الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

بعد أن كن ينظمن مظاهرات لمناصرة جميلة بوحيرد وانجيلا ديفز النساء العراقيات: بيت آمن أم شارع ضيق مليء بـ(الصيادين)!؟

مها عادل العزي

- رغبة الدخول إلى قاعات المسرح والسينما تمثل ترفاً لنساء لا يستطعن التجوال في الشارع!

- فتاة جامعية: الشارع ليس آمناً بعد الحرب.. ولكن هل نستسلم لإرادة السيئين بترك الدراسة؟

- طبيبة نفسانية: معظم الذين يتحرشون بالفتيات مضطربو الشخصية.

ليس غريباً أن يصادر حق الفتاة أو المرأة في مجتمعنا، فالمرأة ما زالت عندنا تنتمي إلى جنس الحريم، والحريم ليس أكثر من شيء خلق لإسعاد الرجل وتنفيذ أوامره، أما حقها في الحياة، فلا بأس أن يؤخذ منها بكل طيبة خاطر.. فهي أولاً وأخيراً عورة.. والعورة يجب أن تستر بحجج أوهن من خيوط عنكبوت.

من ابسط حقوق المرأة أن تشعر بكرامتها وبحقها الطبيعي في الحياة بدون أية منغصات، واليوم سنتطرق إلى مشكلة هي حصيلة الكثير من التعقيدات والمفاهيم الخاطئة.. إنها حق المرأة الطبيعي (بل البديهي!) في السير وسط الشارع بدون التعرض لأية مضايقات أو إرباكات.. فكيف نحمي الفتاة من ذوي النفوس الضعيفة ممن يؤذونها بسلوكيات منحرفة؟

تاريخ مشرف

قلت للسيدة زكية الخليفة رئيسة منظمة نهضة المرأة:

- كان هناك تطور نسبي في نظرة المجتمع للمرأة فترة الستينيات والسبعينيات، ومن المفروض أن المجتمع يتطور، لكن الذي حدث هو العكس، فقالت:

من المآثر التي أذكرها للمرأة العراقية ما حدث في عام 1957 عندما قامت الثورة الجزائرية، وكذلك ما حدث في أثناء الثورة المصرية، كان نضال ودعم المرأة العراقية لتلكما الثورتين عالياً ومتفهماً.. تصوري كنا معنيين بإنقاذ (انجيلا ديفز) المناضلة الأفريقية من ايدي الجلادين وذلك ما حدث مع المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وقد كان للمعسكر الاشتراكي دوره في عملية نضال المرأة ووعيها.

كانت المرأة متابعة جيدة لما يحدث في العالم، فكان لذلك مردوده وأثره في المستوى الاجتماعي في العراق.

احتفاء بالأفكار البدائية

ولكن بعد أن هيمن حزب البعث على مقاليد الأمور أطفأ شعلة الفكر في النفوس، بدأ لهب النضال يضعف، خاصة بعد أن تحولت البلاد إلى معسكر للحرب، حينها تغير الكثير من المفاهيم وتراجعت الأفكار وتحملت المرأة أوزار هذه الظروف السيئة وانشغلت بآلامها ومآسيها نتيجة غياب الرجل، وقد أسهمت السلطة الفاشية إسهاماً كبيراً في هذا المجال، فتراجعت القيم والمثل الإنسانية وهذا هو أهم الأسباب التي أضعفت دور المرأة وعمقت الهوة بينها وبين كل الأفكار الجيدة، وأصبح الفكر في العراق جريمة كبرى ما عدا فكر السلطة السائد المعمق للسادية.

*نلاحظ في الفترة الأخيرة وفي الشارع العراقي رغبة قوية في النيل من المرأة إن لم يكن بالفعل فبالقول.. فما هو السبب في رأيك؟

نحن في بلد تغذيه باستمرار جذور العشائر فهو ليس بالبلد المتطور اجتماعياً أو اقتصادياً وثمة احتفاء بالأفكار البدائية الموروثة وهو يرفض الجديد، والمجتمع عندنا ينظر إلى المرأة على أنها الحامي لشرف العائلة أو العشيرة، وفي ما لو حدث أي خطأ فسوف تنهال عليها هذه القوة الموحدة، فالمرأة تحمل اكثر من طاقتها باعتبارها تمثل شرف العشيرة، ومن ناحية أخرى وعلى النقيض تماماً يرونها مخلوقاً لا ضير من النيل منه، فهم لا يفهمون ما لها من حقوق  وتمثله في كونها الشريك الباني في المجتمع إن كل هذا هو حصيلة اللا تطور في المجتمع.

إنهم يخدشون الحياء

بعض الأسواق والأماكن العامة أصبحت حكراً على الرجال، وبحكم الظرف السيئ تصور ذوو النفوس الضعيفة أن من حقهم أن يعترضوا طريق أية امرأة تتواجد أو تمر في أي من هذه الأمكنة.. عن هذا تتحدث لنا هند محمد إحدى طالبات كلية الطب:

- كمرحلة منتهية نحن نطبق في مستشفى اليرموك.. وبما أني من سكنة الرصافة اضطر مع زميلات لي أن اذهب إلى كراج العلاوي أو إلى الباب الشرقي، هناك نضطر إلى سماع الكثير من الكلمات السوقية التي تخدش الحياء، وأكثر من هذا نحن نشعر بالخوف والرهبة في ما لو تأخر الوقت قليلاً، خاصة وأن فصل الشتاء على الأبواب، فالشارع ليس آمناً وهذا ما يعرفه الجميع.. بعد الحرب تزايدت حوادث الخطف والاعتداء.. لكن ما العمل؟ هل نترك الدراسة ونستسلم لإرادة السيئين؟

أين المشرفون التربيون؟

السيدة مسعدة محمد تعمل كاتبة في إحدى مدارس البنين.. حلال عملها الذي استمر أكثر من عشرين عاماً خبرت الكثير.. عن أيام زمان تقول:

كانت المرأة في شبابي تتمتع بقدر معقول من الحرية.. كانت تدخل إلى السينما وتشجع الكرة في الملاعب وتسافر في البعثات إلى الخارج.

شاركت في أعمال البناء واشتغلت كسائقة أجرة وذهبت إلى أعمال التنقيب، ولم يكن أحد يفكر في أن ذلك عيب أو فعل غير اخلاقي.

ومما يعرفه أبناء جيلي أن هذا النمط السائد من التحرش، لم يكن الشارع يعرفه، فالشاب كان يراعي حرمة محلته ومنطقته ويتفاخر بهذا ويعده مقياس رجولته. بحكم ظرف عملي أؤكد على القائمين في وزارة ومديريات التربية إيجاد مشرفين تربويين في مدارس البنين والبنات، فالطالب في مراحل عمره المتقدمة من الممكن السيطرة على سلوكياته وضبطها وتقويمها، ومما يلاحظ أن هذه المهنة تتخذ في مدارسنا صورة شكلية لا أكثر.

نتاج الحروب

الحروب المتعددة وعدم الاستقرار والظرف الاقتصادي الصعب، كل هذه عوامل ساعدت على تغيير المجتمع ورجوعه إلى الخلف بدل تقدمه، فلو سار الظرف على غير هذا النحو لكان مجتمعنا غير ما هو عليه اليوم.. ولتجنبنا الكثير من المشكلات... والكثير من الظواهر السلبية.. هذه الظواهر التي تخفي وراءها حملاً لا يطاق من التخلف والتعقيد. الدكتورة مكحولة حسين طبيبة اختصاصية في الطب النفسي التقينا بها في مستشفى أبن رشد للتحدث في هذا الموضوع وعن دور المجتمع تقول:

- بدأ المجتمع بالتغير بعد حرب إيران، فالكثير من المفاهيم تغيرت، فالنتيجة الحتمية تقول أن أية حرب تجعل المجتمع يتجه نحو العنف، والحكومة السابقة شجعت العنف تقول أن اية حرب تجعل المجتمع يتجه نحو العنف، وميزت الرجل. من جهة أخرى نحن مجتمع بدائي لدينا العديد من الموروثات عن المجتمع القبلي البدائي، من آثار ذلك أن المجتمع لما يزل يفرح للمولود الذكر ويحزن للأنثى، والمناخ الحالي يشجع مثل هذه الظواهر، فالرجل مهم فهو كما تعلمنا المقاتل والمحارب والمتمتع بجميع الامتيازات.. هذه الحقائق موجودة أصلاً، وفي أي مجتمع لكنها كانت بحاجة إلى مناخ يغذيها أو يكبحها، وما حدث أن المناخ العام عندنا غدى هذه الحقائق بشكل غير طبيعي، فالطفل نشأ على هذه المفاهيم، فالبنت أقل قيمة من الذكر، وهذا الشيء موجود في المجتمع سواء الفقير أم الغني. لقد أعطى الإسلام الكثير من الامتيازات للمرأة، لكن وللأسف بعض الرجال في مجتمعنا لا يأخذ بها، ويأخذ من الدين ما يناسب مزاجه فقط.

سايكو باث

*هناك سيل من الكلمات الجميلة.. كلمات عن سحر العيون وعن ما خلق الله من جمال.. هذا الكلمات البريئة تخلق البهجة وصفاء النفس، ومثلما يقال أن الله جميل يحب الجمال فالفتاة تحب الكلمات البريئة والصادقة، لكن وللأسف هناك من يستعذب إيذاء الفتاة وربما تطور الأمر إلى سلوكيات منحرفة وشاذة.. فما هي الأسباب النفسية لذلك؟

- معظم الذين يتحرشون في الشارع هم من المضطربين شخصياً من (السايكوباث) هؤلاء طبيعتهم عدوانية في كل الأوجه من الحياة، ليس فقط مع النساء، ويوجد نوع منهم غير كفء أو جبان، فهذا يكون بطبيعته ضد الأضعف جسديا أي النساء فهو يعرف أنه لن يتلقى عقوبة، وهناك نوع من التربية تؤثر في النفسية كأن يشاهد الولد اباه يضرب أمه، وأمه لا ترد فيترسخ في نفسيته أن هذا حق من حقوقه، أن الذي يشجع هذه الحالات هو المجتمع، من ضمن ذلك يوجد من يعطي لنفسه مبررات ليخرج عدوانيته وينفس عنها، فهناك المنحرفون جنسياً، وهؤلاء يعمدون إلى الحرشة الجسدية للإثارة، وغيرهم ممن يطمحون إلى اللذة عن طريق رد الطرف الآخر حتى وإن كان سلبياً.. الدراسة النفسية تؤكد أن العنف على المرأة يكون نوعاً من الإزاحة، فعادة لا يستطيع أحدهم أن يرد على الشخص الأقوى منه فيرد على الأضعف منه، وبذلك يروح عن نفسه نفسياً، فهذا نوع من الدفاع النفسي الذي يستخدمه الرجل.

 

 


 

 

ذكورها أكثر من إناثها.. ولا يفضلون الزواج بأكثر من واحدة بهرز.. هدموا قبتها، وشردوا اللقالق التي ضيفها البهرزيون قروناً شمل حكم جدتها اشنونا المنطقة الممتدة بين جبال زاغروس ونهر دجلة

كتابة / أديب ابو نوار

وصلتها في صباحات تؤشر للخريف إنها بهرز، نسيم عطر بارد ناعم، وأنهار تواصل همتها رقراقة عذبة، وناس يحتفلون بالعمل طوال ساعات النهار. فالبهرزيون أناس منتجون، يعرفون النهوض المبكر منذ بدء الخلق، مثلما يعرفون تناول وجبات طعامهم مع وقت الأذان. لهم فن في صناعة الحدادة والجريد والحياكة، ولهم معرفة في شؤون الزرع والشجر، يستغلون شبر الأرض ومنه ينتجون فيصدرون الحمضيات إلى ابعد نقطة عند الجنوب والتمور إلى أقاصي الشمال، لهم محبة في الغناء والطرب ودراية بالشعر والأدب تكثر عندهم الكنى والألقاب وبذلك أحصيت ما يقرب من خمسمائة كنية لخمسمائة عائلة دون كنى الأولاد والأحفاد.

إنهم مسحورون بضفاف نهر ديالى كأنهم امتداد للماء، ومتعلقون بالشجر كأنهم يمتلكون عنصر الخلد والبقاء. عند ريفهم بقول وافر وأرانب وطيور الحجل، وتكتظ بساتينهم بأصناف الطير من العنادل والحمام إلى البلابل. مثلما عندهم طير مهاجر، للخريف لقلق، وللصيف هزار يأتي من تخوم الهند، وعصفور آبد المقام يتبعه سرب للزاغ وآخر للزرازير. تفقدتها بشغف إداري ضياءها وأحكي مع جدران بيوتها وأمعن النظر بغبار درابينها وأنا أتأمل مقولة أحدهم لصاحبه الذي أضاع حماره. لقد سمعت صوت حمارك في الحي الفلاني!! أنها فردوس مبهج وساحة من محبة وألفة.

بهرز في التاريخ

قلبت أوراق الحكاية فوجدت حكايات تقول: شهد النصف الأول من القرن العشرين اكتشاف مواقع لواحدة من أهم حضارات بلاد الرافدين عبر التاريخ ونعني بها حضارة مملكة (اشنونا) واشنونا بالمعنى هي (بيت الأمير) التي مركزها ومقر حكمها في (تل اسمر) ضمن حدود الرقعة الجغرافية لناحية بهرز. وهي حضارة - كما ذكرت ذلك المدونات التاريخية - شمل حكمها المنطقة الواسعة الواقعة بين جبال (زاغروس) شرقاً إلى نهر دجلة غرباً. وكذلك المناطق الواقعة على الضفة اليسرى لنهر ديالى عند مصبه الحالي في دجلة.

وكانت مملكة اشنونا مزدهرة وذات شأن في عصر السلالات (3000 - 2270ق.م) إلا إنها أصبحت بعد ذلك تابعة للحكم الأكدي، ثم بسطت سلالة أور الثالثة سلطانها عليها. وأعقب ذلك فترة استقلال دامت حتى السنة الثانية والثلاثين من حكم (حمورابي) الذي ضمها إلى امبراطوريته. وفي (تل اسمر) اكتشف المنقبون أقدم مسلة قانون في التاريخ البشري وتحمل مواد قانون مملكة اشنونا بـ(61) مادة تناولت مختلف جوانب الحياة وهي أقدم من شريعة حمورابي التي في مسلته بحوالي (200) سنة، مثلما اكتشف المنقبون أقدم شبكة للمجاري عرفها الإنسان يعود تاريخها إلى (2500ق.م) كما ذكرت ذلك - وبالصورة - الموسوعة الأمريكية في جزئها الثاني وعلى صفحتها المرقمة (11).

كانت أشنونا.. ثم كانت بهرز

في معجم البلدان لياقوت الحموي المتوفى سنة (626هـ) قال في باب الباء. بوهرز (بالضم ثم الفتح وسكون الهاء وكسر الراء وزاي) قرية كبيرة ذات بساتين وبها جامع ومنبر، قرب بعقوبة، بينها وبين بغداد نحو ثمانية فراسخ، وقد روى قوم فيها الحديث.

الدكتور أحمد  سوسة في (ري سامراء) يرجح أن بهرز ما زالت في موضعها القديم شرقي النهروان حيث أنها تقابل الكيلو (188) من مجراه.

وذكر بعضهم في حوادث (1688م) أن الطريق القديم إلى بعقوبة من بغداد يسمى طريق بهرز وهو يبدأ من الباب الوسطاني في بغداد.

جلال الحنفي في (معجم اللغة العامية البغدادية) ذكر أن بهرز من قرى بعقوبة والبهرزي نوع من العنب أبيض اللون حلو الطعم يكون نضجه مبكراً بين الأعناب، والبهرزاوي من المقامات الغنائية المنسوبة إلى بهرز. مشيراً إلى أن بهرز وهي من مقطعين تعني (به - حسن) و(روز - يوم) وهو تخريج لا يقترب من الفائدة لأن المفردة ليست بهرز وإنما بوهرز.

نسب إليها أبن المستوفي المتوفي سنة (637هـ) في كتابه (تاريخ اربل) (ابا الحسن علي بن عمر بن الحسين البوهرزي) قال: من قرية من قرى العراق تسمى بوهرز ويعرف بابن القاضي من اصحاب الشيخ علي بن الهيتي. ورد اربل سنة خمس وتسعين وخمسمائة للهجرة، في رجب منها.

جاء منقوشاً على باب خان مرجان الأصلية، في الجهة الشمالية من الخان، في داخل سوق البزازين في الوقت الحاضر، في نص أمر إنشاء هذا الخان وذلك للأملاك الموقوفة له فأشار المنقوش فيما أشار إليه (بساتين في بعقوبة وبوهرز والبندنيجين) والبندنيجين هي مندلي الحالية. والمعروف أن هذا الخان تم إنشاؤه سنة 760هـ - ولكن ليس من المعروف أين ذهبت أوقافه في بهرز حالي برغم أن هناك مقاطعة كبيرة من البساتين تسمى (الوقوف) وهي معروفة عنه القاصي والداني من أبناء بهرز.

بهرزيون

البهرزيون حاكة ماهرون.. حرفيون حاذقون.. يستغلون شبر الأرض ومنه ينتجون... أرضهم لا تتعب.. ماؤهم لا يشح.. سوقهم لا ينضب.. تاريخهم الشجرة ومعرفتهم الخير... لهم معرفة بلغات الدواب ويعرفون لغة الثمر.. من اللون كم بها من السكر.. ومن الحجم كم بها من العافية.. يستيقظون مبكراً.. حالة استثنائية أن يكون من البهرزيين من ارتبط بزوجتين... يحترمون المرأة كما تريد الحضارة.. ويمنحونها فرصة الذهاب للجامعة وهم باتجاه البساتين يذهبون. هذا نوع من البشر فريد بتكوينه.. يحب المكان.. يقدسه ويتعاطى معه ماء الحياة لذا هم كثيراً ما يتذكرون.

فجوة في الذاكرة

في يوم سبت من أيام كانون الثاني عام 1971 وبالضبط في الثالث والعشرين منه - في ذلك اليوم استيقظ البهرزيون على صوت شفلات وحادلات.. أزيز.. هدير بل قل ولوه واضطراب، تساءلوا ما الذي يحدث؟ قالوا لهم: سنزيل قبة (ابو محمد) وتحول رفاته إلى مكان آخر لكي يستقيم الطريق.. بكى البهرزيون، ما الذي يفعلوه باستقامة الطريق؟ دعونا نعبر الدنيا من القطب إلى القطب ولكن ابقوا لنا هذه القبة. إنها ليست قبة من حجارة ليست مرتفعاً.. ثم اللقلق.. اللقلق!! هذا الذي ضيفناه من مئات السنين أين سيرحل؟ تساءلوا ولكن ما من مجيب. هدموا القبة وهدموا معها تاريخ عاشقين وحناء أمهات وخربشات طفولة. لم يكتفوا بهذا، بل هدموا جسور الخشب وأتوا بالسمنت والفولاذ... آه من محنة السمنت والفولاذ، اليوم وكلما توقف التيار الكهربائي يدرك البهرزيون الحقائق. لقد كانت بيوت الطين باردة، يقولونها بحسرة. وبيوت الطين باردة رشها البهرزيون بماء الورد وعلقوا عند مداخلها اقفاص البلابل.

بهرز في الأرقام

في ملفاتها وحسب إحصاء عام 1997 قرأنا أن نفوسها (43) ألفاً و(978) فرداً في حضرها (11) ألفاً و(548) من الذكور و(10) آلاف و(499) من الإناث وفي ريفها (10) آلاف و(860) من الذكور و(11) ألفاً و(61) من الإناث وبهذا يكون مجموع ذكورها ريفاً وحضراً (22) ألفاً و(408) آلاف ومجموع إناثها (21) الفاً و(560).

يخدم هذا العدد من الناس سبع مدارس ابتدائية وثانويتان ومتوسطتان وروضة واحدة وذلك في حضرها، وتخدم ريفها (25) مدرسة ابتدائية ومتوسطتان وثانوية واحدة. وما دمنا في الأرقام نقول إن لبهرز مركزاً صحياً وعيادة شعبية مسائية يعملان لتحضرها وبهذا تكون بهرز بحاجة إلى ثلاثة مراكز صحية تخدم ريفها. فمن المعروف أن لبهرز (36) قرية تشكل امتداداً لريفها الأنيق المنتج، كذلك فيها مكتبة عامة عامرة وخمسة جوامع ولريفها سبعة جوامع ولذات الريف تم حفر (34) بئراً مثلما هناك العديد من السيارات الحوضية. وبمقدار ما نفذت آلاف الأمتار من شبكات المياه عبرت شوارع وأضافت لمقبرتها خمسة دونمات وعندها مشاريع لابد من إنجازها إن أرادت لها تطوراً وخلاصاً من معضلة سيارات (المنفيست) وذلك بتعريض الطريق من مركز الشرطة القديم وحتى السوق وفتح شارع في الجهة اليسرى لنهر خريسان يمتد من مركز الشرطة وحتى مقر الشعبة الزراعية.

فضاء خير وشهادات

بأرضها رفات علماء أعلام وبفضائها بركة السماء تحسد شعر أطفالها وتنفض عن شجرها متعلقات غبار أتت من البعيد. وفي ملفات ابنها المرحوم (محمد جاسم البهرزي) الذي انجز الجزء الرابع من تاريخ بهرز قبل وفاته وجدنا.

إن محمد عبد القادر المعروف باسم (محمد عرب) هو رجل من أهل النعمانية استوطن بهرز وبنى فيها جامعاً يعرف اليوم باسم جامع محمد عرب.

وإبراهيم الغرباوي هو آخر المشتغلين بقضايا الصوفية وهو دفين جامع بهرز الكبير. والشيخ (إحميد) وهو من الزهاد العباد الذين برزوا في القرن السابع عشر للميلاد ودفن وسط البلدة - في بيت محمد الناهية - وأبو محمد دفين مدخل بهرز الشمالي يزوره الناس أيام الأعياد. وأبو عمر السهروردي وهو رجل من مشايخ الصوفية يوجد له مقام في جامع السيد عصمان في أحد مداخل سوق بهرز. والسيد محمد القبابي أحد أبرز من دفن في ظاهرها ومعه الشيخ زنكي وإمام ويس والسيد أحمد التهليلي المعروف لدى العامة باسم (ابو خميس) والشيخ حبش والشيخ صفاء من اصحاب تاج العارفين وقد نوه بذكره الدكتور المرحوم مصطفى جواد في أكثر من مناسبة وهو من القرن الثامن للهجرة. وهناك على مقربة من مبنى الإذاعة يوجد ضريح الشيخ الغرزيني. مثلما هناك أبو الحسن الجوزقي المعروف باسم ابو عراج ويسميه العامة أبو عروج وأحمد الباقلائي ويعرف باسم أبو فياض وأبو الكرم. وكلها أضرحة لها قباب وعندها قرى ومريدين.

شهادات

بهرز قرية قديمة جداً ولابد أن تكون فيها آثار وإن قاضي بعقوبة الذي له مواقف مشهودة ضد الاحتلال يعرف بالبهرزي.

عبد الرزاق الحسني / 1927

في بهرز الحياة هادئة وبساتينها غراء ويتمتع أهلها بوعي فكري.

د. خالد ناجي / 1941

بهرز في العراق من مواطن تدوين السنة المشرفة على مر التاريخ.

المؤرخ: عباس العزاوي / 1943

المقاهي البهرزية هي مجتمع الناس على الجدول الذي يمر من وسط البلدة بشكل بهيج.

باقر الشكرجي / 1957

بلدة بهرز هي حقاً بلدة ذات سمات وملامح لم أشاهد مثلها في حياتي القصيرة.

د. طارق حسون فريد / 1953

كم أجد في نفسي من الشوق للحديث عن الأيام التي زرت بها بهرز.

طلعت الشيباني / 1954

إن بهرز عبر التاريخ كانت تؤلف الحزام الأخضر لاسيما في العهد العباسي

عبد المجيد لطفي / 1974

الواقع البهرزي يستحق أن يدرس اجتماعياً.

علي الوردي / 1977

بهرز بلدة وديعة وأهلها يتصفون بالطيبة ومن المشاهد الرائعة فيها طرز البناء السكني المتباين الارتفاع.

محمود العبطة / 1968

وجدت في بهرز أن الكثير من أبنائها فيهم علامات جنون أو إنهم مشاريع جنون.

الفنان مقداد عبد الرضا / 1991

بهرز.. مشاهد

حين تذهب إلى الوصف في الأسماء تقول إن في بهرز إبداعاً في شتى الجهات. أدباء ورسامون ومطربون وصحافيون. ذهبت كتابات بعضهم إلى أقاصي الدنيا فكانت ابنتها (لطفية الدليمي) قاصة وروائية ومفكرة مجتهدة وجادة. وكان شاعرها (إبراهيم البهرزي) مبتكر المفردة في لغة الصياغة. وذهب أطفالها إلى (شانكر) في الهند بهمة ابنها (يحيى البهرزي) فكانت جوائز لابنائها (انتصار البهرزي ومثنى البهرزي وتغريد البهرزي وزهير علي مندلي) منهم من ذهب إلى بلاد الثلوج ومنهم من عرف الأكاديمية في الفنون.. وبهرز المغتربة بين الريف والمدينة حربت صناعة السينما فكان ابنها المرحوم (كامل العزاوي) مخرجاً لأول فيلم عراقي بالألوان اسمه (نبوخذ نصر) وجربت الرسم بشغف فأخذت أعمال ابنها (منير العبيدي) تعبر إلى عمان والإمارات ومنهما إلى آفاق بعيدة. وغير هذا ما زالت بهرز تغني بحب وخشوع (خي.. خي) وهي تحرر مقام البهرزاوي بصوت فنانها المبدع (ناظم شكر) ومن هذا كله خرجت أسماء محلاتها (المنثر، الهنود، باب السوق، باب الخان، المنتريس، الفضوة، المشراكة (بكاف أعجمية) كاع الجبيرة، أما (الجاموس) وهذه محلاتها منذ الأزل.

بهرز تستقبل في مطلع كل خريف أبناءها الراحلين، كلهم يعودون في مثل هذه الأيام فهي أيام تنتج الخير (التمر، الدبس، شراب الرمان، العنب) وتتكرر عودتهم في مطلع كل ربيع حيث البساتين تمتلك رائحة تدمع العين للذتها، رائحة ما بعدها رائحة، نكهة وعبق، إنها رائحة القدام سيد العطور، كذلك تكون هناك صناعة لماء الورد.

ورأيت في ختام جولتنا أن لبهرز حاجات في نهر مبطن وضفة نهر خالية من الأوساخ والنفايات، ودرابين مبلطة بمجرى، وسوق أكثر نظاماً مما رأينا. وصيانة لقنطرتها التي يرجع تاريخ بنائها إلى أواخر القرن السابع الهجري.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة