الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

زاوية: جندي أمريكي..جندي عراقي

احمد ثامر جهاد

في طريق عودتي من زيارة اخيرة  الى بغداد وعلى مشارف مدينة الكوت تحديدا، توقفت المركبة الصغيرة التي تقلنا جنوبا الى الناصرية، عند احدى نقاط التفتيش، كانت سيطرة مشتركة بين جنود من قوات التحالف وعناصر من الشرطة والجيش العراقي الوليد، بفضول طبيعي ادرت وجهي صوب النافذة لارى كم من الوقت سنبقى عالقين هنا مع سرب فوضوي من مركبات عدة، متباينة الالوان والاحجام والمهام، لم اكن متفاجئا وانا اشاهد جنديا عراقيا هزيل البنية، وجه اسمر حرقته الشمس، يعلوه تعب حقيقي، ارهاق دفين تفضحه العيون الزائغة يمينا وشمالا بحثا هما هو مثير اكثر من بزة جديدة ترهلت على عود جسد مسكين، الى جوار جندينا المتعب، ثمة قامة طويلة مشدودة لجندي اشقر، لم اتبين هويته بالضبط، بدا بنظارته السوداء متأهبا وهو يتأبط سلاحا حديثا كالذي نراه في افلام ستالون او شوازنيغر، ليست المسافة بين صورة هذين الجنديين هي ماشغل تفكيري حينها، ولاهي مقصد القول هنا، انما السؤال الخجول الذي تناهى الى اسماعي بعد ان انزلت النافذة قليلا تجنبا لهواء فاسد وحرارة لاسعة احاطت بنا، كان الجندي العراقي يسال رفيقه الغربي بكلمات متلعثمة وصوت منخفض: -

مستر هل افتش هذه السيارة أم..!!؟ لم يكن يقصد سيارتنا بالطبع.

للحظة خاطفة صدمت نظراتي الفضولية نظرات الجندي العراقي الحزينة، فارتبك احدنا وشاه ببصره بعيدا صوب ناحية اخرى، بدا لي ان صاحبنا لايعرف ماذا يفعل هناك وكأنه حشر عنوة، ليس بسبب صغر سنه او لاحتمال انه في جولته الاولى، بل لانه يعرف انه وبقية زملائه لم يكونوا احرارا فيما يقررون، فثمة رقيب او شريك اساسي يتولى مايجب فعله وكيفية القيام به، تساءلت مع نفسي هل هذا احد اسباب تردي اوضاعنا الامنية ياترى، طالما ان الامر ليس بايدنا تماما؟

ربما لسنا جاهزين بعد، او لسنا مجهزين كفاية او اننا محدودو الخبرة او غير مخلصين لوطننا، فكرت بغرابة القول اننا قليلو خبرة، خاصة ونحن ودعنا للتو اعنف اجهزة امنية لابشع دكتاتورية عرفها العالم.

بقدر ما احزنني منظر هذا الجندي حينما رايته للوهلة الاولى، شعرت بوخز اشد من الاحباط واليأس الذي سببه هذا المشهد الواقعي اليومي، ازعجني غياب الحس الامني المبادر لدى جندينا المحروق دمه-كما يقال- الذي لصرامة مايتلقاه من زميله الغربي من اوامر ونواه، فقد حسه الخاص في تحديد اشارت الخطر الواجب معرفته وتطويقه اذا لزم الامر، قبل ذلك كنت احاول الاقتناع بافضلية تسليم الملف الامني الى العراقيين لتدارك تدهور الاوضاع الامنية في سائر المدن العراقية، ولكني ايقنت ان الشراكة القائمة في ادارة هذا الملف الشائك والحساس، رغم اهميتها الراهنة في نواحي تلقي الخبرة والمهارة، خلقت نوعا من الاتكالية ونزعت -ان لم نقل عرقلت- الى حد ماروح المبادرة في تقييم الموقف واتخاذ اللازم امام حالات واوضاع واحداث مختلفة قد تفوح منها رائحة خطر ما، تصورت ان اداء الجندي العراقي سيكون افضل لو كان مع زملائه العراقيين من دون سلطة اخرى توجه وتحدد وتترك له عملية التنفيذ فقط، هذه حياتنا ونحن اجدر بها.

غادرت مركبتنا الصغيرة من دون ان تخضع للتفتيش، اغلقت النافذة بهدوء، وارخيت جسدي على المقعد الساخن، بقيت افكر بابتسامة صديقي الجندي وهو يلوح لنا باشارة المرو دون توقف، سيعود الجندي الى بيته حتما، يودع ضجره اليومي، ويحلم بامساك سيارة مفخخة ذات يوم، تحبط المؤامرة الدنيئة وتوفر على العراقيين دما بريئا يسيل هنا وهناك، بلارحمة.


قتل النيباليين البوذيين بالعراق وحرق المسجد الكبير بكاتماندو.. تأجيج ارهاصة عنف شديد بين جياع النيبال ضد المسلمين

رشيد الخيُّون

طالب بوذا، وهو عند البوذيين شخص مقدس، البشر باجتناب عشر خطايا، من أجل نيل السعادة، وهي: (القتل، السرقة، الزنا، الكذب، الافتراء، الشتم، الكلام الباطل، الطمع، البغض، الضلال(انجيل بوذا، ترجمة سامي سليمان شيا). وحث بوذا من أجل السعادة أيضاً أتباعه على مراعاة التأملات الخمسة في الأمور الاتية: المحبة للأصدقاء والأعداء على السواء، والشفقة على كل الكائنات الحية التي تتألم وتتعذب وتحزن، والفرح لفرح الآخرين ونجاحهم وازدهارهم، والنجاسة وهو إمعان النظر في النتائج المميتة لتأثيرات الفساد والخطيئة، وطمأنينة الفكر وصفاؤه وهدؤه.

 حسب بيان أنصار السنَّة أنهم قتلوا النيباليين لبوذيتهم! فهل يختلف المسلمون مع واحدة من كراهة الخطايا العشر وممارسة التأملات الخمسة؟ فعلام يستعمل اسم الله بقتل أهل تلك المبادئ، وأي سنَّة تجيز لأنصارها الإفتاء بقتل أكثر من مليار إنسان، ينتشرون على أرض الصين واليابان والكوريتين والهند وجنوب شرق آسيا عامة؟

 لو احتكم هؤلاء إلى الجغرافيا لوجدوا بلاد النيبال قصية مرمية بين أدغال وسهول وسط جنوبي آسيا، يحيطها عملاقان في كثافتهما البشرية هما الصين والهند، ومع ذلك آوت الإسلام، وتصالحت معه فكان في عاصمتها كاتماندو مسجد كبير. ولو حسبوا حساب حرية المسلم في تلك البلاد، التي لم تعترض عليهم بوذيتها في أداء صلاة جمعة أو صلاة عيدين أو تراويح، لشعروا بمروءة أهل هذا الدين، وتعلموا منهم شريعة التسامح إن لم يريدوا تصديق خبر أن الرسول ترك النصارى يصلون بصلاتهم في داخل المسجد النبوي.

ولو نظروا إلى فقر وجوع النيبالي، وهو يركب الصعاب ليعمل منظفاً أو طباخاً، في شركة أردنية لا أمريكية، لشعروا بالخجل من أنفسهم أن خناجرهم تمتد إلى مَنْ تغرب للقمة عيش أطفاله، ولا يجوز دينه وعقيدته إيذاء الحيوان، إلا في حالة الدفاع عن النفس القصوى، وهي واحدة من تعاليم بوذا.

ستون عاماً والزعيم الروحي للبوذية دالاي لاما، وهو بمنزلة المرجع الأعلى أو مفتي الديار في أعرافنا، يعيش متصوفاً يشعرك بالجنيد ومعروف الكرخي وسفيان الثوري، يعبد الله فوق أقرب نقطة من الأرض إلى السماء، حيث التبت، ولا ندري، كم يبعد قرار منحه جائزة نوبل من أجل السلام عام 1989عن دهاليز السياسة الدولية نكاية بالصين.

وإن كان قتل النيبالي لتهاون أو تعاون أو تآمر مع أمريكا، حسب ادعاء أنصار السنَّة، ففقراء النيبال لا يعرفون أمريكا ولا يفقهون مفردات مثل الاحتلال والاستعمار والتحرير، لا يفقهون غير عودتهم إلى بلادهم بطعام وكساء إلى أطفالههم ومَنْ يعيلون، فما هول الفاجعة وهم يردون إليهم بلا رؤوس! إذن، مَنْ يمتلك حق الامتعاض من عنف نيبالي ضد مسجد أو مكتب خطوط يعود لجماعة مسلمة، والزوجات والأمهات النيباليات تستلمن جثامين أزواجهن وأبنائهن تنقصها الرؤوس؟ كم يضايقنا مشهد أثر أو تمثال روماني أو مصري في المتحف البريطاني، أو اللوفر بباريس وهو يقف بلا رأس، فما هو الخطب أن تنظر جثة إنسان بلا رأس، وكم يكون الخطب أعظم لو شاهدت صفاً من الجثث بلا رؤوس، يمزق صدورها الرصاص والخناجر؟

يوم أقدمت طالبان على تكسير تمثالي بوذا وهما من آثار الدنيا القديمة الباقية، ولا يقلان شأناً عن شأن الهرمين، قدمت تجربة ودرساً في خراب النفوس، فالعقائد عند أغلب البشر مثل الأنفس، تؤذى وتخدش وتنكسر. أعطت صورة لا تقبل التأويل والتفسير عند أتباع بوذا، مُفادها أن في صدور المسلمين فؤوساً لا قلوباً، وإلا ما معنى تخريب تمثالين نقشا من قبل الإسلام بقرون في جبل هندوكوش بباميان؟ وتحول الجبل وما فيه إلى الإسلام في عهد الصحابة وظل التمثالان قائمين.

 للتعريف، بامِيان هي مدينة جبلية أفغانية، محاطة بجبال هندوكوش، كانت يوماً ما مركزاً للديانة البوذية، نقرت في جبالها الصوامع والمعابد، تقع بين بلخ وهراة وغزنة، ومَنْ يقرأ التاريخ يجد لهذه المناطق الثلاث حضوراً في التاريخ الإسلامي، ذلك لكثرة ما نسب إليها من متكلمين وفقهاء وسلاطين، إضافة إلى نوع الديكة الممتازة المعروفة بالهراتي.

قال ياقوت الحموي (626هـ): باميان (قلعة حصينة، والقصبة صغيرة، والمملكة واسعة، بينها وبين بلخ عشر مراحل، وإلى غزنة ثماني مراحل، وبها بيت ذاهب في الهواء بأساطين مرفوعة، منقوش فيه كل طير خلقه الله تعالى على وجه الأرض، ينتابه الذَّعار، وفيه صنمان عظيمان، نُقرا في الجبل من أسفله إلى أعلاه، يسمى أحدهما سُرخبد والآخر خِنكبد، وقيل: ليس لهما في الدنيا نظير. خرج من هذه المدينة جماعة من أهل العلم) (معجم البلدان). ونقوش الطيور، وتمثالا بوذا العظيمان هي جزء من تركة أفغانستان الأثرية، ترتزق بها أفغانستان للتخفيف من أزمات اقتصادها الهالك، وتستعين بها ضد زراعة وتجارة المخدرات، فهما أعظم المقاصد الدينية لكثافة الحجاج والسياح.

فأية حكمة اقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية انتهجتها جماعة طالبان، وأنصار السنَّة فرع من فروعها، في تحطيم هذين التمثالين؟ وهما يدران عملة صعبة، تبتاع بها الجماعة عربات التيوتا ذات المنشأ الياباني البوذي، وهما شاهدان على تاريخ فني نقش في صخور أعظم الجبال، يشيران إلى عالم استقر فيه الإسلام بعد قرون من البوذية. وهنا أُذكر بحكمة الوزير البرمكي في حفظ الأثر عندما أراد هارون الرشيد، في لحظة غياب العقل والزهو بالانتصار، هدم طاق المدائن، لكن نصيحة الوزير البرمكي منعت الكارثة.

قال ابن عبدوس الجهشياري (ت310 هـ): (أمر الرشيد يحيى بن خالد (البرمكي) بالتقدم في هدم إيوان كسرى، فقال: لا تهدم بناءً دل على فخامة شأن بانيه، الذي غلبته وأخذت ملكه. قال (الرشيد): هذا من ميلك إلى المجوس، لا بد من هدمه! فقدر للنفقة على هدمه شيء أستكثره الرشيد، وأمر بترك هدمه، فقال له يحيى: لم يكن ينبغي لك أن تأمر بهدمه، وإذ قد أمرت فليس يحسن بك أن تظهر عجزاً عن هدم بناء بناه عدوك، فلم يقبل قوله ولم يهدمه(الوزراء والكتاب). فماذا لو تركت حكومة طالبان لحظة زهوها وغرورها بانتصار لم يتعد ذرة من زمن مثول سُرخبد وخِنكبد في جبال هندوكوش بباميان.

لكن هولاكو البوذي عندما اجتاح ديار الإسلام، مما وراء جيحون إلى ما وراء دجلة والفرات،لم يهدم مسجداً ولا ضريحاً، وظل سلاطين التتار يحكمون الشرق الإسلامي وهم بوذيون حتى أسلم حفيد هولاكو. جاء في تفاصيل إسلام الملك البوذي (إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694هـ (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء (قيل أسلم معه مئة ألف مغولي) صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة(جامع التواريخ، تاريخ غازان خان). إلا أن السلطان المسلم الجديد أسرع إلى اضطهاد أهل الأديان الأخرى، ربما كان ذلك بدافع المشورة والقصور في فهم الدين، فأصدر أوامره بهدم دور عبادة اليهود وكنائس المسيحيين ومعابد البوذيين والزرادشتيين. وجعل العمامة زياً رسمياً في البلاط، والزم المسيحيين التمنطق بالزنار، مثلما فعل المتوكل العباسي، وألزم اليهود اعتمار القلنسوة، وعمَّ اضطهاد الطائفتين وما تأخر من البوذيين عن مرسوم غازان القاضي بدخولهم الإسلام، وعمم هذه الإجراءات على مختلف مناطق السلطنة.

وبعد أن استتب الأمر لهولاكو السنة 656هـ (1258ميلادية) جلس يستفتي الفقهاء في أمر الحكم وما يريده الناس، هل يفضلون إسلام مع الجور أم عدل مع البوذية؟ عندها أحجم الفقهاء عن الجواب إلا الفقيه الشيعي رضي الدين علي بن طاوس أجاب بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر (ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية). وحباً بالعدل أراد المحبون من العامة والخاصة لهذه الكلمة وقعاً في النفوس فنسبوها شفاهة إلى الإمام علي بن أبي طالب، لكن وصية الإمام لعامله على مصر مالك بن الأشتر تتناغم إلى حد ما مع هذا المعنى، قال له (يا مالك ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق(نهج البلاغة). فمن أين أتي (أنصار السنَّة.. كتيبة علي بن أبي طالب) بعظمة هذا الجور، وكل هذا التعطش إلى الدماء، والشوق إلى حز الرقاب؟

قُتل النيباليون البوذيون وأراهم كوكبة تخفق أرواحهم في فضاء الجنة، فلي ثقة غير محدودة بعدالة الله، أصحو معها من مخدرات النصوص وأغراضها، تقول: إن المظلومين كافة لهم جنات النعيم، وتحرم الجنة على كل مسلم جائر. قُتل النيباليون، وهم أضعف خلق الله إنسانا، لم يحتج لذبحهم وجهاء العروبة والإسلام مثلما احتجوا تضامناً لحفظ ماء وجه شيراك. ما تكلمنا وميزنا فرنسا عن غيرها بكتابة مقال (أما سمعت ياشيراك شكوانا) لولا التمييز بين بشر وآخر، بين نيبالي وكوري وبين فرنسي، بين صحفي وبين منظف أو طباخ.

إن من الجرأة ضد الحق والمروءة أن يفتى بحز رقبة البوذي بينما لا يستغنى عن علمه الدقيق في الذرة والإلكترون، فجماعة أنصار السنَّة.. كتيبة علي بن أبي طالب أذاعت حفلة ذبحها البوذيين النيباليين والكوريين من على شاشة خلقها عقل بوذي وثني، وأن الآذان في الحرمين وثالثهما لا يستغني عن العقل البوذي والوثني في فرض من فروض الصلاة، فلم تعد أصوات أحفاد بلال الحبشي تخترق الآفاق بغير آلة بوذية أو مسيحية أو وثنية. اخجلوا من تخلفكم، فالخراب تجيده الثيران الهائجة، أما العلم والبناء فلا يجيده غير البشر. ورحم الله سفيان الثوري حين قال: (الفقه مع الرخصة أما التشدد فيحسنه كل أحد) لكن أين أنتم من سفيان الثوري القريب إلى السماء مثل قرب زعيم البوذية الروحي دالاي لاما إليها. قال سعيد بن الخميس: (رأيت سفيان (الثوري) في المنام يطير من نخلة إلى نخلة، وهو يقرأ: الحمد لله الذي صَدقنا وعده(سير أعلام النبلاء).

تحجرت هذه الجماعة وغيرها من متفرعات الإرهاب داخل مفاهيم لا ترى في البشر غير مشروع قتل وتدمير، وعشقوا الدم إلى حد أصبح عندها مادة عبادة. اعتادت على مشهد الذبح اليومي، فإن لم تجد نيبالياً أو كورياً جاهزاً للذبح ذبحوا مَنْ تأخر عن أداء الصلاة خلف أميرها، ومَنْ لم ينفذ فتواه.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة