مفارقات تثير السخرية بشأن مطالب
تعويضات دول الجوار
أسعد العاقولي
ليس غريباً ان تتعرض سيادة العراق للانتهاك واستقلاله
للتفريط بعد اندحار النظام البائد في حرب عام 1991، وقبوله
منصاعاً لجميع الشروط التي صاغها، (المنتصرون) من اجل منحة
البقاء والتحكم يمقدرات وموارد وثروات البلاد التي تعرضت
للهدر والتبديد، لا بل ارتهنت مستقبلاً لمشاكل ومعضلات لا
حصر لها، وفي مقدمة ذلك إثقالها بأعباء مديونية تقدر بنحو،
120 مليار دولار، اضافة إلى ما يسمى بالتعويضات مفتوحة
النهايات التي تطالب بها دول الجوار بناء على ادعاءات تحملها
لاضرار مباشرة وغير ناجمة عن الحروب الطاحنة التي اشعلها او
استجاب لها نظام الحكم المباد للفترة 1980-2003.
وبرغم ان المديونية كان من المفروض ان تعتمد على وثائق
ومستندات واضحة ودقيقة غير قابلة للبس والتشكيك، فقد اظهرت
نتائج البحث والتقصي من جانب الجهات العراقية والمؤسسات
الاقليمية والدولية ان من الصعب معرفة طبيعتها وحجمها على
وجه الدقة، وبالتالي اصبحت عرضة للاجتهادات والتقديرات
المتباينة بصورة تدعو للغرابة حقاً، لان الامر يتعلق بفجوة
مليارات الدولارات المرتبطة بـ(حقوق ومستحقات) دول ما زال
مصيرها مجهولاً.
ويقترن الحديث عما يسمى بـ(التعويضات) التي تطالب بها حكومات
وشركات وافراد، خاصة في الجوار العراقي، بمفارقات مذهلة تثير
السخرية، لا بل تدعو للاشمئزاز ازاء مستوى ضحالة المطالبات
الابتزازية التي يلجأ اليها البعض في سياق اقل ما يقال عنه
تضليلي، وواهم ضمن عالم غدت فيه المعلوماتية تغطي بوضوح
جوانب الحياة كافة، وتجعل من السهل على المرء ان يشخص دون
عناء الخيط الابيض من الاسود حتى في الظلام الدامس اذا ما
استخدم بعض التقنيات التفضيلية عن جلسات التباحث بشأن مطالب
تعويضات دول الجوار بالسرية والكتمان على مدى فترة طويلة من
سنوات حكم النظام المباد لكي لا تتكشف لابناء الشعب العراقي
خطورة جانب من المهالك التي قادنا اليها ذلك النظام، ومستوى
الاستهانة به من جانب الدول المجاورة، كبيرها وصغيرها، لا بل
ان تمتد هذه الاحاطة بالسرية حتى وقتنا الحاضر دون ان تكون
هناك أية ضرورة للتمسك، بالكتمان في قضايا تشكل فضحاً لقادة
النظام السابق من ناحية، والممارسات الابتزازية لدول الجوار
عموماً من ناحية أخرى.
وإذا كان مجرى التباحث بشأن ما يسمى بالتعويضات محاط
بالكتمان، فإن الكثير من مفرداته تتداولها الاوساط المتخصصة
والاعلامية بمستوى من السرية العالية من تعرضها للاساليب
القمعية والارهابية خلال حكم النظام السابق، وبصفة خاصة تلك
الموضوعات التي تجسد واقع الاستهتار بقيم الاستقامة والنزاهة
والشفافية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ان احدى دول الجوار
لجأت إلى اسلوب التعويض المتكرر لثلاث أو اربع مرات في
تغطية الحالة الواحدة وبالحاح من مسؤوليها في محاولة مقصودة
لهدر وتبديد الاموال العراقية في ظل النظام السابق، وهي كما
يبدو مصرة على الاستمرار في ممارسة هذا النهج الابتزازي في
المرحلة الراهنة عبر جلسات التباحث التي ما زالت تعتقد في
جنيف بشأن ما يسمى بالاضرار التي لحقت دول الجوار.
ويكفي ان نشير إلى واقعة اخرى عرضتها احدى تلك الدول التي
تبدي حرصها ظاهرياً على مصالح الشعب العراقي، مطالبة بدفع
تعويضات عنها، وهي تتجلى في ان حرب عام 1991 تركت تأثيرات
سلبية على مستوى خصوبة كبار السن فيها، الامر الذي يتطلب
تعويضهم لمعاجلة مثل هذه الحالات التي لا ندري المدى النسبي
لشمولها ومقدار التعويضات المتراكمة عليها، ولعل كبار السن
بحاجة إلى تعاطي الفياغرا لكي يخففوا من معاناتهم المترتبة
على تردي درجة الخصوبة!
ان لعبة التعويضات مضحكة بتفاصيلها، وبدأت تظهر في المشهد
الراهن مرتكزات استشارية وقانونية دولية، أو لنقل بوجه
التجديد امريكية دخلتها مؤخراً تحت اشراف الامم المتحدة بهدف
ابتزاز العراق لدفع مليارات الدولارات دون ان يكون معنياً
بذلك من قريب او بعيد، وعلى المطالبين بالتعويضات المهزلة ان
يلجأوا لمقاضاة النظام السابق الذي اثقل كاهل الشعب العراقي
بأعباء حروب طائشة، وجاء الآخرون ليواصلوا إرهاق شعبنا
بمطالبات هزلية مضللة تثير السخرية حقاً.
ان وزارة الخارجية العراقية مدعوة لنشر تفاصيل مباحثات جنيف
لكي يطلع الشعب العراقي على طبيعة المطالبات التعويضية
وحجمها وموضوعاتها التي لا يتحمل مسؤوليتها سوى النظام
السابق، في وقت تفتح بعض الاطراف المتشنجة في دول الجوار
شهيتها للاضرار، بمصالح العراق الذي يتعرض لاوضاع غاية في
الصعوبة والتعقيد في المرحلة الحالية.
|