احمد الشريف
(السيطرة
الذكورية) احد الكتب المهمة لعالم الاجتماع الفرنسي الشهير
بيير بورديو. هذا الكتاب صدر عن دار العالم الثالث بالقاهرة
بترجمة احمد حسان.
في هذا العمل
الاستثنائي يطرح بورديو مسألة السيطرة الذكورية على الانثى
والطريقة التي يتم فيها فرضها ومكابدتها، هذه العلاقة
الاجتماعية العادية على نحو غير عادي - العنف الرمزي- تقدم
فرصة ممتازة للامساك بمنطق السيطرة التي تتم ممارستها بإسم
مبدأ رمزي معروف ومعترف به من جانب المسيطر وكذلك من جانب
المسيطر عليه، هذا المبدأ الرمزي قد يكون لغة- او طريقة نطق
- او اسلوب حياة او طريقة للتفكير او للكلام او للحركة وهو
بشكل اعم خاصية مميزة، شعار او وصمة اشدها فعالية من الناحية
الرمزية هي تلك الخاصة الجسمانية التعسفية تماماًُ حتى لا
يمكن التنبؤ بها والتي هي لون الجلد.
يقول بورديو:
انه ليس من قبيل الصدفة ان فيرجينيا وولف نظراً لرغبتها في
ان تطرح للتساؤل ما تسميه على نحو رائع باسم السلطة
الايحائية للسيطرة تتسلح بمماثلة اثنوجرافية، رابطة من جهة
الاصل بين التفرقة ازاء النساء وبين طقوس مجتمع عتيق، يكون
من نتيجة ذلك الفصل بين الجنسين ووضع ورسم خطوط الفصل
الغيبية.
ورغم ان هناك
خطاباً نسوياًُ معيناً ركز على السيطرة الذكورية في واحد من
اكثر الاماكن وضوحاً لممارسته، اي في قلب الوحدة المنزلية،
فإن مبدأ السيطرة لا يكمن فقط في هذا المكان بل يكمن ذاخل
هيئات من قبيل المدرسة او الدولة، التي هي اماكن تطوير وفرض
مبادئ السيطرة التي تجري ممارستها في قلب العالم الاشد
خصوصية.
صورة مكبرة
نظهر قوة
النظام الذكوري في حقيقة ان يستغنى عن التبرير فالرؤية
المتمحورة حول الذكورة تفرض نفسها بإعتبارها محايدة ولا
تحتاج الى التعبير عنها في خطابات تسعى الى منحها المشروعية
النظام الاجتماعي يعمل بمثابة آلة رمزية هائلة الى اقرار
السيطرة الذكورية التي يقوم على اساسها، انه التقسيم الجنسي
للعمل، التوزيع البالغ الصرامة للنشاطات الموكلة لكل جنس من
الجنسين ولمكان هذه النشاطات ولخطتها وادواتها، انه بنية
الفضاء، بالتعارض بين مكان الندوة او السوق القاصرين على
الرجال وبين المنزل القاصر على النساء، او داخل هذا الآخر،
بين الجزء المذكر بمقر الاقامة، وبين الجزء المؤنث بالاسطبل،
والماء والخضراوات، انه بنية الزمن، يوم العمل، السنة
الزراعية، او دورة الحياة بلحظات الانقطاع المذكرة، وفترات
الحمل الطويلة المؤنثة.
والذكورة في
جانبها الاخلاقي ذاته، اي بكونها ماهية مناط الشرف مبدأ
الحفاظ على الشرف وزيادته تظل غير قابلة للانفصام ضمنياً في
الاقل، عن الذكورة الفيزيقية خصوصاً من خلال البراهين على
القدرة الجنسية، اذ ان الاختلافات البيولوجية الظاهرة بين
المذكر والمؤنث، بعيداً عن كونها تلعب الدور التأسيسي الذي
ينسب اليها احياناً، هي بناء اجتماعي يجد مبدأه في مبادئ
التقسيم للعقل المتمركز حول الذكورة والذي يقوم هو ذاته على
اساس المكانات الاجتماعية المخصصة للرجل والمرأة.
اسطورة تأسيسية
عند النبع
قابل الرجل الاول المرأة الاولى، كانت تنزح الماء حين اقترب
الرجل المتكبر منها وطلب ان يشرب، لكنها كانت اول من وصل
وكانت عطشى هي ايضاً، ومستاء دفعها الرجل تعثرت ووجدت نفسها
على الارض عندها رأى الرجل فخذى المرأة اللتين كانتا
مختلفتين عن فخذيه، ظل مصعوقاً من الدهشة، وعلمته المرأة
الاوسع حيلة اشياء كثيرة، واخذ الرجل يتبع المرأة في كل مكان
لأنها كانت تعرف اشياء اكثر منه، مثل اشعال اللهب وما الى
ذلك.
هنا يتأكد
قصد التبرير الاجتماعي دون مواربة فالاسطورة التأسيسية تقيم،
عند ذات اصل الثقافة المفهومة بإعتبارها نظاماً اجتماعياً
محكوماً بالمبدأ الذكوري، ان سوسيولوجيا سياسية للفعل الجنسي
ستظهر مثلما هي الحال دائماً في علاقة سيطرة، ان ممارسات
وتمثيلات الجنسين ليست متناظرة على الاطلاق، ليس فقط لأن
البنات والصبيان لديهم حتى في المجتمعات الاوروبية-
الامريكية اليوم، وجهتا نظر شديدتا الاختلاف حول العلاقة
الغرامية فالاغلب ان يفكر فيها الرجال ضمن منطق الغزو
(خصوصاً في المحادثات بين الاصدقاء، التي تفسح مجالاً واسعاً
للتفاخر بشأن الغزوات النسائية) بل كذلك لأن الفعل الجنسي
ذاته يدركه الرجال بوصفه احد اشكال السيطرة: التملك،
الامتلاك. ومن هنا الفرق بين التوقعات المحتملة للرجال
وللنساء بشأن الجنسانية واوجه اساءة الفهم، المرتبطة
بتفسيرات سيئة لـ (الاشارات الملتبسة) عن عمد احياناً او
المضللة الناشئة عن ذلك. فعلى خلاف النساء المؤهلات
اجتماعياً لأن يعشن الجنسانية بإعتبارها خبرة حميمة مشحونة
بقوة بمشاعر الاعزاز لكنها يمكن ان تشمل طيفاً واسعاً من
النشاطات (الكلام، اللمس، التربيت، العناق، الخ) يميل الصبية
الى تجزئة الجنسانية المدركة بإعتبارها فعلاً عدوانياً
وبدنياً بالدرجة الاولى للغزو موجهاً نحو الذروة الجنسية.
على هذا
النحو تجد السيطرة الذكورية كل شروط تطبيقها الكامل مجتمعة
فالاسبقية المعترف بها للرجل بشكل شامل تتأكد في موضوعية
البنيات الاجتماعية ونشاطات الانتاج واعادة الانتاج القائمة
علىاساس تقسيم جنسي لعمل الانتاج البيولوجي والاجتماعي الذي
يمنح الرجل النصيب الافضل. وفي ختام الفصل الاول من الكتاب
يقول بورديو: ان الذكورة كما نرى هي مقولة عقلانية للغاية
مشيدة في مواجهة ومن اجل الرجال الآخرين وضد الانوثة ضمن نوع
من الخوف من المؤنث داخل المرء ذاته اولاً.
التفاصيل
|