الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

الشاعر عادل عبد الله:  كلنا مساهمون في انتاج ثقافة لا تمت بصلة لحقيقة العراق وتأريخه الحضاري

- لدي الوثائق التي ترد نصف اشعار ونثر ادونيس إلى كتب الآخرين

- قصيدة النثر  هي الاقدر على استيعاب طاقة الانسان

حوار اجراه- ماجد موجد

الحوار مع الشاعر عادة ما يأخذ مديات بعيدة وموضوعاته واجاباته تختلف وتتداخل ليس لانها تتقابل وتتطابق مع ما تتطلبه الاسئلة الموجهة اليه، بل لان الشاعر بطبيعته وبنائه السايكولوجي مختلف في تعامله وتفاعله مع الوجود بكل تفاصيله ومفاصله وحيث ذاك فأن خزينه المعرفي والثقافي برغم تشابه خطوط المفاهيم والافكار فيه، الا ان استقراءها من واقعها لا يشبه مع استقراء الرؤية الذاتية للشاعر، وهو ما يجعله غير متشابه في التعبير عن مكتسباته المعرفية والفكرية، وهذا بطبيعة الحال سر وجوده، وسر حاجة الوجود لهو تلك الحاجة التي لا تنتفي  قط مهما اشيع عن عدم جدواها، بل ان حاجة الحياة الانسانية للشعر والشعراء مرهونة بنهاية الحياة نفسها.

وفي هذا الحوار مع الشاعر عادل عبد الله نتلمس اكثر من معنى في اجاباته عن أسئلتنا:

حول الشعر والسياسة

اصدر عادل عبد الله ثلاث مجاميع شعرية هن (مؤونة الرحيل إلى الفراغ) عن دار الشؤون الثقافية 1990 و( بمناسبة وجودي حياً) صدر عن بيت الشعر الفلسطيني 2001 و(متحف العدم) صدر عن دار الشؤون الثقافية 2004 فضلاً عن دراساته النقدية التي من اهمها (ادونيس، الصغير الطائر الفينيق) 997 و(التفكيكية إرادة الاختلاف وسلطة العقل) 2000 دمشق.

*سنبدأ بالحديث الاكثر سخونة في احداث العام الماضي (سقوط صدام) كيف تستقرؤون ذلك الحدث، لا على صعيده السياسي، وانما لنتعمق اكثر وننظر إلى الجذور الثقافية والبيئية التي صنعت(صدام) ولماذا ظل كل هذه السنوات، وماالذي دعا امريكا إلى اسقاطه في ذلك الوقت تحديداً؟

-هذا سؤال صعب ومعقد حقاً، ولا بد ان تكون الاجابة عليه منوطة بمركز دراسات متخصص يعمل بكل طاقته الانتاجية، لان مثل هذه الاجابة، اذا اريد لها ان تكون كافية حقاً فعليها ان تأخذ بنظر الاعتبار مساراً تأريخياً كاملاً، ولن اكون مغالياً اذا سميت بداية سقيفة بني ساعدة ونهاية سقوط مبنى مركز التجارة العالمي.

لذا انا مضطر إلى المناورة هنا، أي مجبر على الاستعانة بالصيغ الكلية التي توفرها الفلسفة حيناً، والصيغ الايجابية التضيلية التي يوفرها الشعر احياناً.. لقد تكرر مشهد الدكتاتور والطغيان في الحياة الاجتماعية العراقية مراراً، وقد اعانه على ذلك الظهور- وهذه مسألة لم تدرس جيداً بعد- نمط الحياة الاجتماعية العربية وتركيبة الدين الاسلامي في تحولاتها وتوترها الاول بين رغبة النبي واتباعه في خلق مجتمع ديني من جهة، ورغبة الوجهاء وزعماء القبائل في تأويل ذلك الدين لصالح اقامة مجتمع ارضي وبكيان سياسي ينفصل عن سلطة الدين الطاغية والواضحة التي لا تسمح بمثل هذا الفصل ابداً.

هكذا وابتدءاً من عصر التدوين- الذي لم تزل قوانينه الاجتماعية والدينية تحكم وعي مجتمعاتنا- استطاع التأريخ العربي ان يمهد لظهور الدكتاتورية باعلائها قيم الارضن وانحيازه للسياسي على حساب الديني.

*المجتمع يظل متماسكاً ما دام عالم دلالاته متماسكاً لا اعرف اين قرأت هذه المقولة، واظن ان مجتمعنا ظل غير متماسك امام تحدياته، وذلك لان الكثير من بنياته قائمة على الاجتهاد والتندر، كيف يصلح المجتمع ان لم يكن  متماسكاً؟

-لقد جرى عبر تخطيط سياسي وفكري منظم مغادرة ثوابث هذه الامة، بل جرى استبدالها بثوابت  اخرى  ذات طبيعة (طارئة) لكن ان اردت الحقيقة اقول ان الثوابت التي شكلت الهوية للمجتمع العربي الاسلامي وبحكم استنادها إلى شروط انسانية وجودية اصيلة، لا يمكن تجاوزها بسهولة كما قد يتصور المفكرون الجدد.. اعني ان الجواد برغم وجوده في نهاية السباق الا انه لم يغادر الميدان بعد.

*هل تتحدثون بوصفكم شاعراً؟ ثمة من يقولون ان اهتماماتكم الفلسفية والرؤيوية لها الموطئ الاول في مشروعكم الثقافي.

-ان كتابة الشعر من خلال محطة المعرفة اعني ان تكتب شعراً وانت مشتبك برؤى ذهنية متقدمة مسألة تجد فيها من اللذة الخاصة ومن احترام الذات ما يجعلك تعتقد فعلاً انك  تسير في طريق الانسان الكامل ومعنى هذا وبكل جرأة اقول: ان الشاعر لا يكفي لحمل رسالة الكائن ومهامه الوجودية المنوط به كأنسان.. اذن فلا بد لكل من يعي انسانيته في حدود مسؤوليتها عن الآخر.. وفي حدود رسالتها الوجودية ان يوظف الشعري لصالح الفكري.. او بعبارة اخرى ان يؤدي افكاره بطريقة تخييلية كما فعل اعظم شعراء البشرية.. اعني (علي بن أبي طالب) ونيتشه والنفري وهو ميروس ودانتي وسواهم.. أما اولئك الذين لا يستطيعون مغادرة لحظة الشاعر في ذواتهم لعجز قاتل في ثقافتهم فهم بالتحديد من يريدون رؤية العالم والوعي من خلاله لحظة الشعر المموهة الكاذبة التي ركبوا اليها واقنعوا السذج من الناس بصحتها.

*عادل عبد الله كان احد المثقفين الذين عملوا بشكل فعال  لاخراج صورة معقولة ومقبولة للمؤسسات الثقافية في زمن النظام السابق، ما جعل تلك المؤسسات تحظى بمكانة في الاوساط الثقافية العربية، وكانت النتائج تحقيق دعم ثقافي وجماهيري لعجلة السياسة لذلك النظام، ما تعليقكم على ذلك؟

-هذا لعب ماهر، وطريقة مبتكرة في القياس، لذا الاجابة نعم، اذا نظرت له من خلال منطق سؤالك، غير ان اجابة اخرى عن نفس السؤال ستكون مخالفة لهذا المضمون، اذا نظرت لها من زاوية منطقية مختلفة.. أعني.. اولاً ان ذلك الخراب اللامتناهي الاطراف.. والعامر والشامخ في معالمة الثقافية المتدنية، هو الاصل والعلامة التجارية، الفارقة لعنوان الثقافة العراقية، وهي علاقة تنتمي لنفسها وتحتل بامتياز مؤسسات النظام. لذا فان المختلف ان وجد له مكاناً صغيراً في خضم هذا الوسع، فانما  يمثل نفسه اولاً بحكم اختلافه ومفارقته وغربته عن ذلك التجانس الباهت لثقافة المؤسسات وهو من بعد، ولندرته وقلته معزول ولا تسمح المؤسسات له بأن يمثلها او يكون علامة كلية لها.. او باختصار لقد سمحت المؤسسة فعلاً بانتاجه على هذا القدر المحدود أرادت به اظهار تنوعها ربما.

*هل حقاً ان ادونيس منتحل، ما هو معروف انك كنت اول المتصدين لمناوراته و(سرقاته) ترى كم تأثر مريدو ادونيس بتلك الكتب والآراء التي شككت بمشروعه الثقافي، وربما فوزه بجائزة سلطان العويس اعطت تصوراً مختلفاً عما كان يقوله مناوؤه؟

*سأسمح لنفسي هنا ان اقول: بأن الادونيسية هي نمط من الثقافة ونوع مغرض من التعامل معها، ولن اكون مغالياً اذا قلت بأنني قادر بالفعل وبالدليل الوثائقي الكامل على رد نصف اشعار ادونيس وكذلك نصف ارباع مؤلفاته النثرية إلى كتب الاخرين ومصادرهم المكتوبة، المشكلة يا ماجد ان الادونيسية بالمواصفات التي احددها لها هي  النمط الشائع في الثقافة والابداع العربي وخصوصاً في الثقافة العراقية التي تضم نجوماً لامعين في عالم السطو والاحتيال الثقافي، لذا فمنح جائزة لأدونيس فعل يصدر عن ذات النمط الثقافي،  اعني ان الاطراف الحاكمة والمحتكم لها والمتفرجين جميعاً في ميدان واحد من الجهل حتى لقد اصبحت مهمة التنوير مستحيلة واصبح القائل بالقدرة على كشف الاعيب الساحر امام الملأ، مجنوناً بسبب من رسوخ السحر في عيونهم واستعذابهم له، لانهم يا صديقي غير قادرين على رؤية ما هو حقيقي وهذا ما سهل لادونيس وامثاله البقاء وحصدوا الجوائز ايضاً.

لقصيدة النثر العراقية تحديداً البعض يقول ان مصدرها مجلة شعر والمشرفين عليها من امثال ادونيس ويوسف الخال وانسي الحاج، والبعض الاخر يقول انها تجاوزت التأثر وتماهت مع الاصل السريالي والدادائي، بسبب تشابه الواقع السيو ثقافي الذي صنعته الحروب وهو ما لم يتوفر بشكل واضح للثقافة (الشامية) الرأيين تشاطره بوصفه الحقيقة؟ التفاصيل


الذكرى الثلاثون لوفاة الشاعر والاديب الالماني أيريش كستنر

(Erich Kestner)

ترجمة- بهاء محمود علوان

شاعر ساخر وروائي جريء وكاتب لامع واحدٌ من ابرز كتاب ادب الاطفال في العالم.

احتفلت المانيا قبل ايام بالذكرى الثلاثين لوفاة هذا الكاتب.

لا يوجد في المانيا احد لم يقرأ في طفولته لهذا الكاتب الذي تنوعت اعماله بين ادب الاطفال والرواية والمسرح والشعر اضافة إلى كونه صحفياً مشهوراً.

لقد ألف كستنر العديد من دواوين الشعر الساخرة اضافة إلى كتب الاطفال، وكان يكتب المقالات الافتتاحية

في العديد من الصحف تتناول شؤون الثقافة والسياسة، كما انه كان مؤلفاً للاغاني والاسكتشات لدور اللهو.

ولد كستنر في 23 / 2 / 1899 في  مدينة درسيون (Dresden) من اسرة متواضعة الحال لم تال جهداً في سبيل تعليم ابنها الوحيد.

اشترك في الحرب العالمية الاولى، وبعد نهاية الحرب واصل تعليمه في جامعة لايبزك حيث درس التاريخ والفلسفة والادب الالماني.

وفي عام 1925 نال درجة الدكتوراه في الادب.

بدأ كستنر نشاطه الصحفي حين كان طالباً في الجامعة. بعد انتقاله إلى مدينة برلين عام 1927 تفرغ كلياً للعمل الصحفي.

حقق كستنر في اواخر العشرينيات من القرن الماضي شهرة واسعة  داخل المانيا وخارجها من خلال اعماله الادبية واشعاره الجريئة. واعتبره النقاد رائدا من رواد الشعر الالماني الحديث.

في عام 1931 صدرت له رواية (فابيان) (قصة رجل اخلاقي) تناول فيها بالنقد اللاذع الاوضاع الاقتصادية والسياسية والمتردية في المانيا العشرينيات. وتعتبر هذه الرواية عملاً رائعاً من اعمال تيار (الموضوعية الجديدة). وتحمل الكثير من ملامح السيرة الذاتية للكاتب.

ان غالبية اعمال كستنر تحمل طابع النقد سواء كان العمل شعراً او مسرحية او رواية.

ويظن ان كستنر قد يأس من اصلاح الكبار فاندفع في كتاباته إلى الصغار اذ علق آمالاً كبيرة على تربية الاطفال واعدادهم الاعداد الصحيح ومن اهم كتاباته في هذا المجال هو رواية (أميل والمخبرون) التي ترجمت إلى اكثر من اربعين لغة.

وما زال اسم كستنر حتى اليوم يقترن في المقام الاول باعماله للاطفال.

ومن المصادفات ان تكون اول رواية كتبها كانت للاطفال وهي رواية (أميل والمخبرون) التي الفها عام 1929 وآخر رواية له صدرت عام 1967 كانت للاطفال ايضاً وكانت تحت عنوان (حكاية الرجل الصغير والآنسة الصغيرة) التي كتبها إلى ابنه توماس.

رأس كستنر القسم الثقافي في جريدة (Neue Zeitung) التي كانت تعد من اهم الصحف في المانيا.

حصل كستنر على العديد من الجوائز نذكر منها جائزة جورج  بوشنر (Georg Buchner) وذلك في عام 1957 والتي تعتبر من اهم الجوائز الادبية في المانيا.

توفى ايريش كستنر عام 1974 في مدينة ميونخ عن عمر  ناهز الخامسة والسبعين.

واليوم تحمل اكثر من مائة مدرسة في المانيا اسم اشهر كاتب لدب الاطفال.


صقور الوزارة

خالدمطلك

تضم حكومة الدكتور إياد علاوي وزراء لوزارات سمع بها العراقيون للمرة الأولى في تاريخهم المعاصر كوزارة العلوم والتكنولوجيا والبيئة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والهجرة والمهجرين وسواها

الأحداث الأمنية الأخيرة قدمت الى الواجهة تشكيلة من الوجوه يمكن تسميتها - صقور الوزارة - ضمت وزراء الداخلية والدفاع والدولة الذين يشكلون مع آخرين أبرزهم محافظ النجف الشاب خط الدفاع عن الدولة الوليدة

غاب الوزراء التقنيون عن المشهد لان هناك من لا يريد لوجه العراق الجديد ان يشرق,وسيشرق

هؤلاء الوزراء كنا سنشاهدهم على الفضائيات الصديقة لو ان  نشرات الأخبار كانت تحمل العنوانات التالية

-التظاهرات تعم مدن الجنوب مطالبة بعودة الحياة فورا الى الاهوار التي جففها النظام البائد

-اعتصامات في الجامعات العراقية احتجاجا على تدني مستوى الدعم التكنولوجي في المختبرات العلمية

-ندوات في الانبار وصلاح الدين تستنكر تدخل الحكومة في عمل وسائل الأعلام

-الأحياء الفقيرة في بغداد تنظم جولة إعلامية للصحافة المحلية والأجنبية للإطلاع على واقع الخدمات المتدنية

-خطباء جوامع الفلوجة يطالبون وزير البيئة بالعمل الجاد على تنظيف شواطيء بحيرة الحبانية

-نساء محافظات بابل والديوانية وكربلاء يتظاهرن ضد المجالس البلدية لتجاهل مطالبهن في التعليم والعمل

هذه العناوين وسواها هي ما كنا نرجوه في مرحلة ما بعد الدكتاتور لا ما يلبي رغبة قناة الجزيرة في بث ما تيسر لها من سموم ومبالغات عندها سيكون وزير البيئة مثلا في الصورة والى جانبه خبراؤنا في البناء الجديد تأكيدا على عبقرية عراق نعرفه ونتمناه لكن ماذا نفعل لمدمني أصوات الانفجارات والعبوات التي تنسف حاضرنا وتهدد مستقبلنا.


ذكريات الربل أيام زمان: العربنجي ابو هيلة ينقل نوري سعيد.. وخليل الرفاعي!

عباس الخفاجي

وجدت نفسي أقف أمام رجل ناهز عمر السبعين عاماً، جالساً فوق عربته التي يجرها الحصان (الربل) يدعى عيدان عجيل، ثم تحلق حولي بعض زملاء مهنة ودار بيننا حوار شيق، بادرت الرجل بسؤال:

* منذ متى وانت تعمل بهذه المهنة يا عم عيدان؟

ـ ابتسم وهو يروي ذكريات طفولته مع والده الذي كان يصنع (الربلات) اضافة إلى نوع آخر من العربات المكشوفة التي كانت تنقل الغلات الزراعية من خضر وفاكهة وكانت البداية عام 1940 بعد ان ورثها عن والده متنقلاً بين ازقة بغداد من شارع الرشيد حتى الكاظمية حيث كان يوجد مأوى لتلك الربلات هو بمثابة محطة انطلاق واستقبال في المناطق التي تنتشر فيها عربات النقل (الربلات) هي منطقة النزيزة والشيخ معروف.

* وعن سبب اختياره لهذه المهنة؟

ـ العربنجي عيدان عشق ركوب الخيول.. منذ نعومة اظفاره وتعود عليها ثم اصبحت بعد ذلك مهنته الرئيسة التي يعتاش منها، اضافة إلى احساسه بالقرب من الناس اثناء نقلهم والتحادث معهم وخدمتهم.

* مصدر حصولك على الاخشاب اللازمة لصناعة العربات؟

ـ الخشب يمكن الحصول عليه من نجارين متخصصين ببيع خشب (التوت) يقومون بتقطيع هذ النوع من الخشب بطريقة (واسيت وبرماغ) لتهيئة المساطر الخشبية والزوايا اللازمة لصناعة العربة حسب نوعيتها.. ولم تفقد هذه الصناعة ميزتها رغم التقدم التكنولوجي الذي حصل في مجال صناعة الاخشاب وما تغير سوى اللون حيث تطلى بالالوان الزاهية التي يرغب فيها صاحب العربة.. اضافة إلى تزيين العربة بالعديد من اشكال السروج وهي المنقوشات التي اختص بها ابناء البادية كذلك تضاف اشكال أخرى من الجلد أو المطاط.. وفي السنوات اللاحقة اضيفت إلى العربة اشكال أخرى من اكسسوارات. اما الفوانيس التي تنصب إلى جانبي مكان جلوس (العربنجي) فأنها تصنع بشكل فلكلوري جميل في سوق الصفارين وبأشكال ملونة مختلفة.

* كم كانت تكلفكم صناعة العربة الواحدة في ذلك الوقت؟

ـ كان سعر العربة آنذاك لا يتجاوز (40) ديناراً وهي الكلفة بدون حصان الذي كان سعره بحدود (50) ديناراً.

أما اليوم فان العربة الواحدة تكلف ما بين (400) ألف واصبح سعرا لحصان لوحده بحدود (750) ألف دينار فانظر كيف تغير الزمن يا ولدي.

* من هي الشخصيات التي استقلت العربة؟

ـ بعد حسرة قال: عربتي نقلت بعض الشخصيات البارزة وعوائلهم من مناطق سكنهم الى احياء أخرى في بغداد كعوائل رؤساء وزارات مثل توفيق السويدي، ونوري سعيد وفاضل الجمالي.. ومن الفنانين القبنجي، وناظم الغزالي، وعزيز علي، ونقلت بعربتي زواج الفنان خليل الرفاعي الى سينما (روكسي) وغيرهم.

وعندما كانت عائلة نوري السعيد ترغب في القيام بنزهة في شوارع بغداد من منطقة الكرادة الى شارع الرشيد كان الحارس الخاص يجلس الى جانبي اثناء تجوالنا مما جعل افراد شرطة المرور في الشوارع التي تمر فيها عربتي يميزونها ويفسحون لها السير.

* ماذا تعني كلمة (ابو هيلة) يا عم عيدان؟

ـ قهقه الجميع من حولي حال سماعهم هذه العبارة ثم قال: لا باس عليك فان كلمة (ابو هيلة) جاءت على لسان الممثل يوسف العاني في احد افلامه حيث اطلقها على احد الحوذيين البغداديين ضمن احداث الفيلم ومن ذلك الحين اعتاد الناس على اطلاق كلمة (ابو هيلة) على العربنجي الذي يقود عربة الخيل.


صور ضائعة من بغداد القديمة - القسم الثاني

فؤاد طه محمد

نقلنا في القسم الاول من هذا الموضوع صور شخصيات ذهبت، وأماكن اندثرت، ومناسبات بغدادية ضاعت بمضي الايام، ونحن نستكمل توصيف هذه الصور في هذا القسم.

26ـ الزفة: انقرضت الزفة الشعبية أو كادت في احياء بغداد، وضاع ما كان يصنعه الناس من تشابيه (حسن خيون) ولعابة الزرع وغيرهما واختفت تقريباً صورة السراديج وهم يحيطون بالعريس ما بين الجامع بعد صلاة العشاء وبيت الزوجية السعيد، اما بالنسبة لحسن خيون فهو مظلوم، لقد ثار على السلطة العثمانية فعمل منه البغداديون لعابة يرقصونها في الافراح والليالي الملاح.

قالوا: مثل الحرش البلزفة، وزفة ام سلاح، ومبارك عرسك كال الليلة ادخل، وسمعوا العريس  كالت الخنفسانة زفوني.

27ـ الزورخانة: اختفت وذهبت معها اصوات المنشدين حول الجفرة من امثال عباس كبير ومهدي المرشد وآخر زورخانة في الكرخ كانت لبيت ايوب اليتيم في محلة الشيخ بشار وانقطع اثرها وخبرها كاصحابها.

28ـ الساعي: وكان يعرف بالقطر: وهم سعاة على الاقدام من بقايا التتار في العراق عرفوا بسعة الخطوات وسرعة العدو كانوا يتقاسمون الطرق بين المدن إلى مراحل واشتهرت بهم محلة الطاطران. قيل فيهم:

طش الخبر، جوي طَطَرْ، أي متتابعين سراعاً.

29 السقاء: بعد تعميم مشاريع إسالة الماء لم تعد هناك حاجة للسقاء لقد كان يحمل قربته ويدور بها على البيوت من الصباح إلى المساء يملأ حباب الماء ويسد حاجتها إليه. وكان بعضهم يستخدم الحمير لذلك، وفي بغداد دربونة السقاقي وعقد السقاقي، يجري الحساب بينهم وبين أهل البيت بالخرز أو الحصى، قالت الامثال: كالوله للسقا رشها البغداد، غركها.

أبرد من ط.. السقا

دقة بدقة وان زدنا زاد السقا

30 ـ السيساني: هو العطار الجوال، يحمل متاعه على ظهر حماره ومهنته من المهن التي لا يحبذها ابناء العشائر لذلك يفرضون تزويج بناتهم منه لتفاهة عمله وفق العرف الاقطاعي البائد.

31ـ شلغم الطمة: ويتم شيه برماد الطمة في الآتون بعد وضعه جانباً حيث يسهر صاحبه على مراقبته ثم يعمد إلى جمعه وحمله في سلة مغطاة بغطاء سميك، قيل فيه: لو فاتك الشلغم اتمرغل بترابه أو يتمرغل برماد الطمة.

32ـ صندوق الولايات: مع انتشار الاذاعة والصور المرئية والسينما اختفى صندوق الدنيا ولم يعد الناس يسمعون صوت صاحبه: باوع بعينك يا سلام

عنتر وعبله للامام

فها هو يحمله على ظهره وينصبه على منصة من خشب ويدير صوره بيده والصغار يحصرون اعينهم باعين الصندوق ليتمتعوا بتلك الصور الروائع لقاء فلاسين معدودة.

33ـ طماس البير: كان يتجول بالاطراف رافعاً صوته بين البيوت فيدعوه اهل هذا البيت أو ذاك ليستخرج لهم ما سقط واستقر في قاع البئر من قدر أو أناء أو طاسة أو غيرها، وهو يعمد إلى الكلاليب التي يحملها معه لهذا الغرض، اما إذا كان الشيء الساقط ثقيلاً فهو مضطر إلى استخدام (شيخ الجناكيل) لاخراجه وتسليمه إلى اهل البيت، وكثيراً ما كانت تسقط القطط في الآبار.

34ـ الفوّالة: أو ام الطش: تدور متغنية بصوتها الاغن طشة خرزة.. خيرة تصيب.. يا بنات هذا النصيب.

خبرة تصدك ما تخيب. فتدوعها البنت التي بارت وكسدت بضاعتها لحل عقدتها وتدعوها الضرة لوضع حد لاندفاع زوجها نحو ضرتها وتدعوها العمة التي لا تعرف كيف الخلاص من كنتها.. وصورتها تمثل الجهل وانحسار المد الثقافي آنذاك.

35ـ القرداني (ابو الشواذي): كان يتجول في الدروب الفسيحة ومن خلفه قرده الذي رباه وعلمه اداء الحركات فهو يدق له  بالدنبك ويراقصه ويعلمه كيف تنام العروس وكيف تصحو العجوز وعن طريقه يلتطق ما في جيوب الناس من عانات وعشرات وهو فرحون.

36ـ القضخون: اختفى اثر القضخون وانطمرت معه عشرات القصص والحكايات من اسمار بغداد وسهرات البغداديين في المقاهي أو المجالس المعروفة أو حول نار الشتاء أو على السطوح في الصيف. آخر القصخونيه (قمبور) وهو رزوقي الاسكافي رحمه الله. كان للقفف 37 - القفجي:بين شرائع الماء في الكرخ والرصافة أثر بعيد في حياة بغداد الاجتماعية قالوا:

طلع من زنبيل وكع بكفه

كفه وليل ومطر، لاجتماع أسباب المتاعب.

38 ـ الكجاوة: هي الهودج، ينصب على سنام البعير فيشكل غرفة  صغيرة تستظل بها ربات الخدور من الهاجرة، وكان الهودج يشاهد في بغداد في كهاوي عكيل ثم انقرض قالوا:

جتي الكجاوة من بعيد     ومبركعه بخام الجديد

39ـ الكروان: هو ركب المسافرين على الدواب وكان في بغداد عدة أماكن لهذا الغرض منها محلة المجارية في الرصافة ومركب الحميد في الكرخ، سوق الجديد، وكان هذا اسوق خانات قديمة ازيلت فبني على انفاقها سوق عرف بالجديد، ولم يعد للكروان وجود بعد انتشار وسائل النقل الحديثة.

40 ـ كسار الخشب: اختفى هو وساطوره وفأسه ولا أثر له اليوم، كان يتجول في الدروب صائحاً بصوته الاجش (كسار خشب.. كسّار خشب) فيخرج هذا أو ذاك إليه يكر لهم ما يريدون من الخشب الضخم المتراكم لديهم، فهذا للتنور وذاك للمنقلة، وآخر للطبخ، وفيه قالوا:

كسّار الخشب وين الطبر وينه؟

وكان لهم ملتقى عند شريعة القمرية وسوق الجديد والسجة.

41ـ اللالة: وله دور المربي، يجمع الصبيان ويأخذهم إلى أماكن قريبة في الهواء الطلق ويعيدهم إلى ذويهم لقاء مشاهدة بسيطة اضافة إلى مشاركته إياهم بأكلهم ومتاعهم، وفي الرصافة دربونة عرفت بدربونة اللالات. منهم لالة حمادي ولالة ابراهيم ولالة هراتي، وفي الاستفهام الانكاري قالوا:

شتريد اصير لك لالة!

32ـ اللمبجي: كان دوره تنظيف الفوانيس وتعبئتها بالنفط وايقادها أول حلول الظلام ومتابعة ادامتها لقاء اجر يتسلمه من امانة العاصمة، وكان الصبيان العابثون يعمدون إلى اطفائها احياناً ليعود إلى ايقادها، واقدم من الفوانيس كانت تستخدم السُرُج وفيها قالوا:

لو بسراجين، لو بالظلمة، وجاءت الاغنية لتقول: فانوسكم ع الدرب هو العمى عيوني.

43 ـ الماشطة: وهي امرأة تقوم على تصنيع العروس وتزيينها وتكون ذكية لبقة شاطرة لذلك فهي تحاول استرضاء اهل العروس وكسب ود أهل العريس، وفي ذلك قالوا:

يطلع ويا الماشطة، ويطب ويا ام العروس وهو الشخص حين يكون انتهازياً للفرص مستفيداً من كافة الظروف وجميع الاطراف.

44ـ المدار: وهو قطعتان من صخر اسمر تعلو الواحدة على الاخرى فتدور الفوقانية على التي تحتها وتكون هذه ثابتة ويقوم بعملية ادارتها حمار معصوب العين، فيلقى بالحبوب بين الصخرتين فيجري طحنها، وآخر مدار كان منصوباً في بيت المرحوم (محمد سعيد افندي) في طرف الزيبك وهو البيت الذي آل إلى المرحوم فاضل ثم إلى ولده حسون صاحب مقهى البيروتي. يقولون في الحائر الذي شرد فكره فلا يعرف أين يتوجه:

صاير مثل زمال المدار، يدور يدور وهو بمكانه.

45ـ المشعلجي: وهو الوقاد القائم على اشعال النار في آتون الحمام بما يتجمع لديه من خرق وازبال وفضلات، ولقد اختفى اثره بعد استخدام الوقود الحديثة في الحمامات.

46ـ الملا: وهو فقيه الكتاب يعلم الصبيان قراءة القرآن الكريم، وربما دعي إلى البيوت للالتزام بختمه على روح هذا وذاك لقاء اجر معين، ويساعده في ادارة الكتاب (الخلفة) ومن الملالي من يدعى للتعزيم وطرد الشرور وكتابة الحجب وتعويذ الصغار من الفزة والكبار من الوسواس الخناس. واشتهرت في بغداد من اغاني الاطفال انشودة (طلعت الشمسية على قبر عيشة) ففيها وصف لحياة الصناع في الملا والملا يتضايق من بعض صناعه فيقول (كل مُلا، عنده عله) وفيه قالوا:

كل يوم يا ملا وجهك اصفر، ولكن الاهل يقولون لابنهم حين يشكو من قسوة ملائه: يا بني ان عصا الملا من اشجار الجنة.

47ـ الممجد: كان التمجيد يقع قبل اذان العشاء من يوم الخميس وقبل اذان الظهر من يوم الجمعة، وكان هناك تمجيد آخر وذلك عند الاعلان عن وفاة شخص حيث يدعى الممجد إلى الجامع أو إلى سطح بيت المتوفى فيتجمع الناس على صوته، وآخر الممجدين الذين ادركناهم المرحوم الملا مجيد ابراهيم والمرحوم مرعي السامرائي الأول في صندل والثاني في حنان.

48ـ النخاس: وهو بائع العبيد، كان يعرضهم للبيع في بيته وهم ما بين ذكور وأناث يجلبون من بلاد السودان حسب تسمية البغداديين وكان آخر بيت للنخاسة هو الذي ذكرناه في فقرة سابقة (بيت محمد سعيد افندي) وما زال قائماً وقد تساقطت بعض اركانه، وقد انتهى دور النخاسة لأن الاسلام شرع التحرير والعتق ولم يشرع الرق.

49ـ النكار: ما زالت تلك الدربونة في الكرخ تعرف باسم بيت النكار وهم من السادة الوافدين من مدينة حماه، تعاطى جدهم السيد احمد النكار هذه المهنة واستمر عليها ردماً من الزمن ومثله السيد يحيى الهاشمي وكان عمله ينصب على إعادة تخريم وجه الرحال التي تآكلت بفعل الطحن المستمر ـ ومنهم من كان يعمل ذلك قربة لله تعالى.

الوتي: لم تكن له صورة إلا في اذهان الناس ومخيلاتهم فهو الذي يمهد للص ويكتنه الطريق ويعرف خبايا البيوت وخفاياها ويدل اللصوص على الذخائر والكنوز فيها، قالوا فيه:

الزم الوتي وخلي الحرامي

لو ما الوتي الحرامي ما باك

وبهذا القدر اليسير نختتم هذه الصور التي اختفت من على الخارطة البغدادية وبإمكان الكتاب التراثيين تدوين ما لديهم حولها لتكون سجلاً فولكلورياً للاجيال القادمة، به يعرفون كيف كانت بغداد قبل مائة عام أو تزيد، وبه يعرفون كيف حلت الحضارة محل التخلف ليكون لهم من وراء ذلك سبيل لدراسة خلفية البيئة البغدادية  في بساطتها وصورها المختفية في ذاكرة الاجيال.


كلمة المحرر :تدوين التاريخ الشعبي

ارتبط التاريخ بالتراث الرسمي والشعبي ارتباطاً وثيقاً فرضته صورتان، الصورة الرسمية المدونة والصورة الشعبية التي تتناقل الاحداث شفاهاً منذ ان كانت الدولة وكانت قبلها لغة التداول المحكية.ولا بد بعد مرور هذه السنوات على قيام دولة عراقية حديثة من تدوين الاحداث والتقاليد الشعبية والعادات واسبابها لا بإعتبارها فولكلوراً فقط بل بإعتبارها (احداثاً) تاريخية واجتماعية تستحق التدوين والتدقيق والملاحقة العلمية. ومن اجل ذلك لابد ان تتضافر جهود المؤسسات الرسمية والجمعيات الثقافية لتنظيم برنامج خاص لتدريب الراغبين في تدوين الاحداث التاريخية شعبياً وفي توصيف العادات والتقاليد وتدوين ما اودعته ذاكرة الشيوخ منها.لقد استعانت دولة الامارات بخبرة العالمة العراقية الدكتورة بروين عارف في هذا العمل الحيوي حيث اشرفت على تدريب دورات الهواة ولدينا داخل العراق عدد لا يستهان به من الشخصيات العاملة في حقول التاريخ وعلم الاجتماع وعلم التراث الشعبي ويستطيع كل هؤلاء وضع خطط كفيلة بإنجاز مشروع التوثيق التاريخي الشعبي بنجاح.. فقط ان نبدأ بالخطوة الاولى.. فقط.

المحرر


 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة