متطلبات
استقطاب الاستثمارات الأجنبية في العراق
(1-2)
راغب
رضا بليبل
رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين
قد لا
أكون مغالياًَ أن قلت إنه من يريد الترويج للاستثمار
الأجنبي في العراق، أن كان مباشراً أو غير مباشر، دون أن
يؤمن القدرة على تمكين القطاع الخاص العراقي من الإسهام
بدوره الكفوء والمميز في صياغة التطورات الاقتصادية ورسم
مستقبل اقتصاد البلاد، كمن يضع العربة أمام الحصان في
المسيرة الإعمارية والتنموية العراقية، وهذا بالذات ما كان،
وما زال يشكل الهدف الأساس للضغوط الأمريكية، قبل وبعد
صدور قانون (بريمر) للاستثمار الأجنبي الذي اضطرت الجهات
العراقية إلى إجراء تعديلات عليه ليكون أكثر توافقاً مع
الواقع العراقي، ليس الآن، وإنما في المستقبل، عندما تتوفر
البيئة الاستثمارية الملائمة لذلك، ثم اتجهت الحكومة
الحالية إلى إعداد قانون جديد للاستثمار ما زال قيد
المناقشة في مجلس النواب بعد إجراء القراءة الأولى له.
إننا
نقف أمام حالة تقاطع بين حاجة البلاد للاستثمارات، أياً
كانت ماهيتها وحجمها، في ضوء ما تعانيه القطاعات
الاقتصادية، الانتاجية والخدمية، من ركود واضح من جهة،
ومحاولة إرساء الأولويات على قاعدة غير سليمة والقفز خارج
سياق المرحلة التي يمر بها الاقتصاد العراقي من جهة أخرى.
وهنا يبدو التساؤل التالي ملحاً: ماذا عن طبيعة المرحلة
التي يعيشها الاقتصاد العراقي الآن، وهل أن هناك اتفاقاً
عاماً بشأنها على مستوى الأوساط الرسمية والمنظمات
الاقتصادية المهنية التخصصية الممثلة للقطاع الخاص
والخبراء والمتخصصين الذين يتمسكون بالمواقف الوطنية إزاء
مجرى التطور في بلادهم.
قيود ومعوقات
أساسية
وقبل الخوض بتفاصيل الإجابة عن هذا التساؤل المهم والمركب
لابد من تأكيد حقيقة أن مسيرة الاقتصاد لا يمكن أن تتوقف
لحظة واحدة بانتظار من يحدد طبيعتها أو يتفق عليها ولكن
الخوف يأتي هنا من التدابير والإجراءات الحكومية المعتمدة
أو الخطوات التي قد تتخذها هذه الجهة أو تلك في القطاع
الخاص دون أن تكون منسجمة مع السياق العام لمجرى التطور
الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب أن تقوم وترتكز مجمل التحركات
على قاعدة من الفهم والتوافق المشترك على طبيعة المرحلة
أولاً ومستلزمات توظيف كل العوامل الداعمة للتوجهات
الجديدة في إطاره وعند هذه النقطة ينبغي النظر بإيجابية
عالية لأية معالجات من شأنها تخليص الاقتصاد العراقي من
العوائق والعقبات التي تقف حجر عثرة في طريق تطوره:
*فالإسراع في التوصل إلى صيغة نهائية لمعالجة ما يسمى
بمشكلة المديونية العراقية في إطار يتجاوز اتفاق نادي
باريس ويشمل جميع الدول التي تدعي أن النظام السابق مدين
لها وبضمنها دول الخليج العربي التي بادرت دولة الإمارات
العربية المتحدة إلى اعتماد خطوة غير مسبوقة غاية في
الإيجابية عندما ألغت ديونها بالكامل فيما اختلفت مواقف
بقية الدول بين قبولها بصيغة اتفاق نادي باريس أو حتى
رفضها له، مما يدعو للتحرك على مسارات عديدة ثنائية
ومتعددة الأطراف أو التمسك بقاعدة قانونية تتعلق بما يسمى
الديون البغيضة أو الكريهة والانطلاق منها لمعالجة هذه
المشكلة التي تقف حائلاً دون اندفاع الاقتصاد العراقي في
طريق التطور المتوازن.
*وتجيء مشكلة أخرى ورثناها عن النظام السابق أيضاً وهي ما
زالت تتفاعل في مجرى إعاقة انطلاق الاقتصاد العراقي ونقصد
بها ما يسمى بمشكلة تعويضات حرب الخليج الثانية لعام 1991
ويحاول البعض أن يعطيها بعداً تاريخياً بحيث تشمل إدعاءات
أخرى بدفع التعويضات ولا ندري هل يمتلك قانونيو الأمم
المتحدة الجرأة لكي يعيدوا دراسة مدى مشروعية التعويضات من
حيث المبدأ ويشكل صوتهم الموقف الفصل والحاسم لإيقاف هذه
المهزلة التي لا يتحمل مسؤوليتها الشعب العراقي واقتصاد
بلاده الذي يدخل عنق الزجاج ويحاول الانطلاق بصعوبة بالغة
وتشكل قصة التعويضات مفتوحة النهايات واحدة من أبرز
العقوبات التي تعيق هذه الانطلاقة.
*وإذا كانت هاتان المسألتان: المديونية والتعويضات، اللتان
تقفان بوجه المسار الطبيعي لتطور الاقتصاد العراقي،
تتعلقان بأطراف خارجية، فإن الكثير من العوائق الداخلية
مازالت تفعل فعلها لتؤثر سلبياً في التطورات الاقتصادية
والاجتماعية وتكبل الاستثمارات بالكثير من القيود التي
تحول دون اندفاعها نحو العمل بفاعلية وكفاءة، وفي مقدمة
ذلك الأوضاع الأمنية غير المستقرة والبيئة القانونية التي
ما زالت مشوبة بمخلفات الماضي وحالات الافتراق وعدم
التوافق وكذلك البيئة المالية والمصرفية التي تعاني من
التخلف المذهل حد الانغلاق أمام أية تحركات استثمارية
حقيقية هدفها تحفيز النمو الإجمالي للاقتصاد الوطني وإعطاء
التطورات القطاعية مدياتها المتوازنة المطلوبة.
*ولعل القاعدة التي تحكم تدفق الاستثمارات في أي بلد ترتكز
على الأولوية المرجحة لتوظيف الرساميل الوطنية التي توفر
الأجواء والمناخات الملائمة لتحفيز رؤوس الأموال الأجنبية
من أجل القدوم إلى البلاد بثقة واطمئنان، والتفتيش عن صيغ
مستحدثة للدخول بشراكات قائمة على أساس العدالة والتكافؤ.
*وفي هذه السياق لابد من اعتماد مبادرات ذات صيغة شمولية
ومنهجية غير تقليدية بخطوات فعالة وكفوءة لتحريك وإنعاش
الاستثمارات الوطنية التي تقف الآن بحذر في مفترق طرق
نتيجة لعوامل الإعاقة الناجمة عن المؤثرات الداخلية
والخارجية المحيطة بها ولهذا تأتي الدعوة لإقامة تجمع مالي
كبير بالمقاييس الوطنية وشركات ضخمة للمستثمرين والصناعيين
العراقيين متوافقة مع متطلبات بدء وتكثيف الجهد الاستثماري
الوطني وضمان توظيفه في القطاعات الأكثر احتياجاً وتعزيز
إمكاناته المادية وقدراته التقنية وتمكينه من الوقوف على
قدميه في مواجهة احتمالات المستقبل وما تؤثره من توقع
استقطاب الاقتصاد العراقي للتدفقات الاستثمارية الأجنبية
عندما تصبح الظروف أكثر ملاءمة.
*وقد يكون الحديث عن دور الدولة هنا ضرورياً من زاويتين
بأقل تقدير، أولاهما تتجلى في المعالجة المعجلة والرصينة
والمتوازنة للعقبات والمعوقات الداخلية والخارجية التي
تحول دون التحرك الاستثماري الوطني، وثانيتهما تجد تعبيرها
في إعداد برنامج عملي شامل ذي محتوى مادي لدعم القطاع
الخاص من خلال توفير التمويلات بصيغة قروض ميسرة أو غيرها
والدخول بشراكات في إقامة مشاريع اقتصادية إنتاجية وخدمية
وما إلى ذلك من تدابير المساندة المباشرة التي ليس من
الصعب تأمينها عبر مؤسسات التمويل الدولية والتعامل بكفاءة
وفاعلية وشفافية مع الموارد والثروات الوطنية وإرساء
العلاقة المرحلية بين القطاعين العام والخاص على قاعدة
متوازنة مع إيلاء القطاع الخاص دوره المميز تدريجياً
وبصورة غير مفتعلة بحيث يتولى مستقبلاً موقعه القيادي في
تركيبة اقتصاد السوق ومحتواه وتوجيهه وإدارته وبالتالي فإن
أية إمكانات وقدرات خارجية بما في ذلك الاستثمارات مهما
كانت ماهيتها وحجمها ينبغي أن لا تخرج عن إطار هذه العلاقة
ولا تشكل بديلاً عن القطاعات الوطنية الآن وفي المستقبل،
الأمر الذي يتطلب المعالجة المستقلة والضافية بفهم ادراك
عميقين، وفي نطاق برنامج للاصلاحات الاقتصادية يجب ان توضع
مهمات تقليص الفقر بمفهومه الشمولي والبطالة بجانبيها
السافر المستتر والاختلالات بابعادها المتباينة في مقدمة
قائمة الاولويات المرجحة، والانطلاقا من هذه الوقائع
والمحددات يمكن التأكييد بان الاقتصاد العراقي يعيش الآن
مرحلة انتقالية نحو اقتصاد اكثر انفتاحا بتوجهات تدريجية
مدروسة ومتوازنة تعتمد اليات السوق بناءاً على حاجته
للكثير من التدابير والاجراءات التمهيدية المتعلقة بمعالجة
وتخطي موروثات الماضي واثار وانعكاسات الحرب وتداعياتها
اللاحقة والمشاكل والمعضلات الناجمة عنها، وهنا قد برز
العديد من نقاط الاختلاف والافتراق بين الجهات الرسمية
والقطاع الخاص والخبراء والمتخصصين ليس فيما يتصل بطبيعة
المرحلة وانما بشأن العلائق والاولويات الناشئة في اطارها
وهو ما يستحق وقفة متأذية بدرجة عالية من الصراحة والوضوح.
*قدمت هذه الدراسة
باسم اتحاد رجال الأعمال العراقيين إلى الندوة الخاصة
بمشروع قانون الاستثمار التي نظمها المركز العراقي للإصلاح
الاقتصادي.
|