تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

بعد اكثر من ثلاث سنوات على تغيير النظام .. تصاعد ظاهرة العنف ضد المرأة العراقية!

  • هناء أدور: المرأة ضحية العنف الاسري والاجتماعي والافكار المتخلفة
  • د.عبد الهادي مشتاق: حصول المرأة على حقوقها دعم لتقدم المجتمع
  • طاهرة داخل: العنف تجاه المرأة يسدل الستار على كل ما هو جميل وانساني في طبائعها
  • طارق حرب: المادة 14 من الدستور نصت على المساواة بين العراقيين بغض النظر عن الجنس
  • مواطنة: المرأة يسيطر عليها الخوف وهي في طريقها الى العمل أو الجامعة أو المدرسة
     

بغداد/ علي ياسين
نسمع اليوم كثيراً عن مظاهر العنف التي تتعرض لها المرأة العراقية، وهذا ما يؤدي بكل تأكيد الى تهميشها واقصائها من ساحة الحياة، بل يخلق لدى الكثير منهن شعوراً قوياً بالتخوف من المستقبل في بلد انتج في حضارته القديمة معارف وافكاراً وحضارات رفدت المجتمعات البشرية عطاءً لم ينضب سحر تأثيره الى اليوم، ومنها، على سبيل المثال، لا الحصر والمباهاة، تشريع حمورابي الذي عدّه المؤرخون قاعدة للفكر التشريعي البشري، وقد اولت هذه الشريعة اهتماماً بالمرأة ودورها في الحياة الاجتماعية، بدءاً من العائلة، الخلية الاولى في منظومة المجتمع الإنساني وحتى تداخل وتلاحم أنسجته فيما بعد من الرقي والتطور والتمدن، كما تطرقت أي الشريعة- الى حقوق المرأة وحريتها في الزواج والطلاق والإرث والعمل وما الى ذلك.

يفصلنا راهناً عن ذلك الفكر القانوني بضعة الاف من السنين والمراحل والاحداث والتقلبات والهزات كما يفصلنا عن قصائد ودعوات الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي الى تحرير المراة من قيود بعض القيم القبلية والعشائرية والبدوية المتخلفة عشرات من السنين، تلبدت سماء الوطن خلالها بغيوم الصراعات والتمزقات والكوارث والاحداث، وما بين الآلاف والعشرات من تلك السنين لم تكن المرأة العراقية غائبة عن مسرح الحياة، بل كانت حاضرة وفاعلة وهي تمارس دورها، باعتبارها كياناً اجتماعياً انسانياً لا تكتمل دورة الحياة من دون مشاركتها.
ان أي حرث للمستقبل من دون المرأة، وأية شرعة للحب والعمل والفكر والمعرفة، محض هراء، حقائق كثيرة يعرفها القاهرون والجلادون الذكوريون.
فليتماهون عن مقهوراتهم بالذريعة والحجة الواهية والكذب المستباح، لقد مورست في الاونة الاخيرة العديد من مظاهر العنف ضد المراة، سواء في المدرسة أو الجامعة أو العمل أو في داخل البيوت، فمن يرفع سوط العنف والقسوة عن المرأة العراقية من شهريارها الجديد؟!
(المدى) التقت نخبة من النساء العراقيات الناشطات في مجال حقوق وحرية المرأة، فضلاً عن الحقوقي طارق حرب ومدير مركز حقوق الانسان الدكتور عبد الهادي مشتاق لتسليط الضوء على محور ظاهرة العنف ضد المرأة ..
بعض القوى الرجعية والظلامية تعمل على مسخ كرامة المرأة
هناء ادور سكرتيرة جمعية الامل العراقية وعضو لجنة تنسيق شبكة النساء العراقيات تقول:
ان ظاهرة العنف ضد المرأة ليست بجديدة على الواقع العراقي لكنها استفحلت في سنوات الحروب والحصار الاقتصادي تجلت في ارهاب الدولة، من خلال المطاردة والاعتقال والتعذيب واعدام العديد من النساء، اضافة الى عمليات التهجير القسرية واجبار النساء على تطليق ازواجهن لكونهم من قوى المعارضة السياسية للنظام أو لهروبهم من الخدمة العسكرية، كما تجلت في تسخير العديد منهن وبخاصة الشابات في اجهزة الامن والاستخبارات واستخدامهن لاغراض دنيئة، هنا، لابد من الاشارة الى حملة فدائيي صدام في ذبح أكثر من مئتي امراة تحت ذريعة ممارستهن البغاء.
وتتجلى ظاهرة العنف ضد المرأة العراقية في العنف الاسري والمجتمعي، نشير هنا الى جرائم غسل العار التي تسمى بجريمة الشرف وراح ضحية هذه الجرائم العديد من النساء البريئات كما ان هناك ظاهرة العنف المشرعن في قانون العقوبات مثلاً حين يسمح للزوج بتأديب زوجته وكذلك باسقاط العقوبة عن الغاصب في حال زواجه من المرأة المغتصبة، ولابد من الاشارة ايضاً الى الاعراف والتقاليد التي تضع البنت أو المراة تحت رحمة قرار الذكور في العائلة في تقرير مصيرها في الزواج والتعليم والعمل والسفر وما الى ذلك، وكمثل آخر، كثيراً ما تحرم الارملة من إرث تركة زوجها من قبل العائلة والتصرف بها من دون ان يؤخذ رأيها.
اما في ظرفنا الراهن وكنا قد استبشرنا خيراً في التغيير في التحول السياسي، والتأكيد على حقوق الانسان تحديداً، نجد اليوم بعد أكثر من ثلاث سنوات، بروز هذه الظاهرة بشكل مقلق، حيث تعمل بعض القوى الرجعية والظلامية على مسخ كرامة المراة باستخدام الترهيب والاعتداءات البدنية والنفسية، ضد النساء تحت ذريعة الدين، والدين براء من هذه الافعال، كزيادة حالات الاختطاف والاغتصابات والقتل والتشريد والعزل وقد وصلت الى درجة انه من النادر ان تجد امرأة حرة في اختيار ملابسها مثلاً، وتلمس ذلك حتى في العاصمة بغداد، ان الكثير من النساء قد ارتدين الحجاب تحت الضغط والتهديد أو درءاً لاعتداء عليهن، وكذلك قيادة السيارات بالنسبة للنساء اصبحت مخاطرة أو لاقل مجازفة وهنا اود ان اشير الى ان الموظفات في دوائر الدولة يتعرضن لضغوط مستمرة بحجج واهية للتأثير عليهن في ترك وظائفهن، تصور في زيارتي الاخيرة للناصرية، علمت ان ثلاث موظفات بدرجة مدير عام قد جرى تنحيتهن من وظائفهن بقرار من مجلس محافظة ذي قار، بحجة عدم الكفاءة، علماً انهن متمرسات في الوظيفة لسنوات طويلة، وقد استبدلن برجال، ربما هم أقل كفاءة من الموظفات المشار اليهن، والموظفات الثلاث هن، مدير عام في دائرة البيئة ، مدير عام في دار الرعاية الاجتماعية ، مدير عام في دائرة التخطيط العمراني، ومما يؤسف له ان تشارك عضوات مجلس المحافظة بالتصويت على مثل هذا القرار المجحف بحق المرأة !!
ناهيك عن وجود اكبر قائمة برلمانية في مجلس النواب تضم اربعين نائبة ولم يترشح من هذه القائمة الواسعة وزيرة في الحكومة الحالية!

حصول المرأة على حقوقها دعم لتقدم المجتمع
ويقول الدكتور عبد الهادي مشتاق رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان:
لقد عانت المراة العراقية عبر العهود السابقة من الظلم والحرمان نتيجة التقاليد الرجعية المتخلفة من البداوة والقبلية والتفاسير الخاطئة لبعض التعاليم الدينية، ورغم الظلم والحرمان حققت المرأة بنضالها نجاحات مهمة في التعليم والعمل حين وقفت معها القوى الوطنية التقدمية ورجال الدين المتنورون.
لقد حاولت الانظمة الاستبدادية اجهاض هذه المكتسبات أو اضعافها بنشر القيم البدوية والعشائرية في المدن مجدداً، وبالممارسات اللاإنسانية من سجن وتعذيب وقتل المعارضين مما ارهب الكثير من الجماهير النسوية.
وقد زادت الاوضاع الاقتصادية الصعبة، بعد الحصار، الامور تعقيداً بزيادة نسبة البطالة والفقر في المجتمع، وهذا أثر سلباً في الحالة الاجتماعية حيث زادت معدلات الجريمة وانتشار الاوبئة واصبحت الكآبة ظاهرة اجتماعية.
اما بعد سقوط النظام الديكتاتوري الذي تميز بحروبه العدوانية ومقابره الجماعية.. فغاب الامن والاستقرار وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع.. وتسلل الإرهاب عبر الحدود الدولية السائبة ومعه اطماع الدول الاقليمية وتخوفاتها من نجاح الخطة الامريكية وتحت واجهات عديدة ومزيفة اصبح العراق ساحة للصراع ضد الإرهاب من جهة ولافشال المخطط الامريكي من جهة أخرى. واحدثت الاطماع الاقليمية والافكار والممارسات الطائفية المتشددة احتقاناً اجتماعياً يغذي العنف الطائفي بصورة متصاعدة يذهب ضحيتها الكثير من الابرياء من قتل وتشريد وتهجير قسري.. كل هذه الامور تجبر المراة العراقية التي بطبيعتها تكره العنف على الانسحاب من الساحة والانزواء في البيت لتبقى محرومة من حقوقها.
نحن دعاة حقوق الانسان نعتقد بان ضمان حقوق المرأة شرط أساسي لتقدم المجتمع وبنائه الديمقراطي ولذلك نقف مع المرأة العراقية في كفاحها المشروع للحصول على حقوقها العادلة.
ومن اجل ان تحصل المرأة على حقوقها المشروعة يرى الدكتور عبد الهادي مشتاق:
اولاً. اهمية التثقيف بمبادئ حقوق الانسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وضرورة مكافحة الممارسات التي تحط من كرامة المرأة وانسانيتها وتضعف مكانتها أو تصادر ارادتها الحرة. وتدعو الى محاربة كل اشكال العنف تجاه المراة في البيت والمجتمع.
ثانياً. التوسع في تعليم الفتيات وخاصة التعليم الاساسي والالزامي ومكافحة التسرب منه وخاصة في الارياف والمناطق الشعبية الفقيرة في المدن. ومنع الزواج المبكر قبل نضوج الفتاة وتكوين ارادتها المستقلة. ومعالجة عمالة الأطفال والقضاء على الفقر.
ثالثاً. ضمان حقوق المرأة ومساواتها في الاجور والعمل بل دعم عمل المراة وتعزيز مشاركاتها في الوظائف على المستويات كافة في الدولة.
رابعاً. تعزيز المنظمات النسوية في المجتمع المدني وتوسيع مشاركة المراة في الحياة الاقتصادي والاجتماعية والثقافية.
خامساً. تعديل بنود الدستور بما يكفل مساواة المرأة بالرجل وضمان حقوقها العادلة وختاماً تعزيز المصالحة الوطنية ومحاربة العنف والإرهاب والطائفية البغيضة والقضاء على الفساد في الدولة والمجتمع وكل ذلك يعزز مشاركة المرأة ويدعم حقوقها العادلة ويساعد بذلك التقدم الحضاري في عراقنا الجديد، عراق موحد يسوده العدل والامان والسلام.
الدولة كفيلة بحماية المرأة من العنف
تقول الاستاذة الجامعية والباحثة في أدب الأطفال طاهرة داخل
ان المرأة العراقية لم تكن بمعزل عن الوضع العام للشعب العراقي في مواجهة العنف، لكنها تحملت من الوضع العام، العبء الاكبر، لكل ماحدث ويحدث من سلبيات، اهمها واشدها خطورة فقدانها الامن والاستقرار في محيط اسرتها، فضلاً عن انها تتحمل مع الخاص نتائج العنف العام، كتوتر الزوج أو الاخوة، ونزق الابناء، فضلاً عن تضييق المجتمع على حياتها وانفاسها بحجة حمايتها، بعد ان كانت تعتقد ان وطنها سيكون بعد رحيل الدكتاتور، رئة كبيرة تتنفس من خلالها اجمل ما تطل به المدن على هذا الكون الفسيح.
والجميع يعلم، ان المراة تتعرض للتمييز والعنف في السلم والحرب على السواء، الا ان النساء العراقيات كابدن الويلات وواجهن العنف باشكاله، وذلك لانهن يعشن في مجتمع عانى الكثير من ممارسات النزعة العسكرية، وعصفت به الحروب، ورجاله متأثرون بثقافة حمل السلاح.
وتلك اولى خطوات العنف تجاه المرأة وترسيخ اوجه عدم المساواة وتعزيز الوضع المهيمن للرجل والحفاظ على تبعية المرأة له من خلال التنويه أو التصريح باستخدام السلاح في حالة المجابهة معه أو التمرد على وضع لا تقبله كرامتها، أو رفض سلوكياته أو ترك بيت الزوجية، بعد اليأس من اصلاحه.
هذا فضلاً عن العنف الجديد الذي اخذت المرأة العراقية تواجهه وهو (عنف الزي) وللاسف ان بعض (هياكل السلطة) داخل المجتمع تلتمس له العذر بحجة الحفاظ على الموروث القيمي والاجتماعي، وعدم جواز تخطيه حتى اخذ ينظر الى (زي المرأة) على انه تعبير عاكس لسلوكها، مما اضطر المرأة العراقية ان تواجه (عنف الزي) بالكثير من الحذر والحيطة والمواساة والالم، وهي تنظر بكثير من الاهمية الى دور الدولة في مواجهة الأدوار التقليدية البائدة والتي أخذت تتمثل في جماعات واسماء محددة وتحاصر المرأة باشتراطات الزي الذي ترتديه وتواجهها بعنف وكأنها تريد ان تسدل الستائر على كل ما هو جميل وانسناي في طبائعها.
وتضيف: وفي هذه الحالة نجد ان الدولة يقع عليها الجزء الاكبر في حماية المراة من كل اشكال العنف وهي قادرة على ان تهمش دورها في الوقت ذاته وتجعلها عرضة لكل أنواع العنف وفي مقدمتها العنف الاجتماعي الذي تظهر خطورته في تعزيز العوز الاقتصادي الذي تعانيه معظم النساء العراقيات من اللواتي لم يعملن والدولة تستطيع ان تجنبها كل الاعمال العنيفة التي تقع ضدها والتي تعاني نتائجها بسبب جهلها الشامل لحقوقها المدنية والاجتماعية سواء في محيط اسرتها أو خارجه.
والحل في اعتقادي يكون بوضع قانون ضمان اجتماعي لجميع النساء (غير العاملات) كربات البيوت، والعاجزات وكبيرات السن، لضمان راتب شهري يكفل متطلباتهن الإنسانية ويجنبهن الكثير من مشكلات العوز، ويجعلهن عضوات مساندات للاخرين من داخل الاسرة أو من خارجها.
فضلاً عن وضع برنامج (حماية فكرية وعلمية) وذلك بالحاقهن بمراكز تعمل لهذا الغرض وتقديم البرامج التقنية والاجتماعية والعلمية ومتابعتهن من خلال لجان حكومية مختصة تتوزع في المناطق السكنية.
وبذلك يتم استقطاب عدد من العاملين في الوقت ذاته من الشباب الذي سيعملون في هذه اللجان أو هذه المراكز والنتيجة وان كانت لصالح المرأة، الا انها حقيقة هي في صالح المجتمع وصالح الرجل.
ناهيك عن أنواع العنف الاخرى التي كانت ومازالت عنفاً اجتماعياً نمطياً تسهم بعض النساء الجاهلات في ترشيحه وتثبيته وهو (العنف الانجابي).
وهو من أنواع العنف الذي يمارسه الرجل بقسرية شديدة لانه يستمد شرعيته من الاعراف والقوانين الاجتماعية وغير مبالٍ بما يترتب على تعدد الانجاب من تدهور صحي ونفسي وجسدي ستعاني منه المرأة فضلاً عن ضعف قدرتها على التمثل بالسلوك التربوي السليم في بناء شخصيات اطفالها.
وتشير طاهرة داخل الى ان الدولة ايضاً كفيلة بان تحمي المرأة الانجابي، بمنحها حرية الانجاب بما يتناسب وامومتها وقدرته الجسدية ورغبتها في ذلك، وباتفاق يستند على شروط انسانية بين الزوجين فضلاً عن ضرورة تحمل المسؤولية بعد مرحلة الانجاب من كلا الطرفين.
الموطنة مها محمد تؤكد ان ظاهرة العنف ضد المرأة من الظواهر العالمية، حيث تنتشر في معظم دول العالم الاجنبية والعربية.. في الدول النامية والمتطورة وما يلفت نظرنا الى هذه الظاهرة مانراه يومياً في حياتنا أو نسمع به عبر وسائل الأعلام أو الشارع، وفي بلدنا العراق تعرضت المرأة للكثير من مظاهر العنف خاصة بعد الحرب الاخيرة وقد تجلت هذه المظاهر في اختطاف الفتيات أو الاعتداء عليهن بالفعل أو القول ومما يذكره أي عراقي ان الشارع العراقي بعد سقوط النظام ظل خالياً من وجود اية فتاة أو امرأة والى اليوم يسيطر الخوف على المرأة وهي في طريقها الى العمل أو الجامعة أو المدرسة.
عبر سنوات طوال لم تعرف المرأة العراقية سوى الشعور بالغبن فهي خائفة ومستلبة.. خائفة من الغد ومن الحرب والعوز.. خائفة على اطفالها وبيتها، وهي لا تشعر بالامان.
في الجانب الاخر من شخصيتها هنالك أمراة صبورة وحذرة وغير متشكية فهي التي اضطرت الى ان تكون الاب والام عبر سنوات الحرب والحصار، فكانت المعيل والمسؤول الأول في البيت وهي لم تخفق في ذلك بل على العكس استطاعت ان تصل بابنائها الذين فقدوا اباءهم في ساحة المعركة استطاعت ان تصل بهم الى بر الامان وعندما خرجت الى العمل تفوقت فيه ولم تشتك، فجأة يلغى كل هذا فقانون الشارع العراقي مازال ينظر الى المراة وكأنها مخلوق عجيب مخلوق لا يحق له ان يمشي في الشارع، واذا ما حدث ذلك فان العيون تتبعه.. تتناهبه لماذا ؟ لا احد يريد ان يعلم فعلى ما يبدو ان هذا هو داء قديم استشرى بعد ان تدهور الظرف الامني بصورة تدعو للغثيان فالبعض يرى في الحرية الجديدة مبرراً لتصرفاته وهو عندما يتمادى في سوقيته يعرف بانه ليس هناك من يعاقبه.
ولهذا ظهرت الكثير من المظاهر التي تحمل في مضمونها الكثير من العنف ومن بينها فرض الحجاب في الشارع والدوائر والجامعات من قبل مجموعات متطرفة هددت المرأة السافرة بالقتل في حين انه مقابل ذلك لم تسن الدولة قانوناً يحمي المرأة من هذه الممارسات الرجعية المتخلفة وكذلك ظواهر تمنع تواجد المراة في اماكن واوقات معينة، فاصبحت بعض الاماكن حكراً على الرجال، وهناك من حرم خروج المراة للعمل، وحتى السوق وذلك في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة.

مؤسسات المجتمع المدني تجهل المرأة !
من جانبه يقول المحامي والحقوقي المعروف طارق حرب :
ان المادة 14 من الدستور عندما قررت حق المساواة بين العراقيين، تجد ان الدستور رفض الجنس كمعيار للتمييز بين العراقيين قبل القومية والدين والمذهب والمعتقد والرأي واللغة، وذلك يعني، انه وضع يده على الجرح، إذ وجد ان السبب الاساس للتمييز هو الجنس قبل الأسباب الاخرى للتمييز في عدم المساواة وهذا تكريم للمرأة العراقية بشكل عام، كما انه في المادة "20" من الدستور عندما قرر حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية وقد جاءت صياغة تلك المادة بالشكل التالي: "للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة.." ومصطلح المواطنين يشمل الرجال والنساء.
واذا كانت العهود الدولية والاعلانات الإنسانية كمنع العنف ضد المرأة فقط، فان الدستور الجديد لم يمنع العنف فقط وانما منع وحظر التعسف، والتعسف هو تجاوز لاستعمال حق مشروع لا يعاقب عليه القانون كالعنف ولا يمنعه، لذلك جاءت صياغة اعادة المادة (29) الفقرة رابعاً بالشكل التالي (تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع) فيا له من نص كريم، وفي المادة (45) الخاصة بالعشائر قرر الدستور، ان الاهتمام بشؤون العشائر لابد ان يكون منسجماً مع الدين والقانون وان القصد هو تعزيز القيم الإنسانية النبيلة ومنع الدستور في هذه المادة الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان. وهذا يعني ان تلك المادة الغت ما يسمى بالنهوة و(الفصلية) وكل أنواع العسف العشائري تجاه المرأة، لان ذلك يخالف الدستور والقانون والدين.
والعيب في مؤسسات المجتمع المدني النسوية وجهلها بحقوق المرأة فهل وجدتم منظمة من هذه المنظمات شرحت تلك الاحكام؟
وهل وجدتم منظمة من هذه المنظمات عرفت المرأة بحقوقها القانونية الاخرى، منها، ان القانون العراقي يبيح للزوجة ان تكون العصمة بيدها "لها حق تطليق زوجها" وهل وجدتم منظمة نسوية علمت المرأة بأن لها الحق القانوني في ان تشترط على زوجها في عقد الزواج بان لا يتزوج من زوجة أخرى؟ وهذا هو حقها المقرر قانوناً، وهل وجدتم منظمة علمت البنات، ان لهن الحق في الحصول على حصة من مال ابيهن أكثر من شقيقهن الذكر عن طريق الوصية للبنت وفي ذلك كثير من النصوص القانونية التي لا يتسع المقام بذكرها.
ومن خلال تجربتي الشخصية في اعداد القانون الانتخابي الجديد من قبل الجمعية الوطنية المنتخبة في السنة الماضية بح صوتنا بالمناداة بالأخذ بمبدأ السلة الانتخابية النسوية كما هو معمول به في بعض دول العالم وهو ان تتنافس المراة مع المرأة في الانتخاب للحصول على (الكوتا) النسوية أي نسبة الربع في مجلس النواب، ولم تستطع اية منظمة نسوية ادراك هذا المبدأ أو الاحاطة باسراره ومعرفة مغازيه ولو طبق واخذ في قانون الانتخاب لكانت الوجوه الموجودة في مجلس النواب من النساء قد اختلفت ولما بحثت المرأة عن جلباب الرجل في القوائم الانتخابية (رجل + رجل + امرأة) ويكفي للتدليل على عجز المنظمات النسوية ان امرأة واحدة في العراق، فقط نزلت في القوائم الانتخابية كند وغريم للرجل ولم تكن تلك المرأة من المنظمات النسوية المعروفة، وفي الحقيقة لايمكن ان يحصل تقدم في المجتمع العراقي، من دون تقدم المراة ولا يمكن ان يصل المواطن العراقي الى غاياته ومقاصده من دون المرأة، فالمرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة ونظرة أي انسان للمذكورات، بشكل يخالف طبيعة الامور سوف يحوله من طبيعته البشرية الى طبيعة حيوانية أخرى.

بيت بلا سقف
انتصار حسين مساعدة هيئة ادراية في جمعية امل العراقية تقول: ان التحول الذي حصل في العراق، كان تحولاً كبيراً وسريعاً، لدرجة انه طال مختلف جوانب الحياة سلبياً وايجابياً على حد سواء، وان السائد والمعروف ان المجتمع العراقي، مجتمع متحضر ومثقف ومدني، وبخاصة فيما يخص نظرته الى حرية المرأة وممارسة حقوقها فقد كانت هناك دعوة قادها المثقفون واليساريون منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، تؤكد حرية المرأة ومساواتها بالرجل، فضلاً عن ضرورة مشاركتها في الحياة، صناعة وصياغة، لكنني واقولها بتأسٍ، لا أدري ما الذي يجري في البلاد الان، خصوصاً في اتجاه تحجيم دور المرأة العراقية، بعد ان مارست دورها طوال العقود الماضية، كمربية متعلمة ومثقفة ومناضلة، وقفت الى جانب اخيها الرجل في كل المحن والنكبات التي ضربت عرض البلاد وطولها، والعكس صحيح، إذ ان المرأة المتخلفة والجاهلة لاتستطيع ان تقدم الى المجتمع ما يحتاجه من تطور وتقدم، لقد خسرنا الكثير، وعلينا ان نبني بلدنا، ومن دون المرأة لا يمكن ان يتحقق البناء والبلاد بلا دور للمرأة مثل البيت بلا سقف. فالمؤكد ان النساء العراقيات يتعرضن الى كل اشكال العنف، اسرياً وسياسياً ومجتمعياً، بل من الواضح، أنهن بتخوفن من صعود بعض الحركات التي تشل من فاعلية وحركة المرأة في تلك الحركات، أول ما تقوم به من مهام حين تسلط وتنفرد بالقرار هو انتهاك حقوق المرأة والاعتداء على كيانها الانساني، ومن جانب آخر، نلحظ عملياً العديد من مظاهر العنف التي مورست في حق المرأة العراقية في الاونة الاخيرة.
واصبحت المرأة تراقب وتمنع من ممارسة بسط حقوقها في الحياة السوية، وبعد التغيير السياسي في البلاد، انشئت جمعيات كثيرة في بغداد خاصة بالمرأة، وبدأت تنتشر في باقي المدن العراقية، وبدأن يعملن بنضالهن اليومي ضد ظاهرة العنف، ويثقفن بنات جلدتهن بالنصوص والقوانين التي تخدم حقوقهن، من خلال الابحاث الميدانية والانشطة الثقافية، فضلاً عن تنظيمهن مشاريع المساعدات الاجتماعية، وهذه الانشطة هي بلاشك، تمس عمق واقع المرأة اليوم، كما انها تحتاج لتحقيق اهدافها وقتاً طويلاً من العمل الجاد والحثيث لرفع الغبن عن المرأة.

مقياس تقدم المجتمع نظرته للمرأة
ايناس فاضل البدران، كاتبة واعلامية وناشطة في حقوق الانسان تقول:
في البداية اذا كانت المرأة الغربية قد استعادت اثر الثورة الصناعية جزءاً لايستهان به من حقوقها بخروجها لطلب العلم والعمل وفتح طريق المشاركة لها في الانشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فان المرأة الشرق اوسطية، بقيت بعيدة عن التحولات الفاعلة والعميقة في الحركة النسوية التي حدثت في القرن الماضي، لانها ظلت محكمة بعلاقات اجتماعية وسياسية متخلفة ومحجمة وايضاً محكومة بأعراف وعصبيات قد عفا عليها الزمن اضافة الى تخلف المجتمعات العربية علمياً وتقنياً الامر الذي جعل المرأة تعاني اوضاعاً اجتماعية شائكة، مما اعاق امكانية تحقيقها ذاتها وممارستها دورها الاساسي البناء في المجتمع، ويعد الموقف الاجتماعي العام من النساء والتعريفات الاجتماعية لدور المرأة وما يترتب على هذين العاملين من توزيع للادوار وتقسيم للعمل من اهم الأسباب التي تهيئ مناخاً مواتياً لممارسة العنف بكل اشكاله ضد المرأة، فالنظرة الدونية لها في مجتمع ذكوري وفرت للبعض الذرائع والتبريرات لارتكاب العنف ضدها والذي قد يصل الى حد القتل، كما ان الموقف السلبي تجاه المرأة عمل على تهيئتها لتقبل دور الضحية وقد ساعد في هذا بعض القوانين التي تخفف فيها العقوبة على الجاني مثل غسل العار.
ان مقياس رقي وتقدم أي مجتمع في العالم يقاس بنظرة ذلك المجتمع الى المرأة، وان حرية الرجل من حرية المرأة، وكرامته من كرامتها، باختصار، إنهما طرفا معادلة الحياة ولايمكن ان يكون هناك تقدم وتمدن وتحضر دون سواهما مثلما لايمكن ان ينهض أي مجتمع ونصفه الاخر مقهور ومستلب ومشلول.


شهريـــاريـــون جـــدد
 

المحرر

ما يحصل في ظل اوضاعنا الراهنة، من ازمات متصلة واشكاليات مؤرقة، وبما تحمله هذه الاوضاع، من قيم متصارعة ومحتدمة، بين اطراف تحاول بكل ما اوتيت من قوة تقديم قيمها على حساب الاخر، المرأة العراقية، بطبيعة الحال، لم تكن بعيدة عن امواج الصراع المتلاطمة، واخذت مظاهر العنف ضدها تتصاعد وتيرتها بشكل ملحوظ. لتطول كيانها وحقوقها وحريتها ومن ثم تحجيم دورها الفاعل والبناء في مختلف مفاصل الحياة المجتمعية، لقد تعددت مصادر القهر والاقصاء والتهميش، ضد المقهور، فمرة من الاسرة ومؤسسات الدولة ومرة أخرى من المجتمع، التلميذة والطالبة والموظفة يجبرن على ارتداء الحجاب، نساء يقسرن على الزواج برغم انوفهن، واخريات يجبرن على ترك وظائفهن، بل يتعرضن في بعض احياء العاصمة الى المراقبة والمضايقة والتدخل في ابسط شؤونهن تحت ذرائع وحجج واهية باطلة.
المرأة، تختطف ويعتدى عليها جنسياً واحياناً تقتل جهاراً نهاراً، ولا من رادع أو حاسمٍ لحقوقها وحريتها وحياتها، باختصار هناك عنف منظم ضد المرأة يجعل من الام والاخت والزوجة والصديقة، أكثر قهراً وخوفاً واضطهاداً وعسفاً من قاهرين جدد، تتعدد وسائلهم وطرائقهم في التعامل مع هذا الكائن المقهور، لكن الغايات والاهداف واحدة، هي: التحجيم والتعطيل والاستملاك والتبعية والتجهيل، شهريانيون يتطلعون الى اعادة صورة المرأة الشهرزادية، في القفص والحكي والامتاع والمؤانسة والمنادمة حتى فجر صياح الديك !!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة