الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

الدستور.. ماهيته وسموه .. وقوانين الطوارئ

المحامي/ حميد طارش الساعدي

لم يرد المعنى اللغوي للدستور في قواميس اللغة العربية القديمة، وذهب بعض الكتاب الى ارجاع كلمة الدستور الى اصل فارسي دخل اللغة العربية عن طريق الاتراك، واستقر، اخيراًُ، معناها في اللغة العربية على الاساس او القاعدة كما تعني ايضاً الاذن والترخيص ولهذا سمي الدستور العراقي الاول لعام 1925 بالقانون الاساسي. وفي هذا المعنى اللغوي يعرفه الفقهاء بأنه مجموعة القواعد التي تحدد الاسس العامة لطريقة تكوين الجماعة وتنظيمها. ويعرف اصطلاحاً، بأنه مجموعة القواعد المتعلقة ببيان مصدر السلطة وتنظيم ممارستها وانتقالها والعلاقة بين القابضين عليها وكذلك تلك المتعلقة بالحقوق والحريات العامة في الدولة. وبعبارة اخرى، هي القواعد التي يضعها الشعب عبر ممثليه ويجعلها ملزمة للجميع حكاماُ ومحكومين وفيها يبين شكل الدولة ونظام الحكم وطريقة الحكم والفصل بين السلطات وصلاحية كل واحدة منها، والحريات الاساسية وحقوق الانسان.

ماهية القواعد الدستورية

نشأ خلاف فقهي بين علماء القانون من حيث تحديد طبيعة القواعد الدستورية، الى ثلاثة اتجاهات، الاول، يرى بأن هذه القواعد قانونية وهي العليا في الدولة اي تتربع في قمة الهرم القانوني وهي مصدر قانونية القوانين الاخرى، والثاني، نفي هذه الطبيعة بسبب عدم اقترانه بجزاء منظم وفي حالة وجود جزاء فهل تقوم السلطة بمعاقبة نفسها اذا ما خالفت الدستور واستحقت العقاب، وبالتالي فإن السلطة وبحكم امتلاكها كثيراً من الوسائل والامكانيات تستطيع ان تبرر جميع الاعمال المخالفة للدستور لتحقق نتيجتين، اولاهما أن اعمالها قانونية، وثانيتهما، افلاتها من العقاب، وتقلص هذا الاتجاه لصالح الاتجاه الاول، بأن القوانين لا يشترط ان يكون فيها عقاب منظم حيث لكل قانون طبيعته الخاصة ومسألة معاقبة السلطة نتيجة خرقها القانون فهي موجودة الآن في العديد من الدول الديمقراطية عن طريق سحب الثقة عن الحكومة او مساءلة اعضاء السلطة من قبل البرلمان او رقابة المحكمة الدستورية هذا من جانب، اما رقابة احزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والمظاهرات والاحتجاجات والاستنكار من قبل الشعب تجاه السلطة في حالة مخالفتها للدستور يمكن ادراجه ضمن الجزاء غير المنظم، اما الاتجاه الثالث ، فيرى ان طبيعة القواعد الدستورية سياسية حيث يكرسه الحاكم او الحزب اوالطبقة لتحقيق اهدافه ومصالحه، وهنا يمكن البحث في مسألتين، الاولى، تحدث هذه الحالة في الانظمة الدكتاتورية سواء كانت فردية او حزبية او طبقية، وهي بالتالي يقصد منها اضفاء الشرعية على انظمة حكمهم ولكنها ليست شرعية وليست دستورية وعالمنا المعاصر يشهد انحسار الانظمة الدكتاتورية ودساتيرها الصورية، والمسألة الثانية هي اي قانون ومن مرحلة اقتراحه الى المراحل اللاحقة عليه لا بد ان يكون خاضعاً لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية.

القانون الاعلى في الدولة

استقر الرأي في فقه القانون على ان الدستور هو القانون الاعلى في الدولة، والذي يعني عدم مخالفة اي قانون آخر له، وان لم ينص صراحة على ذلك في الدستور، وقد اعلن هذا المبدأ أول مرة في الدستور الامريكي لعام 1787، حيث نصت المادة (6) منه على ان يكون هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه، وجميع المعاهدات المبرمة او التي ستبرم بموجب سلطة الولايات المتحدة، القانون الاعلى للبلاد، ويلزم بذلك القضاة في كل ولاية بغض النظر عما يناقض هذافي دستور او قوانين اية ولاية.

وتجدر الاشارة هنا الى ان للدستور شكلاً وموضوعاً وهذا يترتب عليه سمو شكلي وموضوعي.

موضوعية الدستور

للدستور موضوع منظم على اسس وتوجهات سياسية واجتماعية واقتصادية، ولا يجوز لهيئات الحكم مخالفة الموضوع او حتى صدور قانون يخالف موضوع الدستور، وعلى سبيل المثال، الشعب فوض الحكام الحكم بموجب الدستور، ووفقاُ للمبدأ العام (الاختصاصات المفوضة لا تقبل التفويض) لا يجوز لرئيس الدولة تفويض غيره بممارسة صلاحياته الا اذا ورد نص خاص بذلك في الدستور، اي بمعنى آخر حتى صدور قانون خاص بذلك يكون مخالفاً للدستور.

السمو الشكلي للدستور

هناك سمواً شكلياً للدستور من حيث اجراءات تعديله حيث تختلف عن اجراءات تعديل القانون العادي وتكون صعبة واكثر تعقيداً لكن هذا ينطبق فقط على الدستور الجامد حيث ان الدستور المرن لا تختلف اجراءات تعديله عن اجراءات تعديل القانون العادي وبالتالي لا يمكن تصور سمو شكلي له.

قوانين الطوارئ والدستور

تنطلق فكرة قوانين الطوارئ من مبدأ الضرورة حيث وجد الدستور اصلاًُ لحماية الانسان وحقوقه ومصالح الشعب فإذا ما وجد ما يهدد هذه الحقوق والمصالح واصبح الدستور عائقاُ في درء هذه المخاطر، هنا تتحقق الضرورة التي مفادها اصدار قوانين من السلطة التنفيذية لمعالجة هذه المخاطر وهذا العمل مخالف للدستور لكنه يستمد شرعيته من الضرورة التي ادت الى تشريع القانون وتستمد هذه النظرية  مدلولها من القاعدة الرومانية القديمة والتي تقول (بأن سلامة الشعب فوق القانون )، فحالة الضرورة اذن تجيز للسلطة التنفيذية، وغالباً ما يكون رئيسها (رئيس الدولة او رئيس الوزراء)، بإيقاف كلي او جزئي للدستور واصدار قوانين لمواجهة الازمات والكوارث والعصيان والحروب، على ان تنتهي هذه القوانين بنهاية الظروف التي استدعتها لأن الضرورة بقدرها.

وتناول الفقهاء الالمان نظرية الضرورة في كتاباتهم فقد برر هيكل خروج الدولة على القانون في احوال الضرورة بقوله: (ان الدولة هي التي اوجدت القانون، وهي تخضع له لتحقيق مصالحها، وعلى ذلك فلا خضوع عليها اذا كان تحقيق صالحها هو في عدم  الخضوع. ان القانون وسيلة لغاية هي حماية الجماعة فإذا لم تؤد القواعد القانونية الى هذه الغاية فلا يجب الخضوع للقانون، وعلى الدولة ان تضحي به في سبيل الجماعة) ويترتب على اعتبار الضرورة نظرية قانونية اي اعتبارها حقاً للدولة فإن ما تقوم به من اعمال يكون مشروعاً وليست هناك اية مساءلة لموظفيها وانعدام حق التعويض للافراد الذين لحقهم ضرراً من جراء تلك الاعمال.

اما الاتجاه السائد في الفقه الفرنسي فهو عدم الاعتراف بحق الضرورة المسلم به في الفقه الالماني وعندما تضطر الدولة الى اتخاذ اجراءات مخالفة للقانون والدستور لمعالجة ظرف طارئ فلا يرجع ذلك الى حق قانوني لها، وبعبارة اخرى يعتبر الفقه الفرنسي نظرية الضرورة نظرية سياسية وليست قانونية وبالتالي: فإن ما تقوم به الحكومة من اعمال يبقى باطلاً ويستوجب المسؤولية ، لكنه يلتقي  مع  نتائج النظرية القانونية اعلاه، حيث يعقد البرلمان اجتماعاً لإصدار قانوناً يسقط بموجبه المسؤولية عن الحكومة من جراء الاعمال التي قامت خلال فترة الضرورة.

هذا وقد اخذ بنظرية الضرورة عدد من الدول منها المانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية، حيث نصب اغلب دساتير المانيا قبل الحرب العالمية الاولى على حق الامير في اصدار مراسيم لها قوة القانون، كما اخذ بها دستور المانيا لعام 1919، وفي الولايات المتحدة الامريكية مثلاً لم يتردد الرئيس لنكولن، اثناء حرب الانفصال، في التوسع الى حد كبير في تفسير قواعد الدستور التي تحدد سلطات الرئيس خلال الحرب ولجأ الى وقف تنفيذ الاحكام المتعلقة بحقوق الافراد وهي اقوى ضمانة للحرية في غياب الكونغرس، ومع هذا  لا يصح الا اذا صدر من الكونغرس، لكن الكونغرس اسبغ فيما بعد المشروعية على تصرفات الرئيس وصادق عليها.

المخاوف من قوانين الطوارئ

تبرز مخاوف عديدة من جراء صدور قوانين الطوارئ تكمن في تعطيل الدستور واستمرار قوانين الطوارئ التي تعيق ممارسة الحريات الاساسية وتحدد حقوق الانسان، لكن حقيقة هذا الامر تحدث في ظل الانظمة المستبدة التي تجعل منها غطاءً لممارستها القمعية، وتستبعد هذه المخاوف كلياً في ظل الانظمة الديمقراطية حيث يكون اصدار قوانين الطوارئ في ظلها محكوماً بفترة وجود الضرورة التي استدعيت صدور مثل هذه القوانين وهذا ما نص عليه قانون الدفاع عن السلامة الوطنية لسنة 2004 الصادر من الحكومة العراقية المؤقتة حيث نصت المادة (2) منه على: (تعلن حالة الطوارئ بأمر يتضمن بيان الحالة التي اعلنت حالة الطوارئ بسببها، وتحديد المنطقة التي تشملها، وتحديد بدء سريان حالة الطوارئ وموتها، على ان لا تمتد حالة الطوارئ الى اكثر من (60) يوماًُ او تنتهي بعد زوال الخطر او الظرف الذي استدعى قيامها او ايهما اقل. ويجوز تمديد حالة الطوارئ بصورة دورية كل ثلاثين يوماً ببيان تحريري من رئيس الوزراء وهيئة الرئاسة، اذا استدعت الضرورة ذلك، وينتهي العمل بها تلقائياً اذا لم تمدد تحريرياُفي نهاية اية فترة تحديد.

واوضحت المادة الاولى من القانون الحالة التي تستدعي اعلان حالة الطوارئ وهي تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم يهدد الافراد في حياتهم، واعطت الحق لرئيس الوزراء بعد موافقة هيئة الرئاسة بالاجماع اعلان حالة الطوارئ، ونستنتج من هاتين المادتين صحة اعلان حالة الطوارئ تتطلب وجود خطر جسيم يهدد حياة افراد الشعب العراقي وموافقة هيئة الرئاسة بالاجماع ولمدة ستين يوماًُ او اذا انتهت حالة الضرورة قبل هذه الفترة والتمديد لا يكون تلقائياًُ بل يتطلب صدور بيان تحريري بالتمديد من رئيس الوزراء هيئة الرئاسة.


النظام الداخلي للمصالح الحكومية والنزاهة الوطنية

المحامي/ هاتف الاعرجي

لا يكفي ان ترتب المرافق العامة بحسب طبيعتها واهميتها النسبية، دون عمل تنظيم داخلي للوزارات والمصالح الحكومية التي تتولى ادارتها. تنظيم يكفل ان تكون اعمال هذه الوزارات والمصالح بغاية الاتقان وبأقل نفقة ممكنة وان تسير بأقصى سرعة. فالاتقان مطلوب لأن الحكومة تملك او تستطيع ان تملك جميع وسائله. والاقتصاد مطلوب لأنه دائماً نتيجة الرشد وحسن الادارة، وهما صفتان تحرص الدولة على ان تظهر بهما. اما السرعة فلأن الاشياء دائماُ مرهونة بأوقاتها، وغالباً ما يكون تأخير الحقوق معناه تفويتها. فالسرعة هي جزء من الحق لا يكون كاملاُ بدونها، ولكن لا يفوتنا ان الجودة هي الغاية الاولى لكل عمل تتولاه الحكومة فيجب الا يكون الاقتصاد او السرعة بأية حال على حسابها.

الخطة التنظيمية والاهداف

فما هي خطة التنظيم للوزارات والمصالح التي تحقق الاهداف المطلوبة؟، وبرأينا ان التنظيم الداخلي يجب ان يراعي الآتي:

1. يجب ان يراعي التنظيم الداخلي للوزارات والمصالح الحكومية مبدأ عدم تركيز الاعمال الادارية والذي يعني ان يحتفظ الديوان العام للوزارات او ادارتها ومصالهحها الرئيسة بالشؤون التوجيهية فقط، اي رسم الخطط العامة ومباشرة الرقابة على تنفيذها. اما الشؤون التنفيذية فتكون من اختصاص الفروع والادارات والمصالح غير الرئيسة، فهذا اكفل حتماًُ بأثبات المسؤولية وتيسير الاجراءات ومنع البطء في الخدمات العامة، عدا ما فيه من تربية الموظفين تربية عملية.

2. يجب التمييز في الشؤون التوجيهية بين الجانب السياسي والجانب الاداري منها. فالجانب السياسي هو نصيب الوزير من السياسة العامة للحكومة القائمة، يتحتم تركيزه في يد هيئة خاصة مؤلفة من موظفين سياسيين تابعين الى الوزير يغادرون مناصبهم عند تغيير الوزير او نقله، او عدم حصوله على ثقة البرلمان او سقوط الحكومة عند حجب الثقة عنها من البرلمان. اما الجانب الاداري فيعهد الى هيئة الموظفين الدائمين  او ما يسمى هيئة الخدمة المدنية التي يرأسها وكيل الوزارة الدائم والذي يشرف على تنفيذ خطة وتوجيهات الوزير.

3. وفيما يختص بالشؤون التنفيذية فهي توكل دائماُ الى هيئة الخدمة المدنية وحدها.

4. وتعهد الرقابة على اعمال (هيئة الخدمة المدنية) في كل وزارة او مصلحة الى (هيئة التفتيش) وتتألف هذه عادة من بعض كبار الموظفين الموثوق فيهم ليناط بهم التحقيق من اتباع الخطة العامة الموضوعة، والتعليمات التي اصدرتها الادارة المركزية عند تطبيقها. ويناط بهم ايضا التحقيق من دأب الادارات والفروع على انجاز الاعمال على اكمل وجه.

اداء الهيئة لمهامها

ولكي تؤدي هذه الهيئة مهامها بكفاية ونزاهة وحسب المتطلبات التي اشار اليها السيد رئيس المفوضية العامة للنزاهة خلال لقائه بـ (المدى) يجب:

1. الا تشترك اشتراكاً فعلياً في مباشرة الشؤون التنفيذية.

2. ان يكون اعضاؤها من الموظفين الاكفاء الذين حصلوا على خبرة ممتازة في هذه الشؤون، وان لا يقلوا مكانة، ان لم يزيدوا، عن مديري الادارات الرئيسة، وان تكون لوظائفهم ضمانات وسلطات قوية.

3. ان يكون لأعضائها من الاستقلال والحرية ما يمكنهم من ابداء الرأي ضد كل موظف مهما كانت درجته في السلم الاداري وفي كل مسألة بالغة ما بلغت دقتها وخطورتها.

4. الا تقتصر مهمتها في الرقابة على الاعمال والتصرفات التي وقعت بالفعل، بل يجب ان تشمل ايضاُ المسائل المستقبلية لتفادي الاضرار المحتملة او لتحقيق فوائد منتظرة.

5. ان تكون تابعة لوكيل الوزارة الدائم رأساً . وهذا امر بديهي لأن تبعيتها لأية جهة اخرى لا تحقق الغرض منها.

6. العمل على ان يعطى الموظفون على اختلاف درجاتهم اوسع مجال تستلزمه اعباء مناصبهم للقضاء على (البيروقراطية) اي الروح المكتبية الجامدة التي تقتل في الموظفين روح الهمة والتجديد وتجعلهم يزيحون عن اكتافهم مسؤولية اخطائهم.

7. ان يحدد تحديداً دقيقاً اختصاص كل موظف مهما كانت درجته في (هيئة الخدمة المدنية) اي من اصغر موظفي الادارة الحكومية الى وكيل الوزارة ويوزع العمل بين الادارات والوظائف توزيعاً عادلاً حكيماً منتجاً، بحيث لا يمكن لعدة ادارات او عدة وظائف ان تتنازع على الاختصاص الواحد او تتنصل منه ويوضع امام جميع الموظفين شعار الاتقان - الاقتصاد- السرعة واعلاء شأن الاخلاق في القيام بالعمل الوظيفي واستثارة الغيرة والشهامة والكرامة بدلاً من القوة والتعالي وتبسيط الاجراءات الحكومية الى اقصى حد للقضاء على البيروقراطية والروتين.

خلق تقاليد صالحة

نقطة هامة ورئيسة في نجاح وتحقيق مهمة المفوضية العامة للنزاهة في العراق وملاحقة الفساد الاداري والمالي هو الا تقتصر مهمة الوزارات والادارات الحكومية على ملاحظة القوانين والتعليمات الصادرة بل يجب ان تسعى بإطراد لخلق تقاليد صالحة تيسر بها تطبيق هذه القوانين والتعليمات وتبعث فيها الحياة والابداع في التطبيق. ولعل من بين التقاليد التي تسير عليها الوزارات والادارات الحكومية وفي معظم البلدان ان كل رئيس مصلحة يجتمع في فترات دورية متقاربة بكبار موظفي مصلحته لدراسة المسائل والقواعد العامة الداخلة في اختصاصهم واستعراض الصعوبات الفنية والادارية التي تكون قد اعترضت سير العمل بعد الاجتماع السابق، والبت فيما يقتضي المشاورة والاشتراك في تحمل المسؤولية او في المواضع التي تكون لها اهمية خاصة، ا و التي يترتب على القرار فيها رسم خطة سير العمل، وكذلك فيما تنويه او تقوم به المصلحة من مشروعات. وفي هذه الاجتماعات التي تكون اسبوعية عادة يجب ان يتمتع جميع المشتركين فيها على تباين مراكزهم وتفاوت درجاتهم بالمساواة التامة في المناقشة وابداء الرأي ويجادلون بحرية غير محدودة على ان تنتهي المناقشة وبإقتناع الجميع برأي موحد، هو خلاصة جميع الآراء التي طرحت في الجلسة وبخطة قتلت بحثاً في جو مشبع بالصراحة والفهم العميق والاخلاص  في العمل.

ومن التقاليد الصالحة والمرعية بدقة ايضاً هو ان نشعر الحكومة موظفيها على الدوام بأنهم خدام الشعب وان من واجباتهم احترامه وتلبية جميع رغباته المشروعة وذلك في القيام بواجباتهم، دون انتظار تذمره وشكواه والعمل على ازالة اسبابهما . ومن الطريف ان نذكر انه وفي بريطانيا جرى العرف على الرد على كل شكوى ترد الى الوزارة او رئيس الوزراء او اية دائرة، وان الخطابات التي ترسل الى الجمهور حتى لو كانت من رئيس الوزراء او الوزراء تنتهي بعبارة: (your obedient servant) اي خادمكم المطيع. وان الاستبداد والبيروقراطية والمحسوبية والمنسوبية في اختيار الموظفين يلغي الكفاءة والنزاهة فيكون الباعث والهدف نزعات شخصية منفعية ينجم عنها دراسات سطحية مرتجلة ذات اغراض مؤقتة يعلو فيها الموظف لا بكفاءته وقدرته بل برضا المسؤول الكبير والقرب منه ولعل هذا اهم اسباب شقاء الادارة الحكومية واضطراب رجالها وارتباك اعمالها. فيكون الالتباس والتحايل في تفسير القوانين والتعليمات وتطبيقها وتكون الاغراض المؤقتة ويكون فريق قليل يصيب من خدمات الدولة اكثر مما يستحق وفريق اخر وهو الاكثرية العظمى لا يستوفي حقه مع ان الدستور ينص على ان جميع الناس متساوون امام القانون وانهم جميعاًُ متساوون وبلا تمييز سوى للقدرة والكفاءة والنزاهة.

السلوك الاخلاقي

ويشير الدكتور عثمان خليل في مؤلفه اللامركزية الى كلمة مؤداها من انه لا يوجد امر اكثر خطورة واقرب الى الحكم الاستبدادي الفردي المطلق من النظام المركزي، فكيف يمكن ان يقاوم  الاستبداد شعب خارت قوى بنيه جميعهم وانفصمت كل رابطة عامة تجمع شملهم. وبذلك صارت القوانين تصاغ على وفق صالح السلطة التنفيذية من دون معارض. اي ان القوانين تصاغ على مقاس قدم المستشار كما يقال.. كان الفرد لا يحس لنفسه شأناً ولا شخصية لأن لا يرى له يداً في ادارة شؤونه او شؤون بلده. فهو والحالة هذه يسوس نفسه على الخضوع والاستسلام للامر الواقع وتروضه الاوضاع القائمة على كل ذلك بل وتجعله يفقد مزية فهم وهضم المسائل العامة التي يتوقف فيها مصيره ومصير وطنه رهناًُ بإرادة الدكتاتور. عند مثل هذا الحال لا بد ان يكون الجهاز الاداري لماكنة الدولة يعبد ويرش البخور امام الصنم بل يهلل في ان منحه الله هذا الرئيس الملهم.

وحقاً لا بد وفي ظل متطلبات الحكم الجديد من المفوضية العامة للنزاهة لتأكد التزام موظفي الدولة بالسلوك الاخلاقي في تأدية الخدمة العامة والالتزام بالقوانين التي تحرم الفساد، وزيادة فعالية الادارة والحد من تعسفها في استعمال سلطتها ضماناُ لسيادة القانون وحماية لحقوق الافراد.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة