تحليق فوق
غمامة صيفية ..
الضوء ينكسر على جسد
المراهقين.. خوف ، عمل وأحلام خجولة
بغداد
/ بشيرالأعرجي
معادلة صعبة تلك
التي يجمع خصائصها زيد ناصر ذو الثلاثة عشر (صيفاً)، فتراه
للعام الثاني على التوالي يعمل بنفس المهنة فترة عطلته
المدرسية ويملأ فراغ ما تبقى من يومه بهواية أدمن عليها.
وشتان ما بين مسك مكنسة التنظيف تحت الشمس اللاهبة ومداعبة
الــ (ماوس) في مقاهي الانترنيت قبل المساء، وتلك هي
اهتمامات زيد وما تعودت عليه يداه، وأحتلت حيزاً كبيراً في
دماغه المتعطش لهوايات يمارسها دون إجهاد في ساعات النهار
المليء بعمل لا يناسب عمره.
منذ ساعات الصباح الأولى في الشارع حيث عمله يبحث زيد عن
ظل يحتمي به من أشعة الشمس، وتزيد حرارة جسده قطعة إضافية
إلى ملابسه الرثة، يرتديها كي يعرف المارة بأنه منظف شوارع،
مهنة التنظيف تلك تشعره بالخجل من أصدقائه أو من يعرفه لذا
أضاف قطعة أخرى إلى جسده النحيل لف بها وجهه وزادت من
صعوبة تنفسه، والغبار ودخان عوادم السيارات يلتفان حوله.
ينظر إلى زملائه وجميعهم يرتدون قمصاناً بلا أكمام ذات لون
برتقالي، يبتسم ويقول "دائماً ما أتصور نفسي مصوراً رياضياً،
فالمصورون يلبسون مثلنا في الملاعب" ويضيف مكملاً حلمه "اخبر
أصدقائي في العمل بأننا مثل المصورين بملبسنا وهذا ما
أتمناه.. الوقوف قرب علم الزاوية في الملعب والتقاط صور
للاعبين مشهورين بأوضاع لا يمتلكها احد، إلا أنا، ولكن ليس
لدي كاميرا ولا توجد مباريات في الملاعب".
لن يكون خليفته
زيد ليس الوحيد
بين أقرانه في سن المراهقة الذين يعملون لساعات طويلة في
التنظيف أو غيرها من المهن، ولكن هناك الآلاف منهم يبحثون
عن المال وسيلة تسد أوقات الفراغ المكلفة، وغالبيتها في
مقاهي الانترنيت أو اللهو بأجهزة الاتصال (الموبايل)
بالنظر إلى افتقار نسبة كبيرة من المناطق السكنية الى
وسائل الترفيه التقليدية مثل ساحات لعب كرة القدم (الأمينة)
وغيرها من الألعاب أو المسابح الأهلية والحكومية.
قد يتساءل ممن لم يعرف الوضع في العراق جيدا..ً كيف لا
يمكن لعب الكرة والساحات تملأ بغداد وصرفت عليها مئات
الملايين لتأٌهيلها وزرع العشب الأخضر الذي بات علفاً
لقطعان الغنم والماعز الجائبة في الأزقة والساحات، وربما
يكون السؤال أيضاً أن مئات الآلاف من الأولاد لا ينتمون
إلى (فصيلة) زيد العاملة فلماذا لا تمتلئ الساحات بهم فترة
العطلة الصيفية؟
يوسف حسين / 44 سنة وكان قائداً لفريق شعبي في حي العامل
أبعدته الخدمة العسكرية عن الاستمرار في مزاولة اللعب، ولو
استمر فيها لأصبح اسماً لامعاً في سمائها، يقول معللاً سبب
منع ولده من لعب الكرة في منطقته "قبل مدة استشهد عدد كبير
من الأولاد في منطقتنا بحادث تفجير وهم يلعبون، حتى هذه
اللحظة يتذكر الجميع صرخاتهم في الملعب وأثناء لفظهم
الأنفاس الأخيرة، لا أريد أن يكون مصير ولدي الموت أو يكون
لاعباً مميزاً مثلي في ضوء الأخطار المحدقة به أثناء
التجمع في الساحات" ويضيف"الكسل في بعض الأحيان ضروري
لسلامة الأبناء ولو كان الظرف غير الذي نمر به لكنت أول
شخص أشجعه على لعب الكرة في كل الأوقات"، ويستدرك بالقول "من
حسن حظي أن موجات اللهو هذه الأيام هي أجهزة الموبايل، لذا
اشتريت لولدي إحداها من النوعية الحديثة كي تشغله ساعات
اليوم وتنسيه الكرة ومخاطرها، صحيح أن سعر الجهاز أكثر من
ثلاث مئة دولار إلا أن حياته أغلى بكثير".
أطلال ساحات
لا ينكر احد أن
العامين الماضيين شهدا حملة لأعمار وإنشاء ساحات كرة القدم،
إلا أنها سرعان ما هجرت أو تم الاستيلاء عليها، يقف سيف /
15 سنة مع أصدقائه في منطقة سكناهم بالعامرية ويتذكرون
أيام لعبهم في الساحة التي أصبحت اليوم موقعاً عسكريا
للجيش الأمريكي وتحيطه العوارض والأسلاك الشائكة حتى أنهم
يخافون الاقتراب كي لا يصابوا باطلاقة نارية، وفيما هم
مستغرقون في النظر يحاول احدهم إقناع الآخر أن الساحات في
عموم العراق قد ألغيت.
سيف يضرب مثالا لأصدقائه ويقول "لي صديق في منطقة البياع
اخبرني أن (نادي البياع) وملعبه صار ساحة لوقوف شاحنات
الشركة المنفذة للجسر الجديد المشيد هناك، وكميات الاسمنت
والرمل المبعثرة على أرضه ستمنع العشب من النمو للأبد، أما
في منطقة حي الجهاد فساحتها أشبه بالبادية لأن العديد من
العوائل المهجّرة سكنتها وخيمها المهترئة تتوزع على جانبي
الملعب، وغيرها وغيرها..."، ويهمس في اذن احد أصدقائه "هناك
مقهى انترنيت (دي لوكس) لا يستطيع احد أن يشاهد ما نتصفحه
بمبلغ ألف دينار للساعة الواحدة.. هلموا يا شباب إلى الصور
الـ ...".
عرس باكستاني
عبد الكريم جواد
يعمل كاسباً سمع ذات يوم ولده البالغ من العمر سبعة عشر
عاماً يحدث صديقه في الهاتف عن موقع إباحي بلغاري لم
يزوراه من قبل، فدّق ناقوس الخطر أن الغواني من أوربا
الشرقية سيسكنّ غرف بيته وعقل ابنه، فبادر إلى تزويجه،
وكنت مدعواً إلى العرس وبدا كأنه في إحدى قرى باكستان حيث
الصبيان والبنات يتزوجون قبل أن تنمو أعضاؤهم بصورة كاملة،
لم يدرك العريس ماذا يجري من حوله ولم يستوعب الأفكار التي
بدأت تتكاثر في عقل والده قبل تكاثر الشعر على ذقنه الصغير،
الخوف من انحراف الابن كان هاجس الأب والطريقة التي تعامل
بها لمعالجة الموقف بدت أكثر حزماً في ضوء الاختناق والكبت
الذي يحيط بالولد المراهق. "هؤلاء الصبية اليوم يعرفون
أشياءً لم نكن لنفطن لها إلا بعدما أصبحنا رجالاً وقد
يقومون بأفعال خطرة يظنون أنها تملأ أوقات فراغهم الخالية
من أعمال مفيدة"، يتحدث عبد الكريم معللاً سبب تزويجه ولده،
وتخليصه من أصدقاء السوء، "الزواج يبعد الرجل عن أصدقائه"..
فكرة يصفق لها بائعو البهارات في إسلام آباد والقرى
المحيطة بها وليس في بغداد، ولكن هل هذا هو الحل؟.
حبوب
انمار صلاح لم
يكمل الخامسة عشرة من عمره يرتدي على الدوام فانيلة مرقطة
وبنطلوناً عسكرياً كأنه احد أفراد المارينز ودائما ما يخفي
سكيناً صغيرة في جيبه، يقول والسيجارة في فمه"اعمل في
تصليح السيارات بمنطقة الوزيرية، وهذا المكان تجري فيه
معارك وشجارات مستمرة بين الموجودين هناك وقد تطولني
إحداها، لذا أغيّر ملبسي مثل أصدقائي كي أبدو أكثر قوة
واحمل السكين دفاعاً عن نفسي لو حدث شجار معي"، ويضيف "اجبرني
والدي على العمل وترك الدراسة وأقنعني أن الشهادة لا تفتح
بيتاً، لا أجيد شيئاً سوى تصليح السيارات"، لكن انمار كذب
علي ولم يقل بأنه يعرف أنواعاً من الحبوب المخدرة التي
يتعاطاها مع أصدقائه العاطلين عن العمل في منطقة سكناه
الشعبية.
نهاية حتمية
في منطقة حي
الحمراء يجوب أربعة مراهقين ويحملون بأيديهم أكياساً مغبرة
فيها علب مشروبات غازية بكميات قليلة رغم تناثر العلب في
كل مكان، ما يقومون به أن يقف احدهم بداية الشارع والآخر
نهايته للمراقبة، وأسرعهم حركة ينط خلف سور احد البيوت
لسرقة الغسيل على الحبال والأخير ينتظر الغنيمة ليواريها
بين العلب في كيسه، الفضول دفعني إلى متابعتهم ومعرفة
كيفية إنهاء عملية السطو تلك..
في مكان ما على الشارع العام يتجمع أكثر من عشرة صبيان
وجميعهم يجمعون العلب الفارغة من الشوارع، إلا العصابة
الصغيرة فأكياسها معبأة بما تم التخطيط له وبانتظار سيارة
(البيكب) التي تقلهم إلى حيث يبيعون ما يجمعوه و(يسرقوه)،
احمد الزبيدي / اختصاص في علم الاجتماع يقول أن العصابات
الصغيرة سرعان ما تصبح كبيرة لأن احتياجاتها وإنفاقها
سيزداد مع تقادم الوقت وتوغل فكرة الجريمة المخططة بإتقان
في عقولهم، ويضيف "بعض العوائل ترمي بأولادها إلى الشارع
للعمل وتحرمهم من حق التعلم والدراسة، لكن هل تكون العائلة
هي الملامة دائماً؟، من المفترض أن يكون المجتمع برمته
ووسائل التثقيف مسؤولة أيضاَ ابتداء من المدرسة إلى
الإعلام المكرس لفكرة استمرار تعليم المراهق مستخدماً
وسائط مقبولة وقريبة من عقله"، ويستدرك بالقول "مع أن هناك
اولويات في العمل الإعلامي إلا أن المراهقين إن استمر
بعضهم في التشظي بين أفكار الجريمة والخوف فأعتقد بأنهم
سيكونون أكثر خطراً في المستقبل ولن يكبح جماحهم إلا السجن
وهو ما لا نريده لأبنائنا".
ويبدو أن السجن أو الإصلاحيات هو المكان الأخير الذي لا
يتمنى زيارته المراهق، لكن الجريمة والانخراط في العصابات
التي يديرها الكبار تسرّع من خطوات الوصول إليه مضافا
إليها أن بعض المراهقين يعانون من تفكك اسري ناجم عن الوضع
الأمني والاقتصادي السيئ أو أن البعض الآخر منهم يتامى
فتكون العصابات حاضناتهم قبل السجن، ومن هنا يأتي دور
الدوائر المختصة في وزارات العمل والشؤون الاجتماعية
والتربية والعدل في متابعة المراهقين المشردين وإيجاد حل
لما آل إليه وضعهم، فذوو الخبرة بالإجرام من السهولة أن
يتلاعبوا بمصير القادمين الجدد إلى الشارع، ابعد الله
الفتيات عنه.
اختباء منذ القدم
بتقديري الشخصي
فأن الفئة العمرية الأكثر تأثراً بسلبيات الوضع الأمني هي
(المراهقات)، لأن وسائل التسلية خارج البيت تكاد تكون
محدودة ضمن الأوضاع الطبيعية فما بالك الآن.
منتصف الثمانينيات كنت من هواة السينما ودائماً تصبو عيناي
نحو مقاعد (العوائل) ذات الكراسي المبطنة بالإسفنج المريح
وأتحدى أصدقائي بإمكانية الجلوس هناك، لكن إدارة السينما
تمنعني ولعدة مرات هددت بالطرد من الصالة لانسلاخي عن جسد
الشلة ومحاولة الوصول إلى (المكان الملكي).
في تلك الفترة ومن ضمن وسائل الترويح عن العوائل دور
السينما حيث يرتادها الرجال والنساء مع أولادهم وبناتهم،
والبنات في أعمار مختلفة، فيهن المراهقات المختبئات
باستحياء خلف شارب الأب؛ وتغير الوضع وصار خروج المراهقة
مع ذويها خطراً ليس إلى السينما فقط بل إلى الشارع أيضاً..
العوائل هجرت صالات العرض منذ سنوات وبقيت المدارس وزيارة
الأقرباء على قلتها النافذة الوحيدة للمراهقات.
صديق لي واسمه أسامة العكيلي يدير مقهى انترنيت، قسّم
مقهاه إلى ثلاث صالات، الأولى للصغار والمراهقين والثانية
للشباب وكبار السن والأخيرة للعوائل وإقامة الدورات، يؤكد
أسامة أن ما يجري في صالاته يتكرر في العديد من مقاهي
الانترنيت في بغداد ويقول "بعض الفتيات يتضايقن من وجود
الشباب في نفس الصالة لذا عمدت إلى عزل قاعة العوائل بعيداً
عن صراخ الصبيان والمراهقين، ما ألاحظه أن الفتيات في سن
المراهقة اقل فئة تستخدم الانترنيت في بغداد لصعوبة خروجهن
إلى الأماكن العامة وعدم وجود ضوابط في تصميم المقاهي
إضافة إلى التجاوزات الأخلاقية واللامبالاة من بعض
المراهقين بإزعاجهم الموجودين في الصالة أو تواجدهم
بمجموعات خارجها ويعتبرونها حرية شخصية"، ويضيف "الفتيات
يأتين إلى محاضرات دورة الانترنيت مع والداتهن بنسبة ضئيلة
وحينما يتعلمن يشتركن بخطوط (الوايرليس) ولا يعدن إلى
الصالة أبداً".
وزادني صديقي بمعلومة أخرى أن بعض العوائل يرفضون تعليم
بناتهم المراهقات للانترنيت خوفاً عليهن من مساوئه وأضاف "هذا
الأمر يزيد من اختناق الفتاة وتخلفها مع قلة اختلاطها
اليوم بالحياة ووسائل الترويح العامة".
لا تمتلك العالم
في بلدها
وإذا كنا نتحدث عن
المراهقات فزيارة قصيرة إلى مدينة عمّان الأردنية حيث
العراقيون ملأوها حد التخمة نشاهد أفواج العراقيين يقصدون
دور السينما غير آبهين بالدنانير الاردنية الخمسة، وهي سعر
تذكرة الشخص الواحد وهو مبلغ لا يكاد يحصل عليه منظف
الشوارع (زيد) طوال عمله اليومي، المهم بنظرهم التسلية
وإعادة أيام الثمانينيات إلى الأذهان.
في شارع عبدون ومقهى السلطان والدوار السابع وغيرها من
المناطق وسط عمان يتجول مجاميع الشباب باختلاف أجناسهم،
ووجهتهم المقاهي، في أحد الأماكن لفتت انتباهي فتاة عراقية
لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها تدخن الناركيلة مع
صديقاتها، ومن لهجتها وفناجين القهوة التي شربتها عرفت
جنسيتها، سألت احد أصدقائي العراقيين.. ترى لو لم تقم
الحرب وجرى ما جرى في العراق هل كانت تلك الفتاة ستدخن
الناركيلة في احد مقاهي أبو نؤاس، لم يجبني الصديق لأنه
فتن بكتفيها العاريين.
وتشاء الصدف أن التقي بفتاة اعرف عائلتها في بغداد وكانت
جالسة مع أقاربها بنفس سنوات عمرها اليافع، ومع كل (سحبة
نفس) تقول لي بأنها (تمتلك العالم) وعدت وسألتها ذات
السؤال الذي وجهته إلى صديقي فأجابت "يذبحونني لو دخنت
الناركيلة في بغداد، أنا هنا غير التي في بلدي، هناك
المدرسة والتلفزيون فقط، وصار كل شيء ممنوع وخطر، التجول
في الأسواق وزيارة صالونات الحلاقة مع اختفاء المسارح
والنوادي العائلية، صرت احلم بكل هذا ولا أجده.. خارج
العراق اعمل ما أشاء بأمان وبلا قلق عائلي.
ولكن ماذا تفعل أو ماذا يفعل غير القادر على السفر، هل
يحلم؟
صعاليك
قد يكون شرب
الناركيلة بأمان وعلى بساطة الفعل حلماً لبعض المراهقين،
غير أن الأحلام ليس لها حدود لأنها.. مجرد أحلام، قرب
دائرة الجوازات في بغداد تجمع خمسة شباب لا يتجاوز عمرهم
السبعة عشر عاماً بانتظار تسلم جوازات سفرهم، قال لي احدهم
واسمه مهند "قررنا السفر إلى سوريا والعمل بأية مهنة، وما
نجمعه من مال نقضي به الوقت بمصايف طرطوس أو اللاذقية وإذا
حالفنا الحظ فقد نمكث إلى الأبد، شقيقي الكبير يقيم هناك
ويفعل ما نحلم به"
الغالبية العظمى التي غادرت الوطن لأسباب أمنية، والنسبة
الأخرى توزعت بين العمل وطلب الهجرة أو السياحة، مهند
وأصدقاؤه من (المخضرمين) في إحدى اعداديات الصناعة قضوا
ساعات دوامهم المدرسية في مقهى الانترنيت القريب من
اعداديتهم مع صديقات سوريات عبر المحادثة (الجات)، يقول لي
متذكراً أيام السفرات المدرسية "صارت أمنيتي سفرة مدرسية
إلى الجزيرة السياحية أو السباحة في بحيرة الحبانية كما
كنا في السابق، نحن شباب ومن حقنا السفر ولكن هل نستطيع
ذلك اليوم؟" ، ويضيف "أقنعنا عوائلنا بضرورة السفر خارج
العراق للامان والعمل، ولعدم جدوى الدراسة لأننا راسبون لا
محالة وهذه الأعذار أقنعتهم وربما إن غادرنا الوطن سنجد ما
نبحث عنه".
الصورة النمطية عن الشباب (السبورت) خارج العراق يذكيها ما
تتناقله وسائل إعلام تلك الدول، وبنظرة إلى (العالم
السفلي) في حواري دول الجوار التي يقصدها العراقيون تحضرنا
أزقة البتاويين ومنطقة الميدان حيث الجميع يعمل بأية
مهنة.. صباغة الأحذية وبيع الجواريب أو الجلوس أمام علب
السكائر وبيع المفرد منها، ولكن لا بأس من المحاولة ونيل
الأفضل.
أمور صغيرة..
كبيرة
ما يثخن رأسي
ويجعلني مترنحاً كلمات صغيرة لها ثقل كبير كلما فكرت بها
وبحثت عن نتائجها، زيد قال لي وبينما هو يقتل الوقت وقوفاً
في الجزرة الوسطية تحت ظل شجرة قبل أن يقتله الملل من
العمل بالمكنسة قال لي بأنه شاهد سيارة شرطة مرت من أمامه
تحمل جثتين في الحوض الخلفي ومغطاتين بقطعة قماش امتلأ
بالدم من جهة الرأس، تخيل نفسه هو المقتول ولم يستبعد ذلك
لأن قبل أيام من هذا المشهد قتل عمال للتنظيف بعمره في
منطقة قريبة من مكان عمله، يقول "لم انم عدة ليالي فالمنظر
طبع ببالي، وفي كل يوم أشاهد فيه بالتلفزيون مشاهد القتل
أقرر أن لا اذهب إلى العمل أبداً وأتراجع عن قراري هذا في
الصباح لأن الجوع قد يقتلني أيضاً".
وصديقي صاحب مقهى الانترنيت بنهاية يوم عمله يسعد كثيراً
بما جناه من تردد الأولاد إلى مقهاه لكنه يحذر بالقول
"ربما كانت هجرة المراهقين من ساحات كرة القدم إلى مقاهي
الانترنيت مربحة لنا، غير أن هذا المكان ليس آمناً كما
يعتقد البعض، نحن مسلّحون توخياً لأي هجوم قد يطولنا".
المهم ما تبقّى
صحيح أن غيمة
الخوف والتوجس من المستقبل تخيم على سماء زيد ومهند وغيرهم
من العراقيين بعمر المراهقة، إلا أن قوة أحلامهم لا بد من
ان تحلق أعلى من تلك الغمامة الصيفية، رداء المصور وملعب
كرة قدم، حذاء جبلي طرطوسي، أصدقاء حول العالم وعطر
المعسّل لا بد ان يحظى بها أبناؤنا وان طال الزمن وكثر ما
نفقده.
|