المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

( المدى) تزور مدينة بابل الاثارية  .. الطريق الى بابل ومحاولةايقاظ الذاكرة

  • القوات الاجنبية الحقت اضراراً بليغة بالمدينة
  • هل تضع اليونسكو (بابل) ضمن قائمة التراث العالمي؟

 

مكتب المدى - بابل
قال الاله مردوخ في ملحمة الخليقة البابلية :-
هناك أبني بيتاً وهيكلاً
به قدس الاقداس رمز جلالتي
وعندما تصعدون من الابسو للاجتماع
سيكون مفتوحاً لاستقبالكم وبه تبيتون
سأدعو اسمه بابل ، أي بيت الالهة الكبرى
وسينهض لبنائه امهر البنائين

كانت مدينة مردوخ والالهة الكبرى يقظة في روحي وخصوصاً بعد هبوط اول طائرة عسكرية فوق ترابها ، فعطلت صفة المدينة التي تآكلت خصائصها في زمن النظام السابق عبر اضافاته الترفيهية الخاصة . ظل حلم زيارتي لها ضاغطاً بعد تسريب معلومات عن حجم الاضرار الكبيرة التي لحقت بها ورسمت ذاكرتي صوراً مخيالية ماكنت فيها قادرا على شطب صور المارينز والدبابات . واستعنا بما توفر لنا من وسائل وعلاقات مع الاصدقاء العاملين في دائرة الاثار والتراث وكان الحلم وعداً ، فكلما توفرت معلومات جديدة لنا عن الخراب ازداد اصرارنا على اهمية الاطلاع على ماهو خفي وظل موضوع غلق المدينة ودراسة الاضرار بدقة علمية كاملة من قبل دائرة اثار بابل وسيلة وحيدة على اصرارنا . حتى وصلت موافقة د. مريم عمران مديرة دائرة اثار بابل ودعوتها (المدى) لزيارة المدينة واستقبلتنا بحفاوة بالغة وهي تقول : المدى اول صحيفة عراقية تدخل الى بابل الاثارية .. دخلنا بسلام الى المدينة المكتفية بما فوضها به الاله مردوخ حيث جعل منها بيتاً آمناً وعاشت أعياد ربيعها في الاكيتو وعرفت طقوسها التي صارت عيداً كونياً يستدعي كبار الالهة في زمن الانبعاث المنتظر الان وحتماً سيحين وندخله ملوحين بألوان الحزن وجديد فرحنا . لم يكن سهلاً اغفال مشاهد العسكراتية التي لاحقتنا وجعلت من تنوع الالسن تنوعاً في وسائل القتل ، انه لأمر فظيع ان تكون بابل شاهدة على تغير ينابيعها ويداهمها مرة ثانية ايرا الاله الشيطان ويدمرها .
لقد ابتدأ العصر البابلي في حدود 2004 ق.م وظهرت دويلات مدن عديدة فيها وحّدها الملك حمورابي / الذي اعاد توحيد البلاد في عام 1763 ق.م وعبر تاريخها الطويل ، استهدفها الغزاة ، لكنها عاودت حياتها مرة ثانية وزادت من تحصيناتها التي لم تقدر على منع الزاحفين اليها . واعتقد بان الدخول الامريكي اليها والاستيطان فيها هو الاكثر قسوة من الاحتلالات السابقة لانه جاء لمحو ذاكرة وطنية وتفكيك الهوية وازاحة مكوناتها التاريخية والحضارية . عرفت بابل المراثي منذ قديم الزمان ، لكن الان صارت مراثيها اغاني لاهلها واطفالها وهي بانتظار أحفاد جدد يكنسون بضحكاتهم غبار الغرباء . كل هذا مخيال وواقع واختلاطهما معاً ينتج لنا وقائع عن المدينة التي انشغلنا بها في حوارنا مع د. مريم عمران مديرة اثار بابل:

تقرير العالم كيرتس وثيقة مهمة
* زار العالم الاثاري المعروف جون كيرتس مدير اثار الشرق الادنى في المتحف البريطاني مدينة بابل وقدم تقريراً مهماً حول الاضرار التي لحقت بالمدينة، فما حجم الاضرار التي اشار اليها التقرير؟
- زار العالم الاثاري جون كيرتس مدينة بابل الاثارية بناءً على دعوة من وزارة الثقافة والهيئة العامة للأثار والتراث كطرف دولي محايد للوقوف على حقيقة الاضرار التي لحقت بالمدينة والتي ثبتت من قبلنا، وعند حضوره المؤتمر الذي هيأت له قوات متعددة الجنسيات في بابل وعلى مدى ثلاثة ايام للفترة من 11-13 تشرين الثاني لغرض مناقشة التقرير المعد من قبلهم والذي كان في نظرهم تقريراً متكاملاً لايحتاج الا التوقيع عليه فقط .. لكن اللجنة المشكلة من قبل الهيئة العامة للآثار ودائرة اثار بابل قامت بدراسة التقرير بشكل دقيق ووضعت ملاحظات عليه . ورفض التقرير من قبلنا لانه كان تقريراً مطولاً وعاماً وكان الهدف منه تهميش واضاعة حقيقة الاضرار التي اصابت المدينة . كما قمنا بمرافقة الدكتور جون كيرتس الى جميع الاماكن المتضررة والمبينة في التقرير الاول والمعد من قبلنا، فقام بدوره بتصويرها وتوثيقها وكتابة تقريره الذي نشره بعد عودته .
* وماذا عن اللجنة العراقية والدولية الخاصة بالمدينة الاثارية ؟
- اللجنة العراقية مشكلة من دائرة اثار بابل وقامت هذه اللجنة بدراسة جميع الاضرار التي لحقت بالمدينة بدقة متناهية ورفعت تقريرها النهائي تحت عنوان بابل الواقع الحالي، اما اللجنة الدولية فتضم اثاريين من مختلف دول العالم البعض متخصصون بآثار العراق القديم وكان عراقيون ضمن اللجنة التي عملت باشراف منظمة اليونسكو. وسوف تعرض على اللجنة الدولية في اجتماعها المقبل التقارير التالية:
1) تقرير دائرة اثار بابل " لجنة بابل".
2) تقرير دائرة البرفسور جون كيرتس مدير اثار الشرق الادنى في المتحف.
3) تقرير القوات متعددة الجنسية.
مهمة هذه اللجنة دراسة هذه التقارير وتقييم الاضرار التي لحقت بالمدينة بعد 2003 ووضع خطة شاملة لادارة المدينة واعادة تاهيلها .. وسيناقش المجتمعون اهمية شمول المدينة برعاية اليونسكو لأدخالها ضمن قائمة التراث العالمي وكانت هذه اللجنة قد عقدت اجتماعين في فرنسا وألمانيا.
وعن مشروع الاحياء الاثري قالت د. مريم عمران: ان مشروع الاحياء الاثري لمدينة بابل والذي بدأ عام 1977 قد حقق نتائج ايجابية وخضع المشروع لبرنامج متعدد الوظائف اهمها اجراء تحريات وتنقيبات في عدد من نقاط المدينة وصيانة معظم المعالم المتبقية من المدينة تحت اشراف متخصصين ووفق وسائل علمية . ومن خلال مشروع احياء مدينة بابل تم استظهار اجزاء اخرى من المدينة لم تشملها تنقيبات البعثة الالمانية "1899-1917 كما تمكن المشروع من حماية مايمكن من ابنية المدينة .و تم شمول المدينة باعمال الصيانة ضمن خطة هيئة مهرجان بابل الدولي علماً انها لم تكن بالمستوى المطلوب فقد حصلت بعض التغيرات والاضافات التي غيرت بعض معالم المدينة وأبعدتها عن واقعها الاثاري، فضلاً عن الابنية والمنشآت الحديثة المنتشرة في مناطق متفرقة من المدينة .
وتضمن التقريرالبولوني تأكيدات على حصول اضرار واضحة في التنين ( موشخوشو ) الذي يزين بوابة عشتار . ووثق فريق المتحف البريطاني اعمال قطع في اجزاء صغيرة من حيوان التنين موشخوشو، واشارت د. مريم عمران مديرة اثار بابل الى ان هناك اضراراً نتجت بسبب الوجود العسكري في المدينة وما يتطلبه ذلك الوجود بصفتها منطقة عسكرية من اجراءات التحصين والدفاع . ونحن على اتصال دائم ومستمر بالهيئة العامة للآثار والتراث ووزارة الثقافة لاتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من هذه التجاوزات التي جاء على اثرها قرار اخلاء المدينة .
وعن شبكات السطو على الاثار قالت د. مريم عمران:
منذ خروج القوات متعددة الجنسيات في 22/ 12/2004 ولحد الان المدينة خاضعة لحماية حراسة الاثار وقد بذلوا جهودا كبيرة يستحقون عليها الشكر والثناء في الحفاظ على الاثار سواء في مركز المدينة او في الاقضية والنواحي التابعة الى المحافظة .
* اطلعنا على بعض تفاصيل تقريرك عن الاضرار وهي تفصيلية اما في احاديثك فكلام عام .
- التقرير عبارة عن دراسة دقيقة لواقع حال المدينة وهو وثيقة تبقى للتاريخ بالاضافة الى ان نسخة من التقرير قدمت الى اللجنة الدولية لدراسته ومناقشته بتفاصيله الدقيقة في الاجتماع المقبل، واجرينا فحصاً لمقاطع في بعض الخنادق التي حفرت من قبلهم ولأجل الوقوف على نسبة الضرر تم عمل ذلك كنماذج وسوف تشمل هذه العملية مستقبلاً جميع الاماكن المتضررة .
* ذكرت وجود سرقات في المسرح البابلي والقصر الرئاسي ماهي؟
- سبق ان ذكرت ان المسرح وجميع الابنية والمنشآت الحديثة بما فيها القصر الرئاسي تعرضت الى الكثير من الاضرار خلال فترة الحرب وبعدها والمتبقي منها هياكل بناء لاغير اغلبها خالية من الابواب والشبابيك والتجهيزات الكهربائية .
* لم تكن الجبسيات هي الوحيدة المسروقة من متحف نبوخذ نصر وحمورابي، بل كان من بينها قطع اثارية.
- خلال فترة الحرب في عام 2003 تعرضت المدينة الى اعمال العبث والتخريب وتعرض متحف نبوخذ نصر وحمورابي الى اعمال التخريب والعبث والسرقة فقد سرق كل ماموجود في المتحفين ولحسن الحظ ان الاثار التي كانت معروضة في المتحف ليست اثاراً أصلية وانما نسخ جبسية ورغم ذلك لم تسلم من السرقة فقد وجد البعض منها مهشماً ومبعثراً على ارضية المتحفين.
* ماهو رأيك بالسرقات التي تعرض لها المتحف في زمن النظام السابق ؟
- لاعلم لي بتفاصيل هذا لاني كنت خلالها في اجازة دراسية .


أنقذوا ثقافتنا من التمويل الذاتي
 

عبد العليم البناء
صرخة مدوية اطلقها منتسبو دائرة السينما والمسرح ومازال صداها يتردد منذ ثلاث سنوات حيث كانوا يظنون ومازالوا ان القرارات المجحفة والجائرة التي فرضها نظام الطاغية ستلغى جميعها بما فيها نظام التمويل الذاتي الذي طبق على هذه الدائرة وجعل منها شركة انتاجية حالها حال دوائر وزارة الصناعة والمعادن وهيئة التصنيع العسكري الامر الذي ادى الى ما ادى اليه من هبوط مريع وانتاجات استهلاكية وسطحية سيطرت على أنشطة وفعاليات هذه الدائرة الا ماندر من اعمال فنية كانت تفلت بقدرة قادرة وبهمة وفاعلية منفذيها من حومة التردي والتبجيل والاشادة (للقائد الضرورة)..
ولكن وزارة المالية وخلال السنوات الثلاث الماضية بقيت على رأيها مصرة على تطبيق التمويل الذاتي وعدم تغييره الى نظام التمويل المركزي الامر الذي ادى الى حصول خسائر كبيرة ليس لهذه الدائرة كفعل ابداعي كان من المفروض ان يكون مغايراً من جميع الوجوه لما كان سائداً ايام الحقبة الصدامية حسب، وإنما لمنتسبي هذه الدائرة الذين يتسلمون رواتب غير مجزية على وفق فئات اربع لا يزيد اعلاها على (300) الف دينار شهرياً لمن قضوا مدة خدمة تزيد على (25) سنة ويحملون شهادات اكاديمية في وقت يحظى اقرانهم في دوائر يطبق فيها نظام التمويل المركزي برواتب لا تقل عن (600) الف دينار وتزيد على (700) ألف دينار شهرياً..
والانكى من هذا كله وبالرغم من ان وزارة المالية تعرف جيداً ان الظروف الامنية الحرجة التي يمر بها البلد لا تسعف هذه الدائرة لاقامة وتقديم اعمال فنية بالصورة التي كانت عليها حيث الجميع فنانين ومشاهدين لا يستطيعون تحقيق الاقبال الجماهيري المطلوب لسد احتياجات دوائرهم بما فيها رواتبهم وميزانيات اعمالهم.. فأنها، اي وزارة المالية، لم تلتفت الى الخطأ القانوني الذي وقعت فيه هي وغيرها من الدوائر المسؤولة ايام النظام السابق وبقيت مصرة عليه حتى هذا اليوم وربما ستصر عليه الى مالا نهاية..
اذ ان قانون الشركات العامة المرقم (22) لسنة 1997 قد صدر لغرض تأسيس شركات عامة لوحدات اقتصادية تكون ممولة ذاتياً ومملوكة للدولة بالكامل وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري وتعمل وفق اسس اقتصادية.
هذا ما جاء بوصف (الشركة العامة) في المادة الاولى من القانون في حين ان دائرة السينما والمسرح كانت من الدوائر الخاضعة لنظام حسابي بموجب التمويل المركزي وقد صدر قرار لتحويلها الى نظام التمويل الذاتي في 11/3/1998 أي بعد سنة من صدور قانون الشركات العامة ومن ثم صدر قرار لتحويلها الى شركة عامة بموجب شهادة التأسيس المرقمة (170) في 22/2/1999 خلافاً لما جاء بالقانون لتحويل الدوائر الممولة ذاتياً الى شركات، اي ان دائرة السينما والمسرح كانت ممولة مركزياً تعتمد على تعزيزات مالية لنفقاتها من جاري حساب دائرة المحاسبة في وزارة المالية وهذا ما يؤكده ديوان الرقابة المالية عند قيامه بتدقيق الحسابات الختامية للدائرة لعام 1997.
ويهدف القانون اعلاه الى بلوغ الشركة اعلى مستوى من النمو في العمل والانتاج واعتماد مبدأ الحساب الاقتصادي وكفاءة استثمار الاموال العامة وفاعليتها في تحقيق اهداف الدولة ورفع مستويات الاقتصاد الوطني وهذا ماجاء بالمادة (2) من القانون في حين ان تحويل الدائرة الى شركة عامة لم يحقق أياً من الفقرات الواردة في المادة اعلاه حيث انها تحملت خسارة في اول سنة من تحويلها الى دائرة ممولة ذاتياً وان مجموع ما حققته من ارباح خلال السنوات الثلاث الاولى من تأسيسها كشركة عامة كان لا يتجاوز مبلغاً قدره (49) مليون دينار في حين انها خسرت فقط عام 2002 مبلغاً قدره (90) مليون دينار حسب ما جاء بالحسابات الختامية المقدمة الى ديوان الرقابة المالية.
لقد كان قانون الشركات العامة يهدف الى تحقيق مردود اقتصادي وفق المبادىء الحسابية وكفاءة استثمار الاموال العامة وهذا ما جاء بالمادة الاولى والثنائية من القانون خلافاً لاهداف الدائرة عند تأسيسها حيث انها اسست في حينه لرعاية الفنون السينمائية والمسرحية والفنون الشعبية والتلفزيونية لنشر الثقافة ودعم الحركة الثقافية والفنية وتنشيطها وتطويرها ولم يرد في اهدافها تحقيق اي مردود مالي او تحقيق اي هدف اقتصادي وبذلك فأن الدائرة عند تحويلها الى شركة عامة او دائرة ممولة ذاتياً قد خالفت الاهداف التي جاءت من اجلها.
وجاء في المادة 14 من القانون اذا بلغت خسائر الشركة نسبة 50% من رأسمالها الاسمي فعلى الوزارة اعداد تقويم اقتصادي لها واتخاذ قرار مناسب بشانها في حين ان دائرة السينما والمسرح كشركة عامة ممولة ذاتياً قد حققت خسائر كبيرة سنوياً ابتداءً من عام 2002 ولغاية 2005 تزيد على رأسمالها الذي يتجاوز (180) مليون دينار. في وقت قضت فيه عمليات السلب والنهب والتخريب بعد سقوط النظام السابق على رأسمال الشركة من موجودات ثابتة وغير ثابتة واصبحت لا تمتلك سوى مسرحٍ واحد (المسرح الوطني) وبرغم اعماره اصبح من المستحيل استخدامه لتحقيق مردودات مالية واقتصادية وبذلك اصبحت الدائرة تعتمد اعتماداً كلياً على القروض التي تقدمها وزارة المالية في جميع مصاريفها من رواتب ونفقات سلعية وخدمية اخرى.. وبالرغم من ذلك فقد قامت بالعديد من الفعاليات الثقافية والفنية المميزة داخل وخارج العراق ولكن دون تحقيق اي تمويل وايراد يحق للدولة ان تبقيها تعمل في اطار نظام التمويل الذاتي.
انها مسألة شائكة ومطلب جماهيري وثقافي وفني وابداعي لابد من معالجته واتخاذ القرار الحاسم بشانه واعادة الحق الى نصابه.


من المكتبة الاجنبية

دماغ موزارت
تأليف: برنار لوشوفالييه
الناشر: اوديل جاكوب ـ باريس 2006

"دماغ موزارت" ليس كتاباً في الموسيقى، وإنما بالأحرى في آليات عمل "العبقرية"، وذلك انطلاقاً من العديد من الأحداث المشهودة التي عرفتها حياة الموسيقي الكبير، وليس أقلّها شهرة ما جرى يوم 11 ابريل 1770 عندما سمع الفتى موزارت مقطوعة للموسيقي الكبير “الليغري” والتي لم يتم الإفصاح أبداً عن نسيجها الموسيقي الذي بقي سرّاً، لكن عندما وصل موزارت إلى بيته أعاد عزفها كاملة بالتمام والكمال من ذاكرته. فكيف يمكن تذكّر مثل تلك المعزوفة كلها بعد سماعها مرّة واحدة؟ وكيف يمكن تفسير عبقرية موزارت؟ باختصار ما هي أسرار العبقرية؟!


لبنان البيت المنقسم على ذاته
تأليف :ساندرا ماكي
الناشر:و.و. نورتون وشركاه ـ لندن، نيويورك 2006

الصحافية الانجليزية ساندرا ماكي المختصة بشؤون الشرق الأوسط واشتغلت في المنطقة سنوات طويلة كمراسلة لصحيفة الغارديان البريطانية. في هذا الكتاب تستعرض المؤلفة تاريخ لبنان منذ أقدم العصور وحتى اليوم وتقول ما معناه: هناك سببان أساسيان أديا إلى انتشار المسيحية في المنطقة هما: أن لبنان كان مسكوناً آنذاك من قبل الفينيقيين والآراميين، وبالتالي فلم يبد أي مقاومة تذكر ضد العقيدة الجديدة المبنية على مبادئ مشابهة لاعتقادهم بوجود الكائن الأعظم: أي الله. يضاف إلى ذلك أن جنوب لبنان حظي بزيارة السيد المسيح في قانا.

الديمقراطية التلفزية
تأليف :جان ـ ماري كوتيري
الناشر:مطبوعات ميشالوف - باريس 2006

منذ ثلاثين عاما استقبل التلفزيون كثورة في خدمة الديمقراطية تعمل على تحقيق التقارب بين الرجل السياسي والمواطن العادي. هذا ما كان أمل أعوام 1970، إلا أن التطورات التي جرت بعدها، تبيّن أن هذه الثورة قد انتهت إلى عكس ما أريد منها، فالسياسة أصبحت تعني الجملة المقتضبة والخطاب السياسي تحول إلى خطاب التبسيط والانفعال العاطفي . هكذا يتعرض الكاتب "جان ماري كوتيري" أستاذ الحق العام والعلوم السياسية في جامعة نيس (1964 ـ 1975)، والذي شارك في تأسيس "المجلة الفرنسية للاتصال" في اجزاء من كتابه هذا إلى هذين النوعين من الشرعية واللذين يطبعان الحياة الديمقراطية. فالشرعية السياسية قامت على قاعدة أن السلطة تنتمي إلى الذين يتم انتخابهم من قبل الشعب بشكل دوري باعتبار أن السيادة الشعبية تعود إلى مجمل المواطنين المقترعين وذلك كتعبير عن الإرادة الجماعية التي لا يمكن استلابها من قبل أحد وعلى أن الانتخاب هو الطريقة التي تسمح باختيار الأكثر كفاءة وجدارة من بين المرشحين لممارسة هذه السيادة ولخدمة المصلحة العامة الوطنية.

الدليل الهادئ إلى الأندلس
تأليف :دانا فاكاروس
الناشر:كادوغان غوايد ـ لندن 2006

مؤلفة هذا الكتاب هي الباحثة دانا فاكاروس المشهورة بكتب الرحلات، وقد كتبت العديد منها ضمن إطار سلسلة غاداغون المعروفة والخاصة بالتعريف بالبلدان الأجنبية. وفي هذا الكتاب تقول المؤلفة ما معناه: لقد أصبحت اسبانيا في الآونة الأخيرة من اكثر البلدان جذباً للسواح، فعدد الذين يزورونها كل عام يتجاوز الخمسة وأربعين مليون سائح! وهو رقم قياسي تحسدها عليه معظم بلدان العالم لانه يدر عليها المال الوفير بالعملة الصعبة ويساهم في تطويرها وتنميتها. يضاف إلى ذلك أن هذا الرقم أكبر من عدد سكانها الذي لا يتجاوز الأربعين مليون نسمة. وتقول المؤلفة أن اسبانيا من أجمل بلدان العالم وأجمل ما فيها قلبها النابض بالحضارة العربية والإسلامية: أي الأندلس


الملحن طالب غالي..أحلام مؤجلة.. وآمال بعيدة المنال  (1-2)
 

د: جمانة القروي

من بصرة الجاحظ والسياب، من بين افياء النخيل وأشجار البرتقال، ومن غرين دجلة والفرات يولد وينشأ المبدعون، هذا الثغر الذي انجب العديد من مبدعي العراق من ملحنين وشعراء ومطربين حيث لاتزال إلحانهم وأصواتهم العذبة الرومانسية الشجية، تملأ قلوبنا شوقا وحنينا إلى الوطن البعيد.
طالب غالي واحد من الملحنين العراقيين البارزين الذين ظهروا في نهاية الستينيات من القرن الماضي، صوت بصري ملون بنغمات آلام العراقيين وأنين عذاباتهم. أن أوتار عوده لم تضعف يوما، ولم تنكسر ريشته.. ومازالت أصابعه تداعب الأوتار بنفس الشغف والحنين الذي كان عندما كانت البصرة في أوج تألقها وبهائها، مدينته التي تسكن بين ثنايا روحه والتي لم يهجرها إلا مرغما. الآن وهو في غربته القاسية لم يتوقف يوما عن حبها، ولم يستطع تخطي الحنين إليها، يعيش على أمل اللقاء بها زاهية متألقة كما تركها منذ عقود مضت.

الملحن الأستاذ طالب غالي ولد ونشأ في محلة " المناوي باشا" وهي منطقة فلاحية تقع على نهر الخورة حيث قضى على ضفافه وفي مياهه معظم أوقاته مع أصدقاء الطفولة، لقد ترعرع في ظل عائلة فقيرة، وقد نشأ في ظل نظام أبوي تسلطي صارم إلا أن ذلك لم يمنعه من الغناء فكان لصوت والده الجميل وغنائه الحزين، أثره الكبير على عشقه الموسيقى.. ولموهبة والدته في ارتجال الشعر، في حبه وتعلقه في كتابة الشعر.
ومن هنا بدأنا الحديث، لنسأله، كيف كان تأثير البيئة.. والعائلة عليه؟أخذ نفسا عميقا قبل أن يجيب:" لقد ولدت وكبرت في محيط فقير بين ناس أهم ما يميزهم البساطة والطيبة، كان هؤلاء الناس رقيقي المشاعر ودودين متعاونين على السراء والضراء، هذا التكامل والحب الذي نشأت فيه جعلني مرتبطا ومحبا للأرض والنخلة والإنسان. حب مازال وسيبقى متغلغلا في أعماقي واليه يعود الفضل في ما أنا عليه الآن. كنت أطرب عندما أسمع والدي وهو يغني لأنه كان يتمتع بصوت جميل جدا، وكثيرا ما كنت أصغي اليه، أما الوالدة فكانت ترتجل الشعر سيما في المناسبات الدينية، وكثيراً ما كنت أسمعها أيام عاشوراء. وكنت لا ازال في الصف الخامس الابتدائي عندما بدأت اكتب لها القصائد التي كانت ترتجلها مما حببّني بالشعر.." أشاح بنظره بعيدا،كأنه أراد بذلك إخفاء حنينه، وشوقه إلى مدينته ثم ابتسم مواصلا حديثه:" البصرة كما هو معروف ميناء يطل على العالم، نافذة مشرعة على مختلف ثقافات وأجناس العالم، فيها من الفنون ألوان كثيرة،هناك ما بين عشرة إلى خمسة عشر لونا غنائيا، على سبيل المثال " الخشابة، الهيوة، الذكر، التراتيل الحسينية، الخ.. "، بالإضافة إلى البيئة الخضراء وبساتين النخيل التي كان لها باعتقادي كبير الأثر على حياتي، فما أن يشتد بي الحنين إلى البصرة حتى أتذكر تلك الأيام التي قضيتها وأنا أتسلق النخيل لقطف بعض رطبه، أو في ترديد الأغاني بصوت عال دون خوف من أبي، أما الليل فكان له طعمٌ آخر وسحرٌ عجيبٌ، حين يكون القمر وسط السماء ويشدو حفيف سعف النخيل مغنيا وعازفا إلحانا لا يمكن سماعها إلا هناك..هكذا أجواء جعلت مني إنسانا رومانسيا وحالما دائما".
الأستاذ طالب غالي فنان متعدد المواهب، فتلحين الأغاني والقصائد لم تكن موهبته الوحيدة إنما سبقها بكتابته الشعر حيث كان لايزال في الصف السادس الابتدائي عندما نظم أول قصيدة شعرية بسيطة، وتطور بعد ذلك في كتابة الشعر من خلال قراءته المتواصلة للشعر الجاهلي والمعلقات وشعر العصر الإسلامي والعصر الأموي والعباسي والشعر الحديث. كان عمره لا يتجاوز الخامسة عندما انضم مع أقرانه في الذهاب إلى الجامع لختم القرآن، وفي سن السادسة دخل المدرسة الابتدائية في " المناوي باشا " ثم استمر بدراسته في "متوسطة العشار" وشاءت الصدف أن يتم افتتاح دار المعلمين الابتدائية في البصرة في العام نفسه الذي أنهى فيه دراسته، ولضيق الحالة المادية لعائلته واختصارا للوقت دخل الدار ليتخرج فيها بعد ذلك ويساعد في إعالة إخوانه. وفي دار المعلمين أخذت حياته منحى آخر واتجه إلى الأدب والشعر، حيث وجد في معلم اللغة العربية الأستاذ رزوق فرج رزوق التشجيع وحيث نشرت له أول قصيدة في نشرة الدار.
كان لابد من سؤاله عن هذه المرحلة من حياته وعن مدى تأثره بالشاعر السياب.. وقبل أن يُجيب أخذ يلقي بعض أبيات من قصيدته." كانت قصيدتي تلك انعكاساً واضحاً على تأثري بالشاعر السياب وحبي الكبير لشعره، حيث أرى في شعره جوانب عديدة ومختلفة من سعادة وحزن وحب ولوعة الفراق والكثير من الحرمان والفشل بالإضافة إلى رومانسيته المستفيضة وتصويره لكل المباهج والمعاناة بهذا الشكل المبدع المثير. لقد واصلت كتابة الشعر وكان لأستاذي (رزوق فرج) دوره الكبير والفضل في تعميق حبي للشعر والاطلاع على شعراء آخرين مثل الجواهري". في بداية سنوات الشباب التقيت بالشاعر والصديق الصكَار الذي شجعني على الاستمرار في كتابة الشعر، وكان يتابع ما اكتبه ويبدي ملاحظاته فيه. في عام 1974 صدر لي ديوان شعر بعنوان " حكاية لطائر النورس" عن وزارة الثقافة والاعلام، كما أن لي العديد من القصائد التي لم يتسن لي حتى اللحظة جمعها وطبعها في ديوان جديد.
المحطة الرئيسية والمهمة في حياة الأستاذ طالب غالي " الموسيقى والألحان " لذلك سألناه، متى بدأ اهتمامك بالموسيقى وما هي قصتك معها؟ حاول جاهدا أن يرسم ابتسامة على شفتيه قبل أن يقول " بدأ اهتمامي بالموسيقى بعد أن تعلمت العزف على العود، كان ذلك عام 1958، أثناء دراستي في دار المعلمين حيث تلقينا دروسا في الموسيقى، أحسست بعدها بتعلقي بالعود وبدأت أعزف عليه وأغني، لا سيما أن تلك الفترة شهدت ظهور المطرب عبد الحليم حافظ الذي تأثرت به وقدمت بعض أغانيه على المسرح. أما في مجال الموسيقى فقد كان للفنان حميد البصري أثره الكبير علي حيث أفدت منه الكثير من المقامات وتفرعاتها. وواصلت التمرين والعزف ومعايشة الفرق الفنية وتعلمت الموسيقى بدافع ذاتي، وما اندم عليه لحد الآن هو أني لم اذهب إلى بغداد لدراسة الموسيقى في معاهد متخصصة".. ثم يواصل حديثه قائلا:" عندما تشكلت الفرقة البصرية عام 1964 كنت أحد أعضائها، وقد لحنت للفرقة العديد من الأغاني الجديدة التي كتبت كلماتها، وقدمت على مسارح البصرة. ثم سافرت إلى بغداد عام 1968 واشتركت في برنامج " وجوه جديدة" بأغنية " العيون النرجسية ". بعد عودتي إلى البصرة ضمّنا لقاء جمع الفنانين والأدباء لمناقشة تقديم عمل موسيقي كبير يتخطى الأغنية الفردية وقد حضر هذا اللقاء محمد سعيد الصكار، ياسين النصير، حميد البصري، قصي البصري علي العضب وانا وحينها انبثقت فكرة تقديم اوبريت غنائي".
لم يكن الأوبريت أو المسرحية الغنائية قد عرفت في العراق قبل ظهور"بيادر خير" هذا الأوبريت يعتبر اللبنة الأولى المهمة والمؤثرة في تاريخ المسرح الغنائي العراقي وعلامة من علاماته المميزة. ماذا تقول عن تجربتك في مجال الأوبريت؟ تلمع عيناه ببريق غريب، و كأنه يغور عميقا في الزمن البعيد حيث يستجمع ذلك الماضي الذي لاتزال تفاصيله واضحة جلية المعالم أمام عينيه.. ثم يقول " قبل أي شي احب أن أوضح بأن المسرحية الغنائية تختلف عن الأوبريت والكثير يخلط بينهما، الأوبريت يطغى فيه الجانب الغنائي على جانب الكلام أو الحوار، والعكس صحيح بالنسبة للمسرحية الغنائية، آنذاك كانت مشكلة نزوح الفلاحين من الريف إلى المدينة والعمل فيها كأجراء في حدائق البيوت أو ما يسمى " بالبستنجي" فكان لابد من طرح هذه المشكلة بأسلوب جديد، وقد لاقت هذه الفكرة استحسان المجموعة فعكف يأسين النصير على كتابة السيناريو وكتب أشعارها علي العضب، وفي عام 1969 حيث قدم هذا العمل في بغداد على مسرح قاعة الخلد. لاقى أوبريت" بيادر خير" نجاحا كبيرا جدا. ضم هذا العمل بين 60 إلى 70 مشتركاً بين فتاة وفتى ولم يكن أي منهم محترفا، عدا المخرج الذي كان قد تخرج توا من معهد الفنون الجميلة " قصي البصري". شارك الفنان فؤاد سالم بأداء بعض الأغاني كما شاركت " أم لنا " زوجتي في أغنية (اللولوّة) كما شاركت الفنانة شوقية زوجة حميد البصري في العمل أيضا. سكت لبرهة.. وأخذ يدندن بالحان ذلك الأوبريت الذي مازال عالقا في أذهان الكثيرين ممن زامنوا تلك السنوات" موش آنه الجنت أزرع حنطة.. أزرع وردات..." ويستطرد الفنان طالب غالي في كلامه قائلا:" لقد شاركت في هذا العمل بدور " رويهي" الفلاح النازح من الريف إلى المدينة للأسف أن الأجيال اللاحقة لا تعرف عن هذا الأوبريت شيئا، فقد حجب النظام السابق كل شيء له مضامين ومعانٍ سامية. بعد نجاح هذا الأوبريت، فكرنا بطرح قضية العمال، الذين كانوا يشكلون شريحة كبيرة في المجتمع وبدأنا بالتحضير لفكرة أوبريت " المطرقة " الذي كتب نصه شعرا علي العضب وأخرجه قصي البصري وقمت بتلحين هذا العمل. كان زمن عرض الأوبريت لا يتجاوز الساعتين، إلا أننا استغرقنا في تلحين أشعاره ليالي مضنية طويلة لعدة اشهر، وقد تم عرضه لأول مرة في 1/5/ 1970 بمناسبة عيد العمال العالمي في بغداد على مسرح قاعة الخلد وكان له صدى كبير لتناوله نضال الطبقة العاملة وحرمانها من حقوقها والتضحيات الجسيمة التي قدمتها على مر التاريخ. كان العمل مؤثرا جدا ومس مشاعر وأحاسيس الناس على اختلاف طبقاتهم، ومن هنا بدأ النظام المقبور بمحاربتنا وحاول بشتى الطرق إغراءنا، وتشتيت علاقاتنا، بعد محاولات عديدة نجح في جذب بعض عناصر الفرقة إلى صفوفه، إلا أن ذلك لم يؤثرعلينا، وكنا ننوي التحدي بأوبريت جديد بعنوان "الطريق"، الذي كتب من قبل عدد من الشعراء، منهم المرحوم الشاعر مصطفى عبد الله، وعبد الكريم كاصد، والشاعر عبد الخالق " للأسف لم اعد اذكر اسمه الكامل"، كان من المفروض أن يقدم عام 1974، ولكن السلطة الفاشية بدأت بشن هجومها على كل عمل تقدمي حينذاك، فتوقف العمل ولم يظهر للنور. ندت عنه آهة لتلك المعاناة والقسوة والبطش لأنهم كانوا يطمحون لتقديم أعمال فنية موسيقية ذات مستوى فني رفيع شكلا ومضمونا. لذلك حاولت العبور معه إلى الضفة الأخرى من الحديث إلا انه أبى ذلك وواصل حديثه بانفعال بات واضحا على نبرات صوته: " لقد عملت في تلك السنوات وواظبت على تلحين الأغاني السياسية، ليس لمطمح مادي ابتغيه وإنما كنت اعمل من اجل تقديم فن راق على صعيد الموسيقى والشعر، وان تكون لنا أجيال متذوقة وعارفة بهذا الفن. بجانب ذلك قمت أيضا بتلحين الأغاني للعديد من المسرحيات، سيما تلك التي كانت تقدم في يوم المسرح العالمي، واهم مسرحية غنائية لحنتها كانت مسرحية " العروسة بهية "، حيث كتب أشعارها علي العضب وأخرجها قصي البصري عام 1971 وعرضت على مسارح البصرة. صمت محاولا تذكر بعض من أبيات أشعار تلك المسرحية.. حاول لكن الذاكرة خانته، في بادئ الأمر، أراد إكمال حديثه لكن بعض مقاطع و كلمات المسرحية كانت تخرج من بين شفتيه، متناثرة.. إلا انه لم يتوانَ عن شحن ذاكرته.. وسرعان ما اخذ يشدو بصوته الجميل.. " ياعروسة يا بهية صارت زفتج سالوفات.. ياسين العريس الأسمر.. أتحنى بدمه بليلة عرسه وصارت وناته حجايات.. شنكلللكم يا تعبانين يا فلاحين.. كتلوا ياسـين إلمِن عدكم.. كتلوا ياسين ".


من ادب الرحلات العراقية الحديث .. رحلة محمد شمسي الى (أرض ساخنة)(1-2)
 

د. سهام جبار

يوصف أدب الرحلة بانه (ملتقى لتعدد الخطابات) وفي هذا تقع اشكاليته النوعية من حيث تحقق أدبيته من مجموعة خطابات بعضها أدبي وبعضها خارج اطار الادب، بحكم ارتباطه بالواقع، ومن ثم فللتاريخ وللجغرافية وللسيرة وللمغامرات كلها لها دخل في تشكيل نسيجه، الى جانب الشعر والقصة والامثال والمقتبسات النصية المختلفة، فان ذهبنا الى الاخذ بسمة النقاء الممكن لجنس من الاجناس فبالتأكيد لا يعدّ أدب الرحلة من الاجناس النقية.
هذه مسألة مهمة تحكم نصوص أدب الرحلة على تفاوت الائتلاف في تعددية الخطابات ومداه. والمسألة الثانية التي يقع عليها الاهتمام في أخذنا لنص أدب رحلة عراقي هو (أرض ساخنة) لمحمد شمسي وقوع النص مع تعددية خطاباته تحت مهيمنة موضوعية موجهة من المؤلف، خضع لها نصه كاملاً منذ مقدمته التي استهلها باشاعة فضاء أسطوري تسنده مفردات الطبيعة وتدل عليه لتعزيز وجود الكائن البدائي الذي يريده لنفسه، والذي ينسجم بوجوده في أفريقيا مع مكوناتها البدائية، وحرارة جوها، وطبيعة مهيمنته الموضوعية، التي تمثلت بالهدف الحسي، اعلاء شان الرغبة بحيث ارتبطت الرحلة الى افريقيا عامة بها.
هذا الجوع البدائي الاسطوري هو الذي أوجد نص رحلة شمسي، ومن الموجهات اليه العنوان، الذي دل
على نحو الحقيقة- على افريقيا- وعلى نحو المجاز- على المراة (وبعد سنين لا تعد، كثيرة بعدد طيور السماء وسمك البحار وذرات الرمل ظلت الحياة في افريقيا كما كانت قبل ملايين السنين حارة، طائشة متدفقة، مليئة، وظلت الصيغ الإنسانية الاولى تطفح على الأرض رامية حذرها القديم كلما وجدت قشرة لينة، رقيقة) (الرحلة ص13).
الا ان المجاز لم يكن الا في العنوان وقد جاءت التوظيفات النصية والاستثمارات عامة صريحة في مدلولها، أو انها تعزز سياق الرحلة الكلي، فالى جانب ذلك هناك خصوصية للمكان، الا انها مسخرة للمعنى المهيمن فالمكان وسيلة في تفصيلات كثيرة، لاغاية من اجل تحقق الحدث ولتجميل مسعى السارد- البطل.
إذا كان من أدب الرحلة العربي ما كتب بدوافع تنويرية وتربوية فجعل اللغة وسيلة لا غاية بسبب من الجمع والتأليف والترجمة لنقل العلوم والمعارف المتنوعة، فرحلة محمد شمسي من اجل المتعة وهي تفترق عما سواها من كتابات الرحلة التي تسعى الى التعرف، فالمعرفة متحققة في (أرض ساخنة) والغاية في ما وراء ذلك، أي ماذا بعد المعرفة، أو بم تستثمر هذه المعرفة؟
كذلك خرجت رحلة شمسي عن ان تسخر في اطار المقارنة بين عالمين (شرق وغرب) ومشاكل الوقوع تحت وعي الآخر، أو النظر الى انعكاسات موشوره، أو اقامة حوار حضارات أو بيئات متنازعة فالبرغم من كل الاشارات الملتقطة من حكايات المؤلف عن الانسان المحروم أو المستغل الا ان الرحلة خالية من الدافع المسيس ومتحررة من سلطة المستعمِر والمستعمَر. وللتوضيح يلزمنا القول ان (أرض ساخنة) المكتوبة عام 1973 كما في الاشارة المضمنة بالكتاب، والصادرة عام 1978، هي تتمة للرحلة المبتدأة في (ألف ميل بين الغابات) للمؤلف نفسه والصادرة في طبعتين عامي 1973و 1976. وتكشف بنية الرحلة عن إيقاعين أساسيين يحكمان السياق حيث تمثل (ألف ميل بين الغابات) بداية الرحلة وانفتاحها على البيئة الجديدة في أفريقيا، وتمثل (أرض ساخنة) رحلة العودة التي هي رحلة انفلات وإدبار عن تفصيلات المكان فكأن المؤلف يسعى بقوة الى الانصراف عما انفتح اليه في رحلة البداية، رحلة الاقبال الى الخارج (أفريقيا).
والادبار في (أرض ساخنة) يكتمل مع انتهاء الرحلة في الوصول الى الوطن، ولنلاحظ ان افريقيا بوصفها المكان المناسب ليلون برمزية الرغبة البدائية الاولى كانت قد تشبعت بهذا المعنى الرمزي عند بداية ابتعاد الرحالة عنها لا مع إقباله عليها. وهذا يعني ان ذروة الرحلة التي أرادها شمسي كانت مع بداية انتهائها، وان الرحالة غير المحايد بالفعل اعطى صورة مكان ذاتية أكثر مما هي صورة موضوعية، وبذلك نأى عن أي يكون جغرافياً مشغولاً بالمظهر الخارجي للمكان الى اقصى حد ممكن (إذ بعد ذلك ينفلت منه المعيار النوعي لأدب الرحلة)، (فالرحالة يظل مختلفاً عن الجغرافي دون احداث قطيعة نهائية في كونه يكتب بالمكان في حين يكتب الجغرافي عن المكان (....) انها جغرافية جديدة يزاوج فيها الرحالة بين تاريخ المكان أو تموقعه الجغرافي في العالم وبين تاريخه الشخصي).
مع اقتران أدب الرحلة بالسيرة وانماط التقرير والاستطلاع والمراسلة الصحفية واشتمالها على خطابات الشعر والنثر من قصص ويوميات وتاريخ وجغرافية ومغامرات، ويكون توصيف (أرض ساخنة) رصداً لخصائص هذه الانماط الداخلة في نسيجها. ويتقدم هذا رصد ثنائية السارد (الرحالة) فهو بطل من جهة قيامه بالفعل في المساحات المستكشفة، وهو راوٍ سارد للاحداث، غير محايد بالضرورة، إذ يخطط للمغامرة من جهة الفعل بالرصد والاكتشاف والتخطيط والسعي، وفي الوقت نفسه يصف ويسرد وينتقي ما يريده محفزاً المتلقي للتوقع والانتظار. تجتمع إذن خاصيتا العرض المتضمن المراقبة، والموقف الشخصي المتبنى تجاه المحكي، مع الوظائف الثانوية المنبثقة من هاتين الوظيفتين الرئيستين، في شخص محمد شمسي المؤلف (الكاتب) والسارد، فإذا كان الكاتب معطى تاريخياً فان السارد معطى نصي، واجتمعا في (أرض ساخنة) حيث الوظيفة مزدوجة في الواقع وفي صياغته، والى جانب ضمير المتكلم الذي يصدر به السارد سرده يتردد اسمه (محمد) خلال نص الرحلة (ص 104 مثلا).
وتتخلل نص السارد نصوص قليلة لشخصيات في الرحلة تصاغ بطريقته نفسها، الى جانب التضمينات التي لونت سياق الاحداث لدعم الموضوعات الاساسية والثانوية ومن ذلك يطالعنا تلخيص للحكايات، واستذكار ومونولوج داخلي، واسطرة للمكان وللشخصية، وسرود استطلاعية وكشوف، وتضمينات اخرى، أقل استعمالا.. وكل هذه الاستعمالات محسوبة للسارد، حتى الحوار يقع ضمن ادراته، وفي هذا ما يرسم صورة الرحالة كلية في الرحلة، حتى تكاد تحتويها.


مجلات
 

عدد جديد من مجلة النبأ

كربلاء / المدى
صدر العدد 83 من مجلة النبأ الشهرية التي تصدر عن مؤسسة النبأ للثقافة حافلا بالدراسات والمقالات الفكرية التي تتوزع على محاور الدين والعلم والفلسفة والأدب مع متابعة آخر الأنشطة الثقافية وغيرها وقد تضمن العدد مقالاً لرئيس تحريرها مرتضى معاش (دعوة لاحتواء الاعتداء على المقدس الإسلامي) ودراسة للدكتور خليل الربيعي عن (السلم والجهاد في فكر الإمام الشيرازي) وكذلك دراسة في الاقتصاد للمهندس مصطفى فؤاد صادق عن (تحدي الفساد أمام التنمية العراقية) وكتب مازن رسول محمد مقالا اقتصاديا بعنوان (تنمية زائفة) و رفعت المحمد كتب عن (التخلف) كمصطلح برز بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أما علاء حميد فله مقال (الاتصال السياسي)، ولحيدر الجراح مقال بعنوان (أبجدية القتل العراقي).
وتضمن العدد دراسة لوليد خالد احمد حسن (نحن والآخر جدلية التطويع والمجابهة)
و للأستاذ زكي ميلاد مقال (لكي نفهم الآخر). ولعقيل يوسف عيدان موضوعا بعنوان (أي حوار ديني نريد؟). ونشر الباحث حسن عبيد عيسى دراسة بعنوان (ابن خلدون: الاستبداد المكبوت) وهناك استطلاع عن مكتبة الروضة الحيدرية التي تعد كنزا معمرا من العلوم والمعارف.وكتب سعد سلوم مقالا بعنوان (عصر المدن يعود من جديد). وللدكتور وليد سعيد البياتي نقرأ مقالا بعنوان (كربلاء وفلسفة الشهادة) اما فريد نمر فقد نشرت له النبا مقالا عن (حاجتنا الفكرية ومسؤولية العلماء) ونشر عباس خضير مادة ادبية بعنوان (الياسمين المر/ شكرا لك أيها الكمبيوتر) وهناك دراسة للدكتور علي وتوت (عندما يكون الهامش أوسع دلالة/ قراءة في كتاب)، وكتب قيس ياسين عن (بغداد / الواقع والأسطورة) ونقرأ للدكتور عامر إبراهيم علوان مقالاً بعنوان (كيف يفكر الخبراء).
وهناك مواضيع اخرى في العدد الجديد من المجلة

مجلة عمان الثقافية في عدد جديد

محمد درويش علي

عن امانة عمان الكبرى، صدر العدد الثالث والثلاثون بعد المئة، من مجلة عمان الثقافية، وهي مجلة شهرية تعنى بالثقافة العربية والعالمية المعاصرة.
وضم العدد مجموعة من الدراسات والقصائد والقصص والحوارات. ففي زاوية دراسات كتب د. احمد طعمة حلبي دراسة تحت عنوان "مفهوم الجميل في الفكر الغربي والفكر العربي قديماً وحديثاً" وكتب ابراهيم القهوجي دراسة جاءت بعنوان "الكتابة وجمالية التخيل مقاربة في الغزالة تشرب صورتها"، وهي دراسة عن مجموعة الغزالة تشرب صورتها للشاعر السعودي على الحازمي، فيما كتب د. ابراهيم خليل دراسة عن رواية "حرير صاخب" لرجاء نعمة بعنوان "في الرواية النسوية حرير صاخب لرجاء نعمة رواية متقنة محورها المرأة".
وفي زاوية شعر كتب الشاعر احمد الخطيب قصيدة بعنوان مسرح للنشيد الحر وقصيدة اخرى بعنوان ولادة للشاعر التونسي المولدي فروج وفي زاوية قصة نشر القاص مصطفى نصر قصة تحت عنوان ست البيت وفي زاوية فيلم الشهر كتب يحيى القيسي عن فيلم (الجنة الآن) لهاني ابو اسعد اما زاوية اصدارات فقد ضمت عرضاً لعدد من الكتب التي صدرت حديثاً مثل مفرد في غمام السفر ، وكسقوط تفاحة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة