الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

أفكار في فلسفة التعليم العالي وأهدافه لمناسبة انعقاد المؤتمر السابع للتعليم العالي في العراق

أ.د. قاسم حسين صالح

عضو اللجنة التنسيقية للمؤتمر

رئيس رابطة أساتذة جامعة بغداد

هذا أول مؤتمر للتعليم العالي في العراق يعقد في العهد الجديد بعد زوال النظام السابق، والمفارقة ان المشاركين في المؤتمرات السابقة كانوا يمتلكون او يزودون بتصور واضح لفلسفة التعليم العالي واهدافه لانها كانت قائمة او مشتقة من فلسفة حزب له ايديولوجيته وبرنامجه السياسي، بغض النظر عن مضامين تلك الفلسفة او الايديولوجية، التي جلب مطبقوها الكوارث لشعبنا، فيما نحن المشاركون في هذا المؤتمر المبارك دخلنا قاعته ونحن لا نملك تصوراً واضحاً بخصوص فلسفة التعليم العالي وأهدافه، بالرغم من اننا نتمتع الان بحرية الفكر والتعبير. والسبب في ذلك هو اننا لا نعرف بعد الهوية الجديدة للدولة العراقية. وهذا سيخلق إشكالية للمؤتمرين ما لم يتم ترويض الأفكار قبل دخولها ساحة المناقشة، لاسيما في مسائل كبيرة وعلامات استفهام ما زالت أجوبتها مرجاة. فعلي سبيل المثال: هل نحن مقبلون على دولة إسلامية ام علمانية؟ فأن كنا مقبلين على توجه إسلامي، فان لهذا التوجه فلسفته إلتي تختلف عن فلسفة التوجه العلماني. وستختلف بالضرورة أهداف التعليم العالي في كلا الوضعين.

وقد يخفف الأمر قائل: لنمسك العصا من الوسط، ولنوفق  بين الإسلام المرن بطبيعته، والعلمنة المنفتحة بطبيعتها. وعلى افتراض إمكانية ذلك، فهل سيتفق الطرفان -ولا نقول الخصمان- على ما سيضعه الاختصاصيون في التعليم العالي من أسس وأهدف؟

وقد يقول آخر: ما لنا والفلسفة؟! لنتفق على ان تكون الجامعات مؤسسات علمية حيادية ترى حريتها في الانصراف إلى الحقائق المجردة، ولنلج الموضوع من باب (فلسفة العلم) ما دامت الوظيفة الاساسية للجماعات هي (تعليم العلم).

وقد يرد ثالث: ان فلسفة العلم كانت في القرن العشرين على انواع: مثالية، ومادية، ووضعية، وبراجماتية... فكيف بنا في القرن الواحد والعشرين الذي برزت فيه فلسفة جديدة هي فلسفة (اقتصاد السوق) في عالم جديد فيه قطب واحد سيتحكم في الانتاج والاقتصاد والسياسة والاخلاق ايضاً، هو قطب الشركات العملاقة متعددة الجنسيات؟.

وقد يضيف هذا المنبه لنا قائلاً: لا يغركم وضع جامعات العرب، فالقراءة المتعمقة لما يكتب بشأنها من نقد يقود إلى الاستنتاج بأن الجامعات في الدول المتقدمة (الصناعية السبعة الكبرى تحديداً) ستتحول إلى شركات كبرى لا تملك دوراً في الثقافة بوصفها المشروع التاريخي للانسانية منذ عصر التنوير، وانها ستفقد استقلاليتها وستتحول في عصر الاقتصاد العالمي عابر الجنسيات، من مرجعيتها الاساسية، الثقافية والعلم، إلى السوق.

واذا جئنا إلى اهداف التعليم العالي في العراق المثبتة في مؤتمراته السابقة عبر اكثر من ثلاثين سنة، فهل نبقي على ما نراه مناسباً، ونرفع منها ما نعتقد انه كان يخدم النظام السابق وايديولوجيته؟. واذا كنا نتفق مع الثانية، فقد نختلف على الاولى فيما يخص المناسب منها.

فعلى سبيل المثال؛ دعت الاهداف السابقة إلى التوسع في التعليم العالي ليستوعب كل المتقدمين إليه؛ فهل سنعتمد ذلك ونضع خطة خمسية مثلاً تعتمد معايير محددة مثل حاجة السوق المستقبلية والمؤسسات الخدمية بحسب التخصصات، أم نتركه حراً؟ أم نقصره على الاختصاصات المطلوبة، ونحجبه عن الاختصاصات الفائضة ونغلق القنوات التي تزيد من بطالة المثقفين؟

ومسألة أخرى:

هل سنفسح المجال للتعليم الأهلي الجامعي للتوسع على راحته؟ وأن فعلنا ذلك فهل سيشكل هذا خطراً على التعليم الرسمي يفضي بالنهاية إلى إنهياره بوصفه مؤسسة علمية رصينة تبتلعه مؤسسة تجارية؟

ثم إن التعليم مصمم أساساً لتزويد الأفراد بالتربية الأساسية التي تمكن الفرد من اختيار طريقه في الحياة؛ وإعطائه الفرصة لأن يكون ناجحاً. فهل سنؤكد في أهدافنا على قيمتي الفردية (Individualism) والتفردية (Uniqueness)، أم نؤكد على قيمنا الاجتماعية التي تحض على التعاون والتكافل والإسناد الاجتماعي؟

ونكرر القول بأن العالم اليوم يحكمه اقتصاد السوق والشركات العملاقة عابرة الجنسيات، فهل نتجه بأهداف التعليم العالي في هذا المساق؟.. وعندها سنجد أنفسنا نقف على أرضية الفلسفة البراغماتية برجلينا الاثنتين، ولا ينفع التبرير إن قلنا سنعمل على أن نضع واحدة على البراغماتية والثانية على فلسفة من تراثنا وقيمنا.. ففي قانون الفلسفات لا يمكن الوقوف بتوازن على أرضيتين فلسفيتين حتى لو كانت صلة القرابة بينهما قوية.

والتساؤل الأخير تطرحه حقيقة سياسية هي:

إن العراق حتى لو أعلن رسمياً عن إنهاء احتلاله فإنه سيبقى واقعاً تحت تأثير السياسة الأمريكية، فهل سيكون تعليمنا العالي ملحقاً بالتعليم العالي الأمريكي؟ أم إننا سنعمل على جعله تعليماً عراقياً خالصاً؟ أم سنوافق بين خصوصياتنا وما هو جديد وجيد في التعليم العالي الأمريكي، ونمني أنفسنا بأن يكون العراق في المستقبل القريب نمراً جديداً يضاف إلى النمور الآسيوية الأربعة؟ ومع يقيننا بأن العراق هو أقوى اقتصادياً من تلك النمور (كوريا الجنوبية مثلاً) فهل سيكون مسموحاً للعراق أن يكون أقوى نمر آسيوي؟!

لا نريد أن نشوش على أفكاركم، فربما بينكم من لديه صورة واضحة عن الموضوع، أو من يقول: لا حاجة لتصعيب الأمور. لكننا نرى إن هذا الموضوع (أعني فلسفة التعليم العالي وأهدافه) هو أهم وأخطر موضوع يواجه التعليم العالي في مسيرته الجديدة.

الحضور الكريم

قبل آلاف السنين ضمن أفلاطون فلسفته ثلاثة مبادئ: (الخير، الجمال، العدل).

ومع إن هذه القيم الراقية ينبغي أن تقوم عليها كل الفلسفات، إلا إننا نرى أن فلسفة التعليم العالي وأهدافه في مجتمعنا، بل التربية بشكل عام نؤكد الآن على ثلاثة:

أولاً: احترام القانون

ثانياً: احترام المعلم

ثالثاً: احترام الاختلاف في الرأي

لقد وضعنا (احترام القانون) أولاً، لأنه - في رأينا - يمثل الشرط الجوهري لتقدم المجتمع، ليس فقط بوصفه ممارسة حضارية، بل ولكونه الضمانة الأكيدة لسيادة النظام والعدل اللذين تعرضا إلى هزة عنيفة، بل صار تجاوزهما أو التحايل عليهما في عرف الكثير من العراقيين يعد إما شطارة أو الوسيلة الوحيدة للحصول على الحق.

ولأنه أيضاً (احترام القانون) يشعر الفرد بالطمأنينة التي افتقدها على مدى ثلاثة عقود وينهي أو يخفف من القطيعة النفسية، بين الفرد العراقي والسلطة، القائمة بينهما لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة، وتحديداً منذ أن تخلى معاوية عن مبدأ الشورى وجعل نظام الحكم وراثياً.

ولنا في هذا الشأن عبرة من المجتمعات المعاصرة، فالذي وحد الشعوب الأوروبية هو احترام القانون وليس الكنيسة أو شكل السلطة.

وفيما يخص (احترام المعلم)، ونعني به هنا التدريسي الجامعي، فإن واقع الحال، وعلى مدى ربع قرن من الحروب والحصار، كان فيها المعلم من أكثر المتضررين من هذه الكوارث، بل إنه أهين في كرامته ومكانته ووقاره الاجتماعي. ففي بحث لكاتب هذه الورقة أجري عام 1997 تبين منه أن الأستاذ الجامعي الذي كانت مكانته في الخمسينيات والستينيات، الرابعة في الهرم الاقتصادي، إلى جانب الطبيب والمهندس والتاجر، تراجع في سنوات الحصار إلى المرتبة الرابعة والعشرين وتقدم عليه مصلح الراديو والتلفزيون. بل حتى الحمال الذي كانت مكانته الأخيرة في قاعدة الهرم الاقتصادي، تقدم على مدرس المدرسة الابتدائية. ولهذا اضطر كثير من المعلمين وأساتذة الجامعات إلى ممارسة أعمال لا تليق بمنزلتهم، من بينها سائق تاكسي، وبائع خضرة، وبائع سجائر يشتري منه تلامذته!. وفي ظني أن للأستاذ الجامعي الحق من الناحية القانونية رفع دعوى مظالم على النظام السابق، ليس فقط بشأن  ما أصابه من إجحاف مادي أضطره إلى أن يأكل في الحصار خبز النخالة المعجون بفضلات الصراصير فيما رموز النظام يأكلون لحم الغزلان المطعم برائحة الهيل، بل وأيضا فيما أصابه من اضطهاد وإذلال نفسي واعتباري، وحجر فكر وعقد لسان كانت أمر واقسى.

ولهذا تكون من أولى أهداف هذا المؤتمر إعادة الاعتبار للأستاذ الجامعي، وفي مقدمتها مساواته من حيث الراتب بأقرانه في الأدرن، تمهيداً لمساواته بأقرانه في البلدان الغنية بالمنطقة. وفي هذا منافع كثيرة. فتحقيق ذلك لا يؤدي فقط إلى أن يمارس الأستاذ الجامعي مهماته الثلاث (التعليم والبحث والتفكير) بكفاية، ويكون عالماً ومنظراً ومدرسة، بل يتعداها إلى هدف أعم وأشمل. ففي اليابان بعد خسارتها الحرب، رفعت لجنة تخصصية توصية إلى الإمبراطور بتعديل رواتب المعلمين لتكون مجزية، فما كان من الإمبراطور إلا أن يصدر أمراً بمضاعفة الرقم الذي اقترحته اللجنة.. فكانت اليابان التي نعرفها الآن!

وفيما يخص (احترام اختلاف الراي) فثمة حقيقة سيكولوجية هي أن الإنسان العراقي، وعلى مدى أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، عودته السلطة عبر الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق أن يستمع لرأي واحد، وإلا فأما أن يحارب برزقه أو بأمنه أو بسجنه أو بقطع عنقه.

ولنا في قول الجواهري شاهد:

لثورة الفكر تاريخ يحدثنا      بأن ألف مسيح دونها صلبا

فقد جعلت السلطة من الإنسان العراقي إما متلقياً لرأيه ومنفذاً له (وشاع حتى في أحزابنا السياسية بطريقة: نفذ ثم ناقش)، أو ازدواجياً بدفعه إلى النفاق، أو رافضاً لرأي السلطة حتى لو كان صحيحاً. ولهذا ليس من السهل تغيير السلوك من حالة التصلب والعناد في الرأي (الذي جر علينا الكوارث) إلى حالة المرونة واحترام الرأي الآخر. لأنه تقولب نمطياً وانفعالياً على التزمت في الرأي وليس الحوار فيه. وينبغي أن تكون هذه ممارسة سلوكية. وأن يفهم - الطلبة بشكل خاص - أن الحوار يمكن أن ينتهي بالاختلاف الخلاق بدلاً من حتمية الانفاق. وهذا لن يكون إلا باستحداث هدف جديد للتعليم العالي في العراق ينص على أن يكون للجامعة مشروع ثقافي يعنى بتزويد الطالب بمعرفة شمولية عن وطنه ومجتمعه وأمته والإنسانية. وفضلاً عن ان الطالب الجامعي لا يزال يحمل سيكولوجية أكثرها صدءاً انخفاض دافعيته نحو العلم، وتزايد قلقه إزاء مستقبله وضعف الحس بأهمية الزمن، فإنه فقير ثقافياً بالمفهوم العام للثقافة. ففي استطلاع على طلبة الجامعة تضمن قائمتين الأولى: أعمال روائية وعلمية وفنية مشهورة، والثانية: أسماء أصحابها محشور بينها أسماء وهمية، تبين من نتائجها أن (60%) منهم لم يستطيعوا أن ينسبوا (نصب الحرية) لصاحبه جواد سليم. و(45%) منهم نسبوا قصيدة الجواهري (قف بالمعرة وامسح خدها التربا..) إلى أبي الطيب المتنبي. و(65%) منهم نسبوا رواية (الجريمة والعقاب) لعبد الكريم جواد الأديب، وهو اسم وهمي.

وليس هذا ذنب الطالب. فالعراقي معروف بحب القراءة، إنما شغلته الحروب، فاحتار بأمنه ولقمة عيشه. وعليه ينبغي النظر إلى هذه المسألة بجدية. ونقترح استحداث مادة باسم (الثقافة العامة) تدرس في المرحلتين الأولى والثانية - توازن بين الأصالة والحداثة والخصوصية والإنسانية. فالتعليم لا يزود الطالب بالمعرفة والمهارة فقط، بل يرسخ فيه ايضاً قيماً وينمط فيه سلوكاً حضارياً في نطاق مجتمع عالمي يعد فيه انفتاح الثقافات على بعضها والحوار فيما بينها، وإيجابية تعاملها مع غيرها، هو الوسيلة الوحيدة لإزدهار أي منها. وأن يفهم بأنه باستثناء العقائد والقيم العليا فإنه لا توجد ثوابت في الواقع الاجتماعي للإنسان. لأن المجتمع في حراك دائم يستدعي منه موقفاً عقلانياً يعترف بالحقائق الموجودة، وذهناً ناقداً يسعفه بأفضل الحلول في معالجة مشكلات الحياة المعقدة في مجتمعنا. وهذا لن يكون إلا بمراجعة جادة لثلاثية التعليم: (التدريسي والمنهج والطالب) مضافاً لها البنى الهيكلية للجامعة.

إن هذا المؤتمر يمثل تحولاً جذرياً في فلسفة التعليم العالي في العراق، وتحولاً نوعياً في أهدافه. والمفارقة أن أول فلسفة للتعليم العالي في العراق وضعت في زمن كان فيه العراق محتلاً عثمانياًَ. وثاني فلسفة له وضعت في زمن كان في العراق محتلاً بريطانياً. وهذه هي المفارقة إننا نناقش هذا الموضوع والعراق محتل أيضاً: وعلينا أن نعي أن التاريخ سيحملنا مسؤولية ما سيتوصل إليه المؤتمر من قرارات. وأن ننأى بأنفسنا عن محاسبة من سبقونا في إفراط أو تفريط بتأثير ظرفي الاحتلالين السابقين فيهم.

وإذا كان يصعب علينا الآن تحديد فلسفة واضحة المعالم فإنه يمكن تحديد أسس ومصادر تساعدنا على وضع أهداف واضحة ومحددة للتعليم العالي في العراق، وهو ما تضمنته هذه الورقة المقدمة لحضراتكم.


حوار مع د. عواد عباس الحردان الخبير بالحركات الاسلامية والمحلل السياسي الاسلامي

انا مع الحكومة العلمانية اذا ارادها العراقيون الوطنيون  قد يمهد تيار العنف لحكم اسلامي على الطريقة الافغانية وهنا تكمن الخطورة

الدكتور عواد عباس الحردان من المفكرين الإسلاميين، ومن الشخصيات المتألقة في الواقع العراقي انطلاقا من محافظته الأنبار الذي تعرفه جيداً. التقيناه في هذا الحوار الذي تناول ما يعرف بالمقاومة، ووجهة نظر الفكر الإسلامي فيها، ونماذج الحكم التي يراها صالحة للتجربة العراقية. إننا قد لا نلتقي ببعض المنطلقات مع الدكتور لكن النتيجة السياسية التي يخلص إليها تكمن في تحليل مناسب لطبيعة المجتمع العراقي والأفق السياسي الذي يلتقي عنده اليوم الكثير من التيارات السياسية.

"المحرر"

*ما رأيك بالمقاومة المسلحة؟ بهذا السؤال المباشر بدأنا حوارنا.

- هناك خلط في اوراق المقاومة، فهناك مقاومة اسلامية تنطلق من فتوى فقهية، وهناك مقاومة وطنية (كفاح مسلح) وأخيرا هناك عنف مسلح غير مشروع مثل تخريب البنية التحتية للبلد مهما كان مسمى الجهة التي تقف وراءها. وإذا استثنينا التخريب فان لكل من الاتجاهين الباقيين أهدافه وخططه التي تنطلق من نظرته العقدية من هنا والسياسية من هناك. ففي الخطاب الإسلامي الفقهي  يوصف الجندي الأمريكي بـ (الكافر الحربي) ويتوجب قتاله تحت لائحة (رد الصائل). أما الوضع عند (الوطنيين) فمختلف نظرا للملابسات التي انتجها (قبو)الحكم الوطني. (الوطنيون اليوم يعانون اضطرابا في الاصول بسبب من التطبيقات سيئة الصيت للدولة الوطنية، فهناك الكثير منهم آثر الانزواء وانتظار ما يستجد، بينما آثر بعضهم الآخر (تجيير الخطاب الإسلامي لمصلحته في محاولة يائسة للم الشمل بين الجلاد والضحية، بوجه عام أقول ان المقاومة حق طبيعي لأبناء البلد المحتل هذا ما صرحت به جميع القوانين الدولية حتى الرئيس بوش لم يستطع سلب المقاومين مشروعية المقاومة .

*هل تبرر مشروعية مجيء الجماعات والأفراد من الخارج إلى البلد من اجل قتال المحتل؟

- من وجهة نظر الخطاب القومي ما زالت ترن في اسماعنا خطابات ساطع الحصري حول امة العرب التي لا تعترف بالحدود التي خطها المحتل والتي تتغنى بشكل  صوفي بالمجد العربي التليد والوحدة العربية المنشودة ، ومن وجهة نظر الخطاب الإسلامي تعتبر الأرض الإسلامية كلها دار اسلام . ان الإسلام اممي حسب الفقهاء وعلى المسلمين جميعا رد الصائل عن البلد الإسلامي المحتل اذا لم يستطع البلد نفسه إخراج المحتل . من هذا المنطلق يأتي بعض من المسلمين بدافع ديني بحت، وهذه الظاهرة تستغل من قبل منظمات واطراف تقوم بتجنيد بعض العناصر وزجهم في المجموع ،لذلك على المقاومة الإسلامية ألا تستدعي ولا تقبل ايا من الوافدين حماية لفكرة التآخي الحقيقية من خطر الفكر الغالي . انا واثق ان التفجيرات الحاصلة في مراكز الشرطة ناتجة عن فكر زرقاوي حتى لو لم يكن هناك وجود حقيقي للزرقاوي نفسه .

*ارى في خطابك مزيجا من الفكر الإسلامي الوحدوي مع خطاب قومي وطني وربما عشائري ايضا . الا ترى ان هذه التركيبة قد أثبتت فشلها والنموذج الطالباني المتحد مع قبائل البشتون ليس ببعيد؟

- العراق ليس أفغانستان . والحكم الإسلامي ليس النموذج الأفغاني، فالأحادية التي تحكم النظرة الافغانية في الحكم وقفت حائلا من دون انصهار المتعدد الاسلامي في بوتقة واحدة . هناك اختاف فقهي واختلاف عقائدي. هذا التنوع رفضه الأفغان ونسوا المقولة العظيمة التي انتجها الإسلام : اختلاف أمتي رحمة .  ربما الافغان لم يعيشوا اللحمة الوطنية التي عاشها العراقيون . تمكن الامريكان من العزف على وتر الطائفية هناك ولكنهم لم ينجحوا هنا على الأقل حتى الان .

*لماذا تعزو ذلك الى اللحمة الوطنية ولا تقل انه لطف الله؟

- أكيد هو لطف من الله ولكن العراقي صاحب حضارة عريقة . نحن نتعاطف مع (نبوخذ نصر) ضد اليهود والكل يعلم ان اليهود حملة رسالة سماوية بينما لا يدين نبوخذ نصر بدين سماوي ومع ذلك نجد أنفسنا ميالين إلى نبوخذ نصر لانه ابن البلد على حساب اليهود أصحاب الديانة السماوية ، الا يدل ذلك على عمق ضارب في الإحساس الوطني ؟

*ما تقييمك الأحزاب الإسلامية الموجودة على الساحة اليوم ؟

- الأحزاب الإسلامية أحزاب طائفية مع الأسف الشديد ولم تخدم القضية العراقية حتى عندما دخلت الى (مجلس الحكم) انطلت عليها لعبة المحاصصة .

*الا تعتقد ان القبول بالحكومة العلمانية هو قبول بالفكرة القائلة :السلطان الجائر أفضل من دولة بلا سلطان ؟

- هذه الجملة واخواتها من مثل عليك بالسمع والطاعة ، وان تأمر عليك عبد حبشي ، وان الهب ظهرك الخ .... أنتجها الفكر الإسلامي ضمن سياق مقولاته الخاصة وقد تكفل العلماء بتأويل هذه المقولات مع ما يتوافق والفهم الصحيح لروح الدين . ولكني أقول لماذا كل هذا الجبر في التعامل مع حالة الدين ؟ ولماذا كل هذا الكبت ؟ انا واثق ان ( الديمقراطية ) اذا طبقت بصدق فسيكون كل الإسلاميين معها .لا يفرض الإسلام على الناس شكل حكم لا يريدونه - مع اعتقادنا انه الحكم الامثل للبشر وهذا امر يتعلق بمشروعنا السياسي - وانا مع حكم العلمانية اذا ارادها العراقيون الوطنيون .

*كلمة اخيرة

- اللا سياسة المتبعة من قبل الأمريكان أدت الى خلق (الارهاب ) في المنطقة والحكم الإسلامي سيولد تحت قوة العنف وستتكرر التجربة الأفغانية اذا لم يتم الحؤول من دون ذلك .


السياسي والثقافة

عبد الرزاق حسين النداوي

السياسة فن الممكن، والفن لابد من أن يستند إلى ثقافة، تعميقاً له وارتقاءاً إلى مستوى تحقيق الهدف.

وكل فن يفتقر الثقافة، لا يعدو أن يكون نوعاً من اللعب أو الابتذال أو هو انحدار بمستوى الفن ما يجعله خارج إطار التسمية ذاتها.

والسياسي فنان يدير صراع الإرادات لمصلحة إرادته ومضامينها. ومن موقعه الوظيفي هذا يكون الأحوج إلى الثقافة لتحدد له الرؤية وترسم له الكيفية الناجعة في إدارة الصراع تحليلاً وعملاً، وتساعده على الإجابة عن كل الأسئلة التي تطرحها تحديات العصر، ويعالج جميع مشكلاتها من دون أن يوسع هامش الخطأ الذي ربما يواجهه.

فالسياسة بحد ذاتها لا تقدم جواباً عن أية مشكلة أساسية من دون أن تعتمد على العلوم المعرفية والثقافية، لذا فهي تفقد قيمتها إذ لم تكن مرتكزة على رؤية فكرية ثقافية اصيلة وخلاقة.

ومهمة السياسي المثقف تحريك الثقافة وجعلها حية، وفي صيرورة تطورية، وحين يتحلى أو يعجز عن هذه المهمة يتحول إلى سياسي عاجز عن الرؤية والتحليل، وبالتالي يعجز عن إدارة الصراع وإدارة البلاد، ويتحول إلى موظف يدافع عن وظيفته في الدولة من خلال تسويق الواقع تسويغاً ودفاعاً كما هو لا كما ينبغي أن يكون عليه طموحاً وإمكانية، وبالتالي يصير حاكماً يقتل الثقافة والفكر أو يصادرهما.

في حين تكون مهمة السياسي الناجح تجاوز قدراته كفرد من خلال تعبئة الجماهير وتحفيز قدراتها عبر ثقافة واسعة تتيح له تحقيق ذلك الهدف.

وأن تكون سياسياً مثقفاً، أن تكون لديك أسئلتك الخاصة، أي أن تبدأ بخصوصيتك لا خصوصية الآخر، أن تطرح السؤال الجديد لا السؤال القديم والجواب القديم نفسه.

لا توجد أسئلة دائمة ولا أجوبة دائمة قاطعة اليقين، مطلقة، نهائية في هذا العالم المتحول الذي يولد أسئلته والتي لابد من الإجابة عليها بعملية التفكيك والتحليل لغرض الاستيعاب المعرفي المتجاوز إبداعياً لما هو سائد.

فالثقافة تساؤل مستمر في كيفية إقامة العلاقة المتغيرة المتجددة، الثقافة حركة دائمة في إعادة النظر في اليقينيات كلها بمختلف أنواعها ومستوياتها الثقافة بحث مستمر عن أجوبة جديدة تنسجم مع معطيات العلوم والمعارف الجديدة.

لذلك فالسياسي المثقف يحتاج دوماً إلى روافد جديدة من الفكر والثقافة، ولا يتم هذا الا من  خلال التلاقح والتفاعل مع ثقافات الشعوب وحضاراتها لتصب في مكونه الثقافي المتحول دوماً وإلا فإنه يصاب بالجمود، دونما خوف على الهوية، لأن اختراق الهوية وإلغاءها ليستا ممكنة بقوة ثقافياً وحده بل بقوة الاستعداد الداخلي من التابع لفقدان هويته نتيجة الفراغ الثقافي وجمود الإبداع لديه لذلك فإن أخذ الآخر - العام - من دون ثقافة ذاتية - الخاص - يمتاز بالإبداع والحركية نحو الارتقاء، مشكلة تشوش على الأمة طريق النهوض بل تغدو هذه الحضارة طمساً أو إلغاء للذات وثقافتها أو كأنها إقصاء لها عن مسرح الثقافة والوجود الحضاري الفاعل الحي.

فالخاص هو الخصوصي الفريد غير المشترك والذي يميز شعباً عن شعب آخر والعام هو المكتسب، المشترك بين أكثر من شعب ويمكن نقله من شعب إلى آخر.

لذلك يمكن أن نقول أن الثقافة أزمة، من حيث هي تساؤل دائم عن حلول وتغير دائم نحو أسئلة جديدة. فالثقافة الكبيرة تطرح أسئلتها الكبيرة وتنتج الحلول الكبيرة.

إنها تأسيس لرؤى أخرى لرؤية العالم، ومهمة تختلف عن الطرق السائدة التي كرست الثبات وعدم التحول في حياتنا.

فمنذ نشوء الثقافة العربية - الخاص - دخلت الحضارة - العام وكان الإسلام كدين، هو الذي أتاح لها ذلك، ولقد نظر المسلمون العرب بثقافتهم الذاتية إلى الثقافة الأخرى على أنها مصدر معرفي أيضاً، وعلى أن تستقي منه ما يكمل معرفة الذات ويغنيها، ويوسع حدودها المعرفية ويفتح لها آفاقاً أخرى.

بهذا التفاعل بين الذات والآخر، بين الخاص والعام، انتج العرب حضارتهم الفريدة المتميزة: علم الكلام، الفلسفة، العلوم الإنسانية، العلوم التطبيقية فنون العمار علوم الفيزياء والكيمياء.. وغيرها.

ولكن ما كان دور الثقافة في المجتمع العربي وفي الحياة السياسية منذ تلك البدايات حتى يومنا هذا؟ وهل أدت إلى نشوء معرفة عربية خاصة يمكن أن تتقابل مع المعارف الأخرى لدى شعوب العالم؟

إن الجواب على ذلك سيكون استناداً إلى واقعنا الحضاري - الثقافي. إن دور هذه الثقافة كان تعليمياً تبشيرياً أكثر من كونه نقدياً تساؤلياً يعمل على تأسيس طرق جديدة للتفكير وعلى خلق فكر جديد وأن فراغنا الفكري والثقافي الذي جاء نتيجة الجمود أو النظرة إلى مرحلة الماضي وإنجازاتها كأنها المثال والمعبر عن الحقيقة المطلقة التي لا يمكن تجاوزها أو الارتقاء عليها، بل يجب محاكاتها أو العودة إليها، مما نتجت عن ذلك كله تبعية معرفية للعالم الآخر، فرضتها علينا وقائع الحياة ومستجداتها، وهذا يعني انعدام المعرفة العربية الخاصة التي تميزه بالمقارنة مع معارف الشعوب الأخرى وثقافتها. بل نجد إننا اليوم نعاني مأزقاً، نتيجة عدم المقدرة على تأسيس عالم جديد يغاير ما هو قائم، وأن ضرورات الحياة الدافعة نحو التجدد والتغيير لا تجد قوانينها مع موروثنا السائد والذي كرس هذا الواقع وحوله إلى واقع حال لا يمكن تجاوزه. إن السياسي المثقف العربي كان ينتج ثقافة يعمل من خلالها على تأسيس نظام سياسي أي أنه كان طالب سلطة، يعارض السلطة القائمة باسم سلطة أخرى. ولهذا جاء دوره الثقافي الوظيفي تسويغاً من جهة ويخدم قضية أو اتجاهاً، أو إنه يبرر ممارسة من جهة أخرى.

وهذا ما أفقد الثقافة قيمتها الخلاقة وأسبغ عليها الطابع الأيديولوجي وجعل منها تابعة للسياسي لا السياسي تابع لها، فكانت ثقافة إعلام وتعليم، وتبرير، وتدجين إذ لم نقل ثقافة تضليل وضلالة.

وفكانت جزءاً من بنية التخلف الذي نعانيه بل هي الجزء الأساس الفاعل، ولقد أقامت هذه الثقافة الأيديولوجية في الثقافة العربية ارتباطها بما عرف بـ(عصر النهضة) ومن خلال جمع من المفاهيم مثل القومية والهوية والأصالة والوحدة والذات العربية.. الخن دونما أية معرفة بالدلالات أو المعاني التي تنطوي عليها هذه المفاهيم دون تحليل لمحتوياتها وآفاقها وأبعادها ومن قدرتها على التحقق إجرائياً في الواقع. كانت أشبه بالمقدسات التي لا يمكن أن يطالبها النقد والتحليل والسؤال.

وحينما تشكلت الدولة القومية من الكيان العربي صارت تلك الثقافة ثقافة نظام مهمتها أن تحرس النظام ومؤسساته وأن تبتكر الأساليب التي تكفل ثباته وديمومته. ولا تزال هذه الثقافة ترتبط بفكرة عن القومية بشكل رومانطيقي وشبه ديني ولم تتجدد برغم التطور المعرفي الهائل والانقلابات في مجال المعرفة والكشوف التي شهدها العالم، ولم تنفتح على المشكلات التي ولدتها الحداثة في مختلف الميادين على الرغم من أن نظريتها ودعواها لم تجد ما يعززه ويدعمه في التقدم المعرفي وكشوفه الحديثة لذلك بقيت منعزلة متعلقة تعيد اجترار نفسها ولا تقدم من العطاء ما هو مفيد وجديد حتى بقيت في درجات أدنى في سلم تطور ثقافات الشعوب. ولقد أدت ممارسة هذه الثقافة المؤدلجة في بعدها السياسي إلى تصدع هائل في كيان الفرد والمجتمع من خلال نظرتها إلى السياسة كعنصر يمثل "الكل" لا عنصراً سياسياً بين عدة عناصر. وهذا الموقف أدى إلى نشوء موقف مناقض له عند الأجيال الحالية يرى أن "الكل" هو الثقافة وإن السياسة جزء منها وليس الجزء الأكثر أهمية.

وكان هذا الفكر نضالياً يعنى بالإنشاء البلاغي العاطفي والخطب والمقالات الحماسية أكثر من اهتمامه بالواقع والأشياء، وكان يتوهم أكثر من كونه يقرأ ويحلل ويتأمل وينقد. ولقد أفقده الواقع من خلال تطوراته ومستجداته كل مصداقية لعدم تمكنه من طرح إجابات صحيحة على الأسئلة التي تطرح وكيفية مواجهة الإشكالات وحلها.

إن هذا الفكر الذي جعل الفكر والثقافة تابعة للسياسي نظاماً وممارسة وأخضعها لمقتضياتها، عقّد واقع حال الإنسان العربي وحوله إلى "موظف" في الدولة مما سلبه حريته واستقلاله في التفكير والبحث وطرح أسئلته.

ومن هنا يجوز لنا القول ان هذه الثقافة لا تتغير ما لم يتغير المثقف نفسه، رؤية، وطريقة، وتفكيراً، ومحتوى.

إن مهمة السياسي المثقف فتح الآفاق لهذا التغيير بجعل نضاله الثقافي جزءاً من نضاله السياسي.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة