قيم الاستبداد الذكوري في
الذهنية العربية
مهدي النجار
في مقالنا هذا نستبعد الخوض في -او نتغاضى عن ثلاث قضايا:
القضية الاولى: عدم مناقشة الخطاب المعلن للحركات او
التنظيمات السياسية والاجتماعية والدينية التي تزعم ان
التجمعات النسوية تؤيدها لانها تعبر عن تطلعات المرأة وبذا
تكسب في خطابها المتعاطف مع الاناث نصف اصوات المجتمع وتضيف
ارقاماً مرموقة لصالح صناديقها الانتخابية، في حين نجد ان
ثقافة هذه التنظيمات تركن الى تصورات تقليدية مريحة تستبد
بها نزعة ذكورية مفرطة تسوغ الطرد الهوسي للانثى وتحيط قيمها
التراثية باطر تحريمية قاسية تحت ذريعة التقاليد والاعراف
متغافلة عن ان هذه التقاليد والاعراف هي ظواهر تاريخية وهي
ثمرة اجتهاد بشري تخضع للبحث والنقد والمناقشة.
القضية الثانية لا يهدف مقالنا لتحرير الوضع النسوي من
العذابات لان مثل هذا النحو يتطلب التحليل الواقعي
لاقتصاديات الاجتماع العربي الذي آل في هشاشته الى تهميش
الناس في عمارات اقتصادية راكدة كما هو حالنا في الاستخراج
البترولي، هذا النمط من الواقع الاقتصادي تطلب تدريب الذوات
الذكورية المالكة، الملك، الرئيس، وافراد عائلته على سلوك
طرز عيش ذكورية ترفة وباذخة وانيقة ومترفعة تفرض حرماً
قمعياً على الآخرين -من كلا الجنسين- لان يسلكوها عبر حيازات
مالية وعقارية واسعة وامتلاكات آلية وآدمية مسرفة (زوجات،
اماء، سرايا، قينات، جواري، عاهرات، خدم مخصيين، شعراء اذلاء
وكتاب فكاهة ودجل ووعاظ وندماء...الخ). اذن فمثل هذا النحو
الهادف لتحرير المرأة يقتضي تحليلاً للمضمار الاقتصادي
والسياسي الا انه من الخطأ الشائع القول بأن تحرير المرأة
يتوقف عند ذلك التحليل، ثم يأتي المضمار الذهني لاحقاً او
تابعاً فالحقيقة هي تساوق هذه المضامير مع بعضها بل في
مجتمعات غير متعلمنة وغير متعلمة تكون التصورات قوة لا
شعورية ضاربة في نخاع العقل الجماهيري من يساره الى يمينه،
قوة رهيبة تطور نفسها بآليات ذهنية زائفة، مرقعة ومؤولة،
عقول واسعة متبحرة في تقديس وشرح اللا معقول.
القضية الثالثة: استبعاد الموضوعة النفسية الهامة التي يجب
ان يخضع من اجلها وان يؤهل طفلاً حديث الولادة (او مولوداً)
لان يكون انثى تناولت هذه الموضوعة بتحليل قدير وبالغ
الاهمية نوال السعداوي في جزأي كتابها: (المرأة والجنس)
الجريئين.
علينا هنا مهمة تظهير الفارق النوعي (الاستبدادي) للجنس
الذكري بشكله الكارثي في الذهنية العربية ومخيالها البعولي
الشوفييني (البعل: المالك= الصاحب=الرب) حيث يمارس
الايديولوجيون العرب في تكريسه لصالح طهرانية الذكورية
ونتفحص اولاً بأول القيم البعولية التي اطلقت العنان لقولنا
بتوصيف الذهنية العربية بهذه الصفة، أي صفة الاستبداد:
اولاً: قبل الخلق البشري، نستخلص بإيجاز من الحكمةالعربية
القديمة (قبل الاسلام) ان الرجل هو ظل اله او الملك هو مرآة
الاله، هناك في الفوق توجد: سلطة، قوة، اله، العلة والسبب
لكل شيء (اشتق) (الاله) من (أل) اللاهوتية التي تعني (القوة)
وكانت اسماءالاله مسبوقة بإشارتين (أل أل) اصبح فيما بعد
(الله) بالادغام. (البنية الذهنية/ د. يوسف الحوراني/ دار
النهار/ بيروت 1978) ويتضح قبل خلق آدم ان سلطة الفوق هي
سلطة ذكورية لان الرجل هو ظل اله ونستبعد بذلك ان تكون
السلطة انثوية او ان يكون ملكوت السلطة ملكوتاً انثوياً
ونستغرب لماذا كان العرب يقولون: ان الملائكة وهذه الاصنام
(اللات والعزي ومناة) بنات الله وكانوا يبعدونها ويزعمون
انها شفعاؤهم عند الله ومن جهة ثانية يئدون بناتهم؟! ولا
نعرف تفسيراً مرموقاً لهذين السلوكين عند العرب قبل الاسلام:
عبادة بنات الله ووأد النساء واذا الموؤودة سئلت بأي ذنب
قتلت) اذا صح اعتقادنا بأن (الوأد) كان ظاهرة دينية عبادية
تقديم القربان وليس ظاهرة مجاعية او تنكيلية يزول الالتباس
وتكون الوثنية العربية منسجمة مع نفسها في حقل (البنات)
العبادة وتقديم القربان. قطع الاسلام التوحيدي دابر هذا
التخليط الوثني وفرز بصورة حاسمة وقاطعة سلطة الله عن
الشوائب الأنثوية فمن كبائر الاثم تسمية ملائكة الله تسمية
اناث وفي مجال النذور والاخلاص للعبادة تكون للغلمان دون
الإناث الا مريم (العابدة) التي قبلت مقام الذكر في النذور
ولم تقبل قبلها انثى لاصطفائها على نساء العالمين (تفسير
النسفي/ دار احياء الكتب العربية. بيروت/ ح4) وعلى اساس هذا
الفرز القاطع والحاسم سيرسل (الله) خلفاءه (ظلاله) الى الارض
من الجنس الذكوري سواء قبل الخلق البشري: ابليس، اوبعد الخلق
البشري: آدم.
ثانياً: الخلق البشري تختص قصة الخلق البشري بالجنس الذكوري
(آدم) المخلوق من الطين اللاذب (اللزج) الطيب ولا نعثر في
اغلب مراجع قصة الخلق على كيفية مستقلة لخلق الجنس الانثوي
(حواء) انما هي تابع او تخليق جزئي من جسد الرجل: (ان المرأة
خلقت من ضلع وان اعوج شيء في الضلع اعلاه ان ذهبت تقومه
كسرته وان تركته لم يزل اعوج) تتركز قصة الخلق الاسطوري
للانثى في محورين: التفاصيل |