ترجمة/ عادل
العامل
عن
انترنشنال هيرالد تربيون
غلين بتلسر
انني امريكي
عادي نشأت اشاهد عروضاً ثانية لـ (Brady
Bunch)
والعب كرة اليد واستمع الى فان هالن. والآن انا ملاح طائرة
هيليكوبتر للمارينز قضيت الاسبوعين الآخيرين ملتحماً بشدة مع
قوات العدو، هنا وانا اكتب هذا بين المهمات، من دون ان يكون
لدي الوقت او الاهتمام لتهذيب ما اكتب، ولذا ارجوكم ان
تنظروا الى لب هذه الافكار وليس الى تراكيبها.
لقد وصلت
الى هذه البلاد قبل اكثر من شهر، وانا تواق للقيام بدوري هنا
لصالح الحرب العالمية على الارهاب، واحمل رتبة متوسطة كضابط،
ولذلك فإني امتلك ربما فهماً افضل من العادي لتعقيد الوضع،
الا انني لا ادعي انني ارى الصورة الاكبر او انني اقدم اية
حلول ستراتيجية.
لقد قرأت
خلال سنتي تدريبي العسكري في فرجينيا، (صن تزو) عدة مرات،
وتصفحت الكتاب الاحمر الصغير لماو، وجادلت فيما كتبه (المؤرخ
الاثيني) ثيومسيديديس، وحللت (الدبلوماسية) لهنري كيسنجر،
و(عن الحرب) لكلاوسيفيتز.
كما درست
قليلاً عن الثقافة التي انغمر وسطها الآن فأعرف شيئاً عن
الخليفة، وعن اركان الدين الخمسة، وعن (الله)، لكنني اعرف
انني لا اعرف ما يكفي، وانا ايضاً مؤمن بقضيتنا - اورد ذلك
مقدماً كي لا يكون هناك تساؤل ما حول ما يدفعني الى ما اقول.
اننا، نحن
جنود البحرية (المارينز)، غير سياسيين بشكل باعث على الفخر،
ومع هذا نحن محافظون يمينيون. فأنا كلاهما، وانا هنا مع
زملائي، نقاتل بكل شدة، سواء كان القائد الاعلى للقوات
المسلحة جون كيري او جورج بوش او رولف نادر، حتى نؤمر
بالعودة الى الوطن.
يوم 5 آب،
وبعد ايام قليلة من البناء المتواصل اشتعلت الحرب في النجف
(مرة اخرى). وقد اخبرونا، اول ما جئنا الى العراق، بأن
مهمتنا ستكون تسيير عمليات الامن والاستقرار وتدريب القوات
العسكرية والشرطة العراقية وبذلك يمكننا العودة الى الوطن.
ومن الواضح ان جزء الامن من هذه العمليات
لايزال
التشديد، ولكن مجال عمليات وحدتنا ظل هادئاً جداً لعدة اشهر،
ولهذا لم يكن معظمنا يتوقع قتالاً بهذه السرعة.
وقد تغير
ذلك سريعاً عندما استجاب المارينز لطلبات المساعدة الصادرة
عن القوات العراقية في النجف الذين كانوا يقاتلون ميليشيا
مقتدى الصدر، التي هاجمت مراكز الشرطة المحلية. وقد استدعيت
مروحياتنا الى المشهد القتالي لتوفير الدعم الجوي القريب،
وسرعان ما اسقطت واحدة منها. وعندئذ اصبحت هذه الحرب حقيقية
بالنسبة لي.
ومنذ ذلك
الحين وسربي يوفر الدعم المستمر لأخوتنا المارينز المنهمكين
في المعركة على الارض، في المقبرة الاسلامية القديمة من
المدينة. ومقام الامام علي في النجف هو مدفن صهر النبي محمد،
واحد اكثر المواقع اجلالاً لدى المسلمين الشيعة. اما المقبرة
الواقعة الى شماله فهائلة المساحة، مليئة بالسراديب والحجرات
المعتمة. وكانوا قد حذرونا من انها (منطقة مخطورة) عندما
وصلنا هنا، حيث طلبت منا السلطات المحلية الا ندخل هناك او
نطير فوقها، حتى لو عرفنا ان الاشرار يستخدمون هذه المنطقة
لإخفاء الاسلحة، ويصنعون مكائد التفجير المرتجلة، ويضعون
الخطط ضدنا. ولكوننا القوة الحساسة من الناحية الثقافية،
وافقنا - حتى 5 آب. وفجأة، رحت اسير مهمات المدفعية المضادة
للطائرات والرمانات ذات الدفع الصاروخي ومتهيئاً للاسقاط،
ايضاً. واصبح منظوري اعرض بصورة سريعة.
ولم تكن
هناك، في البداية، وسائل اعلام في النجف. والآن، افترض انها
آخذة بالتزاحم، بالرغم من ان السلطات قد قيدت حرية الوصول
بعد ان شوشت جماعة من الصحافيين مطوقة بميليشيا
الصدر المشكلة وعرّضت للخطر سلامة آخرين، ولم يتسن لي وقت
لمتابعة الكثير من تغطيات سي. ان. ان وفوكس ينوز، ومع اني
رأيت القليل من عناوين الاخبار التي قدمها لي اصدقائي،
فإني لا اعتقد بان العالم يرى الصورة الكاملة.
واود ان
اؤكد ان قواتنا العسكرية تستخدم كل وسيلة ممكنة لتقليل
الاضرار بالبنى المدنية والدينية التاريخية، وتبذل جهداً
خاصاً لحماية الابرياء. ولم اطلق انا طلقة واحدة من دون سبب
وجيه، سواء كان ذلك استجابةً لنيران البنادق الآلية التي
استهدفتني او قذائف المورتر التي كانت تطلق على الجنود
والمارينز على الارض.
وكانت
المعركة سريالية في تداخلاتها، مركزة على نطاق كبير في
المقبرة، حيث تستمر العوائل في دفن مواتاها حتى وانا انقض
بطائرتي على مستوى منخفض فوق الرؤوس للتأكد من انهم لا
يتسللون للداخل خلف اجنحة قواتنا، او يسحبون قذيفة ارض - جو
من التابوت. ويواصل الاطفال لعب كرة القدم في الميادين
القذرة الى الجوار، والسكان المحليون يلوحون لنا ونحن نطير
فوق سطوحهم لأية تهريبات اسلحة
الى داخل مواقع العدو. وبالتأكيد، ان بعض اولئك ربما كانوا
يلوحون لمجرد الاطمئنان الى اننا لا نطلق النار عليهم، الا
انني اعتقد بأن اغلبية الناس الى جانبنا، فقد علمت ان العدو
وليس مجرد كتلة من العراقيين الغاضبين الذين يريدون منا ان
نغادربلادهم، كما يود لكم البعض ان تعتقدوا ، فالقوات التي
نقاتلها هنا وهناك في العراق خليط من الشيعة المرتدين (عن
النظام الجديد) والبعثيين السابقين، والايرانيين، والسوريين،
الارهابيين المرتبطين بجماعة انصار الاسلام والقاعدة،
والمجرمين التافهين، والمواطنين العاطلين الباحثين عن
الاثارة او المال.
غير انني
ارى الآخرين الذين الى جانبنا، فهم يثمنون مخاطرتنا
بأرواحنا، ويعرفون اننا في السليم. والجنود العراقيون
الذي يقاتلون جنباًُ الى جنب معنا يفعلون ذلك بدافع استعادة
بلادهم. ولم يضللني التفكير بأننا جئنا الى هنا لتحرير
العراقيين. فذلك في الواقع من قبيل صب خليط السكر والحليب
والبيض على الكيك، وانما جئت الى هنا لمنع التهديد بالموت،
الذي
لايزال
فعالاً، من التخثر ليصيح شيئاً ما لن يمكن وقفه.
وبأسلحة
دمار شامل او من دونها، انا سعيد بأننا انهينا دكتاتورية
صدام حسين. وما محاولته اغتيال جورج بوش الاب، واستخدامه
الاسلحة الكيميائية ضد شعبه، وغزوه لبلداً
مجاوراً
الا القليل من الاسباب التي تدفعني للاعتقاد بأننا كان علينا
التصرف في وقت اسرع. فقد كان سيمتلك في آخر الامر الوسيلة
التي تسبب ضرراً فادحا لأمريكا - ليس في ذهني أي شك في ذلك.
ان المبدأ
الوقائي للادارة الامريكية الحالية سيظل موضع نقاش لوقت طويل
بعد ان اكون قد غادرت، ولكن هناك حقيقة تدعم نفسها: ان
امريكا لم تصب بهجمة فاجعة اخرى منذ (11/ايلول
2001) واعتقد بثبات ان ما قمنا به في افغانستان والعراق
اسباب رئيسة للحالة الطيبة التي عشناها في الوطن خلال الفترة
الماضية. فبناء (امريكا حصينة) ليس بالامر غير العملي فقط،
بل والمستحيل.
واجراءات
الامن الوطني المتيقظة شيء حيوي، بالتأكيد، لكن مهاجمة مصدر
التهديد يبقى مسألة اساسية.
والآن نحن
على حافة النصر او الهزيمة في العراق. والنجاح يعتمد لا على
التفوق الميداني فقط، بل وايضاً على ثقة وايمان الشعب
الامريكي. وقد قرأت مؤخراً بعض المقالات التي تدعو الى تخفيض
وجودنا العسكري في العراق وتحريك قواتنا الى محيطات معظم
المدن. ونصيحة كهذه حسنة النية، لكنها خاطئة - فسرعان ما
ستؤدي الى انسحاب كلي. والمطلوب ان يكون هدفنا عراقاً آمناً،
خالياًُ من المليشيات والارهابيين. واذا انسحبنا ببساطة هكذا
وهربنا، فإن المنطقة ستشكل عندئذٍ تهديداً اعظم حتى، مما
كانت عليه قبل الغزو. واخشى ايضاًُ انه ان لم نربح هذه
المعركة هنا والآن، فإن ابني البالغ من العمر سبع سنوات قد
يجد نفسه هنا خلال عشرسنوات او احدى عشرة سنة، مقاتلاً
الاعداء انفسهم وابناءهم.
وعندما يقول
منتقدو الحرب ان دفاعهم هو لمصلحة اولئك الذين يخاطرون منا
بأرواحهم هنا، فإنه نوع من الوطنية الزائفة. وانا اعتقد بأنه
عندما يقول الامريكيون انهم (يدعمون قواتنا)، فينبغي ان يشمل
ذلك دعم مهمتنا، وليس مجرد ارسال طرود الاهتمام الينا. فهم
غير ملزمين بالايمان بالقضية كما اؤمن انا، ولكن ينبغي عليهم
ان لا يشوهوها. فذلك فقط يساعد العدو على هزيمتنا
ستراتيجياً.
لقد سأل
السينمائي ميتشيل مور معلق فوكس نيوز بيل اوريلي ان كان
سيضحي بإبنه من اجل الفلوجة.
وهي صورة
بلاغية ذكية، لكنه السؤال الخطأ: فهذه الحرب هي حول
دي
مويف بولاية ايوا.
وليس
الفلوجة، فالعراق يفقس اليوم ويجتذب ميليشيات تواقة جميعاًُ
للامساك بقاطعات صناديق، قنابل قذرة، صدرات انتحار او اسلحة
بايلوجية، والمجيء من ثم لمقاتلتنا في شيكاغو، سانتا مونيكا
او لونغ آيسلاند. وقد كانت الفلوجة، في الحقيقة، قريبة جداًُ
لأن تصبح مدينة بإمكان قواتنا اخذها والسيطرة عليها، ثم
تزويدها بمدارس ومجارٍ ومستشفيات جديدة، قبل ان ننسحب منها
في فصل الربيع. والآن وقد جرى تجاهلها، فإنها اصبحت اشبه
بدولة طالبانية للتطرف الاسلامي، ملاذاً ارهابياً آمناً.
ويجب علينا ان لا ندع المصير نفسه يحدث للنجف او الرمادي او
بقية العراق.
لا، لن اضحي
بنفسي، ولن يضحي والدي بي، ولن يضحي الرئيس جورج بوش بفرد من
المارينز او بجندي واحد ببساطة هكذا من اجل الفلوجة. فالأحرى
ان تلك المدينة الرمزية ليست الا خطوة واحدة نحو عراق
ديمقراطي حر، هو اقرب بخطوة واحدة الى امريكا اكثر سلامة
وامناُ. |