حوارات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

(المدى) في حوار واسع وصريح حول قضايا المال والاقتصاد مع نائب رئيس الجمهورية د. عادل عبد المهدي .. عبد المهدي:ماحصل عليه العراق في موضوع اطفاء الديون لم تحصل عليه اية دولة عبر التاريخ (1-2)

  • بعض الدول اطفأت ديونها على العراق بنسبة 100%
  • الرساميل العراقية والاجنبية تتلهف للاستثمار في العراق
  • انتهت أعمار مصافينا النفطية ويجب ايداعها في المتاحف!
  • دعابة ساهمت في تسريع اطفاء ديون العراق
  • 30% من المشتقات النفطية تهرب الى خارج الحدود
     

قبل يومين، كانت (المدى) في مكتب نائب رئيس الجمهورية د. عادل عبد المهدي وحين يكون الصحفي امام د. عبد المهدي، فان المحاور المحتملة لحديث صحفي تتنوع وتتعدد ما بين السياسة، حركتها الراهنة وآفاقها الستراتيجية، المال ومشكلاته، الاقتصاد وامكانات بنائه، الامن وصلته بالمجالين السياسي والاقتصادي.. ان خبرة الرجل الأكاديمية والعملية وممارسته السياسية تفتح افقاً لحوار غني، آثرنا في هذه الجلسة ان يتركز الحديث حصراً على جوانب المال والاقتصاد، وصلتها بالحياة اليومية للناس، وبالصورة التي من الممكن ان تبنى عليها الدولة الجديدة.

اردنا ان يبدأ حوارنا مع د. عبد المهدي، من حيث تبدأ الموارد العراقية ، من نبعها الرئيس (النفط) وسبل انفاقها، استذكرنا تخصيصات وموازنات الفترة الملكية ومجلس الاعمار الذي كرس سبعين بالمئة من العائدات النفطية لمجالات اعمار وبناء الدولة، فيما كُرس القسم المتبقي لميزانية الحكومة التي امتدت لتأخذ خمسين بالمئة من تلك العائدات مع العهد الجمهوري، لتستحيل بعد ذلك الموارد النفطية كلها في عهد صدام الى ميزانية الحكومة، وتحديداً في قبضة رجل واحد.. تساءلنا : ما هو المنهج الذي يعتمد الآن، وكيف ننفق أو نستثمر هذه الواردات، وعلاقتها بالاعمار؟
* تساءلنا بدءاً عن حصة إعادة اعمار العراق من واردات النفط العراقي الذي تعتمد ميزانية الدولة بنسبة 94% منه فقال:
- عندما نتكلم عن الاقتصاد العراقي حالياً فانما نتكلم عن النفط.. ان 94% من الميزانية العراقية تعتمد على موارد النفط حصراً ودور النفط في الناتج الإجمالي مرتفع ويزيد احياناً على نسبة الثلثين وهذا امر شاذ وهكذا فان جوهر العطلات الاقتصادية يرتكز على ذلك الشذوذ.
وقال الدكتور عادل عبد المهدي.. هكذا وجدنا انفسنا أمام واقع يؤمن بأن الدولة هي الحافظة والمؤتمنة على كل شيء في حين ان العكس هو القائمّ فالدولة هي المختزلة و(الناهية) لكل شيء لانها تجد لنفسها قنوات تستثمر تلك الموارد لصالح الدولة وبالتالي فان الشعب هو الذي يدفع الثمن ولدي تعبير استخدمه دائماً: ان الدولة العراقية ببنيتها هي (الحواسم) بوعي أو بدونه استناداً الى كل الآليات التي تربت عليها خلال أكثر من نصف قرن من التبذير وتسريب الأموال الى من لا يستحقها.
* ونسأل عن الخلاص من ذلك ..؟
- يقول السيد نائب رئيس الجمهورية، للخلاص من هذا الوضع، نحتاج الى وقفة جماعية في الجانب التثقيفي، اجراءات، عمليات جراحية، ان جاز التعبير إذا حملنا انفسنا مهمة تقويم تلك الحالة، فلا خيار لدينا ولا خلاف بين الأنظمة العلمانية والإسلامية، فالأنظمة الإسلامية تعتاش على الخراج والفيء والأعشار فضلاً عن أنظمة الزكاة والخمس وكل هذه أنظمة ضريبية، والأنظمة المعاصرة تقوم على الضريبة، الدخل، القيمة المضافة، ضرائب غير مباشرة، ضريبة مسكن الخ..
* قلنا للسيد نائب رئيس الجمهورية، كيف يمكن التعاطي مع ذلك واي الاجهزة معنية بتداولها؟
- قال ان عوائد النفط حالياً، تذهب الى صندوق تنمية العراق الذي اسس بقرار من الأمم المتحدة بعد عام 2003 وسيستمر الوضع حتى 2007 فكل مبيعات النفط تذهب لهذا الصندوق وهو الذي يمول الموازنة الحكومية بجانبيها التشغيلي والاستثماري.
* من هنا نسأل عن سبب عدم استفادة المواطن العراقي من المردودات الأساسية المتحققة من ارتفاع أسعار النفط كما هو حال المواطن في الكويت والسعودية والإمارات وغيرها من الدول النفطية.. وهل من تفسير لذلك؟
- وكان الجواب هو ..
هناك تحسن واضح في مستوى المعيشة في العراق ونؤكد ان من حق العراق ان يجني أكثر فالعراق يعد بلداً متوسط الدخل، لكن نقطة البداية كانت صعبة جداً، فكل شيء قد دمر النظام الصحي، والتعليمي والخدمات كالمجاري والنفط والمياه والنبى التحتية والاتصالات والكهرباء والنقل كلها دمرت. ومع ذلك فقد تحسن المستوى المعيشي وارتفعت مداخيل المواطنين وزاد الانفاق الذي تسبب في حصول ازمة مضافة كزيادة استهلاك الطاقة الكهربائية بعد الاقبال الواسع على مزيد من أجهزة التبريد والتكييف الحديثة وهناك ضغط متزايد على المشتقات النفطية بسبب ازدياد استيراد السيارات، وأعطيك مثالاً إذ ان الإحصاءات الصادرة عن وزارة التخطيط لعام 2005 بينت ان ما كان يصرفه المواطن على المواد الغذائية قبل التغيير يصل حوالي 70% من دخله اما الان فقط انخفضت هذه النسبة الى 46% والفرق المتحقق يتم انفاقه على متطلبات أخرى.
اذن هناك تحسن لكنه اقل من الطموح. وهو بصراحة تحسن غير منظم ومتحقق بسبب زيادة أسعار النفط وليس بسبب زيادة الانتاج الاقتصادي.
- ويوضح السيد نائب رئيس الجمهورية قائلاً..
يجب ان نعرف ايضاً انه في حالة ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية فان اسعار الاستيرادات بدورها ترتفع هي الاخرى وعادة ما تكون نتائج ارتفاعات النفط انخفاظاً في سعر الدولار ونعرف ان انخفاظاً هائلاً قد طرأ مؤخراً على سعر الدولار مقابل الذهب فضلاً عن ارتفاعات متقابلة في أسعار المواد والاستيرادات حالياً، ومع ذلك ازدادت عندنا الوفرة ففي عام 2003 تحققت ثمانية مليارات دولار وارتفعت الموازنة الى 15 مليار و30 مليون دولار وكل ذلك يقابله انفاق متواصل رواتب الموظفين والمتقاعدين ومشاريع مختلفة لكننا ينبغي ان نتذكر ايضاً ان هناك خللاً في بنية الاقتصاد العراقي ويتطلب ذلك الاصلاح ونحتاج الى وقفة تثقيفية تربوية اقتصادية مما يوجب رفض الاعتياد على الخلل لان ذلك سيفاقم المشكلة ولا يحلها إذن لا يمكن ان تفهم العملية بهذا الشكل انها انسيابية، انما يجب ان نفهم ان هناك متطلبات في الاقتصاد والعمل والضرائب والانتاج بمختلف جوانبه وهناك مردودات متحققة من هذا الانتاج ولا يمكن ان تتوقف العملية على وظيفة وراتب، حيث العلاقات القائمة الان تؤشر لعلاقات دولة ريعية وهذا امر غير سليم ابتداءاً.
* نحن بحاجة الى فهم فلسفة الرواتب المعمول بها الان رغم ايماننا بان المتغيرات سوف تتحقق تدريجياً فلو توقفنا عند نظام الرواتب الحالي، سنجد فروقاً ساشعة بينها فهناك دخل يصل الى ثلاثة أو أربعة أو خمسة آلاف دولار في حين هناك دخولاً تبدأ باقل من مئة دولار بما يعني ان لا ضوابط واضحة تحكم الأمر وبما يعرض المجتمع الى وضع غير سليم ماذا تقولون..؟
-هذا صحيح ولايمكن هنا ان أبرر وتحليل الحالة يؤكد وجود نزف أو مرض أو عطل، ووصف الحالة هو ليس كل زيادة في الدخل الى ستة الاف دولار تشكل حالة خلل، واذا تطلعنا لنهوض الامة لا ينبغي ان تصل الدخول الى ستة الاف وعشرة آلاف واحياناً ملايين، ولنقف عند المعايير الأساسية، ففي السياقات السابقة أدت الى تفكك غالبية الطبقة الوسطى وتحولها الى طبقة فقيرة، السياقات القائمة الان تسعى لبناء طبقة متوسطة وحين نتكلم عن مئة دولار بغض النظر عن تضاعف الاسعار، فان هذه المئة كانت تعني راتباً متقدماً جداً قبل اربع سنوات كان معدل الدخل دولارين بالشهر. فاذا تضاعف هذا المبلغ خمسين مرة ويمكن ان يكون افضل اذا ما تضاعف مئتي مرة، كانت السياقات الماضية تدمر مجموع الطبقة الوسطى وهي (حمالة) المجتمع، وتوسع من دائرة الطبقة الفقيرة التي اضطرت لبيع ابوابها وكتبها ومنازلها وممتلكاتها ومقتنياتها. وتحول اجزاء من الطبقة الفقيرة الى طبقة وسطى عاطلة وقلة قليلة جداً منها أخذت تحسب على المليارديرات.
هكذا كانت الخريطة الاقتصادية الاجتماعية في العراق، الآن بدأت الطبقة المتوسطة تنمو في كردستان. مثلاً العامل غير الماهر يتقاضى مبلغ ثلاثين الف دينار يومياً في حين يتقاضى العامل غير الماهر في بغداد خمسة عشر الف دينار، وهذا يعني ان اجر العامل غير الماهر في كردستان أكثر من موظف الحكومة، وهو امر ايجابي، إذن هناك حركة لارساء متطلبات الواقع الاقتصادي الجديد لكنها تدريجية وتحتاج لجهود الدولة كما تتطلب فعاليات رجال الاعمال في رفدهم للحركة الاقتصادية وقيادة توجهاتها. نعم هناك تفاوتاً، وظلماً، وفوضى لكن اذا اتجهنا لتجريد المسائل الشخصية كمحللين اقتصاديين بهدف تشخيص الحالة هل سنجدها تتراجع ام تتقدم، بالمطلق سنجدها تتقدم وتعيد بناء نفسها بشكل اصح.
ونقول للسيد د. عادل عبد المهدي:
هل يعنى هذا ان هناك في أروقة الحكومة دراسة لخلق توازن في حركة الأسعار مع موارد المواطنين وبما يحقق معادلة بين تلك الموارد وحاجات المواطن وضعف الخدمات.
وعقب د. عادل عبد المهدي على ذلك بالقول:
بصراحة انا أشكو من قلة الوعي الاقتصادي داخل الحكومة وخارجها، ونحتاج هنا الى وعي اعلى لطريقة إنفاق الأموال وتفعيل النشاطات ان كانت حكومية أو غير حكومية. لقد عطلنا قانون الاستثمار ثلاث سنوات والآن انجزنا قانون استثمار شبيه بالقانون القديم، لكنه أكثر جرأة من سابقه، لكن ما يعيقنا هو الوعي، نستمع من الاخرين الى كلام شعاراتي دون ادراك الواقع الذي يعيشه العراق.
* سؤال آخر عن هروب الرساميل كظاهرة تعبر عن صورة الواقع غير المسؤول الذي نعيشه وما سبب ذلك؟
- قال: لقد نزحت الرساميل العراقية منذ زمن النظام البائد لانها عملة قابلة للتحويل مودعة لدى المصارف وبالتالي فهي ليست موجودة في العراق اصلاً، حتى الحكومة السابقة كانت تؤسس شركات واجهية ومعظم اموالها في الخارج فكيف هو موقف المعارضين والتجار، كان معظمهم يودع امواله في الخارج.
ان هذه الظاهرة موجودة منذ خمسينيات القرن الماضي حيث مسلسل الانقلابات العسكرية وإجراءات التأميم ولان الرساميل تتطلع دائماً الى الثبات والاستقرار والديمومة، ولاتهمها المخاطر المهم ان تتحقق الاستمرارية وحين لا تتوفر تبحث عن اماكن تتحقق فيها تلك العوامل، لبنان مثلاً قد تفتقر الى حكومة قوية، لكن فيها نظام قوي كلما تخرب يعيد اصلاح نفسه، لان الرساميل التي تأتيها بامكانها الحصول على أرباحها بفعل الحصانات
والضمانات القائمة، دون الحاجة الى قرار من وزارة التخطيط وموافقة من وزارة التجارة، رؤوس الاموال العراقية اصلاً غادرت وهي متربصة في مصارف عمان ودبي وبيروت بانتظار العودة والاستثمار في البلاد فحين تفتح الانترنيت تجد توجه أعداد هائلة من المستثمرين وهم يسعون للحصول على فرصة استثمارية في العراق، هناك مشروع لمنح إجارة مزاد للخلوي، تقدمت عشر شركات عالمية كل شركة ستضع مئات الملايين من الدولارات لكي تعمل في العراق، افتح مجال الاستثمار للنفط سترى ما يحصل في الكهرباء، في السمنت في الحديد لتقف على الرساميل العراقية والأجنبية التي تتلهف للاستثمار في العراق.
بعد قيام دول نادي باريس بشطب جزء كبير من ديونها على العراق فرض صندوق النقد الدولي شروطا مؤلمة ومنها رفع الدعم عن المشتقات النفطية وغيرها الامر الذي اربك الحياة المعيشية للمواطنين.. الا تعتقد ان بالامكان اعتماد اسلوب اكثر انسانية في اطار الايفاء بتعهدات العراق امام الصندوق.
اجاب د. عادل عبد المهدي
أولا: لم نكن مخيرين في التعاطي مع الدول الدائنة او صندوق النقد الدولي فقد سبق ان تطرقت الى صندوق التنمية العراقي، العراق رهن وحجز، بعد ان كنا امام قرارات حصار عقوبات ثم اصبحنا امام دائنين، مما قد يؤدي لحجز أي بيع للنفط العراقي وهو ما يضطر العراق ان لا يبيع نفطه وعليه ديون متراكمة تزداد تراكما بفعل الفوائد بما لا يخرج بأية نتيجة، تصاعدت بعض الاصوات رافضة دفع الديون..
طيب كيف ستكون النتيجة؟، نتوقف عن بيع النفط، كيف سيكون موقفنا امام متطلبات رواتب ومفردات الانفاق داخل البلد؟ اذن الكلام غير المسؤول ينبغي ان لا نقف عنده طويلا، وهنا كان علينا ان نذهب ونتفاوض لحل مشكلة الديون علما بأن ما حصل عليه العراق في موضوع اطفاء نسبته الثمانين بالمئة لم يحصل ذلك في التاريخ.. روسيا كانت مدينة بمئة مليار اعطيت خمسين بالمئة واحسن ما حصلت عليه يوغسلافيا التي كانت مدينة بخمسة ملايين دولار انها اعطيت 67 بالمئة، معركة الديون التي خضناها كانت جبارة حتى ان ما حصلنا عليه لم يكن في تصور احد قبل فترة كنت في باريس والتقيت مستشار الرئيس الفرنسي شيراك السيد مونتان، وقال لي بالحرف الواحد ان ما حصلتهم عليه شيء غير ممكن، لكن عوامل كثيرة ادت الى لي الذراع فحتى اللحظة الاخيرة كنا امام ورقة شرسة من دول كثيرة رفضت اعطاءنا هذه المزية، صحيح ان الفوائد المتراكمة رفعت المبلغ الى 130 مليار دولار لكن اصل الدين ضخم هو الاخر حيث بلغ من 36 الى 40 مليار دولار اصل الدين السعودي مثلا تسعة مليارات دولار، فحين يرتفع الى 40 او خمسين فبسبب الفوائد التأخيرية وحقيقة الامر اننا خفضنا تلك الديون الى اكثر من ثمانين بالمئة لان بعض الدول اطفأت الديون بنسبة مئة الف مثل الولايات المتحدة، كما قمنا بشراء الدين التجاري بعشرة سنتات ونصف السنت للدولار مما يؤشر ان تخفيض الدين او اطفاءه كان بنسبة 89 او 79 وفاصلة بالمائة، بمعنى اننا سندفع من كل مئة مليار دولار حوالي عشرة مليارات، من 30 مليار سندفع ثلاثة مليارات من مجموع الديون التي سندفعها هي اقل بربع من الدين الاصلي، فهذا انجاز غير اعتيادي ودول كثيرة مثل نيجيريا احتجت مطالبة بمساواتها بما تحقق مع الدين العراقي، كما ان ذلك وفر لنا بيئة عالمية جديدة، أعطتنا خبرات هائلة، وخلال تعاملنا مع الديون دخلنا مؤسسات مالية دولية وتعرفنا على جوانب كنا نجهلها بما في ذلك الاموال التي كانت تابعة للنظام السابق وطبيعة الديون الحربية، وفرتها خبرة العمل في هذا الاطار.
*ولكن ماذا عن اشتراطات صندوق النقد الدولي؟
-بالنسبة لشروط صندوق النقد، فينبغي ان نعرف ان الصندوق كان عاملا مساعدا في الغاء الديون على العراق مثال على ذلك انك اذا اتجهت للاقتراض من مصرف وعجزت عن التسديد، وطلبت من مدير المصرف ان يستمهلك فستكون اول طلباته الضمانات التي توفرها، هكذا هو المنطق الاقتصادي وبمقدار تحسن اداء المشروع الذي تمتلكه ستتحقق مصلحة المصرف لان ديونه يمكن ان تسدد لذلك ينتظر صندوق النقد الاداء الاقتصادي الجيد بحيث بدلا من ان يكون العراق مدينا، وتطالبه الدول الدائنة باقساط يعجز عن تسديدها مما قد تغير من الاليات الاعتيادية المفترض التعامل بها، يمكن للدول الدائنة بدلا من استيفائها لاقساط الدين ان تحصل على ارباح استثمار، هذه الخيارات تجعل صندوق النقد يطالبك باطلاعه على خططك المستقبلية في اصلاح الاقتصاد وتفعيل دوره والياته.. حيث توصلنا ان لا استثمارات في الاقتصاد ولا امكانية على سداد الديون.
دعني انقل لك هذه الدعابة التي رويتها للمجتمعين في نادي باريس: قلت لهم ان مدينا كان يشكو لزوجته الارق لاستحقاق دين جاره عليه في اليوم التالي ولعدم، قدرته على السداد، فاستمهلته لحظة وصاحت من النافذة على جاره: يا ابا فلان في الغد سيحين موعد سداد دينك علينا، وارجوا ان تعرف اننا لا نملك الان ما نسدد به هذا الدين، ثم عادت الزوجة الى زوجها المهموم وقالت له: لقد نقلت القلق منك الى بيت الجيران الان نم وسيظلون هم صاحين الليل كله.. وهذا ما اخبرت به نادي باريس، علينا ان نبحث بالحل الذي ينطلق ان ليس في العراق ما يوفي دينه الا البدائل الممكنة، قلنا لهم ان العراق اذا حسن اقتصاده وزاد انتاجه النفطي من مليوني برميل الى ثلاثة ملايين كل ما كان عائقا بيننا وبين النادي متوقف على مبلغ ثمانية الى عشرة مليارات دولار، بالامكان استرجاع كل الديون خلال سبعة عشر يوما فقط، كانت الحجة الاقتصادية دليلنا الى صحة نياتنا، لذلك طولبنا بالكشف عن مشروعنا الاقتصادي ولا بد ان تكون في هذه الحالة سياسات الدعم هي الهدف الذي لا بد منه بعد ان انهار الاقتصاد حين غدت سياسات الدعم تحتل 60% من موازنتنا بدءاً من البطاقة التموينية الى تخصيصات شراء الوقود لتشغيل الكهرباء، لذلك كانت النتيجة المنطقية هي ان لا يمكن اصلاح الاقتصاد في الوقت الذي تنفق فيه 60% من الموازنة كاعانات خاصة ان نصفها يهرب الى الخارج.
قلنا للدكتور عادل عبد المهدي:
دكتور.. إننا نعتقد بأن التعامل الذي تم وفق برنامج الغاء الدعم كان من الشدة والصرامة بحيث فرض اسلوب الصدمة عندما تم التعامل مع اسعار المشتقات النفطية مما فاقم من الازمة التي استغلت من قبل المافيات واستشراء الفساد في مؤسسات كثيرة ان لم يكن في اغلبها.
نعم الدعم موجود في كل دول العالم، وهو ما ينبغي ان يجري في العراق ولكن ينبغي ان يرشد بطريقة ما بحيث يذهب الى من يحتاجه، لقد وصل الامر ان فئات من الشعب لم تعد تحتاج الحصة التموينية لذلك اخذت تمتنع عن تسلمها، وهذا يتطلب ان نأخذ من كفة من لا يحتاج الدعم لنوصله الى كفة من يحتاجه فعلا.
لكننا اذا ما انتقلنا الى المشتقات النفطية فالامر مختلف العراق ومنذ خمسين سنة لم يشهد استثمارا نفطياً في ميدان التصفية وان اخر ما تم انجازه في هذا المجال هو مصفى بيجي الذي بلغ عمره الان اربعة عقود، مصفى الدورة عمره خمسة عقود وفي أي مكان بالعالم تؤخذ هذه المشاريع الى المتحف، اذ لم تعد تقنياتها او انتاجيتها تتلائم مع معطيات العصر بغض النظر عن كل التطورات التقنية التي حصلت.
- هناك وثائق تؤكد أن عقد استثمار النفط العراقي مع شركة نفط العراق في حينه لم يتضمن أية إشارة إلى موضوع تصنيع النفط داخل العراق أو مشاريع التصفية على غرار العقد مع فنزويلا مثلاً الذي أكد على هذا الجانب فكيف حصل ذلك.
إذن لدينا تأخر بصناعة بالبتروكيمياويات أساساً كما تفضلت كما انشغلنا بالحروب بحيث لم تنفذ عندنا أية استثمارات بدءاً من الثمانينيات عسكرية كانت أو مدنية، وحتى الطرق التي أنجزت كانت لأغراض عسكرية، المطارات أنشئت للغرض نفسه الناصرية مثلاً لم تشهد تنفيذ أي مشروع، لكن فيها أعظم قاعدة طيران في العراق بينما تفتقر إلى محطة تحلية ماء - ما موجود في العراق من إنتاج نفطي يتراجع بسبب التقادم فضلاً عن عمليات التخريب المعروفة، أقصى ما استطيع الوصول إليه من إنتاج في المصافي العراقية (11) مليون لتر يومياً. كان الإنتاج في حينه يلبي الحاجة الحقيقية لأن عدد السيارات ثابت بسبب توقف الاستيرادات، الان دخلت البلاد نحو مليوني سيارة، الآن 30% من محطات التوليد الخاصة هي التي تجهز بالطاقة الكهربائية كل هذا يستهلك النفط والبنزين، ثم إن فتح الحدود جعل ما يقرب من 30 بالمئة من المشتقات النفطية يتم تهريبها أو تباع في السوق السوداء.
*وكم أصبح الاستهلاك في العراق الآن؟
- لقد بلغ استهلاكنا الآن 24 مليون لتر بنزين وإن إنتاجنا هو 11 مليون، كطاقة عليا فأحياناً ننتج ستة ملايين وفي أحيان أخرى أربعة. إذن كيف يتم تعويض الفجوة التي تبلغ 13 مليوناً أو 14 أو حتى 16، كيف يمكن تعويضها؟
نضطر للشراء بثمانمئة إلى تسعمئة دينار للتر لتباع بمبلغ 350 ديناراً حسب آخر تسعيرة.
بهذه الطريقة نخسر المليارات من الدولارات مما يحملنا المسؤولية الكاملة في السعي لبناء مصاف جديدة وإلا سنضطر الى أن نبيع النفط لنشتري البنزين فقط. يضاف إلى ذلك ما نعرفه من تزايد عمليات الإرهاب التي تستهدف الصهاريج ومحطات التعبئة والأنابيب. هذه الحسابات بغض النظر عن المشاكل الأخرى كالفساد الإداري والمافيات وتصرفاتها غير المسؤولة.
ونحن نقترب من ختام حوارنا مع السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية سألناه عن ما يتردد في الأوساط الاقتصادية باستبدال مفردات البطاقة التموينية بمبالغ نقدية.. ألا يخلق ذلك إذا ما تم إشكالات اقتصادية ومعاشية للمواطنين وأرباحاً لأسواقنا والأسعار السائدة ليكون الشعب في النهاية هو الخاسر؟
قال: إن أهم ما يجب أن نفكر فيه بالنسبة للبطاقة التموينية هو تحسين مستوى أدائها ومفرداتها، وكلاء عديدون يؤكدون أن بعض المواطنين لم يتسلموا حصصهم في هذه الحالة وإذا ما نجحنا في إيصال البطاقة لمستحقيها فعلاً يمكن أن نطور مفرداتها، فإذا كانت كلفتها مثلاً عشرة دولارات يمكن أن نرفعها إلى خمسة عشر دولاراً، فحين تشكل واحداً أو أقل بالمئة من الدخل لم تعد لها أهمية، لكنها حين تشكل سبعين بالمئة مثلاً يكون لها أهمية كبيرة. إذن أول علاج جذري وأساسي هو تحسين المستوى المعيشي، العلاج الثاني: في كل دول العالم بما فيها الغنية توجد سياسات إعانة، بحيث تنظم إعانات اجتماعية في بلدنا. إذ لا يمكن أن يشمل المليونير والفقير بالبطاقة التموينية، وهنا يجب أن تزداد للفقير وترشد للموسر، وإذا كان المطلوب حالياً الإبقاء عليها عينية لأغراض معينة يجب تحسين النوعية والتركيز على المواد الجيدة وإذا ما تقرر تحويلها إلى بديل نقدي فهذا القرار يجب أن يناقش، دعني أذكر لك: بعد الحرب العالمية الثانية دخل مفهوم في العراق، أن يرفق بغلاء معيشة.. والإعانة المادية أو البديل النقدي المنتظر هو ما كان يعرف بغلاء المعيشة. وبهذا بالإمكان إدخال البديل النقدي في سلم الوظيفة أو سلم المجتمع ويصرف بشكل انسيابي.
*وماذا عن علاقة البديل النقدي برفع مؤشر التضخم؟
- إن الدولة يجب أن تفتح فكرها، وإذا لم تفكر بصوت عال لا يمكن أن تصل إلى نتيجة، الدولة ومسؤولوها الاقتصاديون يجب أن يتدارسوا أي مشروع ويؤشروا تداعياته ومؤثراته يجب أن يرسموا سيناريوهات حتى يتوصلوا إلى قرار صائب قبل العمل به.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة