رحلة
البحث عن ملاذ آمن ..
الخوف
والقلق القاسم المشترك بين الناس
محمد شفيق
ليس
هنالك مواطن عراقي لا يشكو هماً، او ينتابه قلق، فالاوضاع
السائدة الان، تجعل المواطن العراقي، يحسب الف حساب وهو
يستعد للخروج من بيته، ويفكر في كيفية العودة سالما اليه
فالاختطاف، والقتل والتفخيخ، كل ذلك يجعله يدور في حلقة
مفرغة، ويمضي دونما هدف.
أحد
اصحاب العربات ويعمل في الشورجة بعربته هذه يقول:
حتى نحن بتنا لا نـأمن على ارواحنا، فالموت يترصدنا، مثلما
حصل مع اصحاب المحال والمارة الاسبوع الماضي، وفي نفس
المكان هذا (أبحث) عن منفذ للخروج من هذا المأزق، ولكن دون
جدوى) هذا ما يقوله شاب تجاوز العشرين من عمره، وهو يشعر
بالاسى والالم، ويتمنى الخلاص من وضعه، وربما كان هذا
الرأي هو القاسم المشترك بين الكثير من العراقيين، لان
الموت لا يفرق بين هذا وذاك، وضنك العيش يطوق رقاب الجميع.
احمد رسول صاحب سيارة تاكسي، يقول: اعمل بحذر وكل من يحمل
حقيبة او كيساً، أحاول تفتيشها لئلا يكون فيهما عبوة
ناسفة، وينال مني ومن آخرين لا ذنب لهم ليس هذا فحسب،
وانما هنالك مناطق في اطراف بغداد لا استطيع الوصول اليها
بسبب عدم شعوري بالامان هناك، فأبقى أدور ضمن مناطق محددة،
ودوراني هذا لا يكفي لسد لقمة العيش، ولاجور المولدة.
هذه حقيقة أخرى هي ان لا تستطيع الوصول الى أي مكان في
العاصمة بغداد لان الموت يتربص بك، من خلال مجموعة مسلحة
او رصاصة ضالة.
احد الاباء تحدث عن ولده قائلا: شعرت بالتعب في ذلك اليوم،
وكلفت ابني ان يأخذ السيارة، وينقل بها بعض الاثاث الى
منطقة في اطراف بغداد.. تأخر في العودة، وبتنا قلقين عليه،
جاء الليل ولم يعد، وشعرنا في البيت ان مكروها قد حصل له،
في الصباح ونحن مثقلون بانواع الهموم والقلق اتصل بنا شخص،
يقول: ابنكم عندنا وكلمني ابني وعرفت انه لم يقتل بعد. عاد
المتكلم وقال: نريد عشرة دفاتر كي نطلق سراحه، والسيارة
والاثاث تصرفنا بهما، والمهلة اسبوع، وبعدها يتعرض للموت..
وظل هذا الاب يسرد قصة ابنه وعجز العائلة عن تسديد هذا
المبلغ واذا ما سدد المبلغ الى العصابة من يضمن حياة ولده؟
انها هموم وهموم باتت الزاد اليومي لنا، وليس بالامكان
التخلص منها.
امرأة في الثلاثين من عمرها، تقول: معاناتي تكمن مع
الربطة، فأنا لم اتعود ان اضع الربطة على رأسي، بل تعودت
منذ صغري ان اكون حرة، وغير مقيدة بأي نوع من الملابس التي
تحد من حريتي، فكلما اخرج من البيت يقابلني جاري ويقول لي:
تحشمي ولا تخرجي هكذا من البيت لانه حرام.
انه يفتي بحقي، ويضع العراقيل بدربي واصبحنا في قلق دائم
منه، لئلا يأتي بمجموعة مسلحة وتنتقم منا، علما انه واحد
من المستفيدين، عملية (الحواسم) ويحرم عليّ ان انال حريتي.
هذه المرأة لخصت جزءا من معاناة المرأة العراقية في هذه
المرحلة، انها تحدثت عن حرية شخصية كفلها الدستور، ويحرمها
اصحاب الامزجة وبعض من الناس الذي يعشش في رؤوسهم التخلف.
ولكن ماذا عن الاختطاف والاعتداء على اعز ما تملك المرأة؟
ماذا عن هذه المسألة المهمة التي تقلق العوائل اكثر من
غيرها، ماذا عن الاباء الذين اعادوا بناتهم وهن مغتصبات
واصيبوا بالجلطات الدماغية والقلبية، وقسم منهم مات بسبب
الكمد؟
ماذاعن الاطباء الذين يغادرون البلد يوميا، ويقفلون
عياداتهم، ويتركون كل شيء وراءهم بحثا عن حياة آمنة؟
وماذا عن الباعة المتجولين الذين يبحثون عن ملاذ يبيعون
حاجياتهم لسد رمق الحياة، بعيدا عن المفخخات والعبوات
الناسفة.
يقول حسين محمد عباس وهو عامل في مسطر بغداد الجديدة: في
الاسبوع قد احصل على يوم عمل واحد ومرات لا احصل على ذلك،
ولا ادري كيف اعيش، وحياتي اصبحت جحيما لا يطاق، مطلوب مني
تسديد ايجار الدار التي اسكنها، ومطلوب مني ان اعيل عائلة
من اربعة اشخاص ولا ادري ماذا افعل.
جاسم محمد خالدي من سكنة شارع فلسطين، باع داره، وذهب الى
دولة مجاورة ليبحث هنالك عن منفذ للعمل، تاركا زوجته في
بيت اهلها، حتى يضمن لهما مكانا آمنا، ومعيشة جيدة، لقد مل
من كل شيء، واخذ اليأس منه مأخذه، في تحسن الوضع الامني
والوضع الاقتصادي فاختار تلك الدولة المجاورة لتكون ملاذا
له.
ليس هذا وحده، وانما هنالك مئات العوائل التي اختارت هذا
المسار لتضمن حياة آمنة بعيدا عن الموت والمذلة.
يبدو ان الحياة عندنا تسير في اتجاه معاكس ولا تقبل ان
يكون مسارها في الاتجاه الصحيح.. فكل واحد يريد الخلاص
بجلده من وضع غير مستقر ومن موت ينال من الجميع.. انها
رحلة البحث عن خلاص، رحلة البحث عن ملاذ آمن. |