تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

صفحات من ظلم رموز النظام المباد  .. البكــــر بــــدأ مشـــوار اغتــــصاب أراضي المواطنين وأكملته عائلة الطاغية
 

صافي الياسري

ذات يوم مر احمد حسن البكر وكان في موقع رئيس الجمهورية ببستان في ناحية سلمان باك فاعجبه البستان الذي يقع على الضفة اليسرى من نهر دجلة فامر باحضار صاحبه فجيء به، عندها قال له ان بستانك يقع في الطريق الامني وقد قررنا الاستيلاء عليه وتعويضك، وبالطبع لم يكن التعويض يتناسب وقيمة البستان وهكذا استولى عليه البكر وضرب مثلاً في الاغتصاب لمن حوله، وقد حاول صاحب البستان افهام البكر ان حياته مرهونة ببستانه، وانه يعرف اشجاره واحدة واحدة فقد زرعها بيده وان نخيله يبلغ من العمر مثل عمره، ولكن دون جدوى فقد تظاهر البكر بعدم الفهم، ومات الشيخ كمداً ثم بدأ مسلسل الاغتصاب فلم يعد للحرص والطمع والجشع حد ولم تعد الايدي والنيات تجد ما يشبعها، فهذه الأرض لا ترعاها الا الأبل العصافير الخاصة بصدام ولا تحفر فيها بئر الا له حتى لو هاجر الرعاة الى بلد آخر أو ماتوا جوعاً وهذا النهر لا يسقي الا مزارع فلان أو فلانه، وحين حل موسم نادر للكمأة، سيج علي حسن المجيد (علي كيمياوي) ارض الجزيرة ووضع جيشاً من الحرس حتى لا يجمع احد الكمأة الا له، وقام بتصدير ما جناه الى عدد من دول المغرب العربي.
وحين كان الزبانية غير قادرين على نزع بعض الملكيات ومصادرتها، كالحياة البشرية، فقد ابادوها، ويروي البعض روايات متواترة عن المسلك المشوه لعدي فقد كان حين يحضر حفلاً ما ويرى بدلة لطيفة يردتيها احد الحاضرين، فانه يقوم بتمزيقها بسكين انطلاقاً من عقدة التفوق التي تتملكه.
وبعد انتهاء حرب عام 1991 كانت الفوضى ضاربة اطنابها وقد حولت البلاد الى غنيمة لابد من الاسراع في تصفيتها، بدا الامر ببيع ممتلكات الدولة من المعادن وتهريبها وكان الذي يترأس العصابة آنذاك حسين كامل الذي امتد نشاطه الى تهريب الزئبق، وحين علم قصي بذلك احتج وقال انه ملك ابي ودخل هو الاخر في نشاطات التهريب وترك لحسين كامل تهريب المنتجات النفطية اما تهريب الآثار فقد أنشأ بعض أفراد النظام شركات سرية للتنقيب والتهريب ومنهم صهر الرئيس أرشد ياسين مما اضطر الرئيس الى طرده من حمايته والادعاء باعذار أخرى وايقاف ذلك بسبب الفضيحة التي عمت العالم.
اغتصاب العقارات
فوزية وسعدية يتيمتان وهما ابنتا مصطفى ناجي مصطفى، ويوسف مصطفى، وسعد جابر مجيد طلحة، شركاء في تركة هي بستان هو العقار 350/1 زوية، وقد كان لهم بعض التعزية عن يتمهم بالأرث، لكن الرياح جرت بما لاتشتهي السفن الامر الذي جعل يتمهم أشد قسوة، فقد مر ذات يوم عدي بجانب البستان وحين رآه وتفحصه، اعجبه ، فقال (أريده)، وكانت ارادته تلك كافية لاجبار الورثة على الذهاب الى دائرة التسجيل العقاري للتوقيع على عقد البيع دون النظر الى تفاصيله والمبلغ الذي سيقبضونه لانهم وقعوا العقد دون تفاوض أو مساومة، واعطوهم ثمناً بخساً لا يعادل ثمن مشتمل صغير في المنطقة ولو استطاع عدي ان يأتي بالبستان ليوقع لجاء به، لكن للبستان وثائقه التي لن يبطلها الاجبار والتعسف والاغتصاب، وقد كان عدي يعرف مدى حظوته عند الاب وكان جل ما يؤرقه ان يمتلك احد أفراد العائلة أكثر منه، اما قصي فقد قرر امتلاك ارض واسعة في الزوية ايضاً تحمل الرقم 352/35 واتضح ان من ملكها عنوة هو علي حسن المجيد ما اضطر قصي ان يدفع للكيماوي مبلغ 237 مليون دينار، ولم يسأله احد من اين لك هذا المبلغ وهل ورثته عن احد اجدادك؟
ثم يعلم قصي ان هيفاء بنت احمد حسن البكر تملك بستاناً في الكرادة فتثور ثائرته ويقرر امتلاكه ويدفع لهيفاء مبلغ 115 مليون دينار ويأخذ العقار المأخوذ اصلاً عنوة وهو يحمل الرقم 354/37 ويرى بستاناً الى جواره يحمل الرقم 367/9 فيأخذه هو الاخر ويستدير الى البستان الذي يحمل الرقم 354/32 زوية ويكتشف ان ابن خاله عدنان خير الله (حمزه) يملكه فيدفع له مئات الملايين ويحصل عليه بتاريخ 12/7/ 2001 كما هو مدون في السجل العقاري.
ساجده خير الله في السباق
ويبدو ان العرق دساس فساجدة هي ابنة خير الله طلفاح اشهر من مر ببغداد من الولاة المتسولين، وساجدة من المعجبين بالبساتين التي لم يكن لها الوقت الكافي للتعرف عليها من الداخل، فامتلكت بستان كل من سعدية رضا ناجي وفاضل سليم ناجي، ويبدو ان املاكها من بساتين المنطقة كثيرة فقد سجلت لها بتاريخ 29/7/ 2001 معاملة برقم 215 للعقار 345/4 ودفعت ملياراً و250 الف دينار، والعراقيون الذين جاعوا طويلاً يتساءلون من اين اتت كل هذه الاموال، برغم ان الواعين منهم يعرفون انها سلكت طرق السرقة والاختلاس والاغتصاب والهبات غير المشروعة والابتزاز ومشاركة الناس أرزاقهم ومن التهريب وابتلاع املاك الدولة.
برزان وأولاده ودورهم ألاغتصابي
يبدو ان مكوث برزان احد عشر عاماً في جنيف حيث عمل ممثلاً للنظام في الأمم المتحدة لم يغير من طبيعته الإجرامية التي تشكلت وترسخت اثناء توليه منصب مدير المخابرات العام، فحين اراد وعرف نشاطات العائلة في اغتصاب أموال العراقيين أراد ان لا تفوته الحفلة وان يأخذ حصته من الغنيمة محاولاً تناسي أرثه الاسود في القتل والتعذيب وبخاصة في سنوات (الثورة البيضاء) الاولى، فاتجه ومعه أولاده الى العقارات مركز نشاط العائلة، ورأى برزان ان يوزع عقاراته باسماء أبنائه وكانت الكرادة والزوية من اختصاص ابنه علي، وتسجل دائرة عقارات المنطقة الكثير الكثير من العقارات والبساتين التي انتزعها من أصحابها أولاد الأخ غير الشقيق وتناقلوا ملكيتها فيما بينهم لامر مقصود قد يكون طمس الملكية الاصلية للعقارات، محمد وسجى برزان يبيعان لعلي برزان قطعة ارض مشيد عليها هيكل بقيمة 17 مليون دينار تحمل الرقم 335/1 ويبيع محمد وسجى ايضاً لعلي برزان العقار 335/2 بمبلغ 161 مليون دينار وتبيع نور لاخيها علي العقار 335/2 (حصتها منه) بتاريخ 13/1/2003 بمبلغ 165 مليون دينار ويبدو ان هذا العقار قد بيع واشتري عدة مرات ويبيع الأب برزان والعمة ثريا لعلي العقار 334/2 زوية بقيمة 132 مليون دينار وتبيع نور برزان لشقيقها علي العقار الذي يحمل الرقم 367/ 9 زوية بمبلغ 860 مليون دينار بعد ان باعه لها قصي ضمن الترضيات العائلية.
هذا كله حصل في منطقة الكرادة والزوية وما استطعنا تسجيله وما خفي كان أعظم وما دار وراء الستار ظل وراء الستار ولكنه سيكشف ولم نتحدث عن نشاط العائلة ألاغتصابي في الطارمية وبساتين التاجيات والشريط الزراعي على ضفة دجلة اليمين الممتد من الكاظمية الى سامراء ولاعن مزارع الشيخ جميل والاسحاقي التي اغتصبتها ساجدة خير الله طلفاح والبساتين التي اغتصبها برزان في الطارمية، والبساتين التي وزعها صدام على زبانيته على طول الشريط الزراعي الممتد من الكاظمية الى سامراء.


بعد ثلاث سنوات ونصف على تدميرها .. أسلحة نظام صدام مازالت تباع خردة حديد!
 

بغداد/ شاكر المياح
وانا في طريقي الى حيث ينتظرني صديقي كان يعمل مهندساً للطائرات اثر موعد ضرب بيننا ليدلني على أنقاض بعض الأسلحة والطائرات والمعدات العسكرية التي خلفتها عملية إسقاط النظام السابق.
شحذت ذاكرتي علها تسعفني بما تختزنه من احداث السنين الخوالي، وعلى حين غرة.. الهمتني صورة ذلك اليوم الشباطي من عا 1989 والاستعراض العسكري البري الجوي الذي تباهى به الديكتاتور امام بعض الرؤساء العرب الذين شاهدوا ذلك الاستعراض الذي زمجرت فيه كتل الحديد المدرعة والمسرفة وهدرت خلاله محركات الطائرات الحربية، وكيف ان احد الطيارين كتب اسم الحاكم في الفضاء باستخدام الدخان الابيض.. تذكرت هذا .. وتذكرت كيف كانت تبدد ثروات العراق على .. حديد عتيق.
اجل .. لم نجن منها سوى .. الدماء والدمار وحديد عتيق هو كل ما تبقى منها الآن.
تسمرت قدماي وانا ارقب تلك الاكداس التي دلني عليها صديقي مهندس الطائرات.. اكوام من مركبات واسلحة بعضها فوق بعض نظرت اليها بألم .. وقلت في قرارة نفسي:
تلك التي كانت يوماً ما .. تجتاز المغازات والبراري وتطوي المسافات وتقذف الحمم وتطلق سهام الموت والسنة اللهب.. فتارة تغير على جنوب البلاد فتحيله ركاماً.. وتمنح ابناءه جواز سفر نحو المقابر الجماعية واخرى تهرع صوب الشمال، ترش الحرث والنسل بمبيدات صارت بحوزة قتلة ما اورد التاريخ اشباهاً لهم بعد ان استهوتهم الرغبة في قتل الابرياء.
طائرات وعجلات وعربات ونحاس القذائف.. كلها استحالت حديداً عتيقاً .. اعواماً طويلة من عمر العراق والعراقيين.. استنزفتها عجلاتها التي كانت تدور بجنون لا حدود له.. ثروات طائلة بددتها تلك الرغبات المعلولة .. عشرات الآلاف من العراقيين عملوا على صيانتها واصلاحها.. الا انها امست.. حديداً عتيقاً.
مواقع لا تحتاج الى دلالة
الموقع الاولي الذي ذهلت لهلول منظرة يقع على الجانب الشرقي من شارع القناة.. استدارت سيارتنا نصف دورة ثم توقفت بازاء سياجه السلكي.. كنا خائفين.. اجل خائفين.. ناولت الكاميرا لصديقي وطلبت منه ان يتنحى جانباً .. بينما حاول العثور على احد كي نسأله عن هذه الاكداس من هياكل العجلات العسكرية وبقاياها.. أول من ظهر لي من بين تلك الأنقاض شاب يحمل بيده اليمنى واقية شمس امامية لعجلة "الايفا" العسكرية.. ثم تبعته طفلة بعمر سبع سنوات أو أكثر بقليل وبضفيرتين تتدليان فوق كتفيها تحث الخطى نحو صديقي وهي تصيح " ممنوع التصوير" بينما استغرقت في حديث مقتضب مع شاب آخر كي اصرف نظره عن مكان صديقي حيث اوضح لي بانه حارس هذا الموقع، امرني بالانصراف، لكني اسهبت في شرح مهمتنا واثناء الحديث حضر صديقي ومعه الطفلة "ثريا" التي أصرت على ان لا نلتقط أية صورة.. سألتها بلطف ومزاح .. لماذا ؟
قالت: ابو المال لا يقبل..
قلت لها: من هو "ابو والمال"؟
هزت كتفيها هازئة وقالت: لا ادري وبعد محاورة استغرقت عدة دقائق هدأ الحارس ابو "ثريا" وتفهم طبيعة المهمة التي نؤديها استجاب لرغبتنا بكل ود فسألته كيف تسنى لكم جمع كل هذا؟ قال: احدهم اشتراه من (تاجر) بعد السقوط ابتسم وأضاف.. هذا غيض من فيض.. لقد كانت الأكداس أضعاف ما تشاهدونه الآن.. كلها نفدت ولم يبق منها سوى هذه البقايا قلت له كيف نفدت؟
قال: بعناها..
سألته: لمن؟ قال: للمواطنين واصحاب المعامل والورش الحرفية ولمهربي الخردة الى خارج الحدود، واضاف: لقد باعوا بملايين الدولارات.
ذهلنا وراح بعضنا يحدق في وجه الآخر فقلت له: حقاً؟
قال: اجل هذا مؤكد.
اشارة من صديقي جعلتني أصافحه على عجل واشكره على لطفه وطول اناته ثم ربت على ظهر "ثريا" وقلت لها مداعباً" وداعاً .
علوة زويني
علوة زويني.. تحولت وبشكل مفاجئ من مكان لبيع الفواكه والخضراوات الى علوة لبيع العجلات والمعدات العسكرية واجزاء من طائرات حربية وكل ما له صلة بالجيش السابق.. بقايا من دبابات واشلاء طائرات.. ومحركات.. وعجلات اسعاف عسكرية وسيارات صالون.. هذا كل ما تبقى .. والجزء الأكبر تم بيعه تفصيخاً.. كان الحارس الشاب كريماً معنا.. إذ سمح لنا بالدخول وعلى الفور بعد ان أخبرناه باننا صحفيون ومن جريدة "المدى" أردنا ان نسأله بضعة اسئلة الا انه رفض تحت حجة ان صاحب المال غير موجود.. ورويداً رويداً اقنعناه بان مهمتنا ليست بوليسية أو امنية أو استخباراتية أو لها علاقة بالشرطة أو الحرس الوطني أو قوات التحالف.
سألته: كيف تبيعون هذه الكتل الحديدية؟
قال: يأتي الينا الكثير من الناس ليشتروا قطع الالمنيوم أو النحاس أو أجزاء أخرى عديدة..
قال: البعض يبدو عليهم انهم تجار.. وآخرون باحثون عن حاجات محددة.
لم اشأ انا وصديقي الدليل ان نطيل المكوث فشكرناه على لطفه ودماثة خلقه، وتذكرت مقطعاً شعرياً للسياب
ارى الفوهات التي تقصف
تسد المدى .. واللظى والماء
اقتربنا من الموقع الثالث خلسة بالرغم من وقوعه وسط حي سكني رائع وجميل.. يقف عليه رجال غلاظ شداد.. يحوي حافلات نقل حكومية وسيارات صالون ومعدات كثيرة.. الشيء اللافت للنظر وجود اعداد كثيرة من بكرات القابلوات التي تستخدم في ايصال الطاقة الكهربائية والاتصالات.. لم يبد على أصحاب هذا المكان الاكتراث بأحد أو ان هناك محذوراً أو محظوراً.. فهو واضح للعيان يراه الراكب والراجل لكن كثرة الدائرين حوله تبعث على الخوف..
لم نسأل اياً من الدائرين أو الماكثين بل اكتفينا بالنظر والمشاهدة والتصوير والآهات التي نطلقها بين دقيقة وأخرى.. بالقرب من هذا المكان (كشك) توزعت على مسطحه سلال الفواكه والخضار.. دنونا منه وسلمنا على صاحبته التي تدعى "ام مازن" وسألناها:
هل تعرفين أصحاب هذا المكان؟
نظرت الينا وقد اتسعت حدقات عينيها وقالت:
حجي .. شرانيين .. عوفوهم..
شكرناها على نصيحتها القيمة وعلى مقربة من (الكشك) كان هناك محل لتصليح الدراجات النارية اقتربنا منه فاستقبلنا صاحبه بالترحاب وسألناه:
متى وجد هذا المكان؟
قال: منذ سقوط النظام
قلت له: هل تم شراء كل هذا الانقاض ام بعضها "حواسم"
ابتسم وقال: نص ونص


رحلة البحث عن ملاذ آمن .. الخوف والقلق القاسم المشترك بين الناس

 

محمد شفيق

ليس هنالك مواطن عراقي لا يشكو هماً، او ينتابه قلق، فالاوضاع السائدة الان، تجعل المواطن العراقي، يحسب الف حساب وهو يستعد للخروج من بيته، ويفكر في كيفية العودة سالما اليه فالاختطاف، والقتل والتفخيخ، كل ذلك يجعله يدور في حلقة مفرغة، ويمضي دونما هدف.

أحد اصحاب العربات ويعمل في الشورجة بعربته هذه يقول:
حتى نحن بتنا لا نـأمن على ارواحنا، فالموت يترصدنا، مثلما حصل مع اصحاب المحال والمارة الاسبوع الماضي، وفي نفس المكان هذا (أبحث) عن منفذ للخروج من هذا المأزق، ولكن دون جدوى) هذا ما يقوله شاب تجاوز العشرين من عمره، وهو يشعر بالاسى والالم، ويتمنى الخلاص من وضعه، وربما كان هذا الرأي هو القاسم المشترك بين الكثير من العراقيين، لان الموت لا يفرق بين هذا وذاك، وضنك العيش يطوق رقاب الجميع.
احمد رسول صاحب سيارة تاكسي، يقول: اعمل بحذر وكل من يحمل حقيبة او كيساً، أحاول تفتيشها لئلا يكون فيهما عبوة ناسفة، وينال مني ومن آخرين لا ذنب لهم ليس هذا فحسب، وانما هنالك مناطق في اطراف بغداد لا استطيع الوصول اليها بسبب عدم شعوري بالامان هناك، فأبقى أدور ضمن مناطق محددة، ودوراني هذا لا يكفي لسد لقمة العيش، ولاجور المولدة.
هذه حقيقة أخرى هي ان لا تستطيع الوصول الى أي مكان في العاصمة بغداد لان الموت يتربص بك، من خلال مجموعة مسلحة او رصاصة ضالة.
احد الاباء تحدث عن ولده قائلا: شعرت بالتعب في ذلك اليوم، وكلفت ابني ان يأخذ السيارة، وينقل بها بعض الاثاث الى منطقة في اطراف بغداد.. تأخر في العودة، وبتنا قلقين عليه، جاء الليل ولم يعد، وشعرنا في البيت ان مكروها قد حصل له، في الصباح ونحن مثقلون بانواع الهموم والقلق اتصل بنا شخص، يقول: ابنكم عندنا وكلمني ابني وعرفت انه لم يقتل بعد. عاد المتكلم وقال: نريد عشرة دفاتر كي نطلق سراحه، والسيارة والاثاث تصرفنا بهما، والمهلة اسبوع، وبعدها يتعرض للموت.. وظل هذا الاب يسرد قصة ابنه وعجز العائلة عن تسديد هذا المبلغ واذا ما سدد المبلغ الى العصابة من يضمن حياة ولده؟
انها هموم وهموم باتت الزاد اليومي لنا، وليس بالامكان التخلص منها.
امرأة في الثلاثين من عمرها، تقول: معاناتي تكمن مع الربطة، فأنا لم اتعود ان اضع الربطة على رأسي، بل تعودت منذ صغري ان اكون حرة، وغير مقيدة بأي نوع من الملابس التي تحد من حريتي، فكلما اخرج من البيت يقابلني جاري ويقول لي: تحشمي ولا تخرجي هكذا من البيت لانه حرام.
انه يفتي بحقي، ويضع العراقيل بدربي واصبحنا في قلق دائم منه، لئلا يأتي بمجموعة مسلحة وتنتقم منا، علما انه واحد من المستفيدين، عملية (الحواسم) ويحرم عليّ ان انال حريتي.
هذه المرأة لخصت جزءا من معاناة المرأة العراقية في هذه المرحلة، انها تحدثت عن حرية شخصية كفلها الدستور، ويحرمها اصحاب الامزجة وبعض من الناس الذي يعشش في رؤوسهم التخلف. ولكن ماذا عن الاختطاف والاعتداء على اعز ما تملك المرأة؟
ماذا عن هذه المسألة المهمة التي تقلق العوائل اكثر من غيرها، ماذا عن الاباء الذين اعادوا بناتهم وهن مغتصبات واصيبوا بالجلطات الدماغية والقلبية، وقسم منهم مات بسبب الكمد؟
ماذاعن الاطباء الذين يغادرون البلد يوميا، ويقفلون عياداتهم، ويتركون كل شيء وراءهم بحثا عن حياة آمنة؟
وماذا عن الباعة المتجولين الذين يبحثون عن ملاذ يبيعون حاجياتهم لسد رمق الحياة، بعيدا عن المفخخات والعبوات الناسفة.
يقول حسين محمد عباس وهو عامل في مسطر بغداد الجديدة: في الاسبوع قد احصل على يوم عمل واحد ومرات لا احصل على ذلك، ولا ادري كيف اعيش، وحياتي اصبحت جحيما لا يطاق، مطلوب مني تسديد ايجار الدار التي اسكنها، ومطلوب مني ان اعيل عائلة من اربعة اشخاص ولا ادري ماذا افعل.
جاسم محمد خالدي من سكنة شارع فلسطين، باع داره، وذهب الى دولة مجاورة ليبحث هنالك عن منفذ للعمل، تاركا زوجته في بيت اهلها، حتى يضمن لهما مكانا آمنا، ومعيشة جيدة، لقد مل من كل شيء، واخذ اليأس منه مأخذه، في تحسن الوضع الامني والوضع الاقتصادي فاختار تلك الدولة المجاورة لتكون ملاذا له.
ليس هذا وحده، وانما هنالك مئات العوائل التي اختارت هذا المسار لتضمن حياة آمنة بعيدا عن الموت والمذلة.
يبدو ان الحياة عندنا تسير في اتجاه معاكس ولا تقبل ان يكون مسارها في الاتجاه الصحيح.. فكل واحد يريد الخلاص بجلده من وضع غير مستقر ومن موت ينال من الجميع.. انها رحلة البحث عن خلاص، رحلة البحث عن ملاذ آمن.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة