الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

رحيل فرانسواز ساغان صباح الخير.. (أيها الموت)!

شاكر نوري

في عام 1954، فاجأت  فرانسواز ساغان الوسط الأدبي، بل والعالم بروايتها  " صباح الخير.. أيها الحزن "... هذا الحزن الذي لازمها طيلة حياتها حتى انطفأت  في يوم 24 من ايلول 2004 عن عمر يناهز 69 عاما في مستشفى هونفلور بعد مرور نصف قرن على صدور روايتها الصاعقة. وقد ذاع صيتها باعتبارها تتمتع بشباب دائم، ويعود ذلك لأنها كتبت روايتها الشهيرة  في سبعة أسابيع، ولم تغادرها الشهرة منذ ذلك الوقت. ففي عمر الـ 18 عاما عرفت مجدها الأدبي الذي لصق بها حتى اللحظة الأخيرة. وقد تعدى هذا النجاح  حدود أوروبا القديمة ليصل  إلى  الولايات المتحدة الأميركية التي استقبلتها  وكأنها «ملكة» عند زيارتها الأولى. 

ما هي حكاية رواية (صباح الخير.. أيها الحزن) ؟

كانت روايتها  (صباح الخير..  أيها الحزن) بمثابة «فضيحة عالمية» على حد تعبيرها.. وتوجتها  إلى  القمة الأدبية بحيث اعترف النقاد بأن  «أسطورة أدبية فرنسية قد وُلدت» في  فترة الخمسينيات التي  كان الأدب والفكر الفرنسيان يحتلان موقعاً طليعياً متقدماً على الصعيد العالمي بوجود أدباء ومفكرين كبار من أمثال البير كامو ولويس أراغون وجان بول سارتر وسيمون دوبوفوار.

فرانسواز ساغان  أديبة من نوع مختلف، عرفت بسرعة كيف تقيم عالمها الخاص، وأسلوبها، ووجدت جمهورا واسعا، ولم تزعج يوما أحدا وعلى الخصوص آلاف القراء عندما كتبت:

(على ذلك الإحساس المجهول.. أتردد في إطلاق الاسم الجميل والخطير لـ (الحزن).. الضمير هو إحساس كامل، وأناني إلى حد يعتريني الخجل منه، بينما يبدو الحزن بالنسبة لي جديرا بالتكريم. لم أكن أعرف الحزن. ولكن فقط الضمير والندم، وفي أحيان نادرة، الحب. واليوم، هناك شيء ما ينثني فوقي، مثل غطاء من الحرير الناعم والمثير للغضب، ويفصلني عن الآخرين). هذا مطلع كتاب الرواية التي لم تكن لتأتي بتلك القوة والجمال من دون (بروست) ومن دون (بلزاك).. واعتباراً من هذه الجملة بدا أن لهجة جديدة وشباباً جديداً وعالماً جديداً يرتسم عبر قلم صاحبتها.. وأصبح في فترة وجيزة الكتاب الأكثر مبيعا في فرنسا عام 1954، وتحتوي الرواية على أهم الأفكار والموضوعات العزيزة على قلب المؤلفة "الحياة الضريبية، السيارات السريعة، الفيلل البرجوازية، الشمس، ومشاعر العطب    واللامبالاة والعبث..

تدور الرواية حول فتاة تدعى سيسيل، وهي مراهقة  هادئة، تمضي طفولتها في المدرسة الداخلية. وتعيش منذ عامين حياة  متحررة مع أبيها رايموند، وهو أرمل يشارف على الأربعين من عمره. واعتادت سيسيل على عشيقات والدها  بكل سهولة. وفي ذلك الصيف، يرحل والدها وعشيقته، الزا، وهي في الـ 17 من عمرها، لقضاء  العطلة على الساحل اللازوردي في جنوب فرنسا. كما يدعو رايموند الأب "آن"، وهي امرأة جذابة، كانت صديقة لزوجته المطلقة.  وسرعان ما تأخذ " آن " حياة سيسيل في يدها وتجد لها عملا، وهي التي لم تنجح في امتحان البكالوريا  في ذلك العام. و"آن" تنظر بعين ناقدة إلى مغامرات سيسيل مع سيريل، وهو طالب يقضي عطلته في تلك المنطقة. رايموند  يبدأ  بالتخلي رويدا رويدا عن  الزا ويصبح عشيقا لـ"آن". وقرر أن  يغير حياته ويفكر بالزواج منها، ولذلك تتخوف سيسيل من فقدان حريتها لأن حضور هذه المرأة الذكية والهادئة سيزعزع  وجودها الرائع. لذلك بدأت  تعمل، بسبب غيرتها  على دفع  صديقها سيريل إلى أن يخوض مغامرة غرامية مع الزا من إثارة مشاعر  أبيها. وهذا ما سبب استفزازا كبيرا له بحيث لم يعد  يتحمل هذا الاستفزاز. وينزعج كثيرا من مغامرة  الزا  مع شاب مراهق أكبر من ابنتها قليلا، حيث سرعان  ما يعود إلى أحضان حبيبته القديمة. تفاجئهما " آن "عن طريق الصدفة. ومن يأسها تهرب من أب البطلة لكنها  تلقى حتفها في حادث سير. سيسيل وأبوها يعودان إلى حياتهما العادية الهادئة لكن الفتاة المراهقة تكتشف  مشاعر جديدة وهي: الحزن. تقول في الرواية  "عندما أكون وحيدة في سريري، في الفجر، مع  الصوت الوحيد لصخب السيارات في باريس، تخونني ذكرياتي، ويعود الصيف ومعه جميع ذكرياتي. آن... آن ! أقوم بتكرار هذا الاسم بصوت منخفض مع نفسي  في ظلام الليل. شيء ما يصعد في أعماقي وأنا استقبل هذا الاسم مغمضة العينين: صباح الخير.. أيها الحزن". وعلى  الغلاف الأخير للرواية كتب  الناشر التعليق التالي" كان في صيف 1954. سمعنا لأول مرة الصوت  الجاف والسريع لهذه "الوحشة الصغيرة الساحرة". التي ستحدث فضيحة. وقد بدأ النصف الثاني من القرن العشرين. ستكون على صورة المراهقة الممزقة بين عذاب الندم وعبادة الرغبة".

 وعلى الرغم من أن فرانسواز ساغان كتبت نحو خمسين كتابا، ومن أبرزها الروايات، إلا أن روايتها الأولى هي التي رسمت مسارها الفني الأدبي. ومن أبرز رواياتها الأخرى: "ابتسامة ما" 1956، " في يوم.. في سنة " 1957، هل تحب براهامز "1959،" حارس القلب " 1968، " لا شاماد " 1956، " حارس القلب " 1968 " قليل من الشمس في الماء البارد " 1968، " ضربات زرقاء في القلب " 1972، " صورة جانبية مجهولة " 1974، " الكلب النائم " 1980، " المرأة المعباة " 1981، " مع أجمل ذكرياتي " 1984، " حرب مضجرة " 1985 "، " دم من الأكواريل " 1987، و " لا ليس " 1989، " الهاربون المزيفون " 1992، " مع كل محبتي " 1993، و "  الهم العابر " 1994، " المرآة المشروخة " 1996 و" وراء الكتف " 1998  " ذكريات "  وروايات أخرى. وتتحدث فيها بخفة عن الموضوعات الجادة، مستلهمة  إلهامها من تناقض وجودها، بين نشاطها الإبداعي وحياة المجتمع الراقي وكذلك حياة التوحد والعزلة  الداخلية. وكانت تقول دائماً بأن رواياتها تتحدث  بشكل أساسي عن العزلة التي تحاول أن تهرب منها.  إن أهمية هذه الكاتبة ينبع من روح الحرية التي تميزت فيها فرنسا في سنوات الخمسينيات والستينيات التي احتفت مع الكاتبة، ذات خصلات الشعر الشقراء، وهي تخوض  معارك الحرية، بسيجارتها التي تشتعل بين شفتيها الرقيقتين. صورة نموذجية لكاتبة متمردة  تميزت ببساطة أسلوبها وقدرتها البارعة على التعبير عن أدق المشاعر الإنسانية وبكثير من الشاعرية.. إلى درجة أن الكثير من النقاد رأوا في كتاباتها شيئاً من روح أشعار «شارل بودلير» أو «بول ايلوار».. وتجدر الإشارة هنا مرّة أخرى إلى أنها قد «وجدت» عناوين رواياتها في أعمال هذين الشاعرين كما لدى «بروست» او «راسين».

فرنسا بين سارتر وساغان

 ولدت في 21 يونيو عام 1935  أي في نفس اليوم الذي شهد ولادة جان بول سارتر الذي  غير المشهد الفلسفي الفرنسي وهي التي غيرت المشهد الأدبي الفرنسي..

ويؤكد جميع النقاد على  أن فرانسوا (ساغان كانت ولا تزال، أحد أهم  ـ النجوم الأدبية ـ الذين عرفهم الأدب الفرنسي خلال القرن العشرين.. 

ساغان الطالبة فشلت في اجتياز امتحان البكالوريا في عام 1951 بعد عام من الانغماس في الاستمتاع  بموسيقى الجاز في منطقة سان جيرمان ومن ثم تعرفت هناك على كل من جان بول سارتر وجولييت غريكو وآخرين. وكانت لها صداقات عديدة في  عالم الأدب والفن والمسرح من أمثال «جان كوكتو» و«روبير فرانك» وكثيرين غيرهما.. فيما بعد. 

وقد عرفت باستمرار كيف تثير حولها بسلوكها  أو عبر كتاباتها «مخيلة» الآخرين، ومن هنا تحديداً يأتي بعد الأسطورة في شخصيتها عبر مبيعات عدة ملايين من النسخ من روايتها، من ضمنها مليون نسخة في الولايات المتحدة فقط،وهي التي فتحت لها أبواب الشهرة  على مصاريعها. وكل رواية من رواياتها تركت أثرا في الأوساط الأدبية الفرنسية والعالمية بحيث لم تكن تشعر بالطمأنينة لهذا النجاح  " أتضايق من هذا النجاح الذي اصبح  قرارا سرمديا ". وقد عرفت الكاتبة ثراء كبيرا لكنها كانت تنفق اكثر مما تربح. وتعتبر الكاتبة من أكثر الكتاب قراءة في  فرنسا منذ نصف قرن. وقد رسمت من خلال رواياتها الحياة العاطفية المثيرة للبورجوازية وقد نجحت في أن تعثر على " إيقاعاتها الموسيقية الصغيرة " كما يقال بالتعبير الفرنسي، التي يبحث عنها جميع الكتاب والأدباء. وقد قالت عن حرفتها المهنية " لا أعتقد بأنني أحتل مكانة في الأدب لكني أحتل مكانة في النشر دون شك ". يبقى  أن  روايتها الأولى  بقيت من بين الأكثر، بل الأكثر شهرة من بين أعمالها.... وضمن هذا الإطار شاع رأي يقول بأن شهرة  فرانسواز ساغان  قد اكتملت و«تجمّدت» ضمن الفترة الزمنية الواقعة بين عام 1954 وعام 1960.. أي في الفترة التي كان عمرها يتراوح فيها بين 19 و25 سنة.. وهي تشابه من هذه الزاوية الشهرة التي عرفها الشاعر الكبير «ارثور رامبو» في السن نفسها تقريباً.. ويميل البعض إلى القول بأن الشهرة المبكّرة «أفسدت» فرانسواز ساغان التي اتجهت نحو تعاطي المخدرات وقامت بتبذير الأموال الطائلة التي جنتها من مبيعات  ملايين  النسخ.  وقد وصل تبذيرها درجة أن العديد من «الشيكات» المصرفية التي حررتها رفضتها البنوك لأنها دون رصيد.. وتشير الإحصائيات المقدّمة في هذا الإطار إلى أن ما كسبته فرانسواز ساغان من أعمالها خلال سنوات 1954 ـ 1966 هو حوالي «500» مليون فرنك فرنسي.

وإذا كانت شخصيات روايات (ساغان)، تعطي لقرائها الانطباع بأنها حقيقية، فإن السبب يعود إلى أنها شخصيات أصلية أمسكت بها لكنها عرفت كيف تصقلها بمهارتها الروائية.  وقيل عن (ساغان) أنها لا تجيد التحدث إلا عن عالم واحد، وأن الأحداث في حياتها كانت بحثية وعديمة الجدوى، ولا تحصل إلا لأشخاص يعانون من العقم الداخلي، لكن العكس كان هو الصحيح، لأن مثل هذه الأحداث أو مثل هذه العبثية، هي عالمية، تلامسنا جميعا.

الإنسان... طريدتي الوحيدة

يمكن القول أن فرانسواز ساغان لم تكمل شيئا في حياتها بل كانت تترك الأشياء  على أنصافها.  وهي تتميز بالكرم والتمرد والسرعة وعدم خضوعها لأي  تصنيف ولا يمكن تقليدها. ومن النادر أن يكون يحصل كاتب مثلها على كل هذا التعاطف. فإننا نحب ساغان حتى  لو لم نقرا كتبها  لأننا، أي جمهور القراء، وعلى الخصوص في فرنسا، نفهم  ما عاشته هذه الكاتبة  من اضطرابات في حياتها. وساغان هي أكثر من مجرد كاتبة، بل هي ظاهرة نشر خارقة، كاتبة وامرأة وتاريخ ومرحلة، سنوات الخمسينيات وما يعقبها، من ثورة  ويأس وتمرد وأناقة ورهافة حس والتزام وحرية. فقد قطعت شوطا مهما في الأدب دون أن تأخذ ذلك على محمل الجد. إنها لا تقدس الأدب ولا نصوصها. وكان لها نظرة متواضعة عن نفسها بشكل مثير للإعجاب. فقد عانقت عصرها دون أن تتنازل أو تقدم مساومات له. كانت مفرطة في كل شيء، في الرغبات والملابس والديون. ولم تكن تطلق على الأموال هذه التسمية  بل " القروش ". ولم تكن تعرف الادخار، ففي حياتها كما في رواياتها فان السجائر مصنوعة من أجل التدخين، والخمر  من أجل أن تشرب، والمخدرات من أجل أن تستهلك، والسيارات الرياضية من أجل أن تقاد بسرعة، إنها متسكعة  ولكنها بروح برجوازية، وكانت تتنقل كثيرا، بين الشقق والفنادق.

ومن أفكارها تقول ساغان " اكتشفت بأن الإنسان هو طريدتي الوحيدة التي  لا أستطيع الوصول إليها، ولكني اعتقد بأنني، ربما، لامست إحدى لحظات السعادة التي تمنح موهبة الكتابة ". وساغان كما يقول أحد النقاد بندقية   صيد عجيبة، تمنح نفسها بكل سعادة وفرح إلى هذا الصيد. والكائن البشري لساغان هو " شيطان مسكين "، يريد نسيان عزلته  طيلة حياته  بل ويريد  تجاهلها، من خلال مشاركته مع كائن آخر. جيل كامل قرا رواياتها  وبكل اللغات. كان ذلك منذ سنوات الستينيات الماضية.  وكانت «فرانسواز ساغان» كما تقدمها مؤلفة هذا الكتاب، قد وصلت إلى قمة «نجوميتها» عندما بلغت سن الثلاثين..

رواياتها تشبه حياتها وشهرتها الخيالية 

 وهكذا تحولت فرانسواز ساغان إلى رمز  لشباب يائس ولا مستقبل له. ذهبت بعيدا في العبث، لكنها كانت تكتب بأسلوب رائع وبرؤية تنغرز في أحاسيس الناس..  لقد فجرت العقل الفرنسي، وهي التي عبرت، كفتاة مراهقة، عن أحاسيسها دون أي ظلال في وجه العائلة البرجوازية التي تنتمي إليها.

 كانت تنشر قصصا لا مثيل لها، لكن الواضح أنها كانت متأثرة بأسلوب كتاب وأدباء أمثال ستاندال وفيرجينيا وولف وراسين.  إنها دخلت في فوضى هائلة وكتبت الكثير بكل جسدها وروحها.

واحتارت في تحديد النوع الذي يلائمها، لأنها لم تكن قد حددت هويتها وعلاقتها بالعصر، عملت طويلا من أجل العثور على هوية.

لم تغير عالمها قيد أنملة، طوال تلك السنوات التي كرستها للكتابة والأدب. ثمة مغامرات ورحلة كبيرة إلى أميركا. بعد ذلك كانت ساغان  تذهب إلى (سان ـ تروبيز)، حيث الأصدقاء وشقيقها، وسيارات أخرى ونكهة أخرى وعاصفة أكثر للحياة.

عاشت خلال تلك الفترة حياة عادية تليق بفتاة مرحة محبوبة. كانت تلعب الورق، وتراهن على خيول السباق. كل شيء كان يسير على ما يرام، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي حصل فيه حادث السيارة. لا يعرف أحد كيف عادت من الموت.

الإفلاس في أواخر حياتها

أمضت فرانسواز ساغان أيامها الأخيرة في حزن عميق، لا يعادله إلا روايتها " صباح الخير... أيها الحزن "، فهي امرأة مريضة.. متقدمة في السن.. ومطلوبة للعدالة ولمصلحة الضرائب.. فهي لم تعرف  طيلة حياتها سوى لغة الأدب أما لغة الحسابات  فكانت غائبة عنها..   فأمام كل ذلك القدر الهائل  من الشباب والنجاح والموهبة والشهرة والمال وسهولة العيش لفتاة مراهقة، تحول كل شيء إلى عدم. ولكن هذه الـ(مراهقة التافهة) لم تكن سوى كاتبة مرموقة وعبقرية. ولعل قدرها لم يكن سوى ذلك المحتوم الذي فكرت به طيلة حياتها.  لقد تردّت بعد ذلك الأوضاع المعاشية  من جميع النواحي وبدأت فكرة «العدم » تنطرح أمامها تقول: «لقد تعودت شيئاً فشيئاً على فكرة الموت وكأنها فكرة مسطحة.. ".  منذ زمن طويل، تم نسيان كتبها ولم يتبق منها سوى بعض القصص والحكايات التي  كان من شانها أن تدعم أسطورتها ككاتبة ومتحررة. وعاشت الكاتبة بين الإدمان على الخمر والمخدرات وحادثة سير في  عام 1957 وسفرتها إلى كولومبيا مع صديقها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، ومحاكمة شركة أيلف النفطية وتهربها من الضرائب حيث اتهمت باستلام 610 آلاف يورو من اندريه غوليفي، وهو أحد الوسطاء الأساسيين في  المجموعة النفطية، وذلك مقابل تدخلها عند الرئيس الراحل  ميتران  للموافقة على عقد اتفاقيات مع الدول الاشتراكية. فقد صدر حكم  بحقها بالسجن عاما مع وقف التنفيذ. وهذا ما أثار حفيظة أصدقائها والمعجبين بها. فقد قال عنها صديقها بيرنار فرانك " أنها مدينة لفرنسا بالأموال ولكن فرنسا مدينة لها بأكثر من الأموال ".

كانت أواخر  أيامها صعبة للغاية، فقد وقعت طريحة الفراش مما اضطرها إلى بيع منزلها في النورماندي. وقد ابتعد عنها مقربوها القدماء وقد استضافها بعض الأصدقاء في شارع فوش في باريس. وكثير من أصدقائها رحلوا. كانت تردد في عام 1998 " كنت أريد دائما أن  أعيش وأكتب. وها أنا ذا أدفع ثمن ذلك ". وقد نجحت الكاتبة في أن تضيف صفة جديدة إلى اللغة الفرنسية وهي " أن تكون ساغانيا "  ومعناها أن تشعر بالحنين وتكون فكاهيا و تصبح  أجوف بزيف  شريطة أن تبقى  يقظا ". إذ أنها اختارت اسمها المستعار من روايات «مرسيل بروست» وحيث لم تخف أبدا إعجابها بعمله الكبير «البحث عن الزمن الضائع».. وقد كتبت أيضا المسرح ومارست العمل الصحفي ولكنها بقيت «روائية» قبل أي شيء آخر.

المأساة والملهاة.. رسمتا  سيرة  حياة فرانسواز ساغان  باعتبارها   امرأة متمردة وحرّة وكاتبة استثنائية تحولت إلى نوع من الأسطورة وخرافة من خرافات الأدب.


توفت الكاتبة فرانسوا سغان.لوموند 24 ايلول 2004.

توفيت كاتبة " مرحبا ايتها التعاسة" في يوم الجمعة عن عمر 69 عاماً بسبب أنسداد الاوعية الدموية في مستشفى هونفلير..

وصف شبابها بالشباب الابدي، ولكن فرانسوا ساغان ، التي دخلت عمر الثامن عشر بانتصار ادبي مع "مرحبا ايتها التعاسة" جلب لها شهرة نصف قرن لم تخرج منها أبداً. لقد تركت الدنيا في يوم الجمعة عن عمر 69 سنة.

أنها " اخر الوجوديين" ، كتبت " هل تحب براهام؟" او لاشاماد" ، و سجلت فترتها بخمسين من الكتب، اغلبها روايات، يغلب عليها الحوار الخفيف عن المواضيع الخطيرة .

كانت تستلهم من خلال التناقض بين وجودها، و بين الانشطة الكبيرة الخلاقة، والحياة المتكلفة المليئة بالحركة ، و كذلك ايضاً، وحدتها الداخلية الكبيرة . فهي تقول من الناحية الاخرى " ان الكتب تتكلم بشكل اساسي عن الوحدة وعن الطريقة التي تخلصنا من ذلك ، هذا ان وجدت". انها فكرة عن حرية العقل ولكن ايضا حرية فرنسا منذ عام 1960 التي اختفت مع الكاتبة، التي تحمل سكارتها في طرفي شفتيها وفي الطريقة السريعة المتقطعة  التي كانت الكاتبة تكتب بها .

منذ فترة طويلة ، قد نسينا كتبها لوهلة من اجل ان لا نتذكر سوى التكتل التاريخي الغريب الذي قوى من اسطورتها: ميلها غير المعتدل للكحول، الاستشفاء والعلاج من السموم ، وحادث سيارة خطير في عام 1957، ملاهي ، تناول العقاقير المخدرة ، اصابتها في رحلة عام 1985، في كولومبيا مع صديقها، وألرئيس فرانسوا ميتران ، والقضية الف، حيث حاول بعضهم ربطها بالجاسوسية،  الخ..

مرحباً ايتها التعاسة.. كتبت خلال سبع اسابيع..

لقد تمت ادانتها بسنة حبس مع ايقاف التنفيذ لانها قد اخفت نقوداً على ضابط شرطة. أثار ذلك رد فعل كبير بين اصدقائها" ومنهم صديقها القديم ، بيرنارد فران" وكذلك المعجبون: " كانت تدينها الدولة بمبالغ مالية ولكن دين فرنسا كان لها اكبر.."

نهاية كانت صعبة ، فهي مريضة منذ فترة طويلة ومحطمة، توجب عليها بيع بيتها النورماندي، والأبتعاد عن العديد من مقربيها القدماء ، لقد آواها اصدقاء لها في شارع  فوش، حيث ان الكثير منهم قد وا فتهم المنية.

" لقد تملكتني الرغبة في الحياة و في الكتابة. وقد كنت محظوظة في الحصول على ذلك " كانت تقول ذلك في عام 1998، فقد نجحت في نشر مفردة صفة "ساغاني" ، اي ان تكون حنيناً وغريب الاطوار، و متشبثاً بالاحلام و حاد الرؤية . كانت بنت عائلة طيبة، ولدت في 21 حزيران 1935 في كاجارك، دخلت فرانسواز كوارئ في المدرسة الدينية ليزوازو في عام 1947. ثم لم تستطع تحمل الجهود تلك،  فتركت الشهادة الثانوية في عام 1952.  بعد عام كرست نفسها لسماع  موسيقى الجاز في سانت جيرمان حيث، ارتبطت لاحقاً بجوليت غريسو ، و جون بول سارتر و آخرين عدة.

في حزيران ، 1953، كتبت في خمسة اسابع " مرحباً ايتها التعاسة" التي بيعت عدة ملايين من النسخ، إذ بيعت مليون نسخة في الولايات المتحدة ، وقد فتح ذلك الابواب لشهرتها التي لم تأفل ابداً. لكنها ملت من هذا النصر حيث قالت: " لقد اصبح عندي الكثير من تلك النجاحات الصغيرة ذات الوقع الابدي" . ان البنت الصغيرة التي اختارت اسم مستعار، استلهمته من بروست، و قد ربحت وهي شابة ، الكثير من المال، الذي كانت تصرف منه اكثر من الذي تكسبه ، وبقت على هذا المنوال طول حياتها..

ثم تبع ذلك الكثير من الكتب، كانت كل طبعة جديدة تحوز على اهتمام الصحف و المجتمع، بالرغم من ان اعمالها كان يحكم عليها بالسطحية. هل كان ذلك ثمن نجاحها.؟ ان فرانسوا ساغان، الكاتبة الفرنسية الاكثر مبيعا خلال نصف قرن، لم تتسلم ابدا جائزة كبيرة فرنسية. خلال تلك  الفترة كانت ترسم الحياة المشاعرية لبرجوازية عاطلة ، استطاعت ان تجد " اللحن الصغير" المشهور ، ذلك الذي يبحث عنه كل كاتب،  اللحن المكون من ضربات المخالب و من غزارة المشاعر، من الحنان ومن الاناقة. ان فرانسوا ساغان، المرأة التي كانت من اليسار، قد تذوقت بسعادة الممارسة المسرحية ، "قصر في السويد" الذي قدم في عمل مسرحي يوازي عملها "مرحبا ايتها التعاسة" بصوره خلاقة. تزوجت مرتين- وكانت تنفصل بسرعة ، تزوجت الناشر غي شولر و الصبي المشهور بوب ويثوف، والذي انجبت منه ابنها ، دونيس .

افيك ايبيفي.

عن (لوموند)

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة