مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

ستراتيجية للخروج من العراق .. جدولة للانسحاب ومؤتمر للبلدان المجاورة
 

بقلم: دان سمبسون*
ترجمة: عادل العامل

* سفير أمريكي متقاعد.

إن ما هو واضح أن الرئيس بوش قد أخذ الولايات المتحدة إلى حرب العراق تحت ذرائع زائفة. فمن بين أسباب الإدارة المعلنة، فإن العراق لم يمتلك أسلحة دمار شامل، ولا كانت هناك أية رابطة بين نظام صدام والقاعدة. ولم يرد هناك بين الأسباب المحتملة آنذاك المفهوم القائل بأن الولايات المتحدة تأتي بالديمقراطية إلى العراق، ومن هناك إلى باقي الشرق الأوسط، وقد أصبح ذلك نكتة مروعة حقاً.

وإنتاج النفط العراقي لم يزدهر. ووفقاً لما يجري الآن، فإن من المستحيل المجادلة بأن إسرائيل الآن أكثر أمناً بعد زوال نظام صدام. والولايات المتحدة ليست أكثر أمناً من الإرهاب. وعلى النقيض من ذلك، فإن أمريكا تخاطر في الحقيقة فيما كسبه المتمردون هناك من خبرة في العراق، مقرونة بالكراهية التي أوحت بها أفعال الولايات المتحدة هنا، لتعود إلينا هنا وتجد لها مأوى في الهجمات داخل الولايات المتحدة. وهكذا، فما المطلوب القيام به في هذه الحالة؟
إن ما ينبغي عمله، كما اعتقد، أمر مضاعف أولاً، ينبغي أن تعلن الولايات المتحدة جدولة ثابتة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، بحيث يبدأ مباشرة، ويكتمل إما في نهاية العام، أو في سنة من الآن. وهذا يقول للعراقيين بتعبير واضح أنه ما من غاية أكثر في متابعتهم للقوات الأمريكية في العراق بالهجمات: فالولايات المتحدة تغادر، وضمن فترة محددة من الوقت. وبالتزامن مع إعلان جدولة لانسحاب القوات الأمريكية، ينبغي أن تدعو الولايات المتحدة إلى عقد مؤتمر لكل جيران العراق. ويتضمن هذا المؤتمر الدول التي لها علاقات سيئة مع الولايات المتحدة، مثل إيران وسوريا، إضافة إلى تلك التي علاقاتها معها حسنة، كالأردن والكويت والعربية السعودية وتركيا. ويمكن أن يتضمن الجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا والأمم المتحدة أيضاً. وستكون الرسالة إليهم كالتالي: لقد فعلت الولايات المتحدة قدر ما تستطيع فعله لفائدة العراق وهي تغادر الآن. ولمصلحة كل جيران العراق أن لا يحدث في العراق لاحقاً ما يتناثر كمشاكل داخلية لأولئك الجيران. ولذلك فإن من اللازم لهم أن يعملوا مع العراقيين وبعضهم مع بعض ليروا أن قدراً من الاستقرار يتحقق ويسود هناك. فالولايات المتحدة تبقى مهتمة، لكنها تغادر الآن بصورة أساسية.
وبلغة لاهوت الإدارة المالية، فإن الحجة الرئيسة ضد هذه الطريقة، وبصرف النظر عن الإقرار الضمني بأن الولايات المتحدة قد ارتكبت غلطة خطرة بتوريط نفسها في حرب في العراق في المقام الأول، هي أنها ستغادر في هذه الحالة عراقاً ستهيمن عليه إيران.
وتلك حجة زائفة بالتأكيد تقريباً، تعكس تجاهلاً للعناصر الفاعلة في العلاقة وفي التاريخ على حد سواء. فحتى عراق يسيطر عليه الشيعة، وهو نفس المذهب الإسلامي في إيران، ومن دون العنصر التوسطي للاحتلال الأمريكي، لن يسمح لنفسه بأن تهيمن عليه إيران. وقد تقاتل العراق وإيران لمدة ثماني سنوات خلال الثمانينيات، وهي حرب تسببت في مقتل مليون إنسان على وجه التقدير. كما إن هناك الانشقاق العربي - الفارسي المشهور. فالعراق، وبالرغم من شيعته الذين تبلغ نسبتهم 60 بالمئة، ومهما كانت الصلة التي يشعرون بها تجاه شيعة إيران، بلد عربي. وإيران فارسية. والعراق من دون الاحتلال الأمريكي، الذي اضطر شيعته لدرجة ما إلى نشدان التأييد الإيراني، يقف بمعزل عن جاره. وهناك الكثير مما يمكن كسبه عن طريق هذه الستراتيجية - جدول معلن للانسحاب ومؤتمر للجيران. وهناك وجه آخر لذلك، وهو الذي يظهر الولايات المتحدة ما زالت قادرة على التفكير الأصيل، باقترابها من قضايا الشرق الأوسط، ولا شيء هناك مثل الحقائق المهمة المتغيرة - كوجود القوات الأمريكية في العراق - لاجتذاب الانتباه إلى ما سيقال لاحقاً.
ومن دون تعريضنا للخطر فرص نجاح المداولات بشأن العراق، ينبغي على الولايات المتحدة عندئذ، وبشكل منفصل، أن تعلن أنها ستبدأ مسعى جدياً رئيساً لبعث حياة جديدة في عملية سلام الشرق الأوسط. وبذلك يمكن توفير إطار لحل المشاكل القائمة بين إسرائيل، وحزب الله، في لبنان، وغزة وحماس.
فإذا ما كانت هناك عملية سلام جديرة بالثقة ماضية قدماً، فإن بالإمكان مناشدة جميع الأطراف واستمالتهم بقوة لعدم تعريض تلك العملية للخطر. ويمكن لعملية السلام تلك أن تبدأ، في الأقل، بأيدي الرباعي (الاتحاد الأوروبي، روسيا، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة) التي أطلقتها في عام 2002 برعاية شخصية معنية من بوش - وهجرت منذ ذلك الحين.
والوقت ليس متأخراً جداً على وجه التحديد بالنسبة للولايات المتحدة لتدارك الأزمة المشتعلة التي تجعل من الشرق الأوسط منطقة خطرة، ليس فقط على الناس الذين يعيشون هناك، بل على بقية العالم.


"مشروع مارشال” من دون مشروع
 

كتابة: كريستين ميلر
ترجمة: عبد علي سلمان

عن: صحيفة لوس انجلس تايمز

مضت ثلاث سنوات منذ ان شرعت الولايات المتحدة باكبر جهد لبناء وطني منذ مشروع مارشال (مشروع امريكي لاعمار اوربا بعد الحرب العالمية الثانية المترجم) وفي زيارته في الشهر الماضي، قدم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي التماساً يثير الدهشة للكونغرس حين قال"ان من الضروري جداً ان تبدأ اعادة الاعمار الآن" .
وبامكان الامريكان ان يتناسوا اطلاق صرخة استفسار "ها"، فبعد كل شيء فقد أنفق أكثر من (30) مليار دولار حتى الآن من اموال دافعي الضرائب لتحويل العراق الى ديمقراطية مزدهرة، أو ليس من المفترض ان تدفع اموال النفط العراقي لاعادة البناء منذ الآن؟ فما الذي حدث؟
الجواب غالٍ قليلاً، فعلى الرغم من ان الولايات المتحدة احرقت حتى الآن نقوداً مدفوعة نقداً في العراق أكثر مما فعلت في المانيا أو اليابان خلال كامل الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية للانعاش، فلقد فشلت في انجاز السلام أو التحديث الاقتصادي.
ومازال العراق ينتج نفوطاً اقل مما كان في عهد صدام حسين حسب آخر اقوال رموز وزارة الخارجية، ومازالت القدرة الكهربائية تراوح عند مستويات ما قبل الحرب، ولكن الطلبات المتزايدة تعني ان الكثير من العراقيين- وبضمنهم كامل سكان بغداد- هم في وضع أسوأ مما كانوا تحت حكم صدام حسين.
فأعداد كثيرة من العيادات الصحية والمستشفيات لم يتم اكمالها فقد سُدت ابوابها ونوافذها بالبناء الاسمنتي، واستمرت مياه المجاري بالجريان الى نهر دجلة مباشرة، وهناك بالطبع العنف الذي لايرحم الذي اطلق العنان له بعض الذين كانوا من المفترض ان يكونوا سعداء بتوظيفهم في مشاريع العمل التي يمولها الامريكان.
ولقد تباهى الرئيس بوش مرة بان الهدف في العراق هو بناء الهياكل الارتكازية "الافضل" في المنطقة، اما الآن فان كبار المسؤولين الأمريكيين يدعون ان الهدف هو تحقيق "قفزة
البداية" اقتصادياً، ولقد ارتدت رؤيا الرئيس ببناء مدينة على التل لتسيل فتصبح بلاطات كونكريتية.
واسباب الفشل هي الدائرة المعروفة جيداً والمثيرة للاعصاب:
اولاً: ان القلة الواضحة في عدد القوات تعني ان الجيش الامريكي غير قادر على تأمين الاحتياجات الامنية، والفرق الكبير بين يابان والمانيا ما بعد الحرب وعراق ما بعد الحرب هو كلمة "ما بعد".
فعلى الرغم من تأكيد الرئيس بوش ان "المعركة الرئيسة" في العراق انتهت لكن الحرب لم تنته حقيقة.
وبالمقابل فان استمرار العنف قد افشل استراتيجية وزارة الدفاع لاعادة الاعمار وحرمت اغلب الشركات الامريكية ذات الفروع المتعددة من المساهمة بعمليات اعادة الاعمار واظهر العراق ان تلك الشركات ليست مصممة على العمل في منطقة حرب.
واضطرت شركات مثل بكتل وفلور وبارسنز الى استئجار اعداد ضخمة من قوات الحرس الخاص التي استنزفت ربع الميزانية المخصصة لاعادة البناء، في حين يمكث المهندسون اسابيع عالقين في اقسامهم في المنطقة الخضراء وكلفة ذلك 4 ملايين دولار يومياً، اما اعمال التخريب التي تتعرض لها انابيب النفط فقد خفضت الانتاج. مكلفة بذلك مليارات الدولارات التي كان ينبغي ان تساعد في تغطية بناء مدارس جديدة ومحطات معالجة المياه.
اما قرار الاعتماد على القطاع الخاص بتحقيق اهداف السياسة الامريكية فقد سبب بالتأكيد صداماً بين المصالح مما حط من قيمة اعادة الاعمار، بلد يهتم بتنفيذ اهداف سياسية وشركات تسعى للربح، واساليب الوحدة العسكرية (82) المجوقلة التكتيكية تختلف عن اساليب شركة هالبرتون، واذا اخبرت جندياً ان يقفز فانه سيسأل "ما الارتفاع؟". اما المقاولون فيسألون "كم ستدفع كوسيلة لي"، وسيقوم المتعهدون باستخدام الآليات والمكننة لالتقاط النفايات كوسيلة ارخص، ولكن واضع الخطط لفترة ما بعد الحرب يفضل استخدام العديد من العمال المحليين قدر الامكان للقيام بالعمل ببطء يدوياً.
واخيراً لم يكن احد يعير اهتماماً لذلك، وعلى الرغم من ان الرئيس بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كانوا مسؤولين عن التطورات السياسية والعسكرية في العراق، لكن اعادة الاعمار اصبحت تتنقل مثل كرة المنضدة ما بين الوكالات الامريكية تحت القيادة البيروقراطية.
ان سوء الادارة والتبذير والاحتيال المكشوف كلها ألغت الفرص لتجربة اعادة الاعمار الوطني في العراق.
ولم تفلح الحكومة الامريكية التي قادت الاحتلال بحساب ما يقارب (9)مليارات دولار امريكي انسابت في بؤرة الوزارات العراقية، في حين أدينت "الاصابع" الاميركية عن 82 مليون دولار، واكثرها قد فقد.
ومن المرجح ان تتمكن الولايات المتحدة من صنع قنبلة نووية في اربع سنين، ولكنها للتو بدأت بشد السيفون لشطف المرافق الصحية في احياء بغداد الفقيرة المكتظة بالسكان، والآن فان التخصيصات المالية الاصلية قد بدأت بالنفاد اما الاموال الجديدة فهي مخصصة لتجهيز وتدريب القوات الامنية العراقية، وقد التمس المالكي من الكونغرس المزيد وقوبل ذلك بتصفيق مؤدب ومحفظة نقود فارغة، ومع كونغرس خائب وانتخابات قادمة مرعبة فان الولايات المتحدة على ما يبدو جاهزة بصورة كبيرة لهجر المشروع.
وتلك ستكون الزلة الأسوأ على الاطلاق، ان النهاية المدهشة لهذا التاريخ المؤسف هي: ان المالكي على صواب، فنحن بحاجة الى ضخ المزيد من المال في عملية اعادة الاعمار.
وتأمل الولايات المتحدة حالياً ان تقوم أوروبا والدول العربية بتوفير (50) مليار دولار امريكي اضافي أو ما هناك حاجة اليه لاكمال اعادة الاعمار.
ومن الصحيح ان اغلب حلفائنا يتوجب الآن عليهم دفع الاموال التي تبختروا بوعد دفعها في 2003 .
وقد قدر "كلب الحراسة" للبنتاغون ستيورات دبليو بووين، الذي كثيراً ما يلعب دور كاسا ندرا كمفتش عام لاعادة الاعمار في العراق، قدر ان العراق سيحتاج ما يقارب مليار دولار سنوياً للحفاظ وببساطة على ما قامت الولايات المتحدة ببنائه. ومن دون هذه الاموال فان ما بنته الولايات المتحدة لمعالجة المياه ومحطات الكهرباء- كما هي الان- سينهار ببطء.
ان التراجع في اعادة البناء جرى في الوقت الذي بدا فيه ان الولايات المتحدة قد شخصت كيف تقوم بجعله افضل، وقد قامت فرق الجيش من المهندسين بالبدء بالتعاقد مع الشركات العراقية، الذين برهنوا على انهم قادرون على انجاز الاعمال بكلف ارخص مقارنة بالشركات الامريكية.
وبدأت حينها وزارة الخارجية -وان ببطء- بانزال فرق اعادة الاعمار في كل المحافظات العراقية لغرض تحسين الترابط المحلي وجعل القرار بصورة متزايدة بيد العراقيين.
ولم تكن كل هذه التطورات تضمن ان اعادة البناء ستقوم من دون تبذير أو احتيال أو سوء استخدام وبالمقابل فان عدم تكريس اموال اضافية لهذه المهمة سيكون ضماناً لفشلها.
ان التقدم في اعادة الاعمار يعني حماية القوات الامريكية ويحتاج الآمرون المسؤولون الامريكان الى ادراك مغزى اعادة الاعمار، وقد تعلم الضباط بصعوبة قيمة جلب الخدمات الاساسية للعراقيين الذين يشعرون بالمرارة.
وان مشاريع المجاري والماء والكهرباء وجمع النفايات والتي هي رخيصة نسبياً هي الاكثر تأثيراً من كل المليارات التي صرفت وفي السنة الماضية واثناء جولة في مدينة الصدر فقد رأيت الجنود الامريكان وقد قامت الافواج بتحيتهم ومن دون خوف اثناء حملة عامة لتحسين الخدمات اعلاه.
ان الجيش بالضرورة لديه الفرق التي تهتم بالشؤون المدنية والتي تقوم بعمل بطولي، ولكنها تعاني من قلة الرجال العاملين في هذا المجال واذا كان النبتاغون جاداً بموضوع اعادة البناء فعليه ان ينسى وحدة قائمة من جنود وضباط مهرة في هذه الاعمال التي تكسب القلوب والعقول معاً.
ويجب ان ينظر الى العمل في مثل هذه الوحدة على انه عمل النخبة في مهمة البناء والعمل الاصعب في الجيش هو كسب الحرب من دون اطلاق رصاصة واحدة.
وبعد تعثر اعادة البناء الامريكي في أوروبا، قاد آلين دبليو دالاس المسؤولية لخطة مساعدة جديدة عام 1948 عندما وضع هذه الجدلية البسيطة "ليس هناك من بطاقة بيانية عن ثمن الفوضى والخلاص".
عندها تراجع الرئيس ترومان والكونغرس وقاموا بتعديل وتمرير مشروع مارشال والاهم من ذلك فقد كانت استجابة حكيمة ولم يكن حينها الوقت متأخراً، وهو ليس متأخراً الآن.


مجرم حرب

بقلم: تيموثي وليم ووترز*
ترجمة: عمران السعيدي

عن: نيويورك تايمز
* استاذ حقوق الإنسان في باردكوليج وبرنامج الشؤون الدولية. وكان باحثاً في محاكم الجرائم الدولية في يوغسلافيا السابقة.

في السادس والعشرين من حزيران الماضي مات السيرجنت تيري ليسك من فرقة فوكس ليك الثالثة في مواجهة داخل مدينة الرمادي نتيجة قذيفة هاون حجم 120ملم. كانت المواجهة حادة جداً وسقط فيها قتلى كثيرون بمن فيهم السيرجنت ليسك. وإذا لم يقتل ليسك في تلك المواجهات فما الذي سيحدث له؟ ذلك الجواب تعرفه إدارة الرئيس بوش فهي تريد من هذا الجندي أن يقدم للمحاكمة..! ولكن مقتل الجنود الأمريكان في العراق هو فعل حرب وليس جريمة وستكون الولايات المتحدة في حالة خطأ إذا عارضت العفو العام عن المتمردين هناك.
زار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واشنطن مؤخراً لشرح خطة المصالحة الوطنية التي تتضمن العفو العام ولكن الولايات المتحدة تصر على ان تتضمن تلك الخطة استثناء المتمردين الذين قاتلوا القوات الأمريكية. وذلك ما يعكس الدعم الوطني لقواتنا ولكنها تؤذي آمال العراقيين وطموحاتهم نحو السلام. فالجمهوريون والديمقراطيون يناقشون معاً أن العفو العام يشجع الهجمات ضد الأمريكان تاركاً الجرائم بلا عقوبات وهو ما لا يشرف أولئك الذين ماتوا من أجل حرية العراق. ولكن هذه الاعتراضات تخطئ طبيعة العفو العام مع الحوافز التي يخلقها هذا العفو وتخطئ التكاليف التي نفرضها من خلال معارضة ذلك العفو.
فبدون العفو العام لا يوجد هناك باعث لتوقف القتال لدى المتمردين معتقدين بأن السلام يعني السجن لهم. وقد تعمل قرارات العفو العام بشكل أفضل حين تكون شاملة، وبالإمكان استثناء الخطوط الخطرة والمتصلبة مثل القاعدة ولكن أي استثناء يخلق جمهوراً ضد المصالحة وإذا أبعدت أي قوى محددة فإن القتال سيستمر بطبيعة الحال.
العفو العام قد لا يوقف العنف ولكن لا يزيد منه. فالمتمردون يقتلون اليوم قدر استطاعتهم من الجنود الأمريكان. والانتحاريون لا يبالون بالحصانة عند المحاكمة. فالعفو لا يعني الإفلات من العقوبة فحين يرتكب المقاتلون جرائم حرب يمكن معاقبتهم كالجندي الأمريكي السابق ستيفن جرين، فإذا وجد هذا الجندي أنه مذنب باغتصاب وقتل فتاة عراقية في الرابعة عشرة من عمرها مع عائلتها. فالمتمردون الذين عذبوا أمريكيين لا يشملهم العفو وذلك لا يعني أن هناك سبباً لشمول جميع العراقيين. ونحن لا نريد لمحاربينا أن يكونوا ضمن حادثة أبو غريب بشكل شامل.
هناك تمرد منظم في العراق ويقاتل هذا التمرد الجنود الأمريكان. إذن نحن في حالة حرب معهم وهم كذلك. وحين يقتل جنودناً آخرين في المواجهة فهم لا يرتكبون جريمة وكذلك الحال مع العراقيين. وفي تجريم المناوئين تواصل إدارة بوش رواية إننا نقاتل حشداً من البدائيين الذين ينشدون الموت.
وهذا ما يعيد تعزيز نوع من الاعتقاد المزدوج: نحن نخوض حرباً وما عدا أن لا نخوضها.
لقد تقلصت حقوق المدافعين لأننا في حالة حرب ولكننا لا نقاتل محاربين فيما وراء البحار بل نقاتل مجرمين محترفين. فنحن في ساحات الحرب إذن ونعتقل سجناء ولكنهم ليسوا أسرى حرب إطلاقاً لذلك فإن قرارات جنيف هي في حمايتنا وليست في حمايتهم.
فإما نحن في حالة حرب أو لا ولو كنا فيها فمن الميزة أن نستطيع القتال دون مواجهة من العدو. وإن من الغطرسة المزدوجة أن نتصور هذه الحرب بأنها لنا وحدنا، فهي حرب العراق ومعاناة العراقيين أيضاً، فكيف إذن نصر على عفو عام أمريكي؟
من الحق علينا تذكر محاربينا الذين يسقطون في ساحة المعركة لكن الذاكرة لا تتطلب الانتقام ولا تقاس التضحية بالحياة فقط بل بالصبر واللين أيضاً.
فليس هناك من أمريكي يتمنى مشاهدة قتل أبناء وطنه ولكن كل أمريكي بمن فيهم قادتنا السياسيون عليه أن يمتلك الشجاعة للقول بأن العفو العام عن قاتليهم يساعد في جلب السلام إلى العراق وتلك هي تضحية تستحق القيام بها.
أما على صعيد المبرر الأخلاقي لخوفنا والغطرسة في قوتنا فلدينا الكثير من الأمور ذات الأخطاء التراجيدية في هذا الحرب. دعونا نبتعد عن البدايات لهذه الحرب فإن فرصة سلام هزيلة تكون خطأ كبيراً أيضاً. فالسيرجنت ليسك وآلاف غيره ماتوا لأجل حرب قامت بها دولتنا ومع ذلك فإننا لا نستطيع الاتفاق على أسبابها داخل نفوسنا. ونحن سنكرم هؤلاء المقاتلين إذا جاءوا بالسلام إلى البلد الذي قتلوا فيه وذلك هو السبب الآن.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة