مقاهي
الموصل لا تزال عامرة..وصاخبة
الموصل / أصوات العراق
ينساب
صوت كوكب الشرق أم كلثوم عبر المذياع في أحد مقاهي مدينة
الموصل وهي تناجي الحبيب، ومع كلماتها يتململ الجالسون على
ارائك المقهى الذي يدور نادله ملبيا طلبات الزبائن بصيحات
يطلقها عاليا بين الحين والاخر معلنا عن وصوله.
على جدارن المقهى، والذي يبدو عليه أنه أعيد طلاؤه مؤخرا،
علقت بعض الايات القرآنية وصور لمناظر طبيعية ومخطوطات كتب
عليها حكم وأمثال من التراث العربي والاسلامي..
وتم ترتيب الارائك الخشبية والطاولات بنظام يساعد على جذب
الزبائن للمقهى.
كان هناك من يجلس في مجموعات تتكون من ثلاثة او أربعة
أوخمسة أفراد، في حين هناك من يفضل الجلوس بمفرده أو مع
صديق.
وإضافة إلى ذلك كانت هناك فناجين القهوة وأكواب الشاي
مرصوصة في صفوف متناسقة، بينما إنبعثت في أرجاء المقهى
روائح مميزة لنكهات عطرة تنوعت بين التفاح والفراولة
والفانيليا كانت تتصاعد مع تكثف ادخنة الاراجيل المصفوفة
بغير نظام أمام رواد المقهى.
اشتهرت مدينة الموصل كغيرها من المدن العراقية بكثرة
مقاهيها الشعبية ولكن بعد انتشار مقاهي وصالات الانترنت في
السنوات القليلة الماضية والتي بدأت تستقطب شرائح واسعة
ومتنوعة من الاهالي، بدأت الشيخوخة تزحف إلى المقاهي
التقليدية ولكن هناك مقاه مازالت تحافظ على اصالتها بل
تنامت الحركة فيها.
وتصنف المقاهي في مدينة الموصل حسب مهنة مرتاديها، فمنها
مايرتاده المثقفون والادباء ومنها ما يقتصر على عشاق كوكب
الشرق السيدة ام كلثوم حيث تدار اسطوانات قديمة على أجهزة
الجرامافون..وهناك مقاه يجتمع فيها الكسبة كالعمال
والاجراء بإنتظار طلب عمل يأتيهم.
وفي السابق، كانت هناك مقاه لاصحاب الحرف والصناعات
اليدوية كمقاهى الخياطين والحدادين الا ان هذه المقاهي
اختفت في الوقت الحاضر.
ومن مقاهي الموصل القديمة المحصورة في ازقتها واحيائها
الشعبية مقاهي باب جديد، وراس الكور، ووادي حجر، والمكاوي.
ومع كل هذا التنوع، تتبادر إلى الذهن أسئلة متنوعة عما إذا
كانت هذه المقاهي لا تزال تستقطب زبائنها قتلا للوقت
والتسلية بلعبة النرد والدومينو والشطرنج أم أن لها أهدافاً
أخرى، وهل تغير روادها على مر الايام والسنين؟.
يقول الحاج يحيى غازي صاحب مقهى في الجانب الايمن من
المدينة مقهانا خاص بالطرب الاصيل وتحديدا بإذاعة أغاني
كوكب الشرق السيدة الراحلة ام كلثوم..وهناك نوعان من
الزبائن منهم من يعشق السيدة أم كلثوم ومنهم من يأتي لقضاء
الوقت، عموما الحركة متواصلة في المقهى وصوت السيدة يصدح
ولدي تسجيلات نادرة لها.
أما طه عبد الحميد، وهو صاحب مقهى في المجموعة الثقافية،
فقال أغلب رواد وزبائن المقهى هم من الشعراء والصحفيين
والادباء الذين يجدون متعة وراحة عندي وتكثر جدالاتهم
ويعلو صراخهم وهم يحاولون اقناع الاخرين بوجهات نظرهم.
وأضاف قد يكون هناك سجالات ومطارحات شعرية ومناقشات فكرية
ونادرا ماتجدهم يلعبون النرد او الطاولة، انهم الطبقة
المثقفة في المدينة وقد تجد البعض منهم يلعب الشطرنج أما
البقية فحضورهم يكون من اجل طرح أفكار أوحلول على بعضهم
البعض بغية مناقشتها.
ويقول سمير سميع صاحب مقهى بالقرب من سوق النبي التجاري
غالبية زبائني من العمال والكسبة والاجراء الذين ينتظرون
عرضا للعمل من قبل ارباب العمل الذين يأتون إلى
المقهى..وغالبا مايكون مشروبهم الشاي فقط وذلك لرخص ثمنه
وتفضيله على باقي المشروبات.
أما أحمد عبد الكريم صاحب مقهى في الموصل الجديدة فيقول
إنه نظرا لوجود بعض الاعمال المسلحة في هذه المنطقة نضطر
لغلق المقهى أياما وهذا لا يعفيني من دفع يوميات العمال،
فالحالة الامنية تؤثر كثيرا في عملنا وساعات منع التجوال
تقلص من ارتياد الزبائن المقهى لانهم يحاولون انجاز القدر
الاكبر من متعلقاتهم قبل رجوعهم إلى منازلهم.
ويقول أسعد هادي صاحب مقهى في حي السكر السكني أغلب رواد
المقهى من الشباب الذين يلعبون الورق والدومينو ويتراهنون
على دفع قيمة ما احتسوه من مشروبات، وهناك كبار السن الذين
يحضرون ولكن سرعان مايغادرون بسبب الضجيج المنبعث من
الشباب.
شامل يونس صاحب مقهى في حي الاندلس، يقول لقد نافست مقاهي
الانترنيت مقاهينا واخذت تستقطب العدد الاكبر وهي مقاه
مبردة ومغلقة تتميز بالديكور الحديث والمشروبات الحديثة
المتنوعة مثل الكابتشينو والمشروبات الغازية المعلبة
الخاصة بالريجيم (الحمية)..وتكاد تسمع فيها دبة النملة أما
مقاهينا فما زالت بضجيجها وضوضائها وأثاثها البسيط
ومشروباتها التقليدية واهمها الشاي والقهوة.
وتابع يرتاد المقاهي من يريد ان يقابل اصدقاءه حيث
يتناقشون في امور الحياة وما يجري داخل البلد أو من يريد
ان يتفق على صفقة تجارية كبيع اوشراء عقار او سيارة او
ماشابه ذلك او الاتفاق على نوع معين من الاعمال لايحتاج
إلى خط الانترنيت.
وسألنا أحد المواطنين، وهو الحاج مصطفى بدر، عما إذا كان
يرتاد المقهى فقال إنها مضيعة للوقت وتجعلك تنسى الخالق
وتسيطر على حواسك لعبة كالطاولة وغيرها تلهيك عن دينك اما
المناقشات بشكل عام فتجوز في الجامع بدلا من المقهى.
أما محمد اكرم، وهو معلم متقاعد، فقال لي اصدقاء احيلوا
على التقاعد أجتمع بهم في مقهاي المفضل ندردش ونشكي همومنا
ونلعب النرد ونسمع اخبار زملاء العمل ونقتل الوقت منعا
للملل الذي يزهق ارواحنا..والحديث بيننا موحد وهو عن ازمات
الوقود وشحة الغاز وانقطاع الكهرباء وغالبا ما ننهيه بأحدث
نكتة لم يسمعها احد.
الاعلامي انور محيي الدين (قال المقهى عالم واسع ورحب من
النقاشات التي لاغنى عنها في هذا الوقت بالذات..والمقاهي
تتميز بكونها مجتمعا صغيرا يصب في مجتمع اكبر..ففي السابق
كانت النقاشات ممنوعة وان جرت فبصوت هامس تحيطها جدران
ويغلفها سقف.. اما الان فهناك حرية كاملة وهذا بحد ذاته
نكهة لانجدها في صالات النت).
اما درويش حميد، وهو طالب في جامعة الموصل فقال اجتمع مع
زملائي في مقهى قريب من الجامعة نناقش كتابا قرأناه او
قصيدة نظمها احد زملائنا او قد تضيف اديبا او ناقدا او
فنانا نكرس ماسمعناه منه لفائدتنا المستقبلية.
ويقول يوسف امجد انا اذهب من اجل تدخين الارجيلة لان زوجتي
لا تسمح لي بتدخينها في البيت.
ويبقى ان نقول ان الجميع اتفقوا على ان اختيار المقهى
يعتمد بالدرجة الاولى على قربه من البيت بهدف توفير نفقات
اجور الموصلات، ومراعاة الظروف الامنية.
|