الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

من الضفة الأخرىمع رحيل المستشرق رودنسون: العرب.. الخاسرون الوحيدون في الحروب الأمريكية

شاكر نوري

برحيل مكسيم رودنسون عن عمر قارب التسعين، فقد العرب احد أكبر المفكرين الذي تعمق في فكرهم وحضارتهم في الغرب، وواحداً من عمالقة الاستشراق في القرن العشرين. لم يكن المفكر الراحل مستشرقاً عادياً وهو لم يكن يفضل استخدام هذا المصطلح بل كان يفضل ان يعرف عن نفسه بكلمة (مستعرب)، ولعل تجديده في هذا الميدان يكمن في أنه أول من اخضع الاستشراق الكلاسيكي للتحليل النقدي، قبل ان يشتهر ادوارد سعيد في كتابه الشهير (الاستشراق) الذي استثنى رودنسون، بين قلة، من تهمة الاستشراق الاستعماري. قد ذاع صيته وهو شيوعي سابق بعد ان اصدر عدة كتب عن الإسلام كان أولها (محمد) عام 1961 ثم (الإسلام والرأسمالية) 1966 و(الماركسية والعالم الإسلامي) 1972 ثم (عظمة الاسلام) 1980 وكذلك (من فيثاغورس إلى لينين) و(الاسلام السياسي والمعتقد) وفي عام 1988 (أصدر كتابه  (بين الإسلام والغرب) و (اسرائيل والرفض العربي) 1988 و(شعب يهودي أو مشكلة يهودية؟) 1981 ونشر العديد من الدراسات الأخرى بالعالم العربي والإسلامي. 

أول من نبه على الاستشراق الكولونيالي

ولد رودنسون في عائلة متواضعة في كانون الثاني 1915 من أب روسي وأم بولندية قضيا في أوشفيتز على ايدي النازين. ونجح في السابعة عشرة في مباراة الدخول إلى معهد اللغات الشرقية ثم لاحقا في شهادة البكالوريا. وفي 1937 تزوج ودخل إلى المركز الوطني للبحوث العلمية وانتسب إلى الحزب الشيوعي الفرنسي. فهو لم يحصل بعد على البكالوريا، ولم ينل الدكتوراه إلا في عمر الـ55 وذلك بفضل تغيير نظام الشهادات الفرنسية اثر ثورة أيار 1968. وجعله طموحه العلمي أن يقدم إلى امتحان مدرسة اللغات الشرقية الذي لم يكن مشروطاً بحيازة البكالوريا، ونجح فيه، فحصل على شهادة في اللغة التركية عام 1937 وفي العام التالي على شهادات في اللغة العربية الفصحى واللهجتين المغربية والمشرقية، فشهادة في اللغة الحبشية التي عمل بها كأستاذ جامعي. وبتخرجه في مدرسة اللغات الشرقية، وعند اندلاع الحرب، طلب المجند رودنسون الالتحاق بالجيش الفرنسي في الشرق، فكان لبنان مسرحاً لأول لقاء له بالعالم العربي.

وكان الراحل قريباً من الطلبة العرب ممن يحضرون الاطروحات الدكتوراه حول الحضارة العربية والإسلامية، ولكنه كان صارما معهم لايجاملهم ولم يكن يتجرأ كثير من الطلبة من الدراسة معه. وكان يدلو بدلوه في جميع القضايا الساخنة، وقبل وفاته التقينا به مرات عديدة وأجرينا معه حواراً حول تصادم الحضارات الذي شاع بعد أحداث الـ 11 من أيلول وتداعياته، ومما قاله لنا حول هذا الموضوع على لسانه لا يزال مفهوم صدمة الحضارات مجرد شيء تجريدي، الأجدر بهم ان يتحدثوا عن مقتل الآلاف وليس عن صدمة الحضارات. جميع الحروب الأمريكية لم يكن لها علاقة بصراع الحضارات بل بصراع المصالح. وتتضمن أطروحة هانتغتون مغزى براجماتيا لا علاقة له بالفلسفة لأنها أطروحة تستهدف التبسيط، الأخرى، وهذا التبسيط لا يمكن ان يتيح التأمل في موضوع هام كموضوع الحضارات. ولا اعتقد ان هناك صراع حضارات بل هناك حلقات متسلسلة من الحضارات لا توجد احداها تتفوق على الأخرى كما يتصور بعض الاغبياء لأن كل حضارة تحمل في أعماقها بذور حياتها واستمراريتها وعصرها الذهبي. والحرب الأمريكية الراهنة لها استراتيجيات أبعد من محاربة الإرهاب وان كان سبب نشوبها هو انقاذ ماء الوجه، ولكن هذا الحصن، الذي هو آسيا الوسطى كان حلماً من احلام الولايات المتحدة كما كان الحال بعد حرب الخليج، حيث قامت بزرع قواعدها العسكرية في الشرق الاوسط، وكان العرب وحدهم الخاسر الوحيد في هذه الحرب. اعتقد ان العرب الآن خارج صراع الحضارات لأنهم لا يساهمون بشكل جدي في بناء الحضارة التكنولوجية التي تجتاح العالم في عصر العولمة. 

ناهض الصهيونية طيلة حياته

وقد عرف رودنسون، ببقائه على مفترق الثقافتين اليهودية والاسلامية وبعمله من اجل التقارب بين ضفتي حوض البحر الابيض المتوسط عن طريق التعددية وحوار الثقافات حيث اتخذ عام 1968 موقفاً من القضية الفلسطينية وأنشأ مع المستشرق الفرنسي جاك بيرك مجموعة الأبحاث والاعمال من اجل فلسطين. بعد مرور 43 عاماً على صدور كتابه الشهير (النبي محمد) قال عنه بيير لوري، مدير الدراسات في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية (بأن هذا الكتاب يبقى اول كتاب من نوعه عن هذه الشخصية الهامة في التاريخ لأنه من أعمق واشمل الدراسات وأوصي طلبتي بقراءته). وقد لمع رودنسون في ميدان دراسة التاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع دون ان يخلط بين حدودها. ويعتبر أول من وضع تطور (الإسلام والرأسمالية) و(الماركسية و والعالم الإسلامي)، مؤكدا على ان المجتمعات الاسلامية لم تعرف بزوغ المجتمع البرجوازي التجاري والصناعي كما حصل في اوروبا. وكان يدين بالفكر الاغنوصي) مذهب اللاادريين القائلين بانكار قيمة العقل وقدرته على المعرفة). واستطاع هذا المفكر المنحدر من أصول يهودية ـ تنكر لهذه الاصول ـ ان يحتفظ بمسافة بعيدة مع اسرائيل بل انه أدانها في جميع كتاباته ولعل مقالته (إسرائيل، فعل استعماري) التي نشرت في مجلة (الأزمنة الحديثة) التي كان يترأس تحريرها جان ـ بول سارتر بعد الخامس من حزيران عام 1967 خير دليل على ذلك. وتضامن مع فلسطين حيث أسس مع جاك بيرك، المستشرق المعروف، حلقة دراسية للبحث من أجل فلسطين، حيث قال (ان تأسيس إسرائيل كان ظلماً بحق الفلسطينيين، ولكن رمي الإسرائيليين في البحر سيكون ظلماً آخر. إسرائيل موجودة ولا بد من خلق دولة فلسطينية).ومن المعروف ان رودنسون استطاع ان يخرج المئات من الطلبة الذين تتلمذوا على يده وعلى الخصوص من العرب. وحسب رأي الجميع كان رودنسون آخر الكبار ولا يوجد مفكرون من هذا الطراز في الأجيال التي تلته لأنه حسب ما يقول الباحث جان ـ بيير ديغار، كان عهده يسمح بأن يجمع المفكر بين  ميادين علمية عديدة، وهذه الحالة غير ممكنة في الوقت الحاضر، كان رجلا استثنائياً بحق). ولعل رودنسون قد يكون بذلك أكثر من ساعد على التمييز بين اليهودية والصهيونية، ولا سيما انه لم يتراجع يوماً في موقفه النقدي من إسرائيل، كما يمكن تبين ذلك من المقالات التي جمعها في كتاب حمل عنواناً مثيرا: (شعب يهودي أم مشكلة يهودية؟) كما كان من الذين احتضنوا تجربة (مجلة الدراسات الفلسطينية) الصادرة بالفرنسية عام، 1981 فكتب في عددها الأول وحرص عليها الإطلالة فيها بشكل شبه منتظم.

 

أول من انتقد الاستشراق الكولونيالي

وقد ذهب رودنسون بعيداً إذ اعترف بأن الدول الأوروبية وحكوماتها لم تكتف بالدافع العلمي للمعلومات التي جمعها علماؤها عن بلاد الشرق بل انها استفادت منها لغزو هذه البلاد واستعمارها ونهب خيراتها طوال أكثر من قرن. تميز رودنسون بأنه شارك بجرأة في الخطاب الذي اتخذ من الاستشراق موضوعاً للتفكير الذي بلغ أوجه بصدور كتاب (الاستشراق) للمفكر الفلسطيني الراحل إدوار سعيد.

ولكن رأيه في أدوار سعيد لم يكن كذلك حيث قال عنه عندما سئل في مقابلة حديثة معه في (قناة الجزيرة) عما يفكر به بالمفكر الفلسطيني، فقال عنه (لم احبه منذ البداية. أنه لا يعرف العالم العربي ويدعي معرفته، وفكره برجوازي، وهو مثالي، ولحد هذه اللحظة لم يكن له صوت نظري أو مواقف عملية كما اعتقد. وأفكاره عن الإسلام غائمة ويستخدمها في عمله الأدبي).

(كان شخصاً شديد التدقيق والتمحيص وموسوعياً كبيراً). وفي 1997 بدأ الرجلان حوارا نشر تحت عنوان (بين الإسلام والغرب) كما تنبغي الإشارة إلى كتابه (وضع الاستشراق المختص بالإسلاميات: مكتسباته ومشاكله) ترجمه هاشم صالح ونشره في كتابه (الاستشراق بين دعاته ومعارضيه).

وبعد تسريحه من الجيش أبان الهزيمة الفرنسية، فضل المكوث في لبنان، حيث درس الفرنسية في مدرسة تابعة لجمعية المقاصد في صيدا. وفي لبنان، كانت له أو لقاءات مع الشيوعيين العرب. وحين كلفته دائرة الآثار بمهمة اقتناء الكتب القديمة في بلدان الشرق الأوسط، استفاد من سفراته لتوسيع اتصالاته مع الأوساط الشيوعية العربية في فلسطين ومصر العراق. وكانت هذه التجربة الأساسية في بلورة المقالات التي جمعها لاحقاً في كتابه (الماركسية والعالم الإسلامي).

بعد عودته إلى فرنسا عام 1947 عمل في المكتبة الوطنية، في دائرة المخطوطات العربية، قبل ان يخلف أستاذه مارسيل كوهين في تعليم الحبشية في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا عام. 1955 وبين 1959 و 1971 تولى أيضاً القاء محاضرات في الاتنوغرافيا التاريخية للشرق الأوسط. في عام 1963 نشر أنور عبد الملك مقالة بعنوان (الاستشراق في أزمة) أحدثت ضجة واسعة في صفوف علماء الاستشراق الغربيين حتى انها أخرجت بعض العلماء عن صمتهم الذي اعتادوا عليه فنشروا ردوداً على هذه المقالة التي تصف الاسشتراق انه في أزمة أخلاقية بسبب صلة هذا العلم بالحملات الاستعمارية التي قام بها الغرب في دول الشرق.


في ثقافة الأطفال (2): الاتصال الثقافي وعناصره التحديثية

فاضل الكعبي

تعد وسائل الاتصال، بمختلف اتجاهاتها وقنواتها وأشكالها، القديمة والحديثة، من العناصر المهمة لإيصال الثقافة للطفل، وربطه بها، وإنعاشه بالمغذيات الثقافية المطلوبة، إضافة إلى امتصاصه لبعض عناصر الثقافة بشكل مباشر من اتصاله اليومي باقرانه وافراد أسرته والافراد الآخرين في محيطه الاجتماعي.

وقد مرت وسائل الاتصال بمراحل عديدة، تبعاً لظروف الحياة وسبل عيشها، وطبيعة المجتمع الذي استخدمت فيه، اذ شهدت هذه الوسائل توسعاً وتطوراً في استخداماتها المتشعبة والمختلفة، انسجاماً مع وعي الإنسان وحاجته، واطوار نموه وتطوره، وبناء على ذلك فقد قدمت هذه الوسائل خدمات كبيرة وواسعة للانسان وثقافته، واسهمت بتوسيع مداركه ومساحات الثقافة في حياته، وأصبح ـ إزاء هذا التنوع ـ بامكان الإنسان، حسب امكاناته وطبيعة البيئة التي يعيشها، ان يختار الوسيلة التي تناسبه وتستجيب لرغبته في تلقي العناصر الثقافية، أو الاستغناء عن هذه الوسيلة أو تلك، واستبدالها بأخرى أكثر تطوراً، أو أكثر انسجاماً مع حاجاته وظروفه وامكاناته، بغض النظر عن مستوى التقنية والجدوى لهذه الوسيلة، وهذا الاختيار ـ سواء كان اضطرارياً أو مفروضاً ـ في حدوده الدنيا، يلبي أولا يلبي رغبات الإنسان وحاجاته في حدودها العليا تماشياً مع آخر التطورات في الوسائل، لا يغلق منافذ الثقافة امام هذا الإنسان، أو يمنعه كلياً من الاتصال بالثقافة، وتحصيل بعض عناصرها بنسب معينة.. انطلاقاً من طموحه الكبير، ورغبته الشديدة، وسعيه المتواصل لاكتساب العناصر الثقافية، على الرغم من كل المعوقات والحدود، والفواصل التي وضعتها، أو اشترطتها التقنيات المتطورة التي حصلت لوسائل الاتصال، امام الإمكانيات المحدودة أو نفترضها هكذا، في حال تيسرها، وليس بالامكان الحصول عليها، لموانع مادية أو تقنية..

وانطلاقاً من هذا الاستنتاج، يشعر المرء من لم تتهيأ له التقنيات الاتصالية المتطورة، من أجهزة الحاسوب، أو الانترنت، أو الفضائيات، وغيرها، بوجود معوقات تمنعه من الاتصال بعناصر الثقافة وأنشطتها الحديثة، وهذا اعتقاد يجافي الحقيقة، إذ ان عدم الحصول على التقنيات الاتصالية الحديثة، لا يمنعه من الحصول على عناصر الثقافة والتواصل في طلب الثقافة، من الوسائل المتاحة عبر الأنشطة  الإعلامية والجماهيرية، وعبر ما متوفر من الكتب القديمة والحديثة وتواصل إصداراتها.. فقبل اختراع التقنيات التكنولوجية المتطورة في وسائل الاتصال، كان الكتاب هو السائد، وهو الأكثر تطوراً في انعاش الثقافة ووسائلها المعرفية في العصور التي سبقت التقنيات التكنولوجية، وسيبقى الكتاب هو المميز والأكثر شهية في الزاد الثقافي مهما حدث من تطور في وسائل الاتصال.. ولكن على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أهمية الكتاب، ودوره في استثارة الرغبة والميول الثقافية، يبقى الإنسان امام وجود التكنولوجيات الاتصالية في الثقافة، يشعر برغبة شديدة للحصول على هذه التكنولوجيات، واستخدامها في تحصيل عناصر الثقافة والمعلوماتية الواسعة.. فطريقة نشر الثقافة وتقديمها لها تأثير كبير على رغبة الإنسان وميوله القرائية، فكيف بالطفل الذي ينساق بطبيعته الطفلية وراء الأشياء الجميلة والجذابة شكلاً قبل الانسياق إلى المضمون فيها؟!.

من هنا لعبت وسائل الاتصال المتطورة، الدور الكبير في جذب الإنسان إلى العناصر الثقافية، وبسبب هذا التنوع في وسائل الاتصال اصبح هناك بعض الاختلاف، وبعض الفروق في بنية الثقافة (الشخصية والمجتمعية) فالطفل الذي يعيش في قرية من القرى البعيدة، ولم يخضع لتلقي تعليمه وتربيته وثقافته إلا من خلال مؤثرات المدرسة في قريته فحسب، ولم يتصل بالتلفزيون، أو يتوفر له (الحاسوب) و(الالعاب الالكترونية) لعدم توفر مثل هذه الوسائل في قريته.. يختلف تماماً في مستواه التعليمي، وفي مداركه، وفي سعة خياله وقدراته، وثقافته وسلوكه عن طفل آخر بعمره يعيش في اطراف المدينة، وقد تهيأت له وسائل أكثر بقليل عن قرينه طفل القرية، اذ تهيأ له، إضافة إلى مدرسته، ان يشاهد التلفزيون، ويستخدم المذياع، والتلفون، ويطالع الكتب والمجلات المخصصة له، ويمارس مختلف الأنشطة والفعاليات الثقافية في محيطه السكني، نجد ان المستوى الثقافي والتعليمي لهذا الطفل اوسع نسبياً من طفل القرية، وهكذا نجد في مكان آخر سواء في العاصمة أو في مدينة أخرى، ان هناك مستوى ثالثاً من الثقافة، أو من مستويات الأطفال الثقافية يفوق مستوى الطفل الأول والطفل الثاني، مع ان الطفل الثالث بنفس عمر الطفلين الأول والثاني، وقدراته الاستيعابية بمستوى قدرات الطفلين، إلا ان الطفل الثالث قد تهيأت له وسائل اتصال بالثقافة، وإمكانيات أكثر مما تهيأ للطفلين الأول والثاني، وبذلك يمكننا تحديد النتيجة التي تؤكد: ان ثقافة الطفل الثالث تفوق ثقافة الطفل الأول والطفل الثاني، وثقافة الطفل الثاني تفوق ثقافة الطفل الأول، وهكذا يكون ناتج الاختلاف والتباين الحاصل للأطفال الثلاثة في اكتساب الثقافة وعناصرها، من خلال ما فرضته التنشئة الاجتماعية والبيئة الثقافية للطفل، ومستوى وحجم الوسائل المتاحة لكل طفل هنا..

ندرك من ذلك أيضاً: ان ثقافة الأطفال في الريف تختلف عن ثقافة الأطفال في المدينة، وثقافة الأطفال في هذه المدينة تختلف عن ثقافة الأطفال في مدينة أخرى، وثقافة الأطفال في هذه الأسرة تختلف عن ثقافة الأطفال في أسرة أخرى وهكذا.. كل ذلك تحدده مجموعة عوامل مؤثرة، اقتصادية واجتماعية وثقافية. إضافة إلى ان لوسيلة اتصال الطفل بالثقافة أهميتها، مع قدرته وإمكانياته والظروف التي يعيشها، وما يحيطه من إمكانيات ومستويات. هي التي تفرض عليه مستوى الثقافة وعناصرها، ولهذه الوسيلة أو تلك الدور المؤثر في عملية تثقيف الطفل ومده بعناصر الثقافة لها حسناتها وإيجابياتها على نمو الطفل الثقافي، أيضاً لها مساوئ ومخاطر عديدة على قدرات الطفل وشخصيته، سنعرض لها في مجال آخر..

ان القاعدة الأساسية للتثقيف وزيادة الخبرات عبر وسائل الاتصال تشكل عملية واسعة ومعقدة تشترك فيها عدة عوامل ومؤثرات وأساليب لإتمام عملية الاتصال بين الاطراف للنقل والاستلام والتأثير والتفاعل فالاتصال كما يصفه عالم الاتصال الأستاذ الدكتور هادي نعمان الهيتي على انه (فن نقل المعاني من طرف إلى طرف آخر، وهذا النقل ليس أمراً يسيراً بل يؤلف عملية اجتماعية معقدة تنطوي على عملية أخرى هي التفاعل الاجتماعي حيث يعتمد التفاعل الاجتماعي على الاتصال وبدون الاتصال لا يحصل تفاعل اجتماعي، أي لا يحصل تأثير متبادل في السلوك من خلال الكلام والاشارات أو غيرها، على أساس ان موقف التفاعل الاجتماعي يتضمن عناصر ذات تنظيم نفسي واجتماعي لدى الافراد والجماعات أو عمليات معرفية متعددة كالاحساس والادراك والتمثيل والتفكير، وما يترتب على هذه العمليات من تغيرات في سلوك الفرد والجماعة). وبذلك يحمل الاتصال السلب مع الايجاب، وهنا يبرز دور الاسرة في تحديد ذلك وتنظيم عملية اتصال الطفل بثقافته وتحديد ماهية الوسائل الاتصالية ونوعيتها في هذا الاتصال.. ومساعدته في اكتشاف الجانب السلبي من الجانب الايجابي، وتحديد الوقت المناسب للاتصال، فالعائلة تشكل وسيلة مهمة من وسائل الاتصال الجماهيري بالنسبة للطفل، وتعد الوسيلة الاولى لاتصال الطفل بالعالم الخارجي وبعوالمه الثقافية المتنوعة، لذلك تقع عليها بشكل اساس مسؤولية النماء الثقافي للطفل وتهيئة وسائله الاتصالية بالثقافة، وتحصينه الثقافي من منزلقات الثقافات الأخرى..


محاكاة واقعية ماركيز السحرية في ثلاث روايات عربية  (1 - 2): رحلة غاندي الصغير، سيد العتمة، مواء)

د. فاطمة بدر

((الخيال في يهيئه الواقع ليصبح فناً)) ماركيز

أصبحت الواقعية السحرية إنموذجاً شائعاً لدى الكثير من الكتاب، لاسيما الكتاب العرب، فقد استمد هؤلاء الكتاب رؤاهم من روايات أمريكا اللاتينية، التي امتازت بفضاءات سحرية عجيبة وأجواء خيالية خرافية غريبة، إذ يرسم الكاتب قصته في غاية البساطة متخذاً تفاصيل الحياة مادته، ثم يدعمها بكل ما هو غريب ومستحيل، وهو بهذا لا يستنسخ الواقع إنما يخلق واقعاً خاصاً به، يقوم على مبدأ التوليف بين المتضادات، لذا نجد الفوضى مع النظام، والاستقرار مع الاضطراب، والأمل مع البؤس، والنفس الممزقة والمعذبة مع صفاء الروح وخلودها، والمطلق مع النسبي، والخلود مع الفناء، فضلاً عن التأكيد على الالتباس، وأثيرية الزمن، والقلق الميتافيزيقي، والإحساس باللايقين - وانعدام المعايير الثابتة للقيم، عالم مليء بالمناقضات، يريد الكاتب من خلاله البرهنة على فرضية معينة وهو بهذا لا يرسم سحرية للامتاع فقط، إنما يريد الإيحاء بفكرة فلسفية، أو مجموعة أفكار منها العالم الذي نراه مالوفاً.

تعمل عملية تقطيع الأحداث بالانتقال من مشهد واقعي إلى مشهد متخيل فنطازي، على تأجيل الحدث فوق الطبيعي، وتعايش المشهدين المتنافرين المتضادين المتلاحمين جنباً إلى جنب لتبدو الرواية أكثر إدهاشاً وبراعة سواء في موضوعتها أم في صياغتها السردية، وتعمل هذه العملية أيضاً على رد فعل القارئ وشده إلى الأحداث، فضلاً عن خلق جمالية في السرد من خلال التنويع في الصور والإيحاء والحركة؛ وهذه الإشارات تجرنا إلى القول برواية تبغي (هدم الحكاية) لأن السرد فيها يضم مجموعة من الحكايات المتقطعة، إذ لا يثبت النص على حالة إنما يتكسر المحكي بتلاقح من استرجاع واستباق تجنباً لخطيه تنامي الحدث، وإلغاء التنامي الزمني والمنطقي المعتاد في الرواية التقليدية، وبذلك جاوزت هذه الرواية الحبكة التقليدية، وتميزت بخصائص تجريبية على مستوى السرد لأن سمة هذه الروايات تنصب على تهشيم العلاقات بكسر منطق التماسك واستبداله بمنطق التفكيك والتهشيم والتشتيت؛ فضلاً عن ذوبان الحدود الفاصلة بين الضمائر، وانتقال الراوي من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم وبالعكس؛ وتعمل هذه الخلخلة على تعليق ذهن المتلقي وشغله، إذ يتبدل أفق توقع القارئ بين الحين والآخر لبناء أفق جديد يكتمل المعنى؛ كما أن التنقلات بين ضميري الغيبة والمتكلم يخضع للاحتياجات الدلالية، ولشد القارئ إلى ساحة إنتاج المعنى، وهذا يعمل أيضاً إلى (دفع المتلقي إلى حركة إيحائية توازي حركة المبدع).

وقد عد جينيت أقوى أنواع الخرق هو (الخرق المتجسد في تبديل ضمير الشخص النحوي للدلالة على الشخصية نفسها).

إن تبادل الضمائر ليست عملية تقنع فحسب، إنما هو انعطافة أسلوبية تمنح النص تدفقاً دلالياً لاسيما عند تبادل الملفوظ على صعيد المرجع، أي الانتقال من مرجع إلى آخر، وهذا ما يضفي إلى النص جمالية شكلية؛ كما أن تهجين الملفوظ يولد ظهور أصواته في مستوى يوازي صوت الراوي يجعلنا نجهل لمن القول: هل هو للمؤلف، أم للراوي أم للشخصية؟

لقد أصبحت هذه الموضوعات أثيرة لدى الكتاب، كما أن لغة القص وأدواتها تحولت هي الأخرى نحو الفنطازية، إذ اعتمدت هذه الروايات على مدونة لغوية ذات شحنات شعرية وصفية إيحائية لا حد لها؛ تعمل على توصيف الشيء المحكي بلغة يسودها التساؤل في اغلب الأحيان؛ وعدم الاكتراث بالترابط الداخلي بين الجمل وهذا يؤدي إلى ارتباك في السياق، فضلاً عن تكرار عبارات معينة مؤكدة على ألفاظ غريبة وأحياناً مبتذلة تترجم سلوك تلك الشخصيات، والاستعانة بذاكرة حسية شمية لصياغة نمط خاص بها؛ أما تكرارية المشهد الموصوف أو ما يطلق عليه بـ(البناء الهارموني - السيمفوني) الذي يفيد التأكيد والترسيخ والثبات في الزمن، إذ تظهر حركة الزمن في حركة دائرية مغلقة على ذاتها يتم تكسير زمن الواقعة محدثاً في ذلك دلالة تغيب الزمن وتبعثره وأحياناً تلاشيه (محو الحدود الفاصلة بين الأزمة) وهذا ما يجعلنا نحس أننا إزاء زمن واحد مطلق؛ ويعد الموت في روايات بحثنا (اللحن الدوار السيمفوني) الذي يتردد في كل فصل من فصول الرواية وهذا يعني توقف جريان الزمن وينتج عن هذا فقدان تدرج الحدث، وبالتالي فقدان التشويق، وسيادة طابع المملل، كما أن تدمير الزمن يؤدي إلى انفجار زمن القصة المتخيلة كما يقول ريكاردو.

وأخيراً (نفي الإيهام) وهذا يعني عطب الذاكرة والالتباس والتصدع، وعدم اليقين، إذ يشعرنا الراوي بأنه يعرف ثم ما يلبث أن يعلن أنه لا يعرف، إن التأكيد على هذه المسألة نجدها في مواضع كثيرة من روايات بحثنا، ويطلق على هذا النفي بـ(الإيهام باليقين) ويعمل هذا على: (التشكيك في قدرة الكلام، أو في قدرة المتخيل الحكائي على أن يكون حقيقياً بذاته، أو بعلاقته مع الواقعي، أو مع معنى واحد يسمى هو في حكايته سوى وجه قابل للتعدد وتعدد المرايا والرواة).

يجب التنويه أولاً إلى إن رواية (خريف البطريرك) حازت على جائزة نوبل في الآداب لعام 1982، وقد طبعت أكثر من ست طبعات، اعتمدت في تركيب أحداثها على مبدأ التوليف كما أشرنا سابقاً؛ وثانياً صدرت رواية (رحلة غاندي الصغير) للياس خوري عام 1989، وقد تحدثت عن اجتياح إسرائيل لبيروت عام 1982.

وثالثاً: حازت رواية (سيد العتمة) لربيع جابر على جائزة الناقد لعام 1992 التي تحكي عن قرية لبنانية إبان الاحتلال التركي، أما رواية (مواء) لطه حامد شبيب فقد كتبها عام 2001 هي الأخرى تحكي عن الموت.

ثمة تساؤل يجول في خاطري لماذا يقلد الكتاب (ماركيز) أهي الرغبة في التقليد؟ أم قصور في التخييل؟ أم هناك قوة خفية سحرية تؤثر في هؤلاء الكتاب؟ لأنهم عدوا (ماركيز) إنموذجاً للثقافة فعمدوا إلى محاكاته، لأنه خلق أدباً عميقاً وجميلاً استطاع من خلال رواياته أن يعري الواقع وما فيه من قبح وتفاهة.

وبشاعة، وأنانية، وحروب، وقتل، ودمار، وخراب، وقمع، واستهتار بحقوق البشر، واضطهاد الحرية؟

كل هذه المسائل الآنفة الذكر من الممكن أن تكون هي الدافع الذي وجه الكتاب إلى مثل هذه الكتابة؛ فضلاً عن تأثر ماركيز بسحر الشرق لاسيما حكايات ألف ليلة وليلة، وعمل هذا على تفجير طاقاته الخيالية عن هذا السحر، وهذا يعني إن السحر كان عندنا ولم نره لأننا لا نرى بعيوننا إنما نرى بعيون الآخرين.

إن تذويب أجزاء من خطاب ماركيز (خريف البطريرك) داخل خطاب هذه الروايات يتم بوعي وقصدية من الكتّاب، لقد قام هؤلاء الكتاب بمحو حدود النص القديم مضيفين على خطاب الآخر نغمته وتعبيره، وأسلوبه الخاص، لذا نجد أنفسنا أمام أعمال تتماثل فيما بينها في الإطار والنسق والعلاقات؛ ويطلق على هذا النوع من المحاكاة أو التناص بـ(التناص الظاهر غير المستتر)، وأن كان غير مصرح به، إلا أنه يتم بوعي وقصدية من الكاتب مشعراً القارئ بأنه إزاء نص تم إنتاجه من تذويب النص الآخر، ومحوه وإعادة خلقه بالكامل، بحيث لا يعود أكثر من ذكرى بعيدة أو مصدر إلهام لنص من مصادر أخرى.

يمكن أن نحصي النقاط التي توصل إليها البحث للكشف عن كيفية امتصاص رواية (خريف البطريرك وإعادة خلقها في هذه النصوص الثلاثة:

1- تحاكي الروايات الثلاث النمط الماركيزي كما أشرنا، إذ تستنتج الروايات على وفق مبدأ الميتات الزائفة، وتعد هذه اللازمة المتكررة سيمفونية، أو لحناً هارمونياً يتردد في كل فصل في كل روايات بحثنا، ثم نكتشف وعلى لسان الرواة أنه حي.

في رواية خريف البطريرك يقول: (كان ذلك بالضبط بعد ميتته الزائفة) ويقول: (صار موته شبيهاً بميتات أخرى ماضية).

وفي سيد العتمة تتكرر ميتة البيك الغريبة والخادعة، غذ يظهر البيك، وأحياناً يختفي يقول: (كانت تلك الميتات المعلن عنها في أضخم المناسبات والأعراس خدعة هائلة لتجريده من المؤيدين وجعلهم أعداء له). ويقول: (إن المفتاح الوحيد لقلعة الميتات الغريبة كان قد ظهر ليلة موت أمه).


الكاتبة كاري فيشر والتمثيل وعذابات الإدمان

برنارد وينروب

لا أظن أن سوزان فيل Vale، بطلة رواية كاري فيشر الجديدة، (أفضل السيئين The Best Awfil)، مطلقتك الهوليودية النموذجية، حتى وفقاً لمعايير هوليود. فقد نسي زوجها السابق أن يخبرها أنه كان ماجناً. وأمها الراقصة النقرية هي نجمة سينمائية خلال الخمسينيات تركتها زيجاتها الفاشلة الثلاث، كما تكتب فيشر، (ذليلة علانية، ومفلسة، ومفلسة مرة أخرى). أما أبوها، وهو شهير سابق وتحت العلاج الآن، فقد ابتلع سماعة أذنه، طالباً من أفراد أسرته أن يصرخوا داخل بطنه كي يسمع! وتتأرجح حياتها على الحافة حتى تسقط جانباً وينتهي بها الأمر في مستشفى للأمراض العقلية.

(كنت سأكتب هذا كسيرة شخصية)، قالت فيشر، وهي ممثلة وكاتبة نصوص سينمائية، إضافة لكونها مؤلفة. (وروايتها الأولى، (بطاقات بريدية من الحافة)، تصور أيضاً عذابات سوزان فيل حين تخرج من رهاب rehab لتواجه حياتها).

(لكنني لم استطع آنذاك أن أكتب سيرة شخصية. فالحقيقة مراقبة شديدة، وأنا لا أستطيع التقيد بها. فذاكرتي سيئة جداً).

إن (أفضل السيئين) التي نشرتها دار (سيمون وشوستر) في كانون الثاني (2004) حظيت بعروض قوية في الغالب، وهي بفعل فطنتها أكثر إيلاماً من (بطاقات بريدية من الحافة) المنشورة عام 1987. فالكتاب الجديد، كما قالت، تصوير حقيقي لظرفها الثنائي القطب حين ينفلت من السيطرة بسبب رد فعل شديد الحساسية تجاه المخدرات. ((لا تسالني عن اسمائها)، قالت في مقابلة صحفية، (فهي تشبه الكلمات الروسية)) وقالت فيشر إنها كانت قد بدأت تهلوس: (اصبحت مصابة بالذهان. فلم أنم لمدة ستة أيام. وشعرت أنني أتلقى رسائل سرية من قناة سي ان ان).

واضافت فيشر، البالغة 47 عاماً، أنها لا تزال غير متأكدة كلياً مما حدث لاحقاً. فقد أدخلت المستشفى في مركز Cedars - Sinai الطبي في لوس أنجلس، واحتجزت في (سجن كلي) لمدة اسبوع في الأقل ثم أصبحت مريضاً خارجياً لمدة ستة أشهر. (ولم أكن على ما يرام لمدة عام)، كما قالت.

لقد ورثت ابنة الثنائي ديبي رينولدز  وإيدي فيشر الحالة من أبيها. (ها هو أبي: أنا في الرابعة عشرة من عمري، أذهب إلى بيت أبي فيقول لي: تعالي وشوفي ما حصلت عليه في هونع كونغ، ونمضي إلى خزانة ملابسه، ويريني 175 بدلة حريرية كلها بألوان مختلفة، وأعني برتقالياً وأخضر ليمونياً وأحمر ضارباً للأرجواني).

وبدلاً من الإقرار بالمرض العقلي (سيتمسك أبي بأنه مدمن مخدرات لأن ذلك أكثر رومانسية)، كما قالت. (وقد ناقش السيد فيشر مشاكله مع المخدرات في سيرته الشخصية لعام 1999، (كنت هناك، فعلت ذلك)).

وفي حادث عرضي مثير، وكانت كاوي طفلة، هجر فيشر رينولدز ليتزوج اليزابث تايلر. (لم تكن لدي علاقة كبيرة أبداً بأبي). كما قالت فيشر في حديثها عن أبيها.

لكنها قريبة جداً من رينولدز. (إن أمي شخصية كبيرة، إنها سريعة البادرة في الواقع ومنضبطة). (وتنعكس علاقتها بأمها تقريباً في نسخة عام 1990 السينمائية من رواية (بطاقات بريدية من الحافلة)، التي لعبت فيها ميريل ستريب دور كاري فيشر، أما أمها، نجمة الخمسينيات السينمائية المتوهجة المسماة دوريس مان، فقد لعبت دورها شيرلي ماكلين). وكان من الصعب عليها، في ظل أمها أن تصبح ممثلة، كما قالت. (فقد كانت هذه النجمة السينمائية، وكان لها نورها الداخلي، كانت تتوهج من الداخل. وكان هناك شيء ما في داخلي لا يبرز. لم أكن من ذلك النوع).

كانت حياتها المبكرة مضطربة بالرغم من الثراء الذي اتسمت به. (لم تكن من نوع (بابا يعرف أحسن)، وأنا كنت اريد ذلك كثيراً جداً). كما قالت، (كانت من قبيل أننا نكبر البعض جوار البعض الآخر، وليس البعض مع البعض الآخر. مثل الاشجار). ويوجد لفيشر شقيق أصغر، تود، يعمل مساعداً لشؤون الأعمال لمؤسسة رينولدز. (وكانت الدار)، كما قالت فيشر، (دار كبيرة كانت تعمل فيها أمي معظم الوقت، وكان يسودها نوع من الصمت. كان كل شيء رائعاً ومحبباً إلى النفس، لكن كان هناك تحت شيء ما ليس على ما يرام). التفاصيل

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة