المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

(المشروطة والمستبدة) لرشيد الخيُّون .. تاريخ الحركة الدستورية والخلاف بين الفقهاء بالنجف

لندن- خاص بالمدى

صدر حديثاً عن معهد الدراسات الاستراتيجية ببيروت (2006) كتاب "المشروطة والمستبدة" للباحث العراقي رشيد الخيون، وقد تضمن 450 صفحة من الحجم المتوسط.. وكانت المناسبة مرور مئة عام (1906-2006) على الحركة الدستورية، والتي عُرفت بالمشروطية. وهي حركة من أجل نظام دستوري بإيران وتركيا، والعراق. قادها فقهاء النجف، واختلفوا حولها بين مشرط مؤيد للدستور ومستبد مؤيد للحكم المستبد مع نشدان العدالة. وكما هو معلوم كان العراق خاضعاً للدولة العثمانية، وفي أحايين تخضع مناطق من جنوبه للدولة القاجارية الإيرانية، ومن قبل للدولة الصفوية.
وكانت النجف حينذاك مسرحاً للخلاف الكبير بين فريقي المشروطية والمستبدة، وقد انقسم علماء المرجعية الشيعية إلى فريق يؤيد الحياة الدستورية، ليضع حداً للاستبداد السياسي والديني في الوقت نفسه، وفريق آخر تشبث بنظام الحكم الاستبدادي خشية من انهيار التقاليد الدينية، والتفريط بسطوتها على المجتمع، وخشية من الفوضى لعدم تدرب الناس على البانتخاب وكل ما يتعلق بالدستور. لأن فصل الدين عن الدولة، أو الحكم العلماني، كان طريق الحكم البرلماني والدستوري بالبلدان الأوروبية. وقد جعل خلو الشرق من تلك التجربة التأثر بتلك الدساتير أمراً واقعاً. ولم ينفه علماء الدين المؤيدون للمشروطية، بل شجعوا على نقل تلك التجربة مع الحفاظ على التقليد الديني والاجتماعي. وذهبوا إلى التصريح بأن الحياة البرلمانية والدستورية ما هي إلا موروث إسلامي، أبدعها المسلمون واحتضنها الغربيون، في ما بعد، بعد الإطلاع عليها عبر الحروب الصليبية، مثلما ورد في رسالة الميرزا محمد حسين النائيني "تنبيه الأمة وتنزيه الملة".
الأحداث مثلما نراها بعراق اليوم، والمنطقة بشكل عام، تشير إلى التقارب بين الزمنين: حركة المشروطية وخلافها الشديد مع المستبدة وبين ما يحصل من النزوع إلى الديمقراطية، ومحاولات التخفيف من الدكتاتورية السياسية. وقد تغيرت الأحوال ولم يعد هناك ما يُحرم الاستعانة بالأجنبي من أجل الديمقراطية، بعد العيش تحت نظام موغل في الاستبداد والفردية، مثل النظام العراقي السابق.
بل إن هناك إشارات كثيرة إلى طلب علماء الدين قبل قرن من الزمان المعونة من الأجنبي غير المسلم، وقد حصل أن كاتبَ أصحاب المشروطية الإدارة الأمريكية آنذاك من أجل المساعدة على تحقيق الهدف. كذلك هُدم، أثناء الصراع من أجل المشروطية، السور الطائفي العالي بين الشيعة والسُنَّة، فحصل الاتصال بين علماء النجف وأصفهان ومشيخة الإسلام باستانبول، عبر دعم متبادل في الفتاوى والرسائل. ومن أجل الدستور حل الوئام الاجتماعي بين الأرمن والمسلمين في تركيا بدلاً من الكراهية، وحصل التقارب بين المسيحيين والمسلمين وبقية التكوينات الدينية والمذهبية في أصقاع الدولة العثمانية.
كان للمشروطيين والمستبدين فقهاء ومفكرون، هؤلاء ينظرون وأولئك يفتون ويحشدون الأتباع حولهم، وبطبيعة الحال كانت العامة تلتف حول المستبدة، لأن الإقناع بالتغيير أو التجديد له متطلباته الثقافية والحضارية. أما المحافظة على السائد فلا تكلف غير تقوية الواعز الديني، لذا تجد أن أغلب أتباع المشروطية كانوا من المتنورين من أدباء وشعراء ومتمردين على الاستبداد، وفي مقدمتهم الميرزا النائيني والسيد هبة الدين الشهرستاني، والسيد محسن الأمين، والشاعر صالح الجعفري، والشاعر علي الشرقي وغيرهم.
غير أن مَنْ يتابع تفاصيل الخلاف بين الفريقين يجد مؤثرات موجبة لفرط عقد الفريق المشروطي بعد وفاة رائده الآخوند الملا محمد كاظم الخراساني، وكان أخطر المتراجعين مفكر المشروطية نفسه، وهو الميرزا النائيني. ومن التعسف بمكان أن يُحصر التراجع عن طلب الدستور والبرلمان بانتهازية المتصدين طلباً للمرجعية، مع أنها لايُنال تمامها إلا برضا العامة، إنما هناك كم من الأخطاء والتجاوزات الفظيعة التي دفعت علماء دين إلى التخلي عن مطلبهم ومبتغاهم الذي ناضلوا دونه بقوة وثبات.
كان في مقدمة تلك الأخطاء الفوضى التي صاحبت إعلان الدستور بإيران، وإعدام علماء دين، والتهديد بالخلل في الحياة العامة. ونرى أن ما حصل كان أمراً طبيعياً، فبعد الاستبداد الطويل، وما فيه من موجعات اجتماعية، تأتي نسمة الحرية عاصفة، وتمارس كردة فعل شديدة، أثارت البغضاء ضد الحرية نفسها، وكان هذا جزءاً من دوافع الإمام محمد كاظم اليزدي في تبني المستبدة حتى صار فقيهها الأول.
وعلى الرغم من قصر سنوات الخلاف، وما أسفر عن تبني المشروطية رسمياً بإيران، إلا أنها أسست لعصر قادم، وظلت منطلقاً لدى أحرار إيران والعراق معاً. ليس على المستوى السياسي فحسب بل على المستوى الاجتماعي والثقافي، تجسدت ذلك في محاولات ودعوات إلى التجديد، حتى ظل المجتمع النجفي منقسماً على نفسه إلى فريقين متوازيين في كل الأزمنة، بين نزعة التحرر ونزعة الرجعية.
ومن المعلوم أن النجف ليست كغيرها من المدن والمجتمعات، إنها مدينة دينية بمعنى الكلمة، ومغلقة لمذهب ودار لحوزته العلمية. يأتيها الطلبة "من كل فج عميق". وكلٌ يحمل ثقافته ومفردات لغته وطبائع مجتمعه، والكثير منهم يتوطنون، ويبرزون مراجع دين كباراً، يذوبون داخل المجتمع النجفي، ولا يبقى من ولائهم لأوطانهم ومجتمعاتهم الأصلية شيئاً. وهي بهذا المعنى حاضرة دولية، يتعقد داخلها الصراع الحضاري بين أقوام واتجاهات. يحصل هذا من دون المساس بهويتها، وشخصيتها القيادية بالنسبة لشيعة العالم. فما أن تناول علماؤها موضوع المشروطية والمستبدة، القادم من إيران وتركيا، حتى أصبحت هي عاصمة الصراع، ومركز الإفتاء في هذا الأمر.
الكتاب بمجمله قراءة في تاريخ الخلاف بين المشروطية والمستبدة، حاول قدر الإمكان إضاءة تلك الفترة، مع مقدمة وافية لمسألة الإمامة في الإسلام، لأنها كانت ومازالت عصب الخلاف. ولولا ما تركه الميرزا محمد حسين النائيني من نظرات عميقة في كتابه أو رسالته "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" حول المشروطة والصراع بين الاستبداديين والدستوريين، فما وصلنا من تاريخ تلك المرحلة كان مجرد أخبار مناوشات وصدامات بين علماء الدين والسلطة الاستبدادية من جهة، وبين علماء الدين أنفسهم من جهة أخرى. ومثلما كان للخلاف بين الحزبين قصص مثيرة فلرسالة النائيني، وبقاء أثرها، حتى يومنا هذا، قصة أكثر إثارة.
تبرأ صاحبها، وأخذ يطاردها من مكتبة إلى أخرى، ليدثرها إلى الأبد، حتى لا يبقى منها ما يشهد على أفكاره التنويرية الخطيرة، ليس بمفاهيم (1909)، وهو عام النشر، بل بمفاهيم عصرنا الحالي. شرعت رسالة أو كتاب "التنبيه..." للديمقراطية. ومن دون أن يجعل مصنفها، وهو من مراجع الدين الكبار، الذكورة شرطاً من شروط دخول البرلمان والحكم بشكل عام، كتصويت أو تشريح. كذلك لم يجعل الهيئة التشريعية محتكرة لدين أو مذهب، بل ربط حق الناس أو المواطنين أجمع بما يساهمون فيه من مالية أو خراج للدولة. وفي ذلك الزمن الغابر ربط الديمقراطية بالتعليم والاستبداد بالجهل، وجعل التعليم هدف الدولة المنتخبة الأول، وجعل العدالة أو المساواة والحرية أصلين مقدسين. بينما يبادر شيخ دين عراقي، بعد مئة عام على صدور رسالة النائيني، ويكتب مسودة دستور يلزم فيها عضو البرلمان أن يكون مسلماً، وملتزماً بأحكام الشريعة. وأن يكون للمرجعيات الدينية والهيئات الدينية العليا الحق في اقتراح قوانين أو إلغاء أخرى.
انتبه رواد المشروطية أنفسهم إلى أهمية الكتاب، وهذا ما جاء في قرضه من قبل الآخوند ملا كاظم الخراساني والشيخ عبد الله المازندراني. وبعد حين جذب الشاعر النجفي صالح الجعفري، فعمل خلافاً لرغبة المؤلف على ترجمته ونشره. كذلك تنبه إليه الأديب النجفي جعفر الخليلي، وحاول ترجمته ونشره أيضاً. إلا أن من أشد علماء الدين اهتماماً بالكتاب هو آية الله محمود الطالقاني، أحد رجال الثورة الإيرانية البارزين، وقد جعله منطلقاً إلى مشروطية كاملة، تتعدى بطبيعة الحال مشروطية ولاية الفقيه المطبقة بإيران حالياً. بل جعله الطالقاني دليلاً للإجازة في التأثر بالآخرين من غير المسلمين، فهو يعترف في مقدمته للرسالة، بعد حين من طبعتها الأولى، أن الديمقراطية أو الحياة الدستورية ليست من سياسات بلداننا، بل أتتنا من الخارج، فشجعها العلماء وآزروها.
في محاولة مقارعة الاستبداد المعاصر، تطلع العديد من الباحثين، من مؤيدي المشروطية والديمقراطية طبعاً، إلى الاستعانة بموروث ما أنتجه الخلاف بين المستبدة والمشروطية، واستحضاره كأثر مشجع لقبول مفهوم وممارسة الديمقراطية في البلاد الإسلامية، تبناه علماء دين لا يشك في إيمانهم. وهو بالفعل أثر مغرٍ ومؤثر بعد سبات طويل، ووسط دعوات مناهضة الديمقراطية باسم الدين، ومحاولة إلصاق تهمة الإلحاد بها، وأنها مخلوق أوروبي يتعارض مع الإسلام تعارضاً قوياً. فجاء كتاب توفيق السيف "ضد الاستبداد"، وهو عبارة عن مقدمة لترجمة كتاب "تنبيه الأمة.."، غير الترجمة الأصلية على يد الشيخ الشاعر صالح الجعفري كاشف الغطاء (ت 1979).
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب: يتناول الباب الأول: لمحة تاريخية في الإمامة، واقتراب الشيعة من الدولة، والمدرسة الشيعية في الحكم. ويدرس الباب الثاني: المشروطة والمستبدة..إيران وتركيا، المشروطة والمستبدة في العراق. أما الباب الثالث فيعالج: النائيني مفكر المشروطية. ورسالة "تنبيه الأمة وتنزيه الملة". وبسبب صعوبة رصد شخصيات المشروطة والمستبدة كافة، اقتصر البحث على أحوال زعماء المشروطية والمستبدة في العراق فقط: الآخوند الخراساني، المرجع محمد كاظم اليزدي، المرجع حسين الخليلي، والشيخ عبد الله المازندراني، والميرزا محمد حسين النائيني، والسيد هبة الدين الشهرستاني. حيث نجد في حياة كل شخصية من هذه الشخصيات تفاصيل تضيء البحث في صراعات تلك الفترة.
عموماً، يبقى تاريخ المشروطية والمستبدة، الذي قاد إلى دولة دستورية في تركيا وإيران، وساهم في تهيئة العراق لتقبل مفهوم الديمقراطية في العشرينيات، خلفية ناضجة بمعاييرزمنها للنزعة الديمقراطية والدستورية في المستقبل، تاركة أثرها على علماء الدين في العهود اللاحقة، فليس من عالم يقف ضد الدستور والديمقراطية إلا من باب حماية الدين والتقليد السائر. لهذا حاول علماء الدين بالنجف، عند كتابة الدستور العراقي مؤخراً، التدخل بما يترك للدين هيمنة في التشريع، ولم يقفوا ضد مبدأ الدستور نفسه.
أمور عديدة عادت مرة أخرى، وكأن الزمن توقف عن الدوران. عاد الشيعة يلحون على الدستور، لكن من دون فريق مضاد، بينما تحرك السُنَّة ضده تماماً، وكانت النسبة الأكبر في التصويت عليه في أكتوبر 2005 في المناطق الشيعية والكردية. وحثت المرجعية الدينية الشيعية على قبول الدستور، بينما حثت المرجعية السُنيَّة، ممثلة بهيئة علماء المسلمين، في المناطق الغربية ذات الكثافة السُنية على رفضه. وأخيراً أُقر الدستور مع تقريب وجهات النظر بإضافة مادة تجوز التغيير في مواد. وما أن انتهى الخلاف مع السُنَّة حتى بدأ الخلاف على موقف الدستور من قانون الأحوال الشخصية، وبدأت المرأة بحملة مكثفة ضد ترك العراقيين أحراراً في معاملاتهم الفقهية والتشريعية، أي الرجوع إلى مذاهبهم.
يحضر تاريخ الحركة المشروطية، بعد مرور قرن من الزمان، قوياً في الأحداث، إلى درجة تثير الفضول في الدراسة والإطلاع، فهي مازالت صالحة كأرضية للانطلاق من جديد إلى مشروطية جديدة، وسط الاندفاع الديني، الذي لا ينسجم كثيراً مع تحقيق مشروطية كاملة، على حد عبارة آية الله محمود الطالقاني. إضافة إلى الإزدواجية في الحركات الدينية والطائفية بين النزوع إلى الاستبداد الديني والمذهبي وبين ممارسة الديمقراطية والحياة الدستورية، وسط خراب شامل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. حتى بدا الأمر بين الكيانات الدينية واللادينية صراعاً بين مستبد ومشروط.


من اجل تفعيل مشروع المصالحة الوطنية  .. أدباء ومثقفون يرفعون اصواتهم دعما للحوار والسلام
 

علي ياسين - بغداد
لم يعد خافيا على احد، ان العراق في تاريخه السياسي الحديث، وبالتحديد منذ تشكيل الدولة العراقية مطلع العقد الثاني من القرن المنصرم، قد مر بأحداث جسيمة، قادته الى صراعات وتمزقات وانقلابات دموية، وكل ذلك بلا شك، ألقى بظلاله على مستقبله واستقراره وأمنه وسلامه وتقدمه، وبطبيعة الحال، لم يكن المجتمع العراقي بكل اطيافه السياسية وتلاوين مكوناته الاجتماعية بمنأى، عن تداعيات تلك الاحداث والصراعات، خلال العهد الملكي وحتى قيام النظام الجمهوري ووصولا الى زلزال ربيع سقوط السلطة الدكتاتورية في التاسع من نيسان عام 2003، وما أفرزه من توترات أثنية واستقطابات حزبية ومذهبية، أدت الى بروز ظاهرة العنف الطائفي، وبشكل لم يشهده العراق من قبل.
ومن اجل تدعيم وتفعيل مشروع المصالحة الوطنية الذي اعلنه رئيس الوزراء نوري المالكي، لانقاذ البلاد من مخاطر الفتنة الطائفية ومنزلقاتها الكارثية ونبذ كل مظاهر الفرقة والعصبية بين مكونات المجتمع العراقي المتمايز في تشكيلاته الاجتماعية والاثنية والقومية، ذات الطبيعة الانسجامية المتناغمة.
التقت (المدى) نخبة من الادباء والمثقفين لاستبيان موقف هذه الشريحة الداعم لمشروع الحوار والمصالحة الوطنية وما لها من دور مميز لتفعيل هذا المشروع، بعد ان اصبح هاجسا يترقب العراقيون نجاحه لنشر المحبة والوئام على مساحة الوطن من الماء الى القمم.
بحاجة الى ان يعطي المثقف دوره
عن هذا الدور يقول الناقد على حسن الفواز:
لا شك في ان المثقف من اكثر الناس انحيازا لصناعة السلام واكثر الناس تلذذا باغواءات الحرية وصناعة السلام تستدعي بالضرورة وجود حيوات حية وفاعلة تؤمن بالذات والاخر وشراكتهما في صياغة عالم يصلح للجميع.
ان مفهوم المصالحة الوطنية ليس اشتغالاً في السياسي كما يتوهم البعض بسبب تداعيات هذا السياسي المأزوم على الواقع الامني والاجتماعي، وانما هو انساني واخلاقي وجمالي واجد ان صناعة السلام والتصالح هي اكثر الصناعات الستراتيجية التي ينبغي ان يمارسها المواطن المثقف والمواطن السياسي لانها سلوك ووعي وارادة باتجاه تفكيك جوهر (الازمة) التي هي جزء من مخلفات هيمنة المراكز القديمة في السلطة والثقافة وما انتجته عن صراعات وحروب وخرابات عمدت الى تشويه المكان والفكرة والروح والعقائد... كل هذا يدعونا للنظر لمفهوم المصالحة على اساس انها محاولة في التطهير والانقاذ وترميم ما تركه المحاربون الصغار من خرابات في الجسد العراقي.. ولعلي اجد ان هذا المفهوم ولكي يكون فاعلا وضروريا بحاجة الى الكثير من المعطيات التي تتجوهر في اداء الذات الداعية باعتبارها الذات المنتجة والمحركة، بعيدا عن الذوات الهامشية التي عادة ما يحركها العصاب ورهاب الاخر.. وهذا يؤكد ضرورة اعطاء المثقف دوره في هذا المشروع اولا واعطائه هامشا من الزمن السياسي من أجل تحريك الكثير من (المسكوتات) التي ظلت قرينة الازمة، نعم بحاجة لان يعطي المثقف دوره على مستوى البرنامج الحكومي ايضا وعدم اغفال مسؤولياته في صناعة الرأي العام الثقافي.
أطالب المثقف بأن يلتفت
الى رأي الشارع
ويضيف الكاتب مهدي علي الراضي: من يصالح من؟ هذا هو السؤال الذي يجب التركيز عليه لكي نخرج من عنق الزجاجة، ثم ما هو المعيار للوطنية وهل اخذ بعين الاعتبار تاريخ القوى وموقعها التاريخي في مقارعة النظام الفاشي، فإذا كانت هذه الفرضية التي ينبغي الاخذ بها، فهذا يعني ان الموقف من الاخر، يجب ان يكون موضوعيا وهذا هو المفروض ولكن ان تتنازل هذه القوى عن حقوقها وتمنحه للاخر، فانها قمة الوطنية لانها تنم عن شعور صادق، لكي تساهم في اعادة اعمار البلد وانقاذه من طاحونة الدم، وبهذا نكون قد تجاوزنا الازمة، وفيما يتعلق بدور المثقف في هذا الموضوع فاعتقد انك تقرأ من خلال المشهد الثقافي، فهو خير دليل على عمق الترابط والتوافق وذلك يعود الى وعي المثقف الذي تجاوز الدينية والمذهبية والقومية، ولو ان ساستنا ادركوا وتعلموا من هذه التجربة الرائدة والفريدة لتجاوزوا كل الخلافات ومن هنا انا اطالب المثقف بأن يلتفت الى الشارع ويخاطبه بلغة التحريض على هذه المؤسسة المقيتة التي لا تريد سوى المزيد من المكاسب على حساب (الغلابة)، حكومات تتعاقب والشعارات هي ذاتها مرة بحجة الطائفية ومرة اخرى بالمحاصصة الوزارية او النيابية وحتى الانقراضية، خلاصة القول، واكرر ثانية وثالثة على المثقف ان لا يتصالح مع السلطة اطلاقا، ما دامت المعايير المعمول بها لا تتناسب وحجم الوعي الذي يتمتع به. اكثر من ثلاث سنوات والحكومات تتعاقب والوعود تطلق جزافا، ولم يتحقق منها سوى وعد واحد، هو المزيد من التفجيرات ونوافير الدم والجثث مجهولة الهوية.
جليل خزعل: الثقافة موقف
قبل كل شيء
ويؤكد الشاعر جليل خزعل على دور المثقف في دعم المبادرة بالقول:
وضعنا الراهن يتطلب فعلا استثنائيا من المثقف، فعراقنا الحبيب على شفا حفرة من الحرب الطائفية، كفانا شعارات وتخاصمات وتقاطعات ليكن كل منجزنا الثقافي كله في خدمة الوطن، وليكن المثقف هو المبادر الى الاضافة والفعل والاقتراح وليكن هو السباق في هذا الميدان ولا يكون تابعا للسياسي او المؤسسة الرسمية.
الثقافة موقف قبل كل شيء، وسيسجل الوطن موقفنا في هذه اللحظات الحرجة وهي لحظات لا تحتمل انصاف (المواقف) فإما ان نكون مع الوطن واما ان نكون في خانة قاتليه، ولن تسمح لنا اللحظة بالوقوف (متفرجين) حتى انجلاء الغمة.
سعد صاحب: المصالحة الوطنية المنقذ الوحيد
ويرى الشاعر سعد صاحب في دور المثقف:
المصالحة الوطنية هي المنقذ الوحيد للشعب العراقي من كل المآسي والعذابات، الشعب العراقي بطبعه شعب متسامح، وشعب متصالح مع ذاته والجميع، وهذه الفسيفساء الجميلة للشعب العراقي، تمنحه الحب والعشق والمحبة، الى متى يبقى الثأر والقتل والغاء الاخر؟! دور المثقف دور رئيس، لان المثقف لا يؤمن بالاشياء السلبية التي تؤدي الى تعطيل عجلة الحياة والابداع والثقافة.
فعلينا ان نكتب للحب والسلام ونبذ الخلافات الطائفية والسياسية المقيتة، وليكن شعارنا العشق وتعمير البلاد المدمرة، وعلينا ان نتنازل عن حقنا من اجل سعادة الوطن الجريح، من حق الانسان ان يعتنق أي فكر يريد، بشرط ان لا يتجاوز الحدود، بالاساءة الى الاخرين او قتلهم او الاعتداء عليهم شخصيا وعلى عوائلهم.
علينا ان نتوحد تحت راية المحبة، راية المحبة هي الراية الوحيدة التي تقودنا الى التواصل مع الشعوب، فلنكتب للمصالحة شعرا واغاني،
ولنعلم الاجيال القادمة الحب والسلام، لا الحقد والكراهية والثارات وسفك الدماء.
قاسم العزاوي: لا بد للمثقف
من ان يتصل ويتواصل مع الآراء

ويقول القاص والفنان التشكيلي قاسم العزاوي:
ان الدور المهم والفعال للثقافة في المجتمعات المدنية، وما ينطوي تحتها من مقاييس اجتماعية وثقافية واقتصادية واجتماعية في تفعيل الادراك الانساني، الذي هو حتما، ما يؤثر على انسانية الفرد، والمجتمعات، بالنمو والتقدم، وتلاقح الحضارات، من هنا، كان دور المثقف مهما وفاعلا في تقريب الثقافات وعقد او ابرام مصالحة بين جميع الثقافات وعدم تغييب رأي الآخر او مصادرته، وتلك من اخطر الافات التي تهدد الثقافة وتسرع في انحدارها نحو مجاهيل الظلام.. لذا، كان لا بد للمثقف من ان يتصل ويتواصل مع الاراء الاخرى وتفعيلها واضافة ما ممكن من عندياته لاغنائها حتى وان كانت لا تتواءم او تقترب مما يراه يتطابق مع افكاره، وهذا يعني تحفيز او تنشيط المناطق الرخوة، او المنسية بالاشتراك مع الاخر، الضد، لخلق ثقافة متسامحة ومتزاوجة، تصب جميعها في خدمة الثقافة العراقية الهادفة والبنّاءة.
كاظم حسوني: برغم التهميش ظل المثقفون يمارسون دورهم
ويؤكد القاص كاظم حسوني قائلا:
المثقف العراقي لعقود طويلة عاش التهميش، والاقصاء المتعمد من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق... وبعد الزلزال الذي غير كل شيء في العراق، راح المثقف يتطلع الى احتلال دوره الطبيعي للمساهمة في البناء والعمل على تأسيس مشروع ثقافة عراقية جديدة، لكنه وبعد مرور اكثر من ثلاثة اعوام وجد نفسه مهملا ومقصيا من قبل الاحزاب والحكومة المنتخبة، التي بذلت عنايتها لمصالحة القوى الرافضة للعملية السياسية، دون ان تلتفت لهذه الشريحة المجمدة التي لم تمارس الضغوطات والارهاب على طريقة بعض الاحزاب لنيل حصتها من كراسي السلطة.. وبرغم هذا التهميش ظل المثقفون يمارسون دورهم من خلال قنوات الاعلام والصحف لنشر دعوات التسامح واحترام الرأي والرأي الاخر، والتعايش السلمي بين مختلف القوميات والطوائف والاحزاب لانها الطريق الوحيد والسليم للبناء الديمقراطي وتجاوز المحن والاقتتال، وهنا تبرز الحاجة الماسة لهذا الدور المهم خاصة ونحن نمر بأصعب الظروف على مر التاريخ.. اذ اوضح الكثير من المثقفين من خلال كتاباتهم ودعواتهم. ان الاختلاف هو سمة حضارية وميزة للشعوب الحرة التي تنشد السلام والديمقراطية.
ابراهيم الخياط: صوت المثقف ينبذ العراك والعنف
الشاعر ابراهيم الخياط يذهب في دور المثقف بالقول:
المثقف بعفويته يحمل رسالة الحوار، وتجده على درجة وعيه لا ينحاز لقومية او طائفة او عشيرة سوى عقله او الادق سوى العقل.
لذا ترى المثقف كما في نصه الابداعي داعية للتصالح الاجتماعي وصوتا ينبذ العراك والعنف، وجدير بالقول ان نفهم ان المصالحة لا تعني الغاء الاختلاف او الخلاف بل هي اتخاذ الحوار سبيلا للعلاقة بين المختلفين دون السلاح، اما الاختلاف وحتى ديمومته فهو شرط اساس للتطور ولاختيار شكل العراق الجديد.
ايناس البدران: المثقف هو دون شك عين الامة وضميرها
الكاتبة ايناس البدران تشير الى دور المثقف قائلة:
للمثقف دور فعال في أي زمان ومكان. وفي بلد يمر بظروف صعبة خطرة كبلدنا يكبر دوره وتزداد اهميته.. فالمثقف دون شك هو عين الامة وضميرها، ولسان حالها، وهو الذي يستشرف بمجساته الحساسة نبض المستقبل على ضوء معطيات الحاضر ويتحسس بيد خبير مواضع الوجع ونقاط الضعف في بدن المجتمع.
من هنا، يصبح دوره كبيرا في الازمات، ولكن وقبل ان اغرق نفسي في لجّة من التفاؤل المبالغ به، لا بد من وقفة استقرئ من خلالها وضع المثقف العراقي في الوقت الراهن.
ان المثقف اليوم وللاسف يعاني تهميشا واهمالا ويا ليت الامر انتهى عند هذا الحد، بل انه بات مستهدفا ككل العراقيين في حياته في فوضى (حرية) الانقسامات والانفلات الامني، الامر الذي يذكرنا بمقولة ان الحقوق تؤخذ ولا تمنح فليس من المعقول ان يظل المثقف بانتظار ان يسند له دور ما في الحركة الثقافية او السياسية من جهة الدولة.. الامر الذي يذكرنا مرة اخرى بضرورة تفعيل دوره عن طريق العمل الجاد الايجابي وتنشيط دوره اعلاميا لكي يكون تأثيره وصوته المسموع على الساحة السياسية ويساهم ككل المثقفين في العالم في دفع عجلة الحياة الى الامام.


زقورة الوقت
 

زيارة مهدي
 

الى : كريم حنش

يا للهندسة.. المستفزة
لحشود اجنحةٍ

ترفرف.. في صباح الجنوبِ
ترفرف..
كأنها.. سربُ موسيقى
سربٌ..
يهاجر منطقة
كان لي.. ان اظل حارسها
لولا..
ان البوار يهدد عناء اسيجتي
.............
.............
يا للفصول.. تخرج
سائبة من مراعي السماء
تخرج مثلما غيمة
تسحب
قطعانها بلا مطر او وحول
.........
........
يا للفخاخ
تلقي بشتاءاتها لصق مأواي
ويا.. للمكائد
لها ترف المجامر وأبهة الحكاية
.........
........
يا لبضع وزات مررن على البحيرة
والبحيرة..
حراسها غافلون
ويا... لبضع مسرات
وقفن على سياج الافق
فانتبه الكونُ
وفرَّ الحالمون
.......
.......
يا للمساء.. كأنه بدعة
تروجها.. صباحات مضت أثر متاه
يهذّب معناي.
معناي الذي هو خيط اسود
يمرق في ثقوب الكهولة والزمان
يا له.. من مساءٍ
"أرخى...
سدوله علي بأنواع ليبتلي"
مساء.. يصيح
من أين اعلل بياض طفولة تركتني
تركتني..
جوار اسطورة
اسطورة ليل
كلما اهدم تاريخه
اصير اعمى في متاحفه
اتساءل..
ايها الظلام المترف في دمي
اتساءل..
ايها الظلام المترف في دمي
لماذا... انا النازل في الاسفل الخالد
والعالم الابدي على فضة الماء..؟
انا السومري الذي تحصن بخيبة اعذاره
الدائر أبداً.. في قفةٍ
حملتني قرونا.. فوق حضارة المد والجزر
أنا الواقف الان
على زقورة الوقت
كأنني حرف تعلق..
في السماء الطليقة بلا بردية او رقيم
أنا الواقف الان
اتطلع الى مراكب مغروزة في (دهلة) الروح
تركتها منذ كان البوار ساهيا بإرادتي
أنا الواقف
يؤرّخني سبي عاقلٌ
وتفريط هائلٌ بمراتبي
أنا الواقفُ
ومعي كل المسلات التي خذلتني
محاطاً باسئلتي
أصفّقُ غير آسفٍ على ما سينهدمُ
هذه المرة
سأهربُ.. نحو أعالي الجنوبِ
أهربُ..
تاركاً كياناتِ ظلّي
لأنسجَ من غروبي الفسيح
متانة الوقوفِ على مبضع الهاوية

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة