أديب أبو نوار
كانت للقلب امنيات، وللافق اول الفصول في معرفة النية.. نية
الريح أو نية البكاء، وهجرات خلف هجرات، افق فضي وضباب تتنفس
الحقول - الرعاة.. الفلاحون.. القرويون، كلهم اكثر شغفاً
بمواسم هجرة الطيور لانهم اكثر ثراء في تلك المعرفة، من هنا
مرت الرسائل، وقرب تلك الكواكب سجل عاشق تاريخ الذاكرة.
المدينة مشغولة بضجيجها والريف فسيح رحوم يلف بنكهته الوداع.
نكهة بقايا حقول السمسم والقمح حيث تنطلق اسراب القطا إلى
اقصى الفضاء، ونكهة الاخضر الممتد دون نهايات.. الرز العراقي
المطعم بالهيل حيث اسراب الكراكي تغادر وهي تنوء مثقلة
وكأنها قادمة من اقاصي الجهات. إذن هي نكهة وداع لطيور الفت
الارض والحقول قرب شتاء ولم تبتطر على فاكهة صيف عند بساتين
كربلاء. الريف اكثر معرفة بالحنين لانه اكثر ادراكاً لمعضلة
الهجرات.
يقولون أن اليونانيين هم اول من علم حمام الزاجل السفر بان
علموه حمل الرسائل، لذا هم اخافوه، كثيراً من مغبة اللاعودة
ومن هنا نجد حمام الزاجل يعود مهما اتسع الرحيل أو طال
السفر، ويقولون أن الانجليز هم أول من علم طائر (الخرشنة)
السفر واقاموا له سباقاً في لندن عام (1819م) والخرشنة طائر
مائي قريب الشبه بالنورس واكد القادمون من بلاد الانجليز انه
يقطع مسافة تصل إلى (18) الف كيلومتر في شتاء كل عام من
بريطانيا إلى القطب المنجمد الجنوبي.
أنا اعرف أن الهجرة اول فصل في مسرحية الخوف لذا نجد الطيور
تعرف مواقعها وتدفنها في ذاكرتها واليها تعود. فاللقالق لا
تعود إلى بيئة محددة بذاتها بل إلى نقطة وسط تراكم البيئات
وهناك تبني اعشاشها في نفس اماكنها التي ابتنت فيها في العام
الماضي، فالقلق سائح منتظم السلوك.
اللقالق كانت لها اعشاش في منارات أو بيوت ويلقبها البعض
(حجي لقلق) اظن إن الاجيال الجديدة من (البغاددة) لا تعرف
اللقلق ولم يسمعوا طقطقة منقاره عندما يعزف لحن الدعوة
لزوجته.
الزاغ اكثر الطيور فوضوية في هجرته، لا يعبر المديات اسراباً
بل جماعات وفرادى ولا يكمل طريق هجرته بالتزام مثلما يفعل
القطا والكراكي حيث أن للسرب قائداً وميمنة وميسرة ومؤخرة،
والسرب يعبر الافاق على صوت نغمة يطلقها القائد وترددها طيور
نهايات السرب. لذا فالقائد خبير انواء وحروب، العلماء قالوا
أن الطيور تستخدم في هجرتها الشمس والنجوم وكواكب أخرى وهي
تعرف مواقعها بين المجرات مثلما تعرف التغيرات الحاصلة عليها
لذا هي تجتاز فضاءات ملبدة بالضباب أو بالغيوم.
ومع ذلك فقليل هم العارفون ان الهزار يصل إلى بساتين ديالى
صيفاً قادماً من الهند ويغادر مع آخر دقة للخريف على باب
البساتين، والهزار لا اجمل من صوته وانغامه التي لا تتوقف
طوال الليل برغم انه كثير الشبه بالعصفور.
أما العصفور وبالذات العراقي فهو اسطورة في خبثه وقرفه فهو
طائر لا يكف عن التزاوج والطعام. يطوي مسافات البرية ويعود
يعشش عند البيوت، مهذار في زقزقته متعب في مرآه. كثير
الاوساخ وعشه كومة قش وفوضى.
|