نتيجة لكثرة تصدعاتها وتشققاتها والاهمال
المتوارث! هل ستفقد مدينة الموصل احد اسمائها بأنهيار
مأذنتها الحدباء التاريخية؟
هل تتخيل
مدينة الموصل من دون منارتها الحدباء المشهورة؟
الجامع
النوري عمره ثمانية قرون ونصف ولم يجر عليه أي ترميم منذ
ستين عاماً!
الموصل/رعد الجماس
منارة الحدباء او كما تسميها بعض المصادر التاريخية بالطويلة
من أثمن الاثار الاسلامية التي اشتهرت بها مدينة الموصل
والتي اتخذت احد اسمائها منه، كما امتدت هذه الشهرة لتطبق
عموم العراق والعالم، وعلى الرغم من مرور 834 عاماً على
تشييدها الا انها مازالت محافظة على دقة هندستها الجميلة
بنقوشها البديعة التي تشكل آية من ايات الفن المعماري
الاسلامي، كما يعد الجامع النوري الذي يضمها من أكبر واقدم
المساجد الجامعة في المدينة ومعلماً بارزا من معالمها الا ان
هذه المنارة بدأ ينالها في السنين الاخيرة قسط كبير من
الاهمال ما جعل التصدعات والتشققات تمتد لتنال من جسدها
الرشيق ولاسيما قاعدتها، مهددة اياها بالانهيار، وعلى مشهد
من الجهات ذات العلاقة التي كانت ردة فعلها غير متناسبة مع
حجم الصدع الذي يأكل من جسد المنارة.. هذا الموضوع غدا يشغل
اهتمام اهالي المدينة الذين تمثل المأذنة نسغ حياتهم وعراقة
مدينتهم بعد ان كان الاهتمام هذا محصوراً في دائرة ضيقة من
المعنيين بالاثار والتراث، شهدت مدينة الموصل ومنذ القرن
السابع الهجري بناء عدة مساجد جامعة الا ان مابقى من اصول
هذه الجوامع قليل، ومنها المسجد الجامع النوري.. هذا ماقاله
(الدكتور هاشم الملاح) استاذ التاريخ الاسلامي في كلية
الاداب، جامعة الموصل واضاف بنى الجامع الكبير نور الدين
زنكي امير الدولة الاتابكية في الموصل عام (566هـ-1170م)
بطول (65م) وعرض (17م) وبتكلفة قدرها (60 الف دينار) ويتوسط
المدينة القديمة تقريباً حيث سميت المنطقة التي انشئ فيها
باسم محلة الجامع الكبير، وهو يحمل خصوصية في البناء ويضم
اعمدة رخامية صنعت باسلوب خاص ميز عمارة الموصل في العهد
الاتابكي، الى جانب مئذنته الحدباء المعروفة وقبته التي تعد
اقدم قبة قائمة في العراق وهي هرمية الشكل ذات ست عشرة وجهة
بقبتين، داخلية مزخرفة تحفظها قبة خارجية، كما يشتمل الجامع
ايضاً على مصلى صيفي وهذه ظاهرة معمارية تميزت بها جوامع
الموصل واستمرت الى الوقت الحاضر، وربما كان للظروف المناخية
دورها في هذا المنحى، كما ان محراب الجامع يمتاز بزخرفته
البنائيه والهندسية المحاطة، بكتابات كوفية.
وعن المرافق التي اشتمل عليها الجامع قال: ان قسما منها
اندثر بفعل عوامل الزمن والقسم الاخر بقى محافظاً على هيئته
الى يومنا هذا ومن المرافق والملحقات التابعة للمسجد،
المدرسة التي كان يدرس فيها اعلام رجال الدين والادب على مر
العصور.
هذا الى جانب منبر وشباكه المتميز بزخاف جبسية مجسمة تفنن
بها صانعها.
فاعل خير
عند الباب الرئيس للجامع الكبير تطالعنا واجهة حديثة وملفتة
للنظر قام بترميمها وتجديدها على نفقته الخاصة احد الخيرين
من وجهاء المدينة (المواطن حسان عبد المحسن حسون) وذلك في
العام 1997، بسبب الاهمال وقلة الرعاية التي لحقت بالجامع
وملحقاته واقنيتة وقاعاته وحدائقه، بحيث اصبح بامس الحاجة
الى العناية والاهتمام والتشذيب.. امام المسجد (محمود
ابراهيم احمد) قال:
-ان الجامع عانى من الاهمال طويلاً ولم تجر عليه اية صيانة
او ترميم بشكل موسع وفعلي منذ العام 1944، اذ قامت مديرية
الاوقاف في حينها وباشراف (مصطفى الصابونجي) بهدم اجزاء منه
واعادة بنائها، كما بنيت فيه ايضا أربع منائر في جوانب
المصلى، هذا الى جانب بعض الصيانات هنا وهناك التي لاتفي
جميعها بالغرض.
وعن اقتراحاته لتحسين اوضاع الجامع قال:
-نرجو من الجهات الرسمية المسؤولة عن الجوامع والمؤسسات
الدينية ولاسيما مديرية الاوقاف العامة الالتفات الى هذا
الاثر الديني الكبير باجراء صيانة وادامة شاملة عليه وعلى
مئذنته بشكل خاص، مع انشاء مرافق جديدة داخله قاعة للمناسبات
الدينية، ومركز لتحفيظ القران الكريم، ومدرسة دينية ومحل سكن
للموظفين، وكذلك الحاق الدور والمقبرة التابعة للمسجد التي
تعد وقفاً عليه والمشغولة حالياً من قبل المواطنين ورفده
بكادر متكامل وسد شواغره من الموظفين، فملاكه امام ومؤذن
وحارس وبستاني وخدم لكن الموجود الفعلي حاليا هو الامام فقط،
واود ان اشير هنا بانه يجري حالياً بناء قاعة للمناسبات
الدينية داخل فناء الجامع على نفقة فاعل خير يرفض التصريح عن
اسمه.
خصائص
معمارية وفنية
(الدكتور حسين علي ظاهر) رئيس قسم الاثار في كلية الاداب
بجامعة الموصل قال:
-ان الجامع الكبير في الموصل يضم عناصر معمارية وفنية تعود
لعهد بنائه الاول ومنها مئذنته الحدباء التي تقع في الركن
الشمالي الغربي منه بارتفاع (55 مترا) مع القاعدة وتعد من
المآذن النفسية في العالم الاسلامي لضخامتها وارتفاعها، اذ
تتألف من قاعدة منشورية مكعبة يعلوها بدن اسطواني ينتهي بحوض
ورقبة وقمة، والمتفحص للمميزات المعمارية والفنية هذه تتجلى
له عبقرية المعماري (ابراهيم الموصلي) الذي نفذ بناءها اخذاً
بنظر الاعتبار اساليب البناء وخصائص المواد الانشائية
والنواحي الهندسية ومدى تأثير العوامل المناخية والبيئية، مع
تجانس الخصائص الفنية والزخرفية وارتباطها بالناحية الدينية
الى غير ذلك من الامور التي تعد من المبتكرات المعمارية
وتعبر عن التواصل الحضاري.
-ماهي هذه العناصر المعمارية التي اعتمدها مهندس المئذنة
الفنان؟
-من الناحية الهندسية تنبة المعماري الى ضرورة تخفيف ثقل
البناء على القاعدة بسبب الارتفاع الشاهق وذلك باستحداث
سلمين داخل المنارة لايلتقيان الا في الاعلى، وساهم هذا
بزيادة تماسك وشد مواد البناء وعدم اندفاعها الى الخارج، ومن
ناحية اختيار مواد البناء استبعد البناء الماهر مادة الحلان
والرخام المهندم الذي يستخدمة اهالي الموصل في بناء الاجراء
الداخلية للابنية واستعاض عنها بمادة الحجارة الكلسية والجص
كمادة رابطة، ثم غلف ذلك من الخارج بالآجر ماساعد في مقاومة
البناء لعوامل الطبيعة المختلفة فضلا عن خفة وزنه، وفيما
يتعلق بالناحية الفنية لم يهمل الفنان النواحي الجمالية
للمئذنة وهو يعالج النواحي المعمارية فمادة الآجر خدمته
كثيرا لسهولة الحفر عليها وقولبتها بالشكل والحجم المطلوبين،
اذ زخرف البدن بسبعة انطقة عريضة من الزخارف الهندسية
المتنوعة تفصلها عن بعضها اشرطة رشيقة تتخللها نوافذ
للاضاءة، وكل نطاق يتميز بوحداته الزخرفية وتوريقاته العربية
الاسلامية الخاصة به وبما يحقق الانسجام الفني من جهة وعدم
اصابة المشاهد والمتفحص بالملل من جهة اخرى، كما ان عينات
الانطقة الزخرفية العليا اكبر من السفلى ليتمكن المشاهد من
معاينتها بوضوح.
واضاف الدكتور رئيس قسم الاثار، على الرغم من الهزات الارضية
التي تعرضت لها المدينة خلال عمر المئذنة الذي ناهز الثمانية
قرون، وفضلاً عن المناخ القاري المتطرف المعماري الذي نفذها
كان مهندسا وجيولوجياً وفناناً بكل معنى الكلمة.
-ولماذا تنحرف المئذنة نحو الشرق بشكل مستمر؟
-تعددت الاراء حول هذا الميلان غير ان اغلبها بحاجة الى
تحقيق وتوثيق، ولعل اقواها حجة ذلك الرأي القائل باستمرار
هبوب الرياح الغربية نحو الشرق في اجواء مدينة الموصل، غير
ان زيادة هذا الميلان وكثرة تصدعات المنارة حدا بالمؤسسة
العامة للاثار والتراث الى اناطة صيانة المئذنة الى شركة
ايطالية في العام 1988 عملت على احداث ثقوب في اجزائها
وادخال قضبان حديدية بداخلها وضخها بمادة الاسمنت، الا ان
التصدع لم يتوقف حتى الان. التفاصيل
|