(2-4)
الدكتور: توفيق المراياتي
شهد
الاقتصاد العراقي خلال عقد السبعينات، وخاصة النصف الثاني
منه، تطورات واسعة، كما حقق معدلات نمو عالية غير متوقعة او
معهودة سواء في مجال انتاج النفط، الايرادات النفطية، الدخل
القومي، دخل الفرد، قطاع الصناعات التحويلية، التشييد
والبناء، الاستهلاك العام والخاص، إضافة الى تحقيقه فائض في
ميزان المدفوعات نتج عنها تراكم في إحتياطات العملات
الاجنبية قارب (40) بليون دولار عشية
نشوب الحرب مع إيران.
علاوة على هذه الصورة البراقة المشجعة،
أستمر الاقتصاد العراقي يعاني مشكلات هيكلية، نتيجة إهمال
الحكومة لها أو الاستخفاف بها من ناحية او عجز الحكومة من
حسمها من ناحية اخرى. وشملت هذه المشكلات التالي :
- تعمق مشكلة نقص القوى البشرية العاملة
من المهارات والتخصصات المختلفة.
- ركود الاقتصاد الزراعي.
- تزايد السكان وتصاعد الهجرة من الريف
الى المدن.
- التضخم المستمر.
- الاعتماد الواسع على استيراد المواد
الغذائية او الاستهلاكية.
- ازدياد اعتماد الاقتصاد الوطني على
قطاع النفط.
قد يمكن لمتخذ القرار السياسي من التعامل
او التعايش مع هذه المشكلات ما دامت ايرادت النفط تجلب
العملات الاجنبية الكافية لأستيراد المواد الغذائية، السلع
الاستهلاكية المعمرة، او غير المعمرة الاخرى، السلع
الرأسمالية، التجهيزات العسكرية، العمالة الاجنبية والخبراء
الاجانب.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة خلال
العامين الاوليين من الحرب عزل الشعب عن حقيقة الحرب من خلال
زيادة الاستيرادات من السلع الاستهلاكية او الاستمرار
بالبرامج الاستثمارية السنوية (المنهاج الاستثماري السنوي)
او زيادة تخصيصاتها، فأن حقائق الحرب كبلت أيدي متخذ القرار
السياسي عام 1982، كما اضطرته على التراجع عن سياسته هذه
وتبني اجراءات سياسة زمن الحرب.
ويعتبر عام 1982 نقطة انعطاف في مسارات
الحرب التي دامت (ثمان سنوات)، عندما تمكنت إيران من إخراج
القوات العراقية من أراضيها، ومواصلة العمليات الحربية على
الاراضي العراقية.
فبعد بدء الحرب مباشرة توقفت صادرات البترول العراقية من
حقوله الجنوبية نتيجة القصف الايراني لمنشآت التصدير
والموانئ على الخليج.
لقد ادت المرحلة المبكرة للقصف الايراني
قبل عام 1982 الى توقف برنامج التصنيع ومن ضمنها
البتروكيمياويات، الحديد والصلب
التي تصادف توطينها بالقسم الجنوبي من البلاد وبالتالي باتت
ضمن متناول القوات الجوية الايرانية، كما توقفت المشروعات
غير المدمرة او المتضررة بسبب انسحاب العاملين الاجانب اثناء
مسار الحرب.
باختصار شديد قادت اثار الحرب المدمرة في
العامين الاوليين منها الى تدهور عام في الاقتصاد العراقي
وشمل استنزاف الاحتياطي من العملات الاجنبية، معدلات تضخم
عالية، التوسع بالقوات المسلحة، التراجع بالانتاج الزراعي
والصناعي، تغيير مسالك التجارة الخارجية، نقص الايدي
العاملة، تقليص الانفاق الاستثماري، الاستيرادات، تصاعد
التبعية الى
الخارج للمواد الغذائية، تزايد المديونية الخارجية، تعاظم
الانفاق العسكري وتوجيه الانفاق العام للمجهود الحربي.
الاقتصاد وتعبئة القوى البشرية للحرب
خلال عام 1975 امتلك العراق قوات مسلحة
قوامها (82) ألف شخص شكلت نسبة قدرها (2.9 %) من اجمالي
القوى العاملة في البلاد، تزايد عدد القوات المسلحة خلال
السنوات اللاحقة حتى بلغ (430) ألف شخص أو ما يعادل (13.4 %)
من إجمالي القوى العاملة عام 1980. ثم استمر تزايد عدد
القوات المسلحة حتى بلغ (1) مليون شخص او ما يعادل (21.3 %)
من إجمالي قوة العمل، بعد ان بلغ (2.9%) في عام 1975 أي
بفارق نسبي قدره (18.4 %). ان الزيادة في عدد القوات المسلحة
من عام 1975 – 1988، والتي بلغت (918) ألف شخص شكلت نسبة
(48.3 %) من إجمالي الزيادة في القوة العامل البالغة (1.9)
مليون شخص خلال نفس الفترة. وتتضح هذه الحقائق من خلال
الارقام الواردة في الجدول رقم (2) أدناه :
جدول رقم (2)
القوة العاملة والقوات المسلحة 1975 –
1980
(مليون شخص)
السنة |
قوة العمل |
القوات المسلحة |
نسبة القوات المسلحة / قوة العمل
|
1975 |
2.8 |
0.082 |
2.9 |
1980 |
3.2 |
0.430 |
13.4 |
1981 |
3.3 |
0.392 |
11.9 |
1982 |
3.8 |
0.404 |
10.6 |
1983 |
4.0 |
0.434 |
10.9 |
1984 |
4.1 |
0.788 |
19.2 |
1985 |
4.2 |
0.788 |
18.3 |
1986 |
4.4 |
0.800 |
18.2 |
1987 |
4.5 |
0.900 |
20.0 |
1988 |
4.7 |
1.000 |
21.3 |
ان الزيادة بحجم الاهمية النسبية لعدد
القوات المسلحة من اجمالي المشتغلين بالاقتصاد الوطني تركت
عدة اثار سلبية على النشاطات او القطاعات الاقتصادية سواء
خلال فترة الحرب او بعدها والتي برزت
فيما يلي:
1. ازداد حجم القوى
العاملة بحوالي (400) الف شخص خلال الفترة (1975– 1980)، في
حين ارتفعت أعداد القوات المسلحة بما يعادل (348) ألف شخص،
أي انها استحوذت على (87 %) من اجمالي الزيادة المتحققة.
2. استنزفت الزيادة في القوات المسلحة
زيادة عدد العاملين في الاقتصاد المدني الذين يقدمون أعمالاً
اسنادية للقوات المسلحة كالخدمات الادارية، الصيانة،
التجهيز، أي ان الزيادة بعدد القوات المسلحة تجاوزت اثارها
السلبية الاعداد المجردة للمجندين. وتجلت النتيجة الطبيعية
لهذا التغيير في هيكل التشغيل بالنزيف لمستويات التشغيل
بالزراعة او الصناعة بسبب زيادة القوات المسلحة او المشتغلين
المدنيين المساندين. عليه تطلب من الحكومة اجتذاب العاملين
فعلاً من القطاعات الاخرى من الاقتصاد الوطني، اضافة الى ذلك
توجب عليها اما تعزيز المجموعات المسحوبة للجيش او توجيه
الداخلين الجدد لسوق العمل الى القوات المسلحة.
3. تبرز ابعاد الزيادة الهائلة بحجم
القوات المسلحة في تراجع حصة العمالة بالقطاع الزراعي من
اجمالي المشتغلين بالاقتصاد الوطني حيث تراجعت النسبة من (42
%) عام 1975 الى (12.5 %) خلال السنوات (1985 – 1988)،
فالحرب، او تزايد الهجرة من الريف تركت ابعاداً سلبية واسعة،
كما أدت الى ركود الانتاج الزراعي او تراجعه، وتمثلت بتناقص
محصول الحنطة من (800) الف طن خلال السنوات (1974 – 1976)
الى (300) ألف طن،
قاد ذلك بالمقابل الى زيادة استيرادات العراق من المواد
الغذائية في الوقت الذي اصبح من الصعوبة تخصيص حصة كبيرة من
الايرادلت النفطية المتناقصة لاغراض استيراد المواد
الغذائية.وقدانخفضت حصة المشتغلين بالصناعة من (25 %) الى
(7.8 %)خلال نفس الفترة
4. تركت هذه الانماط من التعبئة العسكرية
اثار اخرى على الاقتصاد الوطني، ،برزت في قيام متخذ القرار
السياسي بتشجيع العمالة العربية من مصر ، المغرب ، السودان
،فالجانب الاخر من تدفق العمالة العربية متمثل في استنزافها
ميزان المدفوعات نتيجة تحويلات العاملين الى بلدانهم
|