعد سقوط برجي نيويورك
بالولايات المتحدة الأمريكية.
الاختلافات العرقية والدينية سر تطور البلد
التجول في العاصمة الماليزية يوحي لك وكأنك في بلد أمريكي
ذي أغلبية مسلمة.. هذا يتوجه إلى المسجد وتلك ترتدي الحجاب
وهم في أغلبيتهم ماليزيون أصليين. كما يمكن لك أن تصادف
المسيحي وهو يدخل الكنيسة أو اليهودي وهو باتجاه معبده.
فبالرغم من التنوع العرقي (صيني، هندي وماليزي أصيل)
والديني (مسلم، مسيحي وبوذي) إلا أن الكل يتعايش في سلم
ويعمل في تجانس ''اختلاف أصولنا وعقائدنا واحترامنا لبعضنا
هو سر تطور بلادناّ'' هكذا رد علينا السيد يونغ عن سؤال
حول ما إذا كانت هناك مشاكل بين مختلف الأجناس. ويضيف
زميله قائلا: ''الإسلام في ماليزيا هو إسلام حضارة وتسامح
ليس إسلام إرهاب''، كان هذا هو ظاهر ما رأيناه خلال
إقامتنا بماليزيا.
ولم يستبعد أحد المتحدثين إلينا قيام حرب أهلية في حالة
محاولة المسيحيين أو البوذيين -وهم أقلية في ماليزيا-
تعديل الدستور بإسقاط المادة التي تشترط أن يكون الوزير
الأول مسلما. ''لن يستطيع المسيحيون أو غيرهم الوصول إلى
الحكم ولو اقتضى الأمر الدخول في حرب أهلية'' هذا ما قاله
ذلك الماليزي المسلم بكل قناعة. ويعرف نظام الحكم الماليزي
الفريد من نوعه والشبيه بالنظام البريطاني إن بريطانيا هي
التي استعمرت ماليزيا لسنوات كثيرة ، وهو نظام ملكي دستوري
فيدرالي يضم 13 ولاية، منها تسع سلطنات وثلاثة أقاليم
فيدرالية. رئيس الدولة هو الملك الذي ينتخب من بين
السلاطين التسعة الذين لا يتدخلون في الحكم ويعتبرون رموزا
للدولة في ماليزيا.
ينشط في الساحة السياسية الماليزية 15 حزبا يشكلون ائتلافا
حكوميا، من بينها حزب الجمعية الصينية الماليزية (مسيحي)
إضافة إلى حزب المؤتمر الهندي الماليزي (بوذي) وأكبرها
الاتحاد الوطني الماليزي (مسلم).
وما يهدد الاستقرار في ماليزيا هو انتشار الولايات التي
تطبّق الشريعة الاسلامية بحذافرها كولاية كلانتانا الوحيدة
حاليا، المعروفة بندرة السياح فيها الذين لا يمكثون بها
إلا قليلا، حيث يحرم في هذه الولاية بيع الخمر وتنعدم
الملاهي الترفيهية ويحكم هذه الولاية الحزب الاسلامي
المدعو ....الياس.... من جهته، أكد نائب وزير السياحة
الماليزي بأن البلد يعيش استقرارا سياسيا مضيفا ''إنه لا
مكان للتطرف الاسلامي في ماليزيا التي تعيش إسلاما حضاريا
بسبب الاحترام المتبادل، الديمقراطية موجودة في بلدنا، نحن
لا نؤمن بالديكتاتورية وشعارنا هو تقاسم السلطة''، بهذه
الكلمات ختم نائب وزير السياحة دردشته معنا.
شعب هادئ.. ولا
شجارات بالأسواق
تأكدنا عند زيارتنا إلى ماليزيا ما كان يقال عن شعبها وما
يحكيه لنا عنه حجاجنا إلى البقاع المقدسة ''شعب هادئ
ومحترم للغير، فطوال مدة إقامتنا لم نسجل أي شجار، رغم أن
الأسواق الماليزية التي زرناها كانت بالغة الاكتظاظ
بالناس.
|