المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

من منشورات (المدى ):  مذكرات تنيسي ويليامز.. احتراق كاتب المسرح
 

د. محمد حسين حبيب

لا شيء بعد كل شيء سوى كتابة المذكرات وانتظار الموت.
هكذا يلجأ الكثير من الفنانين والأدباء إلى كتابة مذكراتهم بعد توقف الطاقة لديهم وبنوعيها الجسدية والروحية بوصفها المنبع الأصل لمسيرة حياتهم التي توقفت، أو يجب أن تتوقف يوماً ليضعوا النقطة الأخيرة في سطر منجزهم الإبداعي الأخير.
تنيسي ويليامز، الكاتب المسرحي الأمريكي، واحد من الذين ذهبوا لسرد مذكراتهم وفي كتاب خاص صدر مؤخراً عن دار المدى للثقافة والنشر بعنوان (مذكرات تنيسي ويليامز) ترجمة أسامة منزلجي، لنعرف بأن المسرح كان الشيء الوحيد الذي أنقذ حياة ويليامز حقاً.. حياة ملؤها الجوع والتنقل وعدد لا يحصى من العلاقات الاجتماعية والفنية والصداقات المتنوعة والمتحولة فضلاً عن علاقات ويليامز النسائية منها والذكورية وبشذوذية معلنة وصريحة.. فعلاً أن هذا النوع من الكتابة لم يكن لأسباب مادية بحسب ويليامز نفسه بل هو "ذلك البوح الذاتي السافر الذي لا يخلو من الاستمتاع المطرد".
ويليامز في سرده لمذكراته يبدو وكأنه يتحدث مع قارئه الآن، فهو يتحدث معنا بطريقة مباشرة دونما عوارض أحياناً ودونما حياء أحياناً كثيرة، يخاطبنا وكأننا نجلس معه حول طاولة إحدى حاناته التي يحب ويتذكر.. يتذكر أدق التفاصيل الحياتية الصغيرة كاشفاً عن مكابداته إزاء ما كان يلاقيه من ألم وجوع وعوز وهو يبحث عن الأعمال والمساعدة فيقول: "إلا أنني أدركت أن المرء بعد أن يمضي قرابة الثلاثة أيام في شبه جوع تام يكف عن الإحساس بالجوع. فالمعدة تتقلص والتشنجات المعدية تهمد، ويهبط عليك الله أو كائن ما خفية ويرزقك بما يسكن الألم فتجد نفسك تغوص بشكل غريب وبطريقة مبهمة تماماً في حالة من السكينة، وهذه الحالة مثالية لممارسة التأمل في الأحداث الماضية أو الحاصلة أو القادمة على التوالي". وفعلاً وعلى طول سلسلة أحداث الكتاب التذكارية يتأمل ويليامز خلالها أدق التفاصيل الصغيرة في علاقاته وتحديداً الأولى منها في فترة المراهقة، وما صاحب تلك الفترة من مغامرات شاذة من علاقات صداقة كانت قد استمرت مع ويليامز طوال سنوات حياته كلها وباعترافه نفسه وعلى طول صفحات مذكراته هذه.
بدأ ويليامز بكتابة مذكراته وهو في العقد السادس من عمره وتحديداً عام 1972 ولغاية عام 1975 بمعنى أنه وفر له فسحة زمنية كافية كان من شأنها أن ترصد كل هذه الأحداث والتحولات والمراحل الحياتية المتشعبة وعلى نار هادئة، لأنك تشعر وأنت تقرأ الكتاب أن المؤلف ربما اصطفت أمامه مجموعة أوراق استذكارية كان قد خطها حين وقوع حوادثها، وإلا ما معنى أن يحدد لك كل شيء عن الحدث، مكانه وزمنه وهوامش تفصيلية جاورت الحدث نفسه هي من الصغر وأحياناً لا تبدو مهمة جداً برغم دقتها، لدرجة أن تشعر وكأنك أمام سرد روائي تخيلي ليس إلا.. إلى جانب اعتراف ويليامز نفسه بأنه وجد مشقة كبيرة في أن يضع أحداث مذكراته هذه وفق تسلسلها التأريخي بسبب حجم مساحاتها الزمانية والمكانية وتعقد تداخلاتها بجانب تناقضاتها وغرابة وحساسية الأعنف منها.. لذا كانت أسماء مسرحياته هي الفاصل الأبرز بين الأحداث وبها يمكن الاستدلال على زمن وقوع الحدث الذي هو نفسه وقت تأليفه لتلك المسرحية وهي سنوات وعنوانات معروفة لدينا لشهرتها أولاً وتداولها ثانياً.
"إن المسرحيات تتحدث عن نفسها.." جملة يكررها ويليامز بصيغ مختلفة فهو لم يرد الحديث أو الاستذكار هنا الكتابة عن المسرح وفن المسرح وهذا ما يميز هذه المذكرات عن مثيلاتها فعلاً.. فهو يقول: "اعتقد أن هذا الكتاب أشبه بتنفيس عن مشاعر تطهرية بالذنب.. في الواقع لا أستطيع أن أؤكد لك أن هذا الكتاب سيكون عملاً فنياً ولكنه حتماً سيكون عملاً طائشاً، بما أنه يعالج حياتي الراشدة.. وطبعاً كان في أمكاني أن أكرس هذا الكتاب بمجمله لنقاش فن المسرح، ولكن أما كان ذلك أمراً مضجراً؟.. أخشى أنه سيجرني حتى الموت، وكان سيغدو كتاباً قصيراً، قصيراً، لا تضم كل صفحة منه الا ثلاث جمل ومساحات هوامش واسعة جداً. ان المسرحيات تتحدث عن نفسها".
ان هذه المذكرات جاءت لتؤكد حقيقة ان المبدع الحقيقي لا يجيد الحديث عن منجزه الابداعي ذلك ان الابداع المنجز هو الذي يتحدث عن نفسه وان حاول صاحبه - احياناً - ان يتحدث عنه إلا ان للابداع حديثه الاصل.. فهذه المذكرات كانت بمعزل تام عن منجز كاتبها الابداعي إلا ما يمر ذكره عن مسرحية ما، لارتباط تلك المسرحية بحادثة استذكارية تكون لها علاقة مباشرة بموقف معين وبحدث سابق اقتضى التوقف عنده.
"ان كل العلاقات الحميمة تتحول لاحقاً إلى قصائد جميلة".. "يقولها ويليامز وهو يسرد الكثير من علاقاته الحميمة فعلاً مع كبار الممثلين والممثلات، المخرجين والمنتجين والكتاب وغيرهم الكثير جداً ممن جمعتهم ايام صداقة عمل وابداع وسفر وسكن في فنادق في مختلف المدن حيث تقتضي الحاجة والمعيشة وحيث يتم عرض مسرحية جديدة لويليامز او حيث البحث عن ممثلة او ممثل جديد لدور جديد.. فنشير إلى بعض ممن يذكرهم وليامز في مذكراته أمثال: (آنا مانياني، ممثلة ايطالية سينمائية ومسرحية) و(سكوت فيتز جيرالد، روائي اميركي) و(سارة برنار، ممثلة فرنسية) و(وليم انج، كاتب مسرحي اميركي) و(ليونارد برنشتاين، مؤلف موسيقى وقائد اوركسترا اميركي) و(فيفان لي، ممثلة بريطانية) و(مارلون براندو) و(نويل كوارد).. هذا إلى جانب لقاءات ويليامز مع اشهر الكتاب والروائيين أمثال همنغواي وسارتر وسيمون دوبو فوار.. كذلك مقابلته فيدل كاسترو بعد انتصار ثورته وتحديداً بعد ان لاقت مسرحية (قطة على سطح من الصفيح الساخن) نجاحاً عالمياً.
ولقد افرد ويليامز صفحات متعددة عن علاقته بالمخرج المسرحي ايليا كازان وعن كيفية تبنيه اخراج وإنتاج أهم مسرحياته، فيخاطبنا ويليامز بالقول: "ارجو ان تتذكر ايها القارئ.. إني قادر تماماً على ان أكون مجحفاً. إنني لست مجحفاً عن عمد لكن اعتقد انه لا احد عرف قط، باستثناء ايليا كازان، كم كان عملي مهماً بالنسبة إلي وإني تعاملت معه على هذا الاساس - أم هل اقول مع مؤلفه - بالتعاطف الوجداني اللازم.." وفي مكان آخر يدقق ويليامز في وصف عمله وعلاقته مع كازان فيقول: "لقد فهمني فهماً مذهلاً بالنسبة إلى رجل مثله تختلف طبيعته على طول الخط مع طبيعتي. لقد كان احد اولئك المخرجين النادرين الذين يريدون من الكاتب ان يكون متواجداً طوال فترة التدريبات، حتى اثناء تلك التي يجمد فيها العمل. وبين حين وآخر كان يدعوني إلى الصعود إلى خشبة المسرح لكي أبين إحساسي بالطريقة التي يجب بها اداء جزء ما..".
وتجدر الاشارة إلى اجواء ويليامز إلى الأسماء المستعارة لعدد غير قليل من اصدقائه وصديقاته تحاشياً للاحراج على حد تعبيره، ذلك لان الذكريات المسرودة فيها الكثير من الخصوصيات التي تتعلق بذات الشخص وكرامته وربما سمعته الاجتماعية والاخلاقية كذلك.
اما ذكره لمسرحياته العديدة بسنوات تأليفها فوجدنا ان هناك عدداً من هذه المسرحيات لم تترجم إلى العربية لحد الآن في حين ان هناك مسرحيات ترجمت اكثر من مرة، فمن هذه المسرحيات نشير إلى: مجموعة الحيوانات الزجاجية / عربة اسمها الرغبة / قطة على سطح من الصفيح الساخن / النوع المتملص / شموع في الشمس / القاهرة شنغهاي بومباي / صيف ودخان / التطهر / وشم الوردة / ليلة الاغوانا / مملكة الارض / معركة الملائكة / صرخة.
بعد كل مرحلة يتذكرها ويليامز من اولها إلى آخرها يحاول ان يوجه نقده لتذكره لها فنراه يقول: "كم من اشياء تافهة يجب تدوينها في سجل الحياة، لا بد من ان هناك الكثير فيما بين السطور مما هو اجدر بان يحفظ في الذاكرة، لكنه ولسبب مبهم يبقى في حالة ضبابية في حين يعود السطح الخارجي للتاريخ بوضوح - أعني بوضوح نسبي - إلى الذهن".
لم يفكر ويليامز لحظة في ان يتخلى عن كتابته للمسرح، لانه سيصاب حتماً بحزن بالغ اشد عليه من ذلك الحزن الذي يثيره الموت.. لقد وجد في المسرح وفي احترافه للمسرح ملاذه الدائم والأوحد والأبقى.. وإلا فماذا يعني أن تكون كاتباً؟ يجيب ويليامز: "يعني أن تكون حراً.. وأن تكون حراً.. يعني أن تنجز حياتك.." فأنجز ويليامز حياته التي أصيب في أخريات سنينها بسرطان الثدي الذي نادراً ما يصيب الرجال.. ولا شيء بعد كل هذه الأشياء وغيرها الكثير سوى الانتظار، وحتى أثناء هذا الانتظار يصر ويليامز على متابعة العمل والبحث عن أصدقاء جدد لننتهي معه بعد هذا الشرط لأبرز أحداثه الحياتية ووصفه بأفضل ما استطاع وبدون ترجيعات قانونية شخصيات حياته الدرامية.. إلى موقفه من الموت بقوله: "إن كل فنان يموت ميتتين، ليس فقط موته كمخلوق مادي وإنما أيضاً موت طاقته الخلاقة، فهي تموت معه".
يقع الكتاب في 351 صفحة من الحجم الكبير، مسند ومدعم بالعديد من الصور الفوتوغرافية التوثيقية التي تجمع مؤلفه مع العديد من المشاهير والأصدقاء فضلاً عن صور لبعض مسرحيات ويليامز التي أخذت شهرة عالمية واسعة.. فهو كتاب جدير بالقراءة.


من أدب الرحلات العراقية الحديث .. رحلة محمد شمسي إلى (أرض ساخنة) ( 2-2 )
 

د/ سهام جبار
تلخيص الحكايات
تزاوج الواقع والخيال في عدد كبير من كتابات أدب الرحلات ليفصح عن تراث هائل من قصص الرحلة وأساطيرها فكان ذلك طابعاً لأدب رحلة عربي قديم أمثلته عديدة، وربما يكون لهذا أثره في اهتمام شمسي بالحكايات الواقعي منها والمتخيل إذ انتشرت في (أرض ساخنة) على انحاء متفاوتة، إلا ان ما يبدو مستقلاً منها يبلغ عدده عشر حكايات متوزعة كالآتي:
1- حكاية الخلق الأول حيث يخفي الانسان الأول ممارسته عن خالقه كي لا يحاسبه (ص11- 12).
2- حكاية الرجل المتوحش الذي يشعر برائحة المرأة (ص13).
3- حكاية الامير الذي يطارد غزالاً لوحده فيجوع ويعطش ويجد عجوزاً تطعمه وتسقيه ثم يعود إلى مملكته فلا يجد ألذ من طعام تلك العجوز وشرابها (ص21).
4- وصول ماجلان إلى جزيرة نائية فيها تذكير بالرجل العملاق الذي مرت عليه آلاف السنين حتى أصبح أليفاً مدجناً (ص35- 36).
5- حكاية يسردها صديق البطل فيها تهويل لقبيلة افريقية هدفها أغواء السائحتين الأمريكيتين (ص45).
6- حكاية يرويها الحارس إدريس عن الشيخ محروس فيها إثارة للرعب والحاجة إلى الاحتماء (ص62- 64).
7- يردف البطل حكاية الحارس بحكاية فيها اثارة خوف ايضاً وكابوسية ولها الهدف نفسه (ص64- 66).
8- حكاية عن عامل نوبي زمن خوفو الكبير قبل خمسة آلاف سنة (ص80- 81).
9- قصة رزيق الفلاح الساذج (ص82- 84).
10- حكاية يختلقها البطل امام السواح الاجانب عن رحلة صيد في الصحراء العربية (124- 128).
تحقق الحكايات غايات متنوعة الا انها منطوية في الدلالة العامة الكلية: اشاعة طقسية مروجة عبر الازمنة عن الكائن البدائي المتوحش في الحكايات (1- 2- 4) ولا يغيب ان رسم هذه المواصفات للكائن محسوب في صالح البطل- السارد، إذ انه يدعو لنفسه عبرها (كانت بونيتا تقول حينما نكون وحيدين: انك لا تختلف عن رجال الكهوف بشيء، ذات الوجه وذات المخالب) (الرحلة ص14) وإلى جانب هذا التصوير للكائن نجد استثماراً من التراث العربي والافريقي والعالمي ومن نقاط التقاء لازمنة بعيدة في محور الكائن المؤسطر في حكايات (3- 8- 9) ولهذا هدفه من إغناء لمادة الرحلة ومضيها في اتجاهات متنوعة، ومن جهة التلقي افادت الحكايات كوسيلة لجمع المتلقين تحت حالة إدهاش متوقعة من السارد كما في حكاية (10)، وفي حكاية (5) باثارة فضول السائحتين الامريكيتين لأغوائهما، وفي الحكايتين (6، 7) ببث الرعب فيهما لتطلبا الاحتماء والامن من السارد والركون الهي.
من الناحية البنائية أدت الحكايات وظائف ملحوظة، فكثيراً ما حققت عامل ربط مفصلي بين فقرات نص الرحلة إلى جانب انها احياناً تمثل وقفة زمنية في سياق السرد في الرحلة، ويكون زمن سرد بعض الحكايات عبارة عن توقف تام لحركة السرد في الرحلة، وهناك نوع من الحذف حيث يسكت السارد عن تفصيلات لا يرويها للقارئ، وتحل محل ذلك الحكاية.
ان لحكايات شمسي في سياق الرحلة وجوداً حيوياً ماكان للسارد ان يستغني عنه لتحقيق مبتغاه من الموضوع المهيمن، فهناك وظائف جذب وتشويق واستدراج للمسرود له، كذلك اشاعة فضاء طقسي عام يسمح بتمرير الدعوة إلى البدائية في شكلهاالإيروتيكي، ورسم صورة كائن بدائي في حالة تهيؤ لغزو ورمي شباك الصيد، أو اشاعة رعب تسمح بتصور فاعلية ذكورية في سرد من اجل اللذة كأنه يأتي مضاداً لسرد أنثوي مثلته في التراث شهرزاد في سردها الدفاعي باقامة نوع من الكبح لجماح شهريار في تسلطه على النساء وإعدامهن في سبيل لذته. سرد شهرزاد يعمل في اطار دفع ومقاومة وكف أو منع، في حين يعمل سرد شمسي في اطار مضاد هجوم واستعداء وشدّ وغلبة.
الاستذكار والمونولوج الداخلي
تكثر العودة في نص الرحلة إلى مواطن الطفولة لخلق جسور تصل الحاضر الموصوف ببدائيته زمن براءة الانسان، بالطفولة زمن براءة الشخصية.
وهكذا جعلت لشحنات الاستذكار طاقة حث للنص للايغال في عمق مدلوله. وقد اتخذ الاستذكار أشكالاً متعددة منها ما يتعدى مجال طفولة البطل نفسه إلى حنين لما في التراث العربي، من ذلك تمثله بحرب البسوس على مستوى شخصي وبتداع داخلي: (إن حرب البسوس أحرقت صحراء العرب أربعين عاماً، الرجال يطاردون الموت مثل قطاع الطرق لقد علمهم قيافة الأثر وانا ابنهم أعرف اقصر الطرق إلى الموت، اقصر الطرق إلى الاخفاق، وانا بعد كل هذه الهموم المريرة وكل هذه الشقوق والخدوش في جسدي، سفينة عاطبة عجوز تريد ان تستريح ان تنعم بلذة الانهيار على شاطئ) (الرحلة ص22). هذا التماهي مع التراث زود الشخصية بطاقة دلالية كبيرة، وفي التأمل بالشاهد نجد هذه الصلة العميقة للبطل بالموت، بمعنى قيافة اثر الموت بالجسد وبافنائه في اللذة وفي البحث عنها، لنقرأ في مكان آخر وصفه الوجوه الاربعة للشخوص- وهو منهم
في السيارة ووصفه وجهه (إن وجهي عشبة صغيرة متهورة، سريعة الجري نحو الموت وان الارض على امتدادها ذراعان ناعمتان تتلقى اجسادنا المتعبة) (الرحلة ص47) وإذ لا تخفى دلالة تشبيه ذراعي الارض وتلقيها الاجساد، يستمر التداعي بصورة حية عن حيوان تنهشه النسور (كان هذا الحيوان يعيش شوق الحياة وحرارتها فيأكل ويتناسل ويخاف ويهرب ويتفيأ ظل الأشجار، ثم فجأة ختم كل ذلك بهذا المشهد المرير الدامي) (الرحلة ص47). وبهذا الايقاع النفسي يندس في احاديث الآخرين بعد ان ترك المونولوج الداخلي المتدفق آثاره على وجه الرحلة واسقاطاته على مشاهداته فيها.
من ملامح الاستذكار نلمس نوعاً من الحنين إلى الطفولة في عادات الصغار المتشابهة في كل مكان (تنظر الرحلة ص72)، وفي السرد بصورة اعترافية (تنظر ص90) واطراد الذكريات مخترقة حواجز الزمان والمكان فتأتي على لسان عاشق من العصر الاموي، تنظر (ص91). ان لهذه الاستذكارات قيمة تأكيد على الانسان الخارق بفراسته وبصدق مجساته إزاء الوجود، انها دليل انسان مفقود تقوم رحلة شمسي في البحث عنه وعن حلم وجوده.
أسطرة المكان والشخصية
لا تستدعي أفريقيا في مجال التداول العام من محمد شمسي جهداً كبيراً لاضفاء هالة اسطورية عليها خاصة سنوات السبعينيات الحافلة بحركات التحرر والاستقلال، انما تنشأ اسطورة المكان في نص محمد شمسي من خلال مغامراته الخاصة، أي افريقيا التي في داخل (أرض ساخنة) لا افريقيا القارة المعمدة بالدم.
وإشاعة الفضاء الأسطوري لأفريقيا ذات الدلالة الشمسية بدأت منذ أولى صفحات الرحلة، ففي البدء كانت اللذة حيث الرجل البدائي المتوحش، كما هي افريقيا، وهكذا تعلى (مكانة) أسطورية لا مكاناً فحسب في صياغات لغوية شاعرية وانثيال نفسي حميم، تبدأ بتدبيج تقاليد السهر في المدينة عبر مجموع يمثله بالخمر والغناء والنكات الرديئة، في سرد هذه الصورة يتردد ضمير المتكلمين لا المتكلم (نحن حفنة من الرجال لا تسلينا الاحاديث ولا تغسل همومنا المناقشات.. أعمار مختلفة وكما يتنقل الرعاة بأبلهم في الصحراء كنا نحمل اجسادنا المرهقة ونتتبع خطوات العشب والماء.. ماؤنا الخمر وعشبنا نساء كلابار وايلورين.. ومدينة (كانو) ليست صحراء وحاناتها ليست آباراً تعدو عليها الرمال. هذه ليالينا.. رجال من جميع القارات يأتلفون عند اقتسام الغنائم..) (الرحلة ص15) ويمتد هذا الانتماء حتى ينفصل عند قدوم السائحتين الامريكيتين حيث يرجع المتكلم إلى نفسه ليستأثر بالغنيمة وحده ويتنصل عن المجموع، إن هذا الاستئثار هو الذي أدى بالرحلة إلى ان تكتمل في فرار (إدبار) دائم وصولاً إلى الوطن. وتتحول الماكنة الاسطورية من المكان الذي مثله المجموع إلى المكان الذي مثله البطل صاحب السرد. وفي مجمل الرحلة تردنا صور هذا البطل مزودة بتشبيهات ورموز من حكايات واستذكار للماضي الخاص والعام مما عرضنا له. فالاسطورية لم تشمل الشخوص كلهم، وان مرت برفق على بعض هؤلاء الشخوص (مثل صديق البطل الكهل الذي فرّ مع ليا إحدى السائحتين إلى أصقاع مجهولة من أفريقيا مستغرقاً في رحلته- حبه) ألا ان تمثل الاسطورة كان دواماً لشخص بعينه له امتدادات شخصية وعامة. اما الشخوص الآخرون فثانويون يدورون في فلك البطل ومساعيه. أما العوامل المناوئة فغُيبت عن السرد لتظل انا المتكلم حاضرة حتى النهاية مع صفات معمقة لها ما يدخل في إظهار قدرات خاصة من عرافة وقيافة وخداع في الحكي يذكر أحياناً بشخصية البطل المخادع في المقامات العربية القديمة.
سرود استطلاعية وكشوف
تحتل هذه السرود اهمية في إرساء الخصيصة النوعية للرحلة فلولاها لامتنع علينا إطلاق أدب رحلة على (أرض ساخنة) وتتوزع هذه السرود على قلتها في مساحة النص، وتتشابك مع غيرها من استعمالات.. واذا شئنا حصرها في كتاب الرحلة المستغرق (135صفحة) لوجدنا انها لا تزيد عن عشرين صفحة، بالتأكيد هذا قدر قليل مما يدخل في الموضوع المباشر الذي يميز الرحلة عن غيرها من الاجناس على ان سياق السرد كله لا يخرج عن مناخ افريقيا، والشخوص موجودون هنا لاجلها، مع الوصف المتناثر لبعض التفصيلات والامور الجانبية للحياة هناك، لقد جند المؤلف قدراته في ملء الفراغ الحاصل بالتنويعات السردية التي تفنن في زجها مع لغته الواصفة بشعرية وبتأمل ممتلى.
تضمينات أخرى
يستفاد عادة من الشعر في كتب الرحلات لخلق (لحظات التوازن بين ضغط العالم الواقعي على النثر، وبين ضغط الجانب الوجداني الذي يسمح بمقاربة المكان من زاوية الاحساس والعاطفة) الا ان تضمين الشعر في (أرض ساخنة) جاء موظفاً للموضوع المهيمن نفسه، فترددت ابيات قيس بن الملوح مستدرجة اجواء العشق ومؤججة له، فلم تخفف الأبيات الشعرية إذن من ضغط العالم الواقعي على النثر، بل العكس إننا لم نلمس اثراً لهذا الضغط على النثر، بل أعطي للنثر فاعلية شعرية على طول سياق النص، فجاءت الرحلة مع واقعيتها محملة بمكنونات العاطفة والخيال في سرد يستثمر التشبيهات، والمجازات، والرموز للذهاب عميقاً في ضخ دلالته.
* أرض ساخنة: محمد شمسي، منشورات آمال الزهاوي، ط1 1978.


عن الفلم الروائي اليمني (يوم جديد في صنعاء القديمة)

دنى غالي - كوبنهاجن
من ضمن فعاليات مهرجان " الشرق الأوسط في صور" تم عرض الفيلم الروائي اليمني " يوم جديد في صنعاء القديمة" للمخرج اليمني الشاب بدر بن هرسي الذي ولد ونشأ في بريطانيا لأم وأب يمنيين، والفلم هو الأول من نوعه من انتاج بريطاني يمني حيث ساهمت وزارة الثقافة والسياحة اليمنية في دعم الفلم.
وقد تم عرض الفلم قبل ذلك في مهرجانات سينمائية عدة غير صنعاء، مثل كان، القاهرة، دبي، مسقط حيث فاز بجائزة الخنجر الذهبي وروتردام مؤخرا والتي حصل فيها الفلم على جائزة الصقر الفضي، ومازال يحصل على دعوات من قبل مهرجانات العالم السينمائية. ولأن مشاهدة الفلم تمت في أجواء غربية، ابتداء من حجز البطاقة مسبقا وانتهاء بدخول صالة " غراند تيتر" ومرورا بملصقات المهرجان والإنتظار مع الدنماركيين والأجانب، وأيضا قلة من العرب المقيمين، في بهو المبنى قبل موعد عرض الفلم، فقد لازمني شعور طيلة عرض الفلم بأني اتبنى عيون، دعنا نقل، انها دنماركية في مشاهدتي وتفاعلي مع الفلم، لا سيما وقد دار حديث في الأوساط المتابعة لنشاطات المهرجان حول الصور الأخاذة في جمالها التي تم تصويرها في صنعاء القديمة. فكرة الفلم بسيطة جدا يرويها مصور إيطالي لم يسمع عن المدينة صنعاء من قبل ولكنه وبعد أن زارها يفتن بها، ومن خلال تجواله وسرده لأحداث الفلم، وهي تتحدث عن قصة حب أقرب إلى أن تكون قصة حب مراهقة، ندخل في أزقة صنعاء التاريخية القديمة ونصعد بيوت متراكبة على بعضها، مصبوغة بالأحمر ومحددة بالأبيض، نطل من شبابيكها على بيوت معتزة جدا بمعمارها، باقية على تفاصيله الصغيرة التي يشع الدفء والضوء منها. أبعد المخرج الذي أكمل دراسته في الإخراج الدرامي في بريطانيا المشاهد عن الصورة المحددة التي عرفت اليمن بها؛ ألا وهي الخنجر ومضغ القات والإختطافات، ولذلك فالفلم وصل إلي مثل بطاقة بريدية أو دعاية سياحية من هناك، بكاميرا لاتخفي خلفها عينا تحاول أن تكون حيادية في تناولها طبقات المجتمع وتقاليده، ولكنها لا تخفي في الوقت ذاته تغزلها بتلك المدينة، لا تخفي خلفها عين رؤيتها الإكزوتيكية لمناظر وعمارة واناس وأزياء وألوان لم تجهز المدنية عليها بعد، لذا لم نر صور دعاية اجنبية أو ملصقات سياسية او حتى يافطات محلات، فالناس تدل بعضها وتقصد بعضها من دون حواجز، حتى ان الثوب الأبيض المسروق الذي كان هو محور قصة الفلم، ظن من الأرجح إنه قد سرق من قبل الناس التي تدخل وتخرج من البيت الذي يتهيأ لإقامة حفلة عرس.
سبقت عمل هذا الفلم أعمال تلفزيونية وأفلام وثائقية عديدة صورها بدر بن هرسي في كل من اليمن واماكن عربية واسلامية عدة، ولكن هذا الفلم الروائي يعد تجربته الأولى في الإخراج السينمائي. كما يذكر أن المخرج لم ير اليمن إلا بعد بلوغه السابعة والعشرين من عمره فقد كان والداه ممنوعين من دخول اليمن مذ هروبهما في الستينيات، و ذلك ما جعل حساسية الكاميرا للأشياء مختلفة تماما برأيي.
قصة الفلم التي تروى على لسان المصور الإيطالي تتحدث عن مساعده الشاب طارق اليمني الذي سيتزوج من ابنة النسب بلقيس التي لم يرها مذ كانت طفلة، ولكنه وبينما هو عائد من المسجد فجرا يلمح فتاة ترتدي الفستان الأبيض الذي قدمه هدية لعروسه، الفتاة ترقص في زقاق قديم مظلم، الأمر الذي دعا طارق إلى أن يظن بأنها بلقيس عروسه المنتظرة.
التجربة كما يبدو واضحا جديدة وناجحة فقد تم تدريب طاقم الممثلين الذي يتعدى الستين ممثلا يمنيا لمدة أشهر للتمرن على كيفية الوقوف أمام الكاميرا السينمائية وأيضا الإلتزام بمواعيد التصوير، كما روى المخرج بن هرسي، فلم يعتد الممثلون غير التصوير للتلفزيون بينما كان الأمر بكليته جديدا بالنسبة للبعض ممن شاركوا. ويبقى طابع المجتمع اليمني محافظا جدا كما نراه ايضا من خلال سيناريو الفلم، حيث تظهر النساء فيه متلفعات منقبات خارج بيوتهن، وقد ذكر المخرج في احدى المقابلات بأن الصعوبة كانت كبيرة في سماح بعض الممثلات، الفتيات على الأخص بتصوير وجوههن. وقد استعان بن هرسي بالمقابل بشابين من الأجانب وممثلة من لبنان لأداء بعض الادوار الرئيسية. الطريف أن هناك من الأجانب من صرح بعد مشاهدة الفلم بعدم معرفته بهذه المدينة التي رأوها من خلال الفلم من قبل، بينما خرجت دنماركية تلمع عيناها فرحا فقد تم التصوير في بيت يمني كانت قد سكنت فيه لأشهر عندما أقامت لفترة في صنعاء القديمة.


بيان مجرد في بلاغة البيان و صياغته

خضير فليح الزيدي
مثل صنج داو يصدح صداه في آفاق معتمة في عمق ذاكرة مرقطة بليل السواتر المرعبة، انتفض مثل سعفة نخل كلما ترددت كلمة بيان رقم - من مذياع الجيب الصغير نوع قيثارة عراقية، هي ليست كبيانات الشعر أو الجماعات العاملة في الحقل الثقافي المتخصص.. وهي ليست بيانات الولادة الصادرة عن مستشفى الولادة أو القابلة المأذونة، وليست مجموعة المستمسكات المطلوبة للتقديم لطلب التعيين بوظيفة موعودة تكتمل أو لا تكتمل بياناتها.. وهي ليست بيان الوصفة المرافقة لعلبة الدواء وتحذيراتها المخيفة من تناول المستحضر الطبي دون استشارة الطبيب الأخصائي .. وهي ليست كل هذا أو ذاك، بل انه واحد من بيانات الحرب المرقمة في تلافيف ذاكرة الحرب من بيان رقم واحد الى ما لانهاية.. بيان مجرد يعلن بدء الحرب في تاريخها ومكانها ولا يعلن عن نهايتها ردحا من الأزمان.. فالحرب إن بدأت لم تنته وتلك قاعدة حروبنا البسوسية وان انتهت بوقف إطلاق نار مشروط، سينهار في صباح اليوم التالي.. وذلك مرده إننا أبناءها لا نقف على نهايتها فهي تسحقنا في فصل من فصولها الفاجعة الطويلة وفينا حاجة لاكمال الشوط الاخير منها.. الحرب إن بدأت لا تؤشر نهاية لها إلا بدمار عارم وتلك مقولة بسيطة المحتوى في طبيعتها غير أني لم أجد بدا منها في ليّها ثم شيّها لنصل الى النهاية المختومة في حقل من بيانات استمارة الطب العدلي.. أما ما يتبقى من شواخصها فهو الحكي يرويه عنها الأسلاف منتجو الكلم المزخرف وبائعوه..
نويت التقدم إليكم ببيان مجرد الرتوش ومبعدا خطاب الحماسة عن كتابة المقدمة النمطية واستهلال يتدرج الى المتن بتؤدة الخطوات .. وتلك طريقتي المحببة للولوج الى الأشياء أو ممارسة طقسي المفضل في الكتابة اليومية .. فالمقدمات المشحونة بالكلم المدبج مسبقا تفسد الولادة الطبيعية لمشاريع الكتابة الطقسية جملة.. المقدمات هي باختصار شديد نوع من التبريرات المصطنعة وسلالم على ارض مستوية، وتلك لا حاجة لي بها الآن ، لذلك لم اقل في بياني هذا عنوانا اسمه مقدمة بل يبقى ضمن سياق بيانات الحروب التي بدأت برقم صغير ولم تنته ليومنا هذا حتى أصبحت أرقامه من ثقل النطق والتدوين على السيد المذيع.. مما حدا بالقيادة العسكراتية المزمنة الالتفاف على ماهية الرقم الطويل وتقطيع أجزائه فلكل يوم بياناته ومن ثم لكل شهر بياناته ومن ثم لكل سنة بياناتها لتكون أرقام البيانات سهلة التنضيد والحمل أو النطق ..
كنت دائما اكره المواعيد المسبقة للدخول على خلوة الآخرين..وتلك متجذرة عندي في تفقد الأشياء من حولي، كما كان يفعل آمر الوحدة في تفتيش القطعات العسكرية، كان يقتحم خلوة الجند في الخنادق الشقية المظلمة أثناء نوبة الخفارة ويتفقد موجودهم الفعلي أو استعداهم القتالي أو إيقاظهم أن كانوا قد استمتعوا بحلم مدني داخل بيوتهم وعلى أسرتهم، بعد أن يأخذ بنادقهم ويسلمها الى مشجب الوحدة، لذلك كله طبعت حياتي بطبيعة مضادة لاقتحامات السيد الآمر الى أحلام الجند.. فقررت الدخول دون استئذان شرعي الى الأمكنة المغلقة في حياتي، فالأبواب المقفلة ليست دائما علامة موحية لعدم الدخول كما أراها في حياتي المدنية..
إن حياتنا في لحظات الاستراحة هي اقرب تماما لاستراحة فريق كرة القدم بين الشوطين، دائما نحن بانتظار الحرب اللاحقة بعد استراحة الشوط الأول، لذلك لم نقذف خوذنا وانطقتنا وبساطيلنا وزمزمياتنا وبنادقنا وملابسنا الخاكية الى النفايات،حروبنا تنتهي بانتهاء الوقت الأصلي المخصص لها دون نتيجة واضحة المعالم.. بل كنا دائما نحتفظ بها الى حرب قادمة، فنحن في مسلسل من حروب لا تنفد مثل قصص الف ليلة وليلة إلا بموت شهرزاد أو نهاية الملك السعيد..
فيما تنتفض لغة البيانات وتعج بلغة الفرسان المدججين بالسلاح ومرتدين لامة الحرب الطويلة ويعتمرون خوذا من حديد ويقبضون على سيوف قاطعة.. بيانات وتأجيج روح الحماسة في ديباجة نصية تشتغل على نشر بلاغة الأولين في داحس والغبراء.. يزدحم المتن ببث منظومة التأجيج لمشاعر اكبر الشرائح المصغية لبيانات الموت والميلاد.. ثم تأخذ من خلطة مسحورة ومعجونة بلغة العسكر لتصنع مشهدا دراماتيكيا بنبرة خطابية فاجعة.. غائما يفسر وفق دفق المشاعر المتلاطمة في فك التباس لغة البيان.. ( كان أحدهم مصغيا مطرقا منسجما مع زعيق المذيع وهو يدلي بأحد بيانات الحرب، حتى إذا ما انتهى المذيع مودعا.. قال السيد المصغي : (ماذا قال ؟ ) إنها لغة تحتدم بمصطلحات العسكر في ( العمق السوقي ) ودمجها بمرادفات لغة داحس والغبراء وفروسية الأولين أصحاب الخيل والليل والبيداء، لتتمحور حول لب حكاية جديدة من الموروث الفروسي مثل ( ياحوم.. زلزل الأرض.. أو كبت في ارض العدو.. جنحت خارج السرب أو عطب آلية أو رفعت عقارب الشر عقيرتها أو دكت القطعات المستترة ).
إن الكتابة عن الحياة هي بمثابة شم رائحة حروبنا الدامية، الحروب التي بدأت ولم تنته ليومنا هذا ، أجملها تلك التي تكتب ما بين الشوطين:
كنت ارقب الحرب من ثقب بندقية الطفولة البلاستيكية، شبيهة كل الشبه ببندقية مشجب الوحدة وهي أيضا نوع كلاشنكوف روسية الصنع، وعلى اخمصها خط رقم بالدهان الأبيض، كان لها( مرود ) وقبضة وأنبوبة غاز وترباس وبيته وفوهة ( ويصر العرفاء على تسميتها فهوة ) وحربة مستترة وعلبة زيت مستترة داخل الأخمص وحربة ولسان وفرضة وشعيرة ومقرص واقسام وزناد وسبطانة غير متنملة وخرقة تزييت وأخرى للتنظيف وتفكيك فواصلها وتجميعها باسرع وقت ممكن في ساحة العرضات، كل ذلك الكم من مصطلحات تابعة الى الكلاشنكوف.. أما مصطلحات ما لحق بنا جراء فواصل التدريب المستمر فلا تعد مثل : السواتر والخنادق الشقية وسر الليل ونوبة الحراسة والكمين والحجاب والدورية ومدفع الميدان ذاتي الحركة والرعيل والكتيبة والفصيل والسرية والفوج واللواء والفرقة والفيلق والنقيب والرائد والمقدم والعقيد والعميد واللواء والفريق والمراسل وقلم الوحدة والأشغال وأسبوع الضبط والتدريب الإضافي والنزول والمساعدة والإجازة الدورية والحيطة والحذر والهجوم المقابل وكشف الإصابة والوشم البارودي والمجلس العسكري والنطاق والبيرية والنموذج ولحم الكركدن وصمونة الجيش المتحجرة والجلكان وقنبرة الهاون والصاعق وعقارب الموضع الأليفة مثل القطط والأفاعي التي لا تعض السلاح سز في الخلفيات والمطابخ وجناح السيد الآمر السري وجوقة المحدثين والمدلكين.. كل تلك المفردات اقتحمت حياتنا الآمنة ونسفت معايير التعامل اليومي في الشارع الخلفي ولم يتبق لنا سوى بعض مفردات من متن حكائي منصهر عنوة في قاموس الحياة الخاكية الملازمة لنا كل تلك الحياة المبقعة ببقع القوات الخاصة.
وغير ذلك فتراني مشدوداً لاعادة صياغة ما اكتنزته الذاكرة من تفاصيل تبدو مهمة في حياتي لاعيد نشرها كما تنشر الوحدة العسكرية بعد تهيكلها
بعد خروجها من المعركة وقد خسرتها أو أثخنت بالجراح ليتم تعويضها بالموجود الفعلي من وحدات التدريب المستمرة أو مدارس القتال أو وحدات التأهيل الفعالة ثم يعاد نشرها على الساتر من جديد وربما يسأل أحدكم ويقول.. ما تعنيني تلك التفاصيل بل أريد أن أنساها تماما ؟ لأقول له إن نسيناها فهي لا تنساك مطلقا بعد أن تلبستنا مثل جن طالح يحاول تمزيق أشلائنا من الداخل، إن نسيانها لحظة وابتسمنا ابتسامة بسيطة بين الشوطين فهي تعود حتما لتعلن استمراريتها، نحن الذين تمرسنا تدريجيا على أقسى أنواع العنف الآدمي في مدارس القوات الخاصة، ففي تلك المدرسة الخاصة أكلنا الأفاعي حية وكذلك مزقنا القطط وهي تموء أمام أعين الآلاف في الملعب الرياضي لنمزقها ونأكل لحمها وصولا الى الذنب ونصيح بأعلى أصواتنا : هيي هييي..
ثم يصيح بنا معلم القوات الخاصة ( وهو لا يشبه معلم الصف الأول الوديع مطلقا ) صاحب اكبر شارب في التاريخ العسكري :
جوعانين
~؟ نصيح بصوت هادر سوية :

لا
تعبانين..؟
لا
عطشانين ؟
لا
يمسك بيده كلبا كبيرا ويصيح بنا المعلم : قوات خاصة تقدم.
ويتحول الكلب الى عدم ليس سوى نباح متقطع ثم يتحول النباح الى عواء الى مواء الى صرير آيل الى اثر بعد عين.. يمحى اثر الكلب من الوجود ويتحول الى لحم عسير الهضم في بطون القوات الخاصة، وفي الليل تراهم يعون من نشوة رطبة تتجسد في حوارات الفجر..
- أحد جنود القوات الخاصة سمع فيروز تغني في الصباح.. انا وشادي غنينا سوى.. فقال من هذا الذي يغني بالإنكليزي ؟
- أحد جنود القوات الخاصة بترت ساقه اليمنى ويده اليسرى وفي معركة أخرى بترت ساقه اليسرى ويده اليمنى فأحيل على التقاعد.. مما دعته الحاجة المادية للعمل في مطعم الباجة النصر في كراج النهضة.. يحمله ابنه من شعر رأسه ( القبضة الوحيدة المتبقية منه ) ويذهب به الى البيت بعد نوبة العمل الليلية.
- تحتفظ سجلات مدرسة القوات الخاصة بالمزيد من مآثر العنف التراجيدية في سجلات البطولة فمثلا في إحدى قصصها، إن جنديا مستجدا استطاع الثأر بإجازة لمدة شهر من لدن السيد الأمر لانه عض أفعى سامة وقتلها في مكانها.. واستطاع آخر أن ينطح ثورا برأسه ويقتله وينال مكرمة الإجازة الشهرية..
هكذا نحن أجيال ما بعد القوات الخاصة وأبناؤهم وايتامهم وورثتهم الشرعيون في الانقضاض على كل ماهو خائر القوى ومستسلم للهدوء والتأمل.. أجيال ما بعد القوات الخاصة حداثويون في تمزيق كل ما لا يمت بصلة لآبائنا النجب..
كنت صغيرا ارقب معركة حدثت بين اثنين من أشقياء المحلة.. معركة دامية استمرت ساعة من النطح والضرب والملازمة والتدحرج على الأرض الصلبة المتربة ونحن بين ان نشجع المغلوب على الغالب وبين أن نشجع الغالب لتستمر المعركة حتى غروب الشمس.. حتى كنا نسمع لهاثهما وفحيح صدورهما وأنّاتهما، ثم تنجلي الغبرة عن تعادل الطرفين المدميين المتربّّين، يذهبان الى بيوتهما وكل واحد منهما بانتظار الغد ليظفر بصرعة مميتة الى الآخر.. ولا شيء في الغد يحدث وهم على علم بذلك مسبقا ولكن سمعته كشقي مصارع مغوار تدعوه للاستمرار بذلك.. وعندما كبرنا وجدنا إن حروبنا نسخة شاسعة التفاصيل من حروب أشقياء المحلة.. ليس فيها غالب أو مغلوب ولكنها استمرار لليوم الفائت من تاريخ الأمة المجيدة..حروبنا تبدأ ببيان مطول وتنتهي خجلة دون إعلان واضح للنهاية.. كنا منتصرين بكل الحروب الخاسرة ونرفع بالإصبعين المفتوحين على السماء العلامة الفكتورية بمناسبة أو بغير مناسبة وخصوصا أمام الكاميرات .. لم يتبق من الكلام غير علامة النصر المرتعشة.. ليس سوى الحروب أو سبك الكلام عن قصص الحروب في معرض حياتنا التي تحولت في أمكنتها الى معسكرات كبيرة تمتد من سرير النوم الى ابعد نقطة في حدود الوطن..


قصائد بلا عناوين

محمد درويش علي

(1)...............
من غيابة الجب
مددت يدي
وانتِ على السطحِ غريقة

(2).................
افقنا حينما لم نجد احلاماً
مَضينا حينما قتلتنا الوحشة
عدنا حينما ضلت الطريق خطانا
سرنا الى الصباح حينما الليل ايقظ أوجاعنا

(3).................
على ارصفة باردة
تقاويم
مزروعة
تطرز
خرائط
الإنتظار

(4).................
في الصباح
ازرع انتظاراً قرب مظلة الباص
اسقيه صَبراً
صَبراً جميلاً
وامضي
(5)...................

دائماً انا الراعي
دائماً أنتِ الطير
دائماً أركض
دائماً تهربين
دائماً أضرب يداً بيد
دائماً تبتسمين
دائماً أنا
دائماً أنتِ


اصدارات جديدة
 

محمد شفيق

سلالم في الفضاء...

عن دار التكوين في دمشق، جلوني، صدرت المجموعة القصصية السادسة للقاص هادي الجزائري، ضمت عدداً من القصص التي تناولت هموماً اجتماعية متباينة، فضلاً عن استذكارات الطفولة ومما يذكر ان للقاص رواية تحت عنوان ذاكرة الزمان وهي الان تحت الطبع.

بلاغ رقم اسكت..

عن دار غيوم والملتقى الثقافي العراقي، صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر سعد الصالحي بعنوان (بلاغ رقم اسكت) ضمت الكثير من استذكارات ايام الحرب ومعاناتها التي عبر عنها الشاعر بطريقة هي اقرب للمفارقة منها الى السخرية.

آسٌ وتراب..
وعن دار الينابيع للطباعة والنشر، صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعر احمد العاشور، حملت عنوان آس وتراب، ضمت مجموعة قصائد فيها الكثير من ارهاصات الحياة اليومية. وكتب الشاعر حسين عبد اللطيف كلمة في الغلاف الاخير من المجموعة جاء فيها: في مجموعة احمد الأولى كان النظر يتم (عبر زجاج معتم) الآن نحن على الضفة الاخرى من النهر نقرأ في اوراق الوراق، ما يجعلنا نتطلع بأمل الى افق اخضر مترامي الاطراف.


اوراق من مهرجان مسرح الجنوب الاول

عدنان الفضلي

الحصارات والحروب وهجمات الارهاب المتعددة الاشكال ، كل هذه العوامل لم تثن المبدع العراقي من الاعلان عن ابداعه . وهذه الحقيقة لم تات جزافا بل اثبتتها الايام والسنين المتتابعة و من خلال الفعاليات والمهرجانات التي تقيمها المؤسسات الثقافية في عموم القطر. ومهرجان مسرح الجنوب الاول الذي اقيم مؤخرا في مدينة العمارة كان عنوانا واثباتا اخر على ان المبدع هو من يخلق اجواءه وليست الظروف المحيطة به . فهذا المهرجان الذي اقامته الجمعية الثقافية المستقلة في ميسان . وبمشاركة عدد من الفرق المسرحية التي مثلت محافظات الجنوب (ذي قار ، البصرة ، ميسان) ، استطاع ان يحقق منجزا ابداعيا وثقافيا جديدا من خلال بعض العروض المسرحية التي انعشت الذائقة الثقافية العراقية ومنحت الجمهور المتلقي اللذة والاستمتاع والانتشاء واعطتنا املا كبيرا في ان النشاط المسرحي هناك سيبقى زاهرا بالابداع والجمال .
قراءة سريعة في العروض
برايي الشخصي واعتقد اني ساجد من يوافقني فيه ان أي جهد يقدم على خشبة المسرح ينبغي ان نقف له احتراما ونصفق له بحرارة مهما كان مستواه الفني والثقافي ، ولكن هذا لا يعني ان نهمل تقييمه سواء كان يمتلك ايجابيات او سلبيات .
اعمال ميسان
لا بد من الوقوف طويلا عند العرض الافتتاحي للمهرجان وهو مسرحية ( الهشيم ) الذي قدمته فرقة مذار التابعة للجمعية الثقافية المستقلة في ميسان، فهذا العمل الذي كتبه الاديب العراقي المغترب ( عبد الامير شمخي ) واخرجه المخرج المبدع والمثابر ( خالد علوان العبيدي ) استطاع ان يمنحنا صورة مشرقة للمسرح في العراق عموما وفي محافظة ميسان خصوصا إذ عالج العمل موضوعة الانتظار المستمر للشعب العراقي عبر اشتغال المخرج على ما هو موجود في الساحة العراقية من احداث متسارعة لم تستطع ان تحقق جزءاً بسيطاً من احلام وطموحات الشعب العراقي الذي كان يامل في التغير الذي حصل في العراق بعد احداث نيسان3 0 0 2 خلاصا مما كان يحيط به من ارهاب مادي وفكري وجسدي ولكنه وحتى هذه اللحظة لم يجد سوى ارهاب اخر تنوعت اشكاله واسبابه وتبادلت ادواره شخصيات اخر ، واذا عرفنا ان العمل قد كتب عن انتظارات الانسان العراقي المغترب فعندها حتما سنصفق طويلا لـ ( خالد العبيدي ) ان حوّل العمل الى داخل الوطن حيث الانتظار الاهم والاصعب . واذا اردنا ان نتكلم عن العمل بخواصه الاخر فقد كان خلف هذا النجاح الممثل المبدع (مكي حداد) الذي ادى دور الضحية ، فقد منحنا هذا الفنان اداء رائعا اجبر المتلقي على الوقوف والتصفيق له ومن ثم منحه جائزة افضل ممثل في المهرجان كما لابد من الاشارة الى الاداء الممتع للفنان (كريم الكناني) الذي ادى دور الجلاد فقد وظف هذا الفنان خبرته في اقناع المتلقي بحجم ماساة الضحية والجلاد في آن واحد . ولم يبخل الفنان الشاب ( زياد طارق ) في ان يعطينا اداء مقنعا لشخصية الزوج وشخصية الرجل الالي . فقد اجتهد لتقريب رمزية العمل من بعد الانتظار الى حتمية الوصول الى نتائج ولو بعد حين . اما الفنانة الشابة الرائعة ( فاديه خالد ) فقد نالت الاعجاب من خلال الاداء الجميل لشخصية ( الزوجة ) وجرتنا الى حيث الشجن الذي يهواه الانسان العراقي حين طرحت لنا مشاعر الامومة من خلال اصرارها على ( اعادة راس ابنها الى جسده ولو بعد انتظار ) في اشارة الى الامل العراقي وقد حصلت على جائزة افضل ممثلة في المهرجان مناصفة مع فنانة اخرى، اما حضور الاطفال ( سجاد خالد ) و (شهد ) و (دانية ) فقد منح المتلقي املا اخر في ان العراق باق وللابد .
اما العمل الثاني لمحافظة ميسان فقد كان مسرحية (الذي استيقظ) وهو مقتبس من احد اعمال الشاعر الكبير (محمد الماغوط) وقد قام باخراج هذا العمل الفنان المبدع ( سلام عبد الحسين ) وادت الادوار فيه نخبة من الشباب المسرحيين الذين استطاعوا ان يمنحو الجمهور المسرحي في ميسان بارقة رضا عن ان المسرح هناك لن يتوقف من خلال وجود هذه الطاقات الشابة القادرة على ان تطوّر نفسها والواقع المسرحي في محافظتهم . وبرغم ان المخرج اجتهد كثيرا في عمله الا اني ومن منطلق الراي الشخصي ارى بانه تعجل في عرض عمله ، وكان عليه ان يحرص على ان تعرض تلك التجربة الشبابية في اطار مهرجان شبابي او مدرسي لينال الاعجاب كون ان ممثليه كانوا في بداية خطواتهم . وهذا الراي لايلغي حقيقة ان العمل استطاع ان يقول كلاما لم يقله احد في العروض الاخرى .
عمل الناصرية
محافظة ذي قار كان لها شرف المشاركة في هذا المهرجان بعمل واحد هو مسرحية ( فاول ) تاليف واخراج الفنان المجتهد ( حيدر مكي ) وقد تناول هذا العمل موضوعة ( الفساد الاداري ) وقد اراد الكادر التحدث عن زمن تهاوت فيه كل الملامح وتوقفت فيه الارض عن الانبات ، في زمن الممنوع والمسموح ، المعلن والمستور والالوان الاخرى من الفساد فكان لابد من صوت ، حسب ما جاء في فولدر العمل . وقد نجح الفنان المتالق ( علي بصيص ) في منح الحضور ( قفشات ساخرة ) اثلجت قلوبهم . فقد قال احد الحضور ان هذا الممثل قال ما لم يستطع الجميع قوله . وكان لاداء الفنانة الرائعة ( فاطمة الوادي ) دور كبير في امتاع المتلقي من خلال تسليط الضوء على دور بعض النساء في دفع ازواجهنّ نحو الانحراف والفساد الاداري . ولا ننسى الاداء الجميل للفنان المخضرم ( عبد الرزاق سكر) الذي ادى دور ( الحكم )في اشارة للحكام والوزراء . اما الممثل الشاب ( عادل عبد ) فقد كانت مساحته في الاداء تمنعه من تسجيل أي حضور يذكر . ولكن كعمل جماعي ، استطيع القول انه جذب اليه رضا الحضور التام كونه كان جريئا جدا.
اعمال البصرة
محافظة البصرة كانت الاكثر غزارة في العطاء فقد شاركت في ثلاثة اعمال ، منها عمل واحد لاتحاد المسرحيين العراقيين في البصرة والاعمال الاخرى لمؤسسة الغدير للثقافة والفنون الاسلامية التي قدمت عملين هما ( ليلة مقتل العدالة الانسانية ) تاليف ( ستار البهادلي ) واخراج (هشام شبرّ) و ( الشاهد والقبر ) واعتقد ان هذا الفنان المبدع نجح في عمل واخفق في الاخر ففي مسرحية ( ليلة مقتل العدالة الانسانية ) لم يستطع اخراجنا من ما هو تقليدي حيث كان اعتماده على الطقوس العاشورية ( التشابيه ) مبالغا فيه في حين ان المؤلف اراد ان يقول اشياء اخرى ضاعت في زحمة (تراتيل) الرادود الحسيني وصوت الدمام الذي اجبر العديد من الحضور على الرجوع الى المقاعد الخلفية ومغادرة البعض منهم القاعة، وكان بامكانه التخلي عن ذلك من خلال تسجيل تلك الاصوات وبثها عبر مكبر الصوت وبطريقة يشوبها الهدوء . وكان بامكان هذا المخرج المعروف بابداعه ومثابرته ان يعتمد على ايصال الفكرة دون الاصرار على ( التشابيه) التي يمكن عرضها في مكان اخر غير المسرح . واعتقد ان هناك تجارب شبيهة للمخرج ( ياسر البراك ) وظفها بصورة صحيحة فاقنع المتلقي بانها اعمال مسرحية كما في (قبور وشواهد) و(ليلة مقتل الامير) وغيرها. العمل الاخر للفنان ( هشام شبرّ ) كان ( الشاهد والقبر ) وهو عمل ( ميلودراما ) او الشخصية الواحدة والتي اداها المخرج ذاته . وفي هذا العمل استطاع ( هشام ) ان يمنحنا عرضا متميزا انتظرناه طويلا، فقد جسد لنا هذا الفنان صورة حقيقية للمسرح الاسلامي ودلنا على بعض ما يميز هذا المسرح الذي كان مغيبا طول العقود الثلاث الاخيرة .
العمل الاخير لمحافظة البصرة كان مسرحية ( الى من يهمه الامر ) وهذا العمل من تاليف الاستاذ ( عبد الامير السلمي ) واخراج الفنان ( جاسم حمادي الهاشمي ) وقام باداء الادوار فيه اضافة للمخرج والمؤلف الفنان ( مجيد عبد الواحد ) واعتقد ان هذا العمل يمتلك مواصفات العمل المتكامل فقد نجح المخرج في شدّ الانظار الى الممثلين حين تركهم يسمعوننا حوارا راقيا ، جسّد الواقع العراقي بكل تفاصيله ، واهم ما ميز العمل هو الطرح الجريء لكل ما ينتاب الوطن من اوجاع واستطاع ان يشخص اسباب تلك الاوجاع ويمنحنا العلاج اللازم لها . جاء ذلك حين رمى ( عبد الامير السلمي ) ( الروشتة ) او الوصفة العلاجية على شكل قصاصات ورقية والتي حملت بيت الشعر القائل :
ابلغ ربيعة في مرو وفي عبس . . . . . . . ان اغضبوا قبل ان لا ينفع الغضب
فتلقاها اغلب من كان في القاعة وصفقوا للعمل حتى التهبت اكفهم، فيما بقي من لا يهمه الامر ساكنا مذهولا .
خاتمة
وقبل ان اختتم هذه الاوراق اود ان اشير الى الجهد الكبير الذي قدمته اللجنة المشرفة على المهرجان وخصوصا الاستاذ ( مزهر الهاشمي ) رئيس الجمعية الثقافية في ميسان والذي اشرف بنفسه على الشؤون الادارية وسهر على راحة ضيوفه من المحافظات المشاركة ولابد من ان اقدم طقوس التقدير للاساتذة ( خالد العبيدي ) و( كريم الرسام ) و(كريم ......) من نقابة الموسيقين في ميسان والذين كان لهم الدور الفاعل في انجاح هذا المهرجان واترك تحية لكل من ساهم فيه اشخاصا ومؤسسات.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة