(1-2)
سلام العبودي
يذكر المؤرخ فردناند لوت
Ferdinand Lot
أن البدايات الأولى للوحـدة الأوربية يرجع تأريخها إلى عهد
شارلمان
Charlemagne،
زمن الإمبراطورية الكارولينية؛ وأن ما حصل في ذلك الوقت من
تفاعل، في الثقافة، والمعارف والمصالح، قد وضع الأسس لحضارة
أوربية مشتركة كما رسخ في أذهان الأوربيين شعوراً مشتركاً
توارثوه جيلاً بعد جيل رغم قرون من الصراعات والحروب
الدامية.
وبعد حربين طاحنتين في أقل من نصف قرن، اقتنعت شعوب أوربا وقياداتها بوجوب
تلافي العودة إلى دمار بكافة أشكاله كالذي حصل لها جراء
الصراع بينها. كما أيقنت أن السلام هو شرط للتنمية المتناسقة
بفضل تعدد التبادلات بينها في كافة المجالات دون استثناء.
ووجدت أن لابد من وضعِ حداً لانقسام أوربا اقتصادياً لغرض
تحسين مستوى معيشة شعوبها.
وفي حين كان (المجلس الأوربي) قائماً منذ 1949، قال الفرنسي جان مونيه
Jean Monnet
كلمة صريحة وبكل وضوح: "إن أوربا لن تكون وليدة خطوة واحدة".
وقررت ست دول أوربية، بمبادرة من فرنسا، أن تبني تدريجياً
(مجـموعةً) متماسكة. "لنوحد اقتصادياتنا، وسيكون الاتحاد
السياسي لاحقاً". هكذا كان يعتقد الآباء المؤسسون لـ(السوق
المشتركة) التي أصبحت لاحقاً تحمل اسم (الاتحاد الأوربي).
ولقد كشفت التجربة خطأ ذلك. فلكي لا تكون هذه السوق المشتركة
ليست سوى منطقة "تبادل حر"، لابد من وجود إدارة سياسية موحدة
ترسم سياسات نقدية، ضريبية، صناعية، زراعية وتقنية مشتركة
قادرة على تجاوز الصعوبات التي تواجه أوربا جراء المنافسة
اليابانية والأمريكية.
بتاريخ 25 آذار 1957، شهدت القاعة الكبرى (مونت كابيتولي
Mont Capitole)،
في روما، توقيع ممثلي أقطار المجموعة الأوربية للفحم والصلب
CECA
ليس فقط على معاهدة حول مجموعة الطاقة الذرية (أوراتوم
Euratom)،
ولكن بالأخص على معاهدة تنص على تأسيس المجموعة الاقتصادية
الأوربية
CEE
والتي اعتُبِرت بمثابة بيان الولادة لـ (السوق الأوربية
المشتركة)، بعد عملية تباحث منذ 1949.
إن الاتحاد الأوربي، بقوته التجارية، إذ يحتل حالياً المرتبة الأولى في
التصنيف العالمي، وبحجم إسهاماته المالية لصالح التنمية
والمساعدة الإنسانية، يعتبر طرفاً دولياً بارزاً على الصعيد
الاقتصادي. فوصوله إلى صف الشريك القائم بذاته، الذي سهله
انتهاء الحرب الباردة، يعتمد على قدرته على أن يهب لنفسه
دفاعاً مشتركاً ودبلوماسيةً مشتركة على الصعيد الأوربي وكما
عبرت عن ذلك معاهدة ماسترخت، في "مرتكزها الثاني". ولكن، لم
تصل أوربا بعد إلى حد الصوت الواحد. أما بشأن القضايا
الساخنة التي تعصف في أرجاء العالم، فإن الأصوات الأوربية
تضيق الفوارق بينها شيئاً فشيئاً. واعتاد دبلوماسيو الأقطار
الأوربية العمل سوية أكثر فأكثر. وإن قطاع "التعاون السياسي"
قد أحرزت فيه أوربا خطوات حقيقية من التقدم.
لقد أصبح الاتحاد الأوربي، بعد التوسع الأخير في عضويته، يضم 25 قطراً
أوربياً يبلغ مجموع سكانها 455 مليون نسمة، في خطوة من شأنها
أن تمد الاستقرار والرخاء، الذي تتمتع به الدول الأعضاء في
الاتحاد منذ تأسيسه، إلى عدد أكبر من الدول لتصبح أوروبا
مكانا أكثر أماناً.
والاتحاد الأوربي، كتنظيم سياسي، يتألف من عدة تشكيلات مهمة من بينها
البرلمان الأوربي الذي هو موضوع بحثنا هذا. فمعاهدة روما
المبرمة عام 1957 قد نصت أساساً على أن "الهيأة البرلمانية
الأوربية تمثل شعوب الدول المنضوية في المجموعة". ومع زيادة
توسع المجموعة الأوربية لعدد آخر من أقطار أوربا الغربية،
ومن ثم لأقطار من أوربا الوسطى والشرقية؛ ازدادت أهمية دور
البرلمان الأوربي في رسم السياسة الأوربية في شتى المجالات
وأصبح قبلة يزورها رؤساء دول العالم حيث يقصدون مقره في
ستراسبورغ كي يلقون خطاباُ لهم أمام أعضاءه يوجهون فيه
كلامهم إلى شعوب أوربا، كما يزوره الأمين العام لمنظمة الأمم
المتحدة وأمناء ورؤساء المنظمات الدولية الهامة. والبرلمان
الأوربي هو المؤسسة الاتحادية الأوربية الوحيدة التي تجري
وقائع اجتماعاتها ومناقشاتها واتخاذ مواقفها وقراراتها
بصورة علنية كما يجري نشرها في الجريدة الرسمية للمجموعات
الأوربية.
هكذا، ويعد أربعة وثلاثين سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية، توجهت
شعوب خمسة وعشرين من الأمم الأوربية لتنتخب، في حزيران 2004
برلمانا يمثلها بأكملها وليكون رمز وحدتها والتفاهم بين
شعوبها.
تأسيس البرلمان الأوربي
بتأريخ 19 آذار 1958، اجتمعت (الهيأة البرلمانية الأوربية) المؤلفة بصورة
مشتركة من المجموعات الأوربية الثلاث: - المجموعة الأوربية
للفحم والصلب
Communauté européenne du charbon et de l'acier (CECA):
التي هي أول مجموعة أوربية كانت قد أسست بموجب معاهدة باريس
في 18 نيسان 1951 وحُلت عام 2002، - المجموعة الاقتصادية
الأوربية
Communauté Économique Européenne" (CEE)
المؤسسة بموجب اتفاقية روما عام 1957 التي استبدلت نصوصها
لاحقاً بمعاهدة ماسترخت
Maastricht
عام 1992، و- المجموعة الأوربية للطاقة الذرية أو أورآتوم
Communauté européenne de l'énergie atomique (CEEA ou Euratom) التي أسست بموجب اتفاقية روما عام 1957. وقد اتخذت الهيأة
قراراً لاحقاً بأن يكون اسمها: البرلمان الأوربي.
عند تأسيس البرلمان عام 1958، قررت الدول الست الأعضاء آنذاك توزيع دوائره
بين أربع مدن أوربية كبرى: - الأمانة و موظفوها في
لوكسمبورغ، - مقر الجماعات الحزبية البرلمانية في بروكسل، -
اجتماعات الهيأة العامة البرلمانية بكامل أعضاءها في
ستراسبورغ و لوكسمبورغ بالتعاقب ثم تقرر لاحقاً أن تكون كافة
هذه الاجتماعات في ستراسبورغ فقط. ولقد كان البرلمان
الأوربي، عند تأسيسه، مؤلفاً من نواب منتدبين عن البرلمانات
الوطنية في الأقطار الأوربية الأعضاء في ما كان يسمى:
المجموعة الأوربية.
في الأول من كانون الأول 1975، قرر المجلس الأوربي المنعقد في روما أن
يجري انتخاب أعضاء البرلمان الأوربي بالتصويت العام المباشر،
كل خمس سنوات. ولقد جرت للفترة 7 - 10 حزيران 1979 أول
انتخابات للبرلمان الأوربي بالتصويت العام المباشر.
النواب الأوربيون
يتألف البرلمان الأوربي حالياً من 732 نائباً أوربياً عقب الانتخابات التي
جرت في حزيران 2004، بعد ان كان يضم 626 نائباً قبل التوسع
الأخير في عضوية الاتحاد الأوربي. وتحديد عدد النواب لكل
دولة عضوة مثبت من قبل معاهدة ماسترخت. ويجري الانتخاب كل
خمس سنوات، منذ 1979، أما على المستوى الإقليمي (خاصة في
بلجيكا، إيطاليا والملكة المتحدة)، أو على المستوى الوطني
(كما في الدنمارك، أسبانيا، فرنسا، لوكسمبورغ، النمسا،
الخ..)، أو في إطار نظام مختلط (ألمانيا). ويجري تطبيق
شروطاً مشتركة في كافة أرجاء الاتحاد:
- حق الانتخاب لمن بلغوا سن 18 سنة،
- المساواة بين النساء والرجال،
- سرية الانتخابات بصفة خاصة.
في بلجيكا، واليونان ولوكسمبورغ، يكون الانتخاب إلزامياً. ومنذ دخول معاهدة
ماسترخت حيز التطبيق عام 1993، فإن كل مواطن من بلد عضو في
الاتحاد الأوربي مقيم في بلد آخر من الاتحاد يستطيع التصويت
أو ترشيح نفسه في بلد إقامته. التفاصيل |