سينما

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

في حوار مع الناقد صلاح هاشم: مهمة السينما العراقية كيفية المحافظة على ذاكرة الخراب وصنع نظام من الفوضى

  • النقد السينمائي يحتاج إلى ثقافة موسوعية شاملة لأن السينما لكل الفنون

حاوره: عبد العليم البناء
صلاح هاشم كاتب وناقد سينمائي مقيم في باريس منذ اكثر من ربع قرن وله عدة كتب في السينما مثل (السينما العربية خارج الحدود) 1999م و(تلخيص الابريز في سينما باريس) 2004م و(السينما العربية المستقلة.. افلام عكس التيار).. وهو من جيل الستينيات في مصر وقبل سفره إلى فرنسا كان احد ابرز كتاب القصة إلى جانب محمد البساطي وابراهيم اصلان وجمال الغيطاني ويحيى طاهر عبد الله ويأتي صلاح هاشم من بعدهم وفي هذا المجال له مجموعة قصص قصيرة بعنوان (الحصان الابيض) صدرت في مصر عام 1976 وكتب في معظم الصحف والمجلات العربية الصادرة في باريس: الوطن العربي، كل العرب، المنار وشارك عضوا في لجنة تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية مثل مسابقة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي العالمي 1989 ومهرجان مونبليه للسينما المتوسطية ومهرجان 2000 الفني في سلوفاكيا وحاضر عن السينما العربية واتجاهاتها في العديد من المحافل السينمائية الدولية ان في بلاد العرب او خارجها فضلا عن تأسيسه موقع (ايزيس) السينمائي..
* التقيناه في الدورة الاخيرة من مهرجان الفيلم العربي الذي انعقد في روتردام اواخر ايار الماضي وكان لنا معه هذا الحوار الذي ابتدأناه بالسؤال عن هذا المهرجان فقال:
- المهرجان يحتاج إلى مزيد من الترتيب والتنظيم لاسيما على صعيد المحاضرات والندوات وبالشكل اللائق والاحترافي، وارى ان يكلف بها اشخاص اكفاء مسؤولون لا يحسنون فقط الترجمة وانما يحسنون عملية التنظيم وكذلك الثقافة السينمائية واعتقد ان في اطار الجالية العربية في هولندا من يستطيع ان يكلف بهذه المهمة.. واحيي في المهرجان الرغبة في المحافظة على ذاكرة هذا المهرجان وانجازاته كل عام وكذلك انفتاحه على افلام ذات موضوعات حساسة لاسيما تلك الافلام المتضامنة والمتفهمة لقضية ومأساة الشعب الفلسطيني في تظاهرة افلام من اجل السلام.
* وماذا عن السينما العراقية في هذا المهرجان تحديدا وفي المشهد السينمائي العربي عامة...؟
- لا توجد سينما عراقية ولكن هناك افلام عراقية وهناك محاولات لخلق سينما عراقية جديدة موزعة على عدة اقطار وبلدان خارج العراق نفسه ولذلك يكون الحديث عن السينما العراقية هو الحديث عن هذه المحاولات.
* اذا كان الامر كذلك فما هو المطلوب من هذه السينما؟
- اظن ان مهمة السينما العراقية الجديدة كيف تحافظ على ذاكرة الخراب في العراق وتصنع نظاما من الفوضى وتستشرف آفاق سينما عراقية جديدة.. واظن ان محاولة المخرج العراقي سعد سلمان الذي يعيش مغتربا في باريس منذ اكثر من 30 عاما التي تجسدت عبر فيلمين هما (العراق اون اوف) التسجيلي وفيلمه الروائي الاول (دردمات) بما افرزته من نتائج يمكن ان تكون دراستها وتحليلها مثمرة ومفيدة جدا للسينما العراقية.
وهنالك فيلم (غير صالح) لعدي رشيد الذي احببته وكنت اتوقع ان يكون فيلماً مبهرا لكنه انحرف عن المسار وانتهى بسقطة حيث استحوذ ما هو درامي اي متصل بالكلمة والديالوغ والمونولوج على ما هو بصري في حين ان السينما تصنع في اللحظات التي تكون بين لحظات الكلام ولحظات الصمت واعتبر ايضا ان ارقى الاشكال السينمائية الصامتة التي تتواصل من خلال عنصر الصورة وتبتكر وتخترع في المعمل السينمائي بأنجازات الصورة المدهشة، وقد اعجبني فيلم (احلام) لمحمد الدراجي وكتبت عنه على الرغم من بعض التحفظات الشكلية على الفيلم.
هذا النوع من الافلام مثل (احلام) مطلوب ومطلوب للتواصل مع اوسع جمهور للسينما وليس للمتخصصين.
* اذا... هل يمكن الرهان على مستقبل محدد وواضح للسينما العراقية؟
- اعتقد ان رهان المستقبل للسينما العراقية يقوم على معرفة كيفية الاستفادة من تجارب وخبرات السينمائيين العراقيين الذين يعيشون في المنفى في جميع بقاع الارض، واعتقد ان احدى مهام هذه المجموعة هو مساعدة المبادرات السينمائية الوليدة التي يمكن ان تنبثق من داخل العراق ذاته..
* وماذا عن السينما العربية..؟
- السينما العربية تعاني من امرين، الأول الاستبداد الداخلي بجميع اشكاله ومتسع الحريات في مناخات اللاديمقراطية والثاني ان التلفزيون اصبح وباء سرطانيا يجب محاربته بجميع الاشكال فصارت السينما مطالبة بأن تجدد وتبتكر صورة اخرى اقرب إلى الواقع من الصورة التي يبثها التلفزيون حيث ان صور الحروب والكوارث صارت الان مألوفة ومعتادة ولا تثير حراكا فعندما تصور الحرب في التلفزيون على انها شيء تافه ومبتذل تنهض السينما بصورة اخرى مغايرة لكي تقول لنا ان هذه الحرب او اية حرب اخرى هي البربرية بعينها، وانطلاقا من هذا وغيره اعتبر ان وظيفة السينما العربية ان تقف ضد الظلم لكنها لكي تقف ضد الظلم يجب ان تكون في المحل الاول فنا سينمائيا يقترب اكثر من روح ومفهوم الصورة الحديثة اكثر من انتمائه للفن الدرامي الاذاعي الذي يعتمد على الكلمة..
* إلى ذلك، كيف يمكن للنقد السينمائي الذي تعدون واحدا من أعلامه ان يسهم في النهوض بالسينما العربية؟
- اعتقد ان النقد السينمائي لا يمكن -على اغلب ما يكتب في الصحافة- ان يطلق عليه نقدا سينمائيا واعتقد ان الكلمة التي قالها احدهم: عندما اسمع كلمة النقد السينمائي ابحث على الفور عن (غدارتي).. اظن ان النقد السينمائي هو الذي يفهم السينما لا كوسيلة من وسائل الترفيه على الرغم من ان ذلك متحقق في السينما الخالصة ولكن يفهم السينما كأداة تفكير في مشاكل ومتناقضات المجتمعات الانسانية الجديدة من ازمات وحروب وتلوث وامراض.. الكتابة عن السينما تعني ترسيخ(رؤيا وفلسفة) اي رؤيا في الحياة وفلسفة للواقع ولكي نفهم ونحب السينما ليس المطلوب فقط ان نحكي عن قصة الفيلم وموضوع الفيلم ولكن يجب ان نحكي ايضا كيف تطور الافلام حتى فن السينما ذاته من خلال التجريب والابتكار والابداع في الورشة السينمائية.
* وماذا عن ثقافة الناقد السينمائي؟
- الكتابة عن السينما تحتاج إلى ثقافة موسوعية شاملة لانها -السينما- جامعة لكل الفنون واحب ان اركز على الدور التعليمي الذي يقوم به النقد السينمائي لتفتيح العقول والاذهان والتواصل مع التجارب الجديدة في العالم، وكما يقول المخرج السينمائي الهولندي العظيم (جوريس ايفانس): ليس مهما ان يكون النهر طويلا او عميقا لكن المهم معرفة ما اذا كانت الاسماك سعيدة فيه.
واعتبر ان رهان المستقبل على مستوى السينما العربية سوف يكون باتجاه سينما الواقع اي السينما الروائية التي تستفيد من منجزات الفيلم التسجيلي وتمسك بتوهج الحياة ذاتها اذ انها سوف تكون عندئذ صورة تشبهنا اكثر وتعكس هموم الانسان العربي.. رهان السينما العربية سوف يكون قائما على حراك اكبر للجمعيات السينمائية الاهلية المستقلة وتشجيع مبادراتها الخلاقة..
* وما هو جديدك على صعيد التأليف؟
- اولا انا اسست مجلة سينمائية على الانترنيت بعنوان (ايزيس) لاحياء ذكرى دار عرض كانت موجودة في حي السيدة زينب في مصر، وهذه المجلة تعنى بفكر السينما المعاصرة فقط وليس اخبار النجوم وهي ارضية لخلق مشروعات سينمائية مشتركة مع المؤسسات الثقافية والمهرجانات السينمائية لخلق حركية اكبر وتفاعلية اكثر تأثيرا في الواقع السينمائي العربي داخل وخارج الحدود.
وثانيا سوف تصدر عن الموقع ذاته كراسات سينما ايزيس وهي كتيبات بحجم الجيب تناقش وتعرض لحالة السينما في العالم وهي ترجمة وتأليف لي ولاخرين بالتعاون مع مجلة(كراسات السينما الفرنسية) و(الدار) للنشر والتوزيع في مصر.
وسيصدر لي عن المركز الاعلى للثقافة في مصر كتاب(السينما عند العرب) الذي اناقش فيه انتاجات السينما العربية الجديدة في البلدان العربية روائيا وتسجيليا وبالذات في السنوات الاخيرة اضافة إلى كتاب بعنوان(اطلس السينما العربية) عن اكاديمية الفنون في مصر ويتحدث عن وضعية السينما في العديد من البلدان السينمائية في العالم كفرنسا والهند وايطاليا ويعرض لظاهرة الافتتان بالشرق في السينما الغربية.


آغنس فاردا.. تبزغ من جديد

ترجمة: ابتسام عبد الله

عندما كانت في الخامسة والعشرين من عمرها، أخرجت آغنس فاردا فيلماً بدأت فيه موجة جديدة. واليوم وبعد خمسين عاماً، تقدم، فاردا، فناً جديداً، هو مزيج من الصورة والتشكيل.
وفي باريس لا يهتم أحد ما، عندما يغير مبدع اتجاهه منتقلاً إلى نوع آخر من الفنون، يختلف تماماً عما بدأ به مسيرته.ولذلك نجد فيها كتابا يرسمون، رسامين يؤلفون وصناع أفلام مهمة يعرضون أعمالهم في قاعات الرسم أو النحت. جان لوك غودار الملك غير المتوج للسينما الفرنسية، كان له مؤخراً معرض في مركز بومبيدو، بينما زميلته في الموجة السينمائية الجديدة والمعاصرة، المخرجة آغنس فاردا، كان لها عرض فني في مؤسسة كارتير.
قد يكون الأمر توجهاً غريباً لفاردا الشهيرة بفيلمها، (كليو من 5-7، 1960، جاكو 1991، عائلة وأنا 2000) ومعرض فاردا عبارة عن عودة إلى بداية عملها، مصورة في المسرح الوطني الشعبي. فاردا اليوم، 78 سنة، عملت فيلمها الأول وهي في الخامسة والعشرين، بعد أن قررت أن التصوير هو الوسيلة الصامتة جداً. فيلمها نقطة كورتي 1954، كان صور في قرية للصيد حيث استقرت عائلتها خلال الحرب بعد الفرار من بلجيكا .
سرد الفيلم حكايات بمستويات متوازية حول حياة صيادين يكافحون من أجل حقوقهم، في حين يحاول زوجان من القرية إنقاذ زواجهما. وقد برز في الخمسينيات أسلوب فاردا المستدير في تقنية سرد القصة وطريقتها في استخدام ممثلين غير محترفين والتصوير خارج الاستديو، متناقضاً مع تقاليد الاستديوهات الفرنسية آنذاك، وخاصة بعد احتضانها من قبل المثقفين الفرنسيين. وبقي، نقطة كورثي، فيلماً مهماً، مؤسساً لها أسلوباً متميزاً، لا نزال نجده في أعمال فاردا، حيث العواطف الجياشة تحت السطح مباشرة، مضافاً إلى وعي اجتماعي والإحساس بالزمان والمكان.
وتتذكر فاردا باستمتاع:
"اطلقوا علي لقب جدة موجة نيويورك الجديدة، عندما كنت في الـ30 من عمري فقط. كنت رأيت أفلاماً حديثة، والتي، بطريقة ما، اعطتني طابع المحلية وايضاً الجرأة لأفعل ما افعل. لقد سحرتني بنية الاستمرارية في السينما، وليست الحركة بقدر الاستمرارية.
وفي الفيلم السينمائي يؤكد المرء الاستمرارية وهذه الخاصية هي جواز سفر المخرج إلى المشاهدين. كان علي أن أناقش، في أفلامي، كل شيء. كنت أعمل بثلاثة اتجاهات وكيف أفهم العمل. هنا في عملي الجديد هذا، حاولت تقديم ما عجزت تقديمه في السينما".
ومعرض فاردا الحالي يحتل قاعتين من مؤسسة كارتير، مع شاشة باللون والصوت. والمعرض، كما هو معتاد لأعمالها، سجل قفزة واضحة.
وتقول فاردا، أن عملها الجديد ساعدها على تقبل وضعها كأرملة. وكانت التقت زوجها المخرج، جاك ديمي (مظلات شيربورغ، الفتيات الشابات ووكفورت) عام 1958، وتزوجا بعد ذلك بأربع سنوات. وعندما توفي ديمي عام 1995، أمضت هي عشرة أعوام في إنهاء فيلمين عن حياته، (جاكو وعالم جاك ديمي). عن هذين الفيلمين تقول:
"عرفني جاك بجزيرة ويند سويت عام 1960، تزوجنا هناك واشترينا منزلاً لتمضية العطلات فيه، وكانت الجزيرة المكان الذي صورت فيه مشهداً من فيلم، جاكو. سألت جاك إن كان بإمكاني تصويره مستلقياً على البلاج، كان آنذاك جد مريض، لكنه قال نعم مادمت تعملين الفيلم. طلبت منه أن يمسك بحفنة من الرمال وأن يدعها تنساب من بين أصابعه كانت تلك حركة مألوفة بالنسبة إليه. إحساس جميل أن تدع الرمال تنساب من بين أصابعك، كما لو ان الزمن ينساب إلى الخلف.
وتضيف فاردا في حديثها:
"أنا لا أؤمن بوحي يأتي من فراغ، كما أنه لا ينبعث من نفسك، بل من التجربة الحية المعيشة، وهذا ما أشير إليه في الوثائقية الموضوعية، يبدو الأمر بالنسبة لي، أنه كلما كنت محفزة أكثر، أصور بشكل أكثر موضوعية.
في عمر عندما يكون فيه معظم الفنانين معلقين على فرشاتهم كي تنشف، تطلق هذه الأرملة الخاصة روحاً يحترق ضياء.


فيلم زهرة الداليا السوداء يفتتح الدورة 63 لمهرجان البندقية
 

متابعة / جودت جالي

بدأت المنافسة على جائزة الأسد الذهبي بعرض فيلم المخرج بريان دي بالما (زهرة الداليا السوداء) في مدينة البندقية حيث أفتتح مهرجانها الثالث والستون يوم 30 آب وتترأس لجنة التحكيم هذه السنة النجمة كاترين دينوف. أستوحى فيلم دي بالما أحداثه من ظروف جريمة حقيقية حدثت في لوس أنجيليس بالولايات المتحدة عام 1947 ومن الرواية التي أعتمد موضوعها عليها وكتبها جيمس ألروي. لم تكن روعة الفيلم وقوته باعثة على دهشة من يعرف دي بالما (من مواليد 1940) وأسلوبه الهتشكوكي مع تفوق تكنيكي ولون من مارتن سكورسيزي. بدأ مهنته بأفلام تجريبية مثل (هي موم) 1963 مع الشاب، آنذاك، روبيرت دي نيرو. ثم أتحف سينما الجريمة بأفلام مثل (الأخوات) 1973 و (كاري) 1976 و (الأستحواذ) 1976 و (خلق ليقتل) 1980 و (سكيرفيس) 1983 و (الذين لايمكن مسهم) 1987 وصولا إلى (المهمة المستحيلة) 1996 وغيرها. أن دي بالما الذي فشل في حياته الواقعية أن يكون طبيبا بشريا جراحا أصبح من أمهر الجراحين في السينما. عميد سينما الجريمة الكاملة وخبير عذابات الصورة، المفتون بها وأسير أيقاعها الموجع وهي تنزل بالشعور إلى الجحيم. أن (الداليا السوداء) هو لقب أطلق على فتاة أسمها أليزابيث شورت كانت تحلم بمجد هوليوود لكن أحلامها أنتهت بطعنات سكين وجسد عار مقطع مغطى بالكدمات وحروق السجائر، مشقوق نصفين من الأعلى إلى الأسفل. أصبحت القضية اسطورة الصحافة وعقدة البوليس، أفضت الجريمة البشعة إلى مئات الأعترافات وأثارت آلاف الشبهات وأدت الخيوط كلها إلى التحقيق مع شخص يسمى ستيف هوديل أدعى أن والده هو مرتكب الجريمة. مزج جيمس ألروي في كتابه بين موت هذه الفتاة وواقعة موت والدته خالقا حكاية فيها فداء وشهادة معا عن أب قاتل وأم عاهرة. يظهر في فيلم دي بالما شرطيان مارسا الملاكمة سابقا لايمكن رشوتهما أو أفسادهما يشكلان ثلاثيا مع فتاة شقراء تمثل دورها سكارليت جوهانسون، يقسمون على الكشف عن القاتل المختل عقليا مهما كلف الأمر ويعملون بمثالية توقعهم في عصيان الأوامر والقانون، يقابلون أساطين سينما الجريمة زمن الأسود والأبيض والدم. جرى تصوير متابعة الأثر المحمومة بفخامة سينمائية خصوصا حين يصل المحققون إلى أماكن مشبوهة وبمشاهد رائعة تتحرك فيها الكاميرا حركة ساحرة حيث ينضم دي بالما بعدسته إلى رؤية (ألروي) ليجسد أنتهاك البراءة والحميمية، ويسبر أسرار هذا المنزل أو ذاك. قال ألروي معجبا (أصبحت روايتي فيلما) رأى نفسه في دي بالما كما رأى نفسه في الشرطي بلايشيرت (الممثل آرون أيكهارت) يقول (بلايشيرت هو أنا، بلايشيرت هو دي بالما، بلايشيرت حامل اللهب يحمل في داخله العذاب ولايخشى الأحتراق باللهب).
نجد مصادر فن دي بالما في ميثولوجيا أفلام الجريمة والشقراوات الشبقات والوجوه التي تحمل آثار الجروح وسيارات الأربعينيات العتيقة والغربان الدموية، نجدها في التعبيرية الألمانية والرجل ذي الأبتسامة التي تشبه نصل السكين، الأبتسامة القبيحة التي وصفها فيكتور هيجو، ومسرح اللعنة، وميكافيلية الأنقسام إلى أثنين، وأمريكا بوصفها خيالا، بوصفها كذبة.
يستمر المهرجان إلى 9 أيلول وسيمنح جائزة الأسد الذهبي التشريفية إلى ديفيد لينش عن مجمل أعماله وسيعرض له خارج المسابقة (أمبراطورية الداخل) الذي يقول عنه مدير المهرجان ماركو مولر أنه أشد تعقيدا من فيلم (مولهولاند درايف). سيتنافس، بالأضافة إلى دي بالما، ستيفن فريرز بفيلمه (الملكة) ويتناول قضية الليدي ديانا بين الملكة وتوني بلير. يقتبس آلين ريسنيس قصة أخرى من آلان أيكبورن في فيلمه الجديد بعد أقتباسه في (تدخين، لاتدخين)، وسيعرض للمخرج تساي مينغ
ليانغ فيلم (لاأريد النوم وحدي)، وللمخرج بول فيرهوفين (تسفارتبويك)، وللمخرج فيرازيتاكول (أعراض وقرن)، وسيشترك من أيطاليا جياني آميليو و عمانويل كيرياليزه ومن فرنسا بينوا جاكو وعدد آخر من مختلف القارات كما ستحضر الممثلات أيزابيل هوبير و شارون ستون و ديمي مور، يعرض أصغر المخرجين عمرا مانويل دي أوليفيرا فيلمه (جميلة دائما)، ويعرض أوليفر ستون فيلمه عن هجمات 11 أيلول فيما يستقصي سبايك لي في فيلمه (مرثية بأربعة فصول) مأساة أعصار كاترينا، ويقدمكينيث براناه ( المزمار السحري) عن موزارت وسيرى الجمهور جاكي شان ونيكولاس كيج وجولييت بينوش و غيرهم.


مات غلين فورد

متابعة / المدى الثقافي

يقول الخبر أن الممثل الأمريكي غلين فورد قد توفي عن عمر ناهز 90 عاما في منزله في بيفرلي هيلز أثر مرض عضال أستمر فترة طويلة، ونقول لمن لايعرفه من القراء الكرام أن غلين فورد ولد، وأسمه الحقيقي غويلين صامويل نيوتن، عام 1916 في كويبك بكندا وهاجرت عائلته عام 1924 إلى الولايات المتحدة وأستقرت في كاليفورنيا. عمل في المسارح ثم في ستوديوهات السينما. وقع عقدا مع شركة كولومبيا ليمثل فيلمه الأول عام 1940. بعد 15 فيلما من أفلام المغامرات تجلت موهبته بفيلم (غيلدا) مع النجمة ريتا هيوارث، مع ذلك لم تترسخ قدماه كنجم مميز رغم أنه مثل 12 فيلما آخر. كان يمثل أدوارا من نمط المواطن الطيب بابتسامته المطمئنة أو المتعاطفة قبل أن يشهر مسدسه ليطلق النار على الأشرار، تتخللها أدوار مميزة كدوره في فيلم المخرج فريتز لانغ (تصفية حسابات) 1953. بقيت (الويسترن) أرضه الأُثيرة وميدانه المفضل تلتمع منها ومضات سينمائية عبقرية مثل (رجل من لامكان)، كأنه جون وين بتهذيب أكثر وغاري كوبر بقلق أقل. قال مرة (لست ممثلا جيدا وكل نجاحي يعود إلى أني أعرض شخصيتي الحقيقية على الشاشة) ولم تكن شخصيته متطابقة مع دور له كما تطابقت مع دوره في (بذرة العنف) حيث مثل الأستاذ العادل والمثالي من الطبقة المتوسطة الذي يتحلى بالتكامل والشجاعة في مواجهة صف من التلاميذ الجانحين ويسارع لنجدة أرملة ويتيم كأنه بذلك يجسد قيما وطنية لاتهزها الأزمات، لايداخله أدنى شك فيها، حتى وأن كان مثقلا بالأحباط وبماض ثقيل الوطأة، معبرا عن حيوية وعن ثقة. هذا هو بالضبط الذي يجعله ليس نسيجا هش التماثل مع أبطال السينما الذين تزداد نجومهم تألقا بالفضائح فقد عاش فعلا كأنسان، كمواطن عادي دون صرعات ودون أستدرار الشهرة، باحثا عن وجهه الحقيقي في فنه وفي حياته، غلين فورد جندي المارينز الذي شارك أبان الحرب العالمية الثانية في المقاومة الفرنسية ضمن شبكة فرنسا الحرة، وغلين فورد الذي تجرأ على أن يساهم في تعبئة الأحتجاجات ضد الحرب في فيتنام في ستينيات القرن الماضي، هنا هو البطل الحقيقي وسيد الأدوار في معارك بعيدة عن السينماسكوب والحيل السينمائية. كذلك في الحياة العاطفية أذا كان في السينما جسد دور العاشق المغري خشن الطبع فقد كان في حياته الواقعية يعيش حبا جارفا مرة مع الراقصة أليانور باول ومرة مع جودي غارلاند أو ماريا شيل أو جولي هاريس، تزوج وطلق أربع مرات. لكي يكون ممثلا كان أولا مواطنا مخلصا للقيم الوطنية الصادقة وأنسانا فخورا بأنسانيته. لكن رغم أنه مثل 100 فيلم فقد توارى عن الأنظار، خصوصا في الستينيات، مقدما النشاط السياسي الملتزم على التمثيل مع فيلم متواضع بين الحين والآخر قبل أن يتألق مجددا وهذه المرة مع ريتا هيوارث التي بدأت تجاعيد الشيخوخة تزحف على وجهها في فيلم (فخ في كريسبي) 1965، وقد كان الفيلم بمثابة تحية وداع من ريتا هيوارث لهوليوود شبابها. ثم ظهر في أفلام ذات ميزانية ضخمة كفيلم (هل تحترق باريس؟) وفيلم (معركة ميدوي) ليجسد بعدها الأب بالتبني لسوبرمان مع كريستوفر ريف في أول فيلم من سلسلة أفلام سوبرمان الذي حاز عن دوره فيه على جائزة غولدن غلوب. أنتهى به الأمر إلى الأنتاج التلفزيوني وظهر لآخر مرة في السينما عام 1991. بعدها لم يكن سوى رجل تآكله المرض والجلطات الدماغية لكن وجهه الذي رافق عمالقة السينما في عصرها الذهبي بقي على أبتسامته. صورة بسيطة ترفض أن تندرج ضمن الأساطير، مجرد رجل شريف مر من أمام الكاميرا دون أن يضطر لتغيير شخصيته أو هيئته.. وداعا غلين فورد!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة