الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

يوم اسود آخر في بغداد والأمريكان يقولون الأمن أولا ثم المجاري

ترجمة فاروق السعد - عن الايكونومست

كان الانفجار الرهيب الذي وقع في سوق مزدحم بشارع حيفا في بغداد يوم الثلاثاء 14 سبتمبر اكثر الهجمات دموية في العاصمة العراقية خلال ستة اشهر: فلقد أودي بحياة 47 ، وجرح 114 وترك أشلاء الجثث منثورة على الشوارع . وفي اليوم ذاته قتل 12 من رجال الشرطة عندما أطلق مسلح النار عليهم في بعقوبة، وقتل 10 في اشتباكات في الرمادي، كما سقط جندي أمريكي صريعا في الموصل. و أوقفت هجمات المتمردين، على خطوط الأنابيب في الشمال، تصدير النفط وقطعت تجهيز الطاقة الكهربائية عن معظم أجزاء القطر. في الوقت الذي يدور فيه الجدال بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ومنافسه الديمقراطي، جون كيري، حول ان كان الوضع الأمني في حالة تحسن ام تدهور ، أعلنت إدارة بوش عن خطط لتحويل ما يقارب 3 مليار دولار من الميزانية الأمريكية المخصصة لاعادة الإعمال لصرفها على إجراءات لتعزيز الأمن. إذا كانت هنالك أية آمال في إنهاء العنف بعد وضع حد للمواجهات الدموية الشهر الماضي بين قوات التحالف والمليشيات في النجف، فان تلك الآمال قد تلاشت الآن. خصصت أمريكا السنة الماضية 18.4 مليار دولار لبرنامج إعادة أعمار العراق، القسم الأعظم من المبلغ كان مخصصا لتحسين النية التحتية للبلد - وبشكل خاص، مياه الشرب، المجاري والكهرباء. ولكن استمرار التمرد وتصاعد حالات الاختطاف والإعدام قد أدت إلى توقف الكثير من هذه المشاريع. لذلك، لم تتمكن أمريكا ، لحد الان، الا من صرف مبلغ 1 مليار فقط من تلك التخصيصات. لهذا، أعلنت وزارة الخارجة يوم الثلاثاء عن خطة لتحويل ما يقرب 3 مليار دولار المخصصة لمشاريع البنية التحتية لتصرف على تعزيز الأمن في العراق، بضمنها إجراءات لتخفيض نسبة البطالة التي تترك الكثير من شباب العراق عاطلين عن العمل، وبذلك تكون عملية إغرائهم لرفع السلاح والالتحاق بالمتمردين سهلة.

تقول وزارة الخارجية، بأنها ستستخدم المبالغ الإضافية في تجنيد 45000 شرطي جديد، و 16000 حرس حدود إضافي، إضافة إلى تشكيل 20 لواء من الحرس الوطني. ويمكن أن تسرع عملية إعادة تشكيل قوات الأمن العراقية، رغم ان التقدم هنا يعتمد على إقناع حلفاء أمريكا في الناتو للقيام بالتدريب. وفي يوم الثلاثاء، اعلم دبلوماسيون وكالت رويترز بان أعضاء الناتو كانوا على وشك التوصل إلى اتفاق يكون على أساسه آمر قوات الاحتلال التي تتزعمها أمريكا في العراق مساها في قيادة بعثة الناتو التدريبية.

صعد السيد كيري هذه الأيام من هجماته ضد السيد بوش بسبب سياسته في العراق. ففي يوم الثلاثاء، قال بان الرئيس لم يكن يقول الحقيقة حول تدهور الوضع الأمني هناك. وفي المقابل، اتهم بوش السيد كيري بتغيير مواقفه من العراق للحصول على مكاسب سياسية. وفي يوم االاربعاء، اخبر القائد البريطاني، الجنرال مايك جاكسون، هيئة الإذاعة البريطانية خلال زيارة لبغداد بان العنف لم يكن يتصاعد ولكنه (لم يتغير كثيرا ). وعلى أية حال، حتى إن كان هذا صحيحا، فان من الصعوبة ان نقول بان التمرد في حالة انحسار، بعد 18 شهر من سقوط صدام حسين.

إن أحد أسباب تصاعد الهجمات الأخيرة هو قيام القوات الأمريكية مؤخرا بشن عمليات لاستعادة مدن، مثل الفلوجة والرمادي، التي أصبحت تحت سيطرة المتمردين. كانت الخسائر في الرمادي قد حدثت بعد ان فتح المتمردون النار على الدبابات الأمريكية عند دخولها المدينة. وفي نيسان، تخلت القوات الأمريكية عن الفلوجة لصالح المتمردين المسلمين السنة هناك، بعد أدت محاولة للسيطرة الكاملة على المدينة إلى خسائر باهظة في صفوف المدنيين.

رغم ان من الواضح بان اياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي المؤقت، قد أعطى موافقته على العمليات الهادفة إلى استعادة المدن التي تحت سيطرة المتمردين، إلا إنها محفوفة بالمخاطر. مالم يتم استعادتها بخفة وبدون إراقة دماء نسبيا، فان الغضب العام على خسائر المدنيين قد يجبر الأمريكان على التراجع مرة ثانية. وهذا يمكن أن يعضد من قوة المتمردين ويقوض من سلطة السيد علاوي.

وبعيدا عن القتال، فان المتمردين يبذلون قصارى جهدهم لجعل الانتخابات العامة المزمع إجرائها في كانون الثاني أمرا مستحيلا. ففي الأسبوع الماضي، عبر كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه من ان استمرار العنف قد يجعل من إجراء الانتخابات عملية مستحيلة. وفي هذا الاسبوع، صرح غازي الياور، الرئيس العراقي المؤقت، بأنهم ينبغي ان يجروا الانتخابات ما لم تقرر الامم المتحدة عكس ذلك. يقول السيد علاوي والمسؤولون الأمريكان؛ بما ان التمرد يتركز في مناطق معينة من بغداد وبضعة مدن غرب العاصمة، فان الانتخابات يمكن ان تجرى في بقية أجزاء القطر، وستكون شرعية حتى في حالة عدم مشاركة بؤر التمرد. ولكن ينبغي عليهم إقناع، من بين أناس آخرين، القائد الروحي للأغلبية من السلمين الشيعة، اية الله علي السستاني، الذي يصر لغاية الآن على مساهمة كاملة في العملية الديمقراطية. وحتى في حالة مباركة السيد السستاني للانتخابات الجزئية، وحصول البرلمان والحكومة على قبول أغلبية العراقيين، فان من غير المحتمل إقناع المتمردين.

إضافة إلى رغبته في الضغط باتجاه إجراء الانتخابات العراقية، فان من الواضح بان السيد بوش قلق من أن يؤثر الوضع في العراق على علاقته بناخبيه، في نوفمبر. شرع السيد كيري بالقول في خطاباته خلال الحملة الانتخابية بان دافعي مبالغ دافعي الضرائب الأمريكان التي صرفت في حرب العراق-200 مليار دولار، كما يقول- كان ينبغي ان تصرف على البرامج الداخلية. وعندما أشير إلى ان المنافس الديمقراطي قد صوت لصالح تخويل السيد بوش في شن الحرب ، كان رده بأنه كان على بوش ان ينفذ العملية بشكل افضل عن طريق إقامة تحالف ، وبذا سوف لن تتحمل أمريكا مثل هذه التكاليف الباهظة.

رغم إن تقييم سياسة بوش في العراق كانت سالبة في استطلاعات الرأي الأخيرة، إلا إن السيد كيري فشل لحد الآن في إقناع الناخبين الأمريكان من انه كان باستطاعته ان يتصرف بشكل افضل. تقدم الرئيس في التصويت الذي أجرته ا ب سي/ واشنطن بوست الأسبوع الماضي بعشرين نقطة في الإجابة على السؤال (من هو القادر على التعامل مع الوضع في العراق بشكل افضل؟).


الانتخابات الأفغانية المرشحون مهددون.. والناخبون ايضاً!

ترجمة فاروق السعد عن الايكونومست

ابتدأت أول حملة في تاريخ أفغانستان تهدف إلى انتخاب مباشر لرئيس الجمهورية. سيكون التصويت اختبارا لجهود أمريكا الرامية إلى بناء دولة، وهو ما يفسر تصميم الطالبان على إفشالها. فقبل ثلاث سنوات، بعيد هجمات 11 أيلول، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش بتشكيل تحالف غربي مع قوات تحالف الشمال الأفغانية، لغزو أفغانستان وإسقاط حكم طالبان ألا سلامي المتشدد، الذي كان يوفر ملاذا آمنا إلى القاعدة وزعيمها، أسامة بن لادن. بعدها، ورغم الشكوك الواسعة الانتشار، كان السيد بوش مصمما على تحويل أفغانستان إلى بلد محب للديمقراطية. و ألان، وبعد انطلاق أول حملة لانتخاب رئيس جمهورية بالاستفتاء المباشر، يوم الثلاثاء 7 أيلول، فان جهود أمريكا لبناء بلد على وشك أن تكون على المحك.

فحامد كارازي، الذي اصبح رئيس أفغانستان المؤقت، بمساعدة أمريكا، بعد سقوط طالبان، الشخص المرشح لتصدر انتخابات 9 أكتوبر. ولكنه يواجه بعض المنافسين الأقوياء، فإذا فشل في الحصول على نسبة 51% من الأصوات، فسيكون هنالك جولة أخرى، ربما في تشرين الثاني. يوم الأربعاء، كان أول ظهور للسيد كارازي في الحملة الانتخابية، عندما افتتح معملا قرب العاصمة، كابل-رغم انه لم يشر إلى الانتخابات في كلمته ولم تشر التقارير بأنه قد قبل أي طفل.

يتنافس كارزاي مع 17 مرشحا. يبدو ان متحديه الأكبر لغاية هذا التاريخ هو يونس قانوني، وزير التربية، وهو في نفس الوقت إحد قادة تحالف الشمال. حصل السيد قانوني على مساندة محمد فاهم، قائد عسكري أفغاني قوي. وعلى أية حال، إن لا يشكل منافسو كارازي الهم الأكبر ، ولكن الطالبان،هم الذين عبروا عن عزمهم مجددا على إفشال انتخابات يوم الثلاثاء بكل الطرق الممكنة. فقد صرح متحدث باسم المجموعة بان جميع المرشحين وكل من يساهم في التصويت سيكون هدفا للهجمات.

كما وعدت الطالبان بإفشال انتخابات البرلمان، التي كان من المفترض اجراؤها في نفس فترة الانتخابات الرئاسية، ولكنها أجلت إلى الربيع القادم لاسباب أمنية. ستشهد الانتخابات البرلمانية منافسة شديدة، اكثر من انتخابات الرئاسة، بين مرشحي مختلف المجموعات العرقية والقبائل. ينتمي السيد كارازاي إلى أغلبية البشتون التي حكمت تقليديا البلاد، في حين ينتمي السيد فاهم الى الطاجيك. من المتوقع أيضا إن يقدم كل من الازبك، الهزارا، التركمان وبقية المجموعات العرقية مرشحين.

يشكل مختلف القادة العسكريون الذين ما زالوا يحكمون بعض الأقاليم قلقا كبيرا للسيد كارازاي لا يقل عن الطالبان. رغم انهم اعتبروا لفترة من الزمن كأبطال في الصراع ضد احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم في معركة الإطاحة بالطالبان، الا انهم اصبحوا يشكلون مشكلة البلاد الأكثر إثارة للقلق والأطول عمرا. منذ سقوط الطالبان، تورط الكثير منهم في تجارة الافيون المتنامية، مستخدمين الأموال المستحصلة لشراء أسلحتهم الشخصية. قدرت المبالغ المستحصلة من تجارة المخدرات 2.3 مليار دولار، أي ما يقارب ثمانية أضعاف مدخلات الحكومة من الضرائب.

ان ما يزعج العديد من الأفغان هو عدم إقدام السيد كارازاي على تحدي حكام الأقاليم. بدلا من هذا حاول، بدون نجاح لحد الآن، تشكيل تحالف معهم. ان عدم تعاون حكام الأقاليم قد جعل الوضع الأمني للبلاد اقل استقرارا- حتى إن منتقديه يطلقون عليه لقب (محافظ كابل) بسبب افتقاده للسلطة على معظم أجزاء البلاد. برزت هذه الحقيقة في تموز، عندما أعلنت إحدى وكالات الإغاثة الطبية عن عزمها على الانسحاب من البلاد ، بعد 24 سنة ، بسبب الوضع الأمني.

يوجد الآن في أفغانستان ما يقرب من 18000 جندي بقيادة الولايات المتحدة لمطاردة بقايا الطالبان والقاعدة، في الوقت الذي تحاول فيه قوة من الناتو تعدادها 8000 أن توفر الأمن إلى الأفغان، إضافة إلى ما يقرب من 14000 جندي من الجيش الأفغاني حديث التكوين. طلب السيد كارازاي من الدول الغربية إرسال مزيد من القطعات، ولكن بدون نتيجة. انتقد بعض الأفغان أمريكا وحلفاءها لتقديمها الدعم إلى قادة الأقاليم لمساعدتهم في مطاردة القاعدة، وبهذا تزداد قوة حكام الأقاليم. وفي الوقت عينه، لا توجد أية إشارة لنهاية للعنف. ففي يوم الاثنين، كما قالت مصادر حكومية، قتل ما لا يقل عن أربعة من مقاتلي الطالبان إضافة إلى جندي أفغاني في معركة في زابول.

رغم التهديدات وغياب الأمن، اثبت الأفغان حماسة ملحوظة في تسجيل أسمائهم للتصويت. في الحقيقة، بوجود قوائم التصويت الآن التي تحتوي على ما يزيد على 10.5 مليون اسم( من مجموع السكان البالغ 25-28 مليون) هنالك قلق من ان يعني هذا قيام بعض الناحبين بتسجيل أسمائهم اكثر من مرة. ان عدد الذين يستطيعون القراءة والكتابة قليل في أفغانستان، وفي الحقيقة فإن السكان غير معتادين على الانتخابات، لذلك فهنالك قلق من أن يكون الناخبون واهين أمام محاولات حكام الأقاليم.

سوف تلعب القبائل والاعراق، بدون شك، الجزء الأكبر من تحديد اختيار الناخب، لذلك فان نجاح السيد كارازاي ومنافسيه سوف يعتمد إلى درجة ما على قابليتهم في كسب تأييد مختلف قادة العشائر. اثبت السيد كارازاي لحد الآن نجاحا في هذا المجال، بعد اختياره رئيسا مؤقتا من قبل اللويا

جيركا(المجلس الموسع). ربما سيستفيد من كونه ينحدر من قومية معروفة افضل من منافسيه. كما ان ما يسجل لصالحه هو طلاقته في مختلف اللغات الأفغانية وصداقاته مع قادة أجانب أقوياء (الذين أرسلوا معونات سخية إلى البلد). وربما حتى إن شياكته ستجلب أليه بعض الأصوات- فقد اعتبرته مجلة اسكواير واحدا من اكثر الرجال شياكة. مقارنة به يعتبر منافسه الرئيس السيد قانوني شخصية عديمة اللون نوعاً ما.

بما إن انتخابات الرئاسة الأفغانية تصادف قبيل الانتخابات الأمريكية ببضعة أسابيع فقط، فان السيد بوش متلهف لان يراها تسير كما يرام، لكي يبين لناخبيه كم هي ناجحة سياسته الخارجية. وعلى أية حال، فقد يتحول الأمر بسهولة إلى فشل ذريع لو تأتى لطالبان ما يريدون. في الوقت الذي ترمى فيه القنابل والاطلاقات على طوابير الحملة الانتخابة، سيحاول السيد كارازاي ومنافسوه النضال من اجل الحصول على دعم قوي من قادة الفئات الأفغانية الانشقاقية لكسب منصب الرئيس. سيتوجب على الفائز بعدها السعي لبناء نوع من التحالف داخل البرلمان الذي سينتخب الربيع القادم، وبعدها سيواجه التحدي المخيف عند معالجة موضوع قادة الأقاليم ومجموعات المليشيات. عندها فقط ستتحول أفغانستان من ارض معركة إلى دولة.

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة