الحلقة
(4)..
جيل كارول تستعيد ذكرى
اختطافها في بغداد
عن "كرستيان
ساينز مونيتر".
تمضي
جيل كارول في سردها الاحداث:
وبينما نحن واقفون في المطبخ الصغير، قال ابو علي بفخر
المتمرد الذي قام باختطافي، ان زوجته تريد ان تموت.
قال وهو سعيد، "أم علي تريد ان تكون شهيدة. تريد ان تقود
سيارة مفخخة!".
ثم استطرد قائلاً:
"بطبيعة الحال، عليها ان تنتظر، فهي الآن حامل في الشهر
الرابع. حرام في الاسلام قتل الاجنة."
قلت:
"حسناً.. حسناً.. حسناً.. أوه" كنت مرتبكة ازاء ما سمعت.
ثم بدأت ضجة اعداد الطعام من حولنا. المطبخ كان عراقي
الطراز، مكان ضيق ودواليب معدنية على الجدار، مغطاة بقماش،
احد طرفيه ممزق. بجوار الثلاجة، مجمدة كبيرة، لصقت عليها
اعلانات عن شوربة ماجي.
ثلاثة اطفال يلعبون حوالينا.
كنت لا ازال غير معتادة وضعي في الاسر، ما زلت اتعرف على
المحيط، مادياً وعقلياً، والذي فرضه علي المختطفون. وقد
صدمت لما سمعت عن كلام تلك الوالدة ورغبتها في الموت.
وكانت اجابتيي:
"اوه.. لم اكن اعرف ان النساء يقدن سيارات مفخخة." كان ذلك
كل ما قلته.
وفيما بعد علمت ان تلك الطريقة كانت الوحيدة لتصبح المرأة
جزءاً من المجاهدين. للرجال شرف القتال في المعارك النساء
يذهبن لتفجير انفسهن.
وفي تلك الاثناء كانت صواني الطعام الكبيرة جاهزة. حملها
عدد من الرجال إلى المتمردين الجالسين خلف الباب المغلق
المؤدي إلى غرفة المعيشة. استناداً إلى كلامهم فان هذا
البيت كما يبدو، يقع في غرب بغداد او بالقرب من ابي غريب.
تحدثت مع ام علي والنسوة الاخريات في المطبخ. قلت اني قد
سافرت مراراً إلى دول خارج بلادي من اجل العمل. وقلن انه
لا يسمح لهن بالعمل، وانهن تركن الدراسة في الثانية عشرة
من اعمارهن، وتعلمن الطبخ للبقاء في البيوت.
وبعدئذ جلست النسوة لتناول بقايا طعام الرجال. لم اصدق
الامر، فبعد ساعات من اعدادهن وجبة الطعام، لم يتبق لهن
غير البقايا.
ولكني جلست معهن، واكلت وكما سافعل في الاشهر الثلاثة
التالية، الحساء التقليدي.
محتجزة ضد إرادتي. عرفت الكثير عن المتمردين العراقيين
اكثر مما كنت أحلم. في الدرجة الاولى، أطلعت على طريقة
واسلوب حياتهم، فبينما كنت سجينة على انفراد في غرف لفترات
طويلة، كنت ايضاً، كما سمح لي، اختلط بعدد من العوائل في
تلك البيوت التي احتجزت فيها، بل اني حتى لعبت مع الاطفال
- متعة صغيرة ساعدتني على التحمل.
وفي الدرجة الثانية، علمت وسمعت الكثير عما يفكرون فيه،
بالنسبة لانفسهم وايضاً تجاه اميركا. كنت اريد ان يروني
اكثر فائدة وانا حية مما أنا ميتة، واخبرتهم اني كمحررة
سيكون بامكاني سرد قصتهم ان تحررت.
وتمسكوا بالفكرة إلى حد لم اتوقعه، وبعد تناول الغداء، سحب
بعض الرجال كراسي من البلاستك إلى فسحة وسط الدار وعقدوا
مؤتمراً صحفياً، وبدأوا في توجيه الاسئلة وكنت انا الوحيدة
التي تمثل الصحافة.
اكدوا جميعاً انهم ليسوا ارهابيين، فانهم يدافعون عن
بلادهم ضد الاحتلال، انهم ليسوا ضد الامريكيين ولكن عدوتهم
هي الحكومة الامريكية.
قال احدهم:
"ان جئتم الينا كضيوف، فاننا سنفتح جميع ابواب المنازل لكم
ونضيفكم في بيوتنا، على الرحب".
ثم اضاف:
"ولكن ان جئتم الينا كأعداء، فاننا سنشرب دماءكم، ولن ندع
واحداً منكم واقفاً على قدميه.
ومن اجل ترضيتهم، تلوت بعض آيات من القرآن أمامهم، ولكني
لم افكر جدياً في تغيير ديني. وكلما عرفت اكثر عن الاسلام
وحياة المرأة المقيدة بالزواج والعائلة (كما رأيت لدى
المتمردين) اقتنعت اكثر، عدم قدرتي حتى على التظاهر برغبتي
في تغيير ديني، وكلما طال الزمن الذي ابدو فيه صحفية
وامرأة مسيحية، فانهم، كما اعتقدت، سيتحملون اخطائي. ولكن
ان تظاهرت بتغيير ديني، فان (المسلمة الصحيحة) - مثل ام
علي، مطلوب منها ان تكون شهيدة.
في مثل تلك الدقائق، والتي كانوا فيها يبدون اكثر ارتياحاً
لي، كنت افكر في انهم لن يقوموا بقتلي.
بكر، ابن ام علي، ولد لطيف، ولكنه مدلل وعابث. وبكر قفز
إلى حضني وكان علينا ان نلعب قليلاً: سيضع انفه على انفي،
رأسه تجاه رأسي، وسنهمس معاً، هو بالعربية وانا
بالانكليزية، في الايام الاولى لاحتجازي، كنا نمارس هذه
اللعبة غالباً، وكنت أتطلع في عينيه الصغيرتين اللتين
كانتا تبعثان الراحة في نفسي. كان الامر مريحاً ان احتضن
شخصاً ما.
كان الوقت يمر ببطء شديد وكل يوم طويل جداً. كانت ام علي
تؤدي تجاهي بعض الخدمات اللطيفة، مثلاً ان تقدم لي الشاي،
او تحاول ان تتحدث معي بشكل طبيعي. ولكنني اثر ذلك، كنت
اتذكر انهم قتلوا المترجم الذي كان برفقتي ألان.
كنت اتذكر ذلك الامر باستمرار، ولا يفارق ذهني:
لا تكوني حمقاء: لا تكوني حمقاء، جيل، لقد قتلوا ألان. لا
تدعيهم يخدعونك.
في احدى ساعات الظهيرة، في الاسابيع الاولى لاختطافي وكنت
انتقلت إلى منزل آخر بالقرب من ابي غريب - استدعاني، ابو
علي، إلى غرفة معيشة كبيرة ذي كراسي مغلفة بقماش القطيفة
الاخضر اللون. على الجدار الابعد، فوق جهاز التلفزيون، كان
هناك ملصق كبير جداً يمثل مشهداً لشلالات وصخور واشجار.
كان المنظر جميلاً. كان بامكاني التحديق فيه والتحليق
بعيداً. فكرت لو كنت هناك، تمنيت ان اكون هناك. ولكن
الخاطفين كانوا يريدون مني التحديق في شيء مختلف تماماً:
(فيديو كاست عن الحرب).
حسب روايتهم فانهم كانوا يقتلون العشرات بل حتى المئات
يومياً. وقدروا ان القاعدة في العراق قتلت في الاقل 40000
جندي امريكي. قالوا، انهم يستطيعون تأكيد ذلك، بافلام
(الفيديو) التي تصور عملياتهم وتظهر منها سيارات الهمفي
والعربات وهي تنفجر، والاطلاقات توجه نحو الجنود.
وهكذا اجلسني ابو علي - وبدأ يعرض عليّ افلام (الفيديو)
كان التعليق باللغة العربية وكانت تحمل اختام وشعارات
مجموعات مختلفة من المتمردين، ويتضمن ايضاً اناشيد (بصوت
منخفض) للمجاهدين.
احد تلك الافلام أظهر مجموعة الرجال الذين أعدوا للانتحار
بواسطة السيارات المفخخة. وقد تم اللقاء معهم، ثم اخذوا
إلى ساحة في سيارات متوقفة في خط واحد، وكل رجل منهم يصعد
إلى سيارة، يلوح بيديه، ثم يمضي بها.
في فلم آخر، صور لاحدى سيارات الهمفي وهي تسير في طريق -
ثم تنفجر، ثم يقطع المشهد لتظهر صور تمثل الرعود والبرق.
ابو علي، كان يتطلع إليّ وانا اشاهد الافلام، يسألني عما
افكر تجاهها. لكن بامكاني ان اقول أي شيء حسن، ولكني حاولت
ان اقول اشياء تبدو صادقة، مثلاً، "اوه، هذه هي المرة
الاولى التي اشاهد فيها هذه الامور. لم اكن اعلم ان الامور
هكذا هناك.
وبينما كنت اجلس واشاهدها، أحسست ان المتمردين يرسلون
رسالة إليّ. انهم يكرهون الامريكيين كثيراً، انهم فخورون
بهجماتهم. انها امور اعتيادية بالنسبة اليهم.
بالتأكيد انهم كانوا عازمين على قتلي. وكيف لا؟
في بداية العملية، كنت احسب ان المختطفين لم يعرفوا ماذا
سيفعلون بي، وكان الارتباك شديداً بعد بضعة ايام.
كنت اعرف انهم عراقيون، وكان ذلك امراً حسناً، المتمردون
القادمون من الخارج - مثل (ابو مصعب الزرقاوي)، كان يذبح
الرهائن.
بدوا مجموعة صغيرة، وقد اخبروني انهم جاءوا معاً، لمحاربة
الجنود الامريكيين للسيطرة على مناطق المسلمين السنة في
مدينة الفلوجة، التي تقع غرب بغداد.
ولكني وبعد اسبوع في الاسر، في الوقت الذي تم فيه عرض
افلام المجاهدين لي - تأكد لي انهم ذوو خبرة في هذا
المجال.
خلال الساعات الثمينة التي يأتي فيها التيار الكهربائي،
يعمدون احياناً إلى الاستماع لبعض التسجيلات الصوتية،
ويعلو صوت غاضب بالعربية الفصحى، من الغرفة التي تواجه
الصالون، حيث ينام الحراس.
عادة، افهم بعض الكلمات، مثل (اميركا)، (اسرائيل)
و(احتلال)، ولكن الموضوع كان واضحاً.
سألني احد الحراس مرة، (هل تعرفين من هو؟)، ويضيف، (انه
ابو مصعب الزرقاوي، هل هو رجل طيب؟" ما هي فكرتك عن
الزرقاوي؟".
لم اجب، ولكني في داخلي شعرت بالخوف، انهم جماعة الزرقاوي!
وكنت امريكية. فكرت ثانية، لا وسيلة لي للخروج حية من هنا. |