الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

الوضع (الراهن) ونزعة التحفظ، تطبع السياسة الخارجية الفرنسية

ترجمة- زينب محمد

بقلم- دانييل فيرنيت

      عن لوموند

عندما تنظر إلى ثلاثين عاماً من السياسة الخارجية الفرنسية، كما فعل مركز التحليل والتوقع التابع لوزارة الخارجية الفرنسية بمناسبة الذكرى الثلاثين، فما الذي نلاحظه، وماذا يغلب على هذه السياسة، التغيير ام الاستمرار والديمومة؟ على هذا السؤال يجيب فيليب غوردون مدير مركز الدراسات الفرنسية والاوربية في بروكنغس في واشنطن بالقول، الديمومة ويضيف إلى ذلك مفردتي التحفظ والاتفاق او اجماع الاراء، وغوردون امريكي، وله المام كبير جداً بفرنسا والشؤون الخارجية الفرنسية.

وفي الحقيقة فان السياسة التي انتهجها جاك شيراك في الازمة العراقية لا تناقض هذا التحليل... وليس صعباً استبدال المعارضة للستراتيجية الامريكية على طول التقليد الديغولي الطويل، الذي ترقى إلى العداء الشخصي بين الجنرال ديغول والرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية، وثمة تأكيد قوى على ان السياسة الشيراكية لاقت اجماعاً كبيراً لدى الراي العام الفرنسي وخارجه، لكن هذه السياسة غير مجردة بالتالي من جرعة كبيرة من نزعة التحفظ حد الذهاب إلى الشك في ان باريس كانت تتمنى لاسباب تجارية غامضة، بقاء صدام حسين  في السلطة، وبلا جدل بدت فرنسا كقوى في الوضع الراهن، وبالمقابل، ترغب الولايات المتحدة مع جورج بوش ومؤيديه المحافظين الجدد او كانت ترغب بقوة ثورية مراهنة على التغيير وليس على الاستقرار لضمان الامن.

ولا تقوم القضية هنا على ملاءمة هذا الموقف او ذلك بل على اثبات حالة، ولا تقوم المسألة هنا على هذا الموقف المناسب او ذلك، بل على اثبات حالة، ان هذا الانجذاب للوضع الراهن ليس جديداً، وكان موجوداً منذ زمن الحرب الباردة، وعلى الرغم من خطابها المناهض لتقييم لتقسيم يالطا ارتضت فرنسا ووافقت موافقة تامة على تقسيم العالم إلى كتلتين بل انتفعت من ذلك واستفادت لتلعب دوراً سياسياً اكبر مما تسمح له قوتها الحقيقية، ينبغي ان نضيف إلى تفضيل الوضع الراهن هذا، ما اسماه احد المراقبين في زمن فرانسوا ميتران "حب المجموعات الكبيرة" أي التحفظ بقبول تفكيك امبراطوريات القرن العشرين الاخيرة (الاتحاد السوفيتي) او تنظيمات دولة متعددة العروق والاثنيات مثل يوغسلافيا. ان هذه الملامح المتميزة للسياسة الخارجية الفرنسية ظلت باقية بشكل كبير بعد اضطرابات الوضع الدولي الحادي عشر من ايلول 2001، انها صمدت حتى بعد التغييرات التي جرت في السياسة الداخلية بل ترسخت خلال السنوات الاخيرة الماضية في الاطار الذي حرر فيه انتهاء صراع الشرق - الغرب فرنسا من التضامن المبدئي مع الولايات المتحدة الامريكية وحلف شمال الاطلسي (ناتو) وحرر الامريكيين من التضامن لا تشوبه عيوب مع اوروبا.

ففي الازمات الدولية الكبرى في عام 1960 في برلين وكوبا، التي اشرت ضعف التوازن بين الكتلتين الشرقية والغربية اكد ديغول دعمه دون غموض للولايات المتحدة الامريكية مع سعيه من ناحية اخرى إلى الانعتاق والتحرر من وصايتها، ولم يكن للتهديد الارهابي التأثير التركيبي نفسه على العلاقات الدولية، وكان يمكن ان يتأثر به جانبا الاطلسي مع اختلاف وسائل محاربته.

وبالامكان تأكيد ذلك يومياً.

ولم يكن بامكان ديمومة السياسة الخارجية الفرنسية مع ذلك اخفاء التجديد الذي ادخله رؤساء الجمهورية الثلاثة الذين تعاقبوا على الحكم في الاليزيه منذ ثلاثين عاماً وفي الوقت ذاته، كان هناك ستة رؤساء امريكيين.

ولاسباب تتعلق جزئياً بالسياسة الداخلية، مكان فاليري جيسكار ديستان يجامل الاتحاد السوفييتي كان بحاجة إلى ان يدمر الشيوعيون (اتحاد اليسار) ولاسباب معاكسة بدأ فرانسوا ميتران حرجاً جداً وفي موقف دقيق ازاء موسكو في بداية ولايته الاولى التي استمرت ستة اعوام، كان بحاجة إلى ان ينسي الاخرين وجود شيوعيين داخل حكومته. فالاول ساهم في الاسراع في التكامل الاوروبي تأسيس المجلس الاوروبي انتخابات البرلمان الاوروبي في الاستفتاء الشامل، تأسيس نظام النقد الاوروبي الذي كان وراء اليورو. اما الثاني فقد سار على النهج نفسه كما فعل جاك شيراك وبدون رغبة في الاعتراف بذلك، كان الثلاثة مقتنعين بأن فرنسا وهي قوة متوسطة لا يمكن ان تكون قوية الامن خلال اوروبا، وعلى غرار الرؤساء الذين سبقوه، يواجه الرئيس الفرنسي الحالي مع ذلك مأزقاً. ففرنسا بحاجة إلى اوروبا، فاختفاء الكتلة الشيوعية وتوسيع الاتحاد الاوروبي الذي سمح به الاتحاد لم يحلا التناقض، بل زاداه خطورة.

نبذة عن مركز التحليل والتوقع (CAP)

تاسس مركز التحليل والتوقع في عام 1973 واصبح وجوده رسمياً بقانون عام 1974 بمبادرة من ميشيل  جوبير، وزير الخارجية في عهد جورج بومبيدو، اول مدراء المركز كان تييري دي موتتبرياك، الرئيس الحالي للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، وجان لوي جير غوان، وهو اليوم مستشار مجموعة لاغاردير، وعندما تم ربط المركز بالوزارة كان على المركز حسب رغبة ميشيل جوبير التفكير بما يمكن تصوره. خارج البنى التقليدية للادارة، على غرار هيئة التخطيط الامريكي التي كانت قد اسسها جورج كينان في عام 1947 في وزارة الخارجية، وكان مركز التحليل والتوقع الذي يضم القليل من المعاونين الدائمين، قد بدأ تأمله وتفكيره حول العالم الخارجي بدعوته مستشارين، فرنسيين واجانب، وباحثين وعسكريين وصحفيين.

 

 


 

هل يتمكن قائد اندونيسيا الجديد من معالجة الارهاب و النزعةالانفصالية  والفساد والبطالة؟

ترجمة فاروق السعد عن الايكونومست

مازالت عملية فرز الاصوات مستمرة في اول انتخابات مباشرة لاختيار رئيس لاندونيسيا، ولكن اصبح من الواضح بان اكبر بلد اسلامي من حيث السكان سوف يكون له قريبا قائد جديد. في يوم الاربعاء 22 تشرين الاول، وبعد فرز ما  يقارب 80% من الاصوات ، فان المتحدي ، سوسيلو بامبانك يودهويونو، كان واثقا من النصر، بعد حصوله على 61% من الاصوات مقارنة بنسبة 39% لصالح الرئيسة الحالية، ميكاواتي سوكارنوبوتري.لن تعلن النتيجة النهائية حتى 5 اكتوبر، ولم تقر الانسة ميكاواتي بالهزيمة بعد. ولكن ليس هنالك مجال للشك بان السيد سوسيلو قد فاز في الانتخابات.

عقد الجنرال والوزير السابق ،المعروف بلقب (SBY) عدة مؤتمرات صحفية منذ اعلان النتائج الاولية  وقيل بانه يعمل على تهيئة مجلس وزراء  لاستلام السلطة في 20 تشرين الاول. ان الجولة الحاسمة من الانتخابات قد جائت بعد الجولة الأولى في تموز، والتي خرج منها جميع المتنافسين باستثناء اثنين، و بعد الانتخابات البرلمانية في نيسان. ان اجراء  هذه الجولات الثلاث بدون اي حادث هو امر جدير بالملاحظة في بلد تعداده 220 مليون نسمة، ينتشرون على ارخبيل كبير يتكون من 1700 جزيرة. والاكثر جدارة بالاهتمام هو التاريخ السياسي لهذ البلد: في خلال ست سنوات فقط، تحولت اندونيسيا من حكم فاشستي الى حافة الفوضى والآن الى ديمقراطية كاملة. اجبرت الاحتجاجات التي قادها الطلبة رجل البد السابق القوي سوهارتو على الاستقالة، ، عام 1998، بعد ان كان في السلطة لمدة 32 عاما. بعدها دبت فترة من الاضطرابات، التي هددت فيها الحركات الانفصالية واعمال العنف الديني بابتلاع البلد باكمله.

يعود الفضل الى  الانسة ميكاواتي في تركيزها على اعادة الهدوء النسبي والنمو الاقتصادي منذ توليها المنصب عام 2001. ولكنها كانت تفتقر الى  الاختلاط وضعيفة في الادارة حيث لم تفعل الا القليل لكبح جماح الفساد المتفشي في البلاد. تنبع معظم المساندة التي تحظى بها من الحنين الى والدها، مؤسس اندونيسيا، الرئيس سوكارنو. في الانتخابات البرلمانية في نيسان، خسر حزبها، النضال من اجل الديمقراطية، ثلث مقاعده، في حين تالقت شعبية حزب السيد سوسيلو  الحديث التكوين، الحزب الديمقراطي.

رغم ان الناخبين الاندونيسيين قد عبروا الان عن رغبة في التغيير على مستوى القيادة ايضا، الا انه ليس من الواضح بان السيد سوسيلو قادر على تنفيذ التفويض. انه يمتلك طريقة تفكير غريبة، فهو اكثر اهتماما في جذب الانظار من الانسة ميكاواتي، ومن الشائع عنه بانه رجل متكامل ورجل الازمات القوي. ولكنه يعتقد بانه غير حازم ومولع بالعمل الاداري الدقيق. ولا يوجد ما يفصل بينه وبين الانسة ميكاواتي في السياسة. فلقد كسب الانتخابات اعتمادا على الشخصية، وليس الايديولوجيا.

سوف نرى ان كان يمتلك الخصال التي تؤهله لحل مشاكل اندونيسيا المتعددة والمتداخلة. لقد وعد بمعالجة فساد الحكومة، الذي يشكل مشكلة كبيرة وعبئاً على الاقتصاد، وبمعالجة النظام القانوني. وعلى اية حال، ان اراد النجاح، سينبغي عليه ايضا الرجوع الى البرلمان، حيث يشغل تحالف الاحزاب المرتبطة بالانسة ميكاواتي والاحزاب الاخرى غير الموالية الى الرئيس الجديد، اكثر من نصف المقاعد.

سيتصدر ايضا موضوع الارهاب القائمة. عانت اندونيسيا من ثلاث هجمات كبيرة خلال السنتين الماضيتين. الاولى، الاسوأ، هو تفجير الملهى الليلي في بالي  في تشرين الاول 2002، الذي اودى بحياة ما يزيد عن 200. اما الهجوم الاحدث فكان انفجار سيارة مفخخة امام السفارة الاسترالية في جاكارتا في 9 آب،  اوقع 9  قتلى. كان السيد سوسيلو، وحتى وقت مبكر من هذه السنة، وزير امن الانسة ميكاواتي واشرف على اعتقال ومحاكمة المليشيا الاسلامية التي نفذت هجوم بالي. سينظر الى نصره الانتخابي في الغرب على انه لصالح الحرب على الارهاب. ولكن ينبغي ان يبين بانه قادر على وضع حد للهجمات.

كما انه ليس من الواضح بعد ان كان سيصبح افضل من الآنسة ميكاواتي في تعامله مع اولائك الذين يهددون وحدة اندونيسيا. بلغاتها المحلية والمجموعات العرقية المتعددة، فان وحدة البلاد معرضة للخطر من قبل الحركات الانفصالية المتنوعة، وخصوصا في مقاطعة آسه وغرب بوباو. رغم ان الاحكام العرفية قد رفعت عن آسه في آيار، بعد فرضها قبل عام، الا ان حركة تحرير آسه لازالت فعالة. ملهمين بنجاح مسعى تيمور الشرقية للاستقلال،  فان هذه المناطق غير المستقرة يمكن ان تشكل مصدر ازعاج لكل من الرئيس والقوات المسلحة لعدة سنوات قادمة.

في الوقت الذي يرغب فيه بعض الاندونيسيين بالاستقلال، لايريد الاخرون سوى فرص عمل. رغم ان الاقتصاد ينمو الان بنسبة 4-5 % سنويا، الا انه بحاجة الى النمو سريعا-بنسبة لنقل 7% - للقضاء على نسبة البطالة المرتفعة في البلد: ما يقرب من 4 مليون هم خارج  سوق العمل او يمارسون عملا جزئيا. ولكن الجزء السهل في الاقتصاد قد تم تنفيذه: استقرار  الاقتصاد الكلي.  والان يجب على السيد سوسيلو ان يحسن من جو الاستثمار، لغرض توفير فرص عمل لحشود الشباب الاندونيسيين الذين يأتون الى سوق العمل سنويا.

يعتقد رجال الاعمال واسواق المال بوجود فرصة افضل لتحقق هذا الامر تحت حكم السيد سوسيلو(الذي حصل على شهادة في الادارة من امربكا) من سلفه- سجلت اسواق الاسهم رقما قياسيا يوم الثلاثاء عند وصول اخبار فوزه. ولكي نكون منصفين مع الانسة ميكاواتي، فقد اشرفت على بضعة اصلاحات اساسية: في الحقيقة، يوم الاربعاء، صادق البرلمان على لائحة جديدة لاعلان الافلاس التي قدمت اطارا قانونيا اكثر وضوحا وقوة  للمستثمرين.

قد يعرقل الحزبان النضال من اجل الديمقراطية و كولكار،  اوسع الاحزاب في البلاد، جهود السيد سوسيلو الرامية لاصلاح الاقتصاد، والنظام القانوني وغيرها. ومع ذلك، قد يتمكن من الاستفادة من عدم اصطفاف هذين الحزبين الرئيسين واقناع قسم منهما للانشقاق ومساندته. (لهذا الغرض، اشيع بانه يجري مشاورات مع شخصية او شخصيتين مهمتين في هذين الحزبين لمنحهما حقائب وزارية). لو فشل في هذا، وبالنتيجة فشله في تنفيذ وعوده، فانه، ومثل الانسة ميكاواتي، فانه في الاغلب سيتخلى عن المنصب بعد فترة رئاسية واحدة فقط. بالنسبة للاندونيسيين، الذين اعتادوا على الديكتاتورية لمدة عقود،  فانهم حريصون جميعا على تعزيز سلطاتهم الديمقراطية. وبموقفهم هذا، فانهم يضعون، عن غير قصد، بذرة مخلوق نادر، ديمقراطية اسلامية حيوية.

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة