تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

لعبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية .. الـتجـــــار يــثـرون والمــواطــن يـــدفــع الثـمن
 

  • مواطنون يتهمون التجار باغراق السوق بالأطعمة الفاسدة ووزارتي الصحة والتجارة بتقصيرهما في الرقابة والمحاسبة

بغداد/ أدهم يوسف
يعاني العراقيون من ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية كالخضراوات والفواكه واللحوم الحمر والبيض والالبان والبيض في وقت اصبح فيه النقص الحاد في الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء امرا يسمم حياة الشعب العراقي.. إذ اعترفت وزارة التجارة بوجود مفسدين يعششون داخل أروقة الوزارة.. وهؤلاء كان لهم ولا يزال الدور الكبير في رداءة مواد الحصة التموينية التي (يجبر) المواطن على تسلمها امام ارتفاع أسعار المواد التموينية في السوق المحلية، ولأجل وضع خطة وزارة التجارة هذه موضع التنفيذ فان الإجراءات كانت سريعة إذ تمكنت الاجهزة الرقابية التابعة للوزارة التي تعمل في الموانئ الأردنية من وضع يدها على شحنات من اللحوم والاسماك والدجاج وهي غير صالحة للاستهلاك البشري، وكانت تلك الشاحنات في طريقها للدخول الى العراق لولا العين الساهرة للأجهزة الرقابية التابعة لوزارة التجارة التي منعت تلك المواد المغشوشة من الدخول الى العراق..

بعد ذلك بدأت اجراءات رقابية واسعة تشمل فحص جميع المواد الداخلة للعراق كما انها تدرس حالياً وضع نظام خاص للاستيراد يتم فيه وضع ضوابط صارمة تمنع دخول أية مادة غير مطابقة للشروط والمواصفات التي تحددها الوزارة.
الرقابة على الأغذية
لكن السؤال المهم الذي يمكن طرحه ونحن نقرأ تصريحات المسؤولين في وزارة التجارة كم من الشحنات دخلت الأراضي العراقية قبل ان تقوم وزارة التجارة بتفعيل اجراءاتها وتشديد رقابتها في المنافذ الحدودية؟! سؤال ربما يبدو بسيطاً للبعض، لكنه كبير في نتائجه إذ ان مئات الاطنان ان لم نقل آلاف الاطنان من الاغذية الفاسدة قد دخلت الأراضي العراقية في ظل غياب الرقابة التجارية والصحية معاً.. لكن والحق يقال ان وزارة الصحة تقوم بين فترة واخرى بجولة في الأسواق المحلية تقوم خلالها باتلاف كميات كبيرة من الاغذية الفاسدة وهي غير صالحة للاستهلاك البشري.. وبالتأكيد فان عملية الاتلاف هذه فيها فائدة لصحة المواطنين ومضرة لاقتصاد البلد! إذ ان المواد الغذائية الفاسدة استوردت بأموال عراقية.
والصحة لها عذر!!
من هنا تأتي اهمية تشديد الرقابة الصحية في المنافذ الحدودية لمنع اية إرسالية للمواد الغذائية من دخول العراق ما لم يتم فحص المواد فحصاً دقيقاً وبالتالي ليتم ارجاع المواد الغذائية الفاسدة قبل ان تدخل العراق لتفسد بعدها صحة المواطن لكن السؤال الآخر هل بالامكان تشديد الرقابة في المنافذ الحدودية ليتم بالتالي منع دخول المواد الفاسدة؟ تصعب الاجابة عليه في ظل الوضع الحالي اولاً وفي ظل حدودنا المفتوحة لدخول كل أنواع اجهزة الموت وليس لدخول مواد غذائية فاسدة!! ربما سيقول البعض ان هناك معهداً خاصاً يعنى بفحص المواد الغذائية وذلك هو معهد بحوث التغذية الذي قال عنه مصدر مخول في المعهد.. اننا الجهة الوحيدة والمختصة بفحص الاغذية وذلك استناداً الى قانون الصحة العامة، حيث يقوم ملاكنا الصحي بفحص جميع المواد الغذائية التي ترسل الى المعهد عن طريق دائرة الرقابة الصحية.
وأضاف اننا نقوم بفحص المواد الغذائية للتحري عن السموم الفطرية والكيماوية والجرثومية التي ربما نكتشفها من خلال فحصنا المواد الغذائية.. وفي حالة اكتشافنا لذلك أي اكتشاف تسمم المواد الغذائية المرسلة الينا تتم مخاطبة دائرة الرقابة الصحية ذلك لتقوم من جهتها باعادة تصدير تلك المواد الى جهة المنشأ أو اتلافها عن طريق الرقابة الصحية. وهذا هو واجب معهد بحوث التغذية وهو واجب مهم وضروري في حالة تطبيقه بصورة صحيحة..
هل يمكن للفاحص ان يقول لا؟!!
إذن السؤال الذي يطرح نفسه هو.. وفي ظل ضعف الإجراءات القانونية والرقابة وفي ظل التهديدات والاغتيالات.. هل يمكن (للفاحص) في معهد بحوث الغذائية ان يقول عن إرسالية كلفت مستورديها ملايين الدنانير بانها غير صالحة للاستهلاك البشري وبالتالي إتلافها؟! هل يمكن ذلك ؟!
جولة في السوق
حينما نتجول في السوق المحلية نشاهد (العجب العجاب) إذ كيف يتم بيع كيسين شربت (محلى) بمبلغ 250 ديناراً ؟ ثم كيف يتم بيع قنينة (عمبة) مستوردة بمبلغ 750 ديناراً؟! بالتأكيد حينما نتمعن في تاريخ نفاد صلاحية المواد الغذائية سنجد انها منتهية الصلاحية.
كما نرى في السوق المحلية عشرات الانواع من علب المواد الغذائية وهي تخلو من اسم المنشأ.. والظاهرة الملفتة للنظر ان اغلب هذه المواد الغذائية المعلبة تباع باسعار مناسبة.. لكن في الجانب الآخر نقرأ تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة وهي تعلن ان هذه المادة الغذائية المعلبة أو تلك تسبب امراض السرطان على المدى البعيد!! ورغم هذا التحذير من قبل وزارة الصحة الا ان المواطنين لا يزالون يقبلون على شراء هذه المواد الغذائية غير آبهين بتحذيرات وزارة الصحة! عدد كثير من المواطنين الذين التقينا بهم أكدوا انهم يتناولون هذه المواد الغذائية لانها رخيصة السعر وطيبة المذاق، اما تحذيرات وزارة الصحة فلن تلقى تجاوباً من المواطنين. ومهما يكن امر هذه المواد الغذائية، إلا اننا نستطيع القول انها تشكل ظاهرة مضرة بالصحة لأن اغلب هذه المواد مجهولة المصدر.. وهي ظاهرة تتطلب تكثيف الجهود في المنافذ الحدودية لأجل منع دخولها إلا ستنتشر أمراض لا نعرف مصدرها أو نوعيتها!!
بين الناس!
قالت ام مصطفى 45 عاماً ربة بيت لها اربعة اولاد اكبرهم 16 عاماً، ان البصل الذي هو غذاء الفقراء تضاعف سعره من 150 الى 750 ديناراً للكيلو غرام الواحد. واضافت ام مصطفى ان سعر الكيلو غرام من لحم الغنم تضاعف تقريباً الى 9000 دينار عما كان عليه قبل عدة اشهر واصبح سعر البيضة الواحدة 250 ديناراً وقال احمد عبد اللطيف 38 عاماً وهو بائع خضراوات ان سعر كيلو غرام الطماطم زاد بنسبة الضعف ليبلغ 750 ديناراً للكيلو غرام الواحد وسعر كيلو غرام العنب من الدرجة الاولى 1500 دينار مما يمثل زيادة بنسبة 80 في المائة ام التمر وهو ثمر ينتجه العراق حيث أكثر من 20 مليون نخلة يبلغ سعر الكيلو غرام منه 1500 ينار واضاف عبد الجبار احمد 32 عاماً وهو ايضاً بقال في سوق العلاوي بجانب الكرخ.. ان اسباب ارتفاع أسعار اللحوم تهريب المواشي والاغنام بعد انهيار النظام السابق وما تبع ذلك من انفلات امني حيث يتم تهريب الاغنام الى الدول المجاورة للعراق.. والتقينا السيد حازم محمد عزيز وهو صاحب محل لبيع اللحوم فسألناه عن سبب ارتفاع أسعار اللحوم فأجاب:
يعود السبب الرئيس في ارتفاع أسعار اللحوم لتهريب هذه الثروة الحيوانية المهمة الى خارج البلد، حيث يبيعها التجار باسعار خيالية جداً وبسبب عدم انتباه السلطات الامنية لهذه الظاهرة التي أدت الى ارتفاع أسعار هذه المادة الاساسية للعائلة العراقية، الكثير من المواطنين يرغبون في شراء اللحوم العراقية لانها مذبوحة على الطريقة الإسلامية، لكن هناك قلة في الطلب عليها بسبب ارتفاع اسعارها ويبقى السبب الرئيس إننا نشتري هذه اللحوم باسعار باهظة ولا نحملها الا الشيء القليل لنغطي اجور العمال والايجارات والمصاريف الاخرى.
التجار هم السبب
اما المواطن رشيد ونان احد المتبضعين من السوق فسألناه: عن سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ؟ فاجابنا:
- لا اعرف ماذا حصل في السوق هذه الأيام لقد ازدادت أسعار جميع المواد الغذائية والخضر باسعار خيالية جداً والسبب الرئيس في الارتفاع يقولون زيادة رواتب الموظفين والعسكريين والمتقاعدين، وانا اقول من خلال صحيفتكم الغراء.
ان تجار الجملة والمفرد هم السبب الرئيس في الزيادات ويفكرون بانفسهم اولاً ولا يفكرون بالمواطن الذي اصبح تحت المطرقة، لماذا لا يفكر التجار بالمواد الفاسدة وغير الصالحة للاستعمال والاستخدام البشري، وهذه المواد مثل السمك واللحوم والمعلبات المستوردة بانواعها، وهذه الظاهرة بدأت تطفو على السطح ولم نجد لها أي علاج والضحية هو المواطن والمجتمع العراقي.
* وشاركنا الحديث السيد مصطفى صاحب محل لبيع المواد الغذائية:
نحن نتسوق يومياً من السوق بالجملة "العلوة" ولا اعرف بالضبط ان كانت هذه المواد المستوردة صالحة للاستعمال أو الاستهلاك البشري لأن مسؤولية ذلك تقع على وزارة الصحة بالدرجة الاولى والتجارة ثانياً.
وفي جولتنا في سوق الصدرية التقينا السيد محمد دلشاد صاحب محل لبيع الفواكه والخضراوات .. سألناه:
عن سبب ارتفاع المواد المحلية التي شملها غليان الأسعار بماذا تعلل ذلك؟
- يقول محمد اتسوق الفواكه والخضراوات من علوة جميلة أو الرشيد واحملها فوق سعرها مبلغ معقول برغم انها مادة محلية ومن خيرات بلدنا لكن الفلاح أخذ يرفع سعرها يوماً بعد يوم بسبب اجور النقل أو الاسمدة أو بسبب الأوضاع الأمنية وعصابات التسليب المتفرقة هنا وهناك أو اسباب أخرى لا يعرفها غير الفلاحين انفسهم، وتقع المسؤولية على الباعة الذين لا حول لهم الذين يتحملون شجارات المواطن وهو الآخر يكون الضحية في هذه اللعبة التي لا تنتهي إلا بقوة القانون. اما السيد حنين مال الله احد المتبضعين من السوق فقال:
- بدأت أسعار المواد الغذائية واسعار الخضراوات والفواكه المطروحة في الأسواق بزيادة اسعارها زيادة ملحوظة ومن وجهة نظري ان هذه الزيادة وعدم التوازن في تحديد اسعارها خدمة للمواطن يأتي من خلال اضطراب الفوضى وعدم الاستقرار الذي يعيش فيه المجتمع العراقي في هذه المرحلة من حياة الإنسان. بغياب الدولة ومؤسساتها الخدمية وعدم تشكيل حكومة وطنية تسيطر على الاقتصاد وعلى الاستيراد والتصدير.. مما يجعل أصحاب النفوس الضعيفة من التجار والمتلاعبين بدماء وقوت الشعب يقومون باستغلال هذه العملية من اجل الحصول على مكاسب مادية على حساب ومصير المواطن العادي واصحاب الدخل المحدود.
سعر اليوم؟!
عندما تريد شراء كيلو "طماطة" يقول لك البقال ان سعر اليوم هو 1000 دينار وهذا المبلغ لم يتعود عليه المواطن العادي وعندما يسأل عن السبب.. يتعذر البقال بشتى الاعذار منها ارتفاع اجور النقل، ارتفاع أسعار المواد الكيمياوية والاسمدة وتلاعب المستثمر بعملية الانتاج وفي المحصلة النهائية ترى ان جميع العوامل التي تتحكم في ارتفاع الأسعار هي عوامل شخصية وذاتية وربحية وكلها تؤثر في دخل المواطن ذي الدخل المحدود.
ان اشكالية ارتفاع الأسعار وغلائها نضعها امام السادة المسؤولين في الوزارات ومجلس الـبلدية في بغداد والمحافظات.


تفخيخ الشقق والمتاجر وخطة أمن بغداد

صافي الياسري
ان خطة بغداد الأمنية من المفترض بها ان تشمل كل بغداد لا ان تقع مناطق منها تحت التركيز وتخرج عنه مناطق أخرى من بغداد، انه منطق وتبرير مرفوض لا يقبله المواطنون البغداديون، ويطالبون بوضع بغداد كلها تحت المجهر الأمني.

تصر الحكومة وقوى الشرطة والأمن على أن خطة أمن بغداد حققت نجاحات كبيرة على صعيد تثبيت الأمن في بغداد، وقد يكون هناك بعض النجاحات فعلاً في الحد من تفجير السيارات المفخخة والعبوات الناسفة واحزمة الموت التي يرتديها الانتحاريون، وانه تم توفير الأمن النسبي في عدد من احياء بغداد، الا ان البغداديين جميعاً يشعرونك بأنهم غير متأكدين وهم يغادرون بيوتهم الى اعمالهم ولرعاية مصالحهم والقيام بواجباتهم انهم سيعودون سالمين الى بيوتهم.
والاسلوب الجديد الذي اتبعه الإرهابيون في بغداد الجديدة والأمين والحبيبية والبلديات هو تفخيخ الشقق التي يستأجرونها لهذا الغرض لايقاع اكبر عدد من الاصابات في الشقق المجاورة التي يختار الإرهابيون ان تكون مسكونة بالعوائل وكذلك المتاجر في الأسواق، وتعترف قوى الامن والشرطة انها فوجئت بهذا الأسلوب كما ورد في تصريحات عدد من مسؤولي وزارة الداخلية، وهذا يعني ان قوى الامن والشرطة متخلفة عن الإرهابيين حتى ولو بخطوة واحدة وهذا ما يتيح لهم مفاجأتهم بأساليب مبتكرة وغير معهودة وجديدة، وعلى هذا يصبح مطلب المواطنين بضرورة انتباه الاجهزة الامنية وتقوية شبكاتها الاستخباراتية والمعلوماتية لكشف ما يخطط له الارهابيون قبل تنفيذه، والا فان اتهام هذه الأجهزة بالتقصير من قبل المواطنين وارد ومشروع، كما ان تصريحات بعض المسؤولين الأمنيين بانصراف تركيزهم الى مناطق أخرى غير المناطق التي جرت التفجيرات فيها أوائل ايلول الماضي غير مقبولة ومرفوضة جملة وتفصيلاً، ونعيد التذكير بتصريح اللواء عبد العزيز العبيدي مدير العمليات في وزارة الدفاع الذي اورد فيه ما نصه (ان المنفذ الوحيد للأرهاب هو اللجوء الى هذه الاعمال الحقيرة والتي تكون على الاغلب خارج مناطق تركيزنا وهذا ما حدث في منطقة بغداد الجديدة وحي الأمين التي أدت الى استهداف العمارات السكنية وضرب الاماكن الآهلة بالسكان).
ان خطة بغداد الأمنية من المفترض بها ان تشمل كل بغداد لا ان تقع مناطق منها تحت التركيز وتخرج عنه مناطق أخرى من بغداد، انه منطق وتبرير مرفوض لا يقبله المواطنون البغداديون، ويطالبون بوضع بغداد كلها تحت المجهر الأمني.


اطفـال المـلاجئ.. مصــير مـجهـول وشوارع لا تـــرحــم
 

بغداد/ المدى
نوال الصغيرة ذات الأعوام السبعة صارت متسولة محترفة تقف عند الاشارات الضوئية وعند تقاطع الطرقات حيث تتوقف السيارات بناء على اشارات شرطة المرور، وتبكي بحرقة وهي تمد يدها للركاب الذين تتوقف سيارتهم في التقاطع متسولة الورقة النقدية ذات الرقم الضئيل 50 ديناراً اعطني 50 ديناراً- تقولها بصوت باك وبلثغة طفولية تكسر القلب، فيعطيها الركاب 250 ديناراً وهم يشعرون بالألم لحالها، نوال اتخذت ساحة عنتر موقعاً لنشاطها، ويراقبها عن بعد جبار حميد البالغ من العمر 40 عاماً تفوح منه رائحة الخمر ويدعي انه والدها ولا يخجل من القول انها تجلب العطف كثيراً وهي تبكي، لذا فالجميع يتصدق عليها، وتنكر نوال صلة الابوة بجبار، وعند فترة الغداء تأخذ فترة استراحة وتجلس قرب جبار الذي يجلب لها (لفتي فلافل) وفي نهاية المشوار عند المساء تعطي كل ما جمعته لجبار هذا، ويقول جبار ان معدل ما تحصل عليه هو 20 الف دينار يعطيها منه 3 الاف دينار ويحتفظ بالباقي مقابل الحماية التي يوفرها لها ومكان تنام فيه في الغرفة التي يحتلها من مبنى حكومي مهجور، وتقول نوال ان جبار ينفق ما ياخذه منها على الخمرة.
ونوال هي واحدة من مئات الاطفال الذين تلقفتهم الشوارع بعد سقوط النظام، وكانوا سابقاً يعيشون في ملاجئ الايتام والمشردين والمعاهد الاخرى وقد هربوا من هذه الملاجئ والمعاهد بعد ان فر الحراس.
سعدية والحمل في سن 13
كانت سعدية ذات الـ 13 ربيعاً تعيش سابقاً في ملجأ الرحمة في مدينة الصدر، مدينة الفقراء والكادحين، شمال شرقي بغداد، اما الان فهي حامل في شهرها السادس تمضي ايامها في شارع ابو نؤاس على امتداد الضفة اليسرى لدجلة.
سألتها- كيف حصل ذلك؟ فقالت لا ادري لقد عرفت عشرات الرجال واخذت منهم المال ولا اعرف الاب، عندما كنت في الملجأ لم تكن لدي حرية الحركة وكنت اتعرض للضرب طوال الوقت في رأيي حياتي هنا افضل! وتمضي سعدية جل وقتها ثملة او خدرة جراء استنشاقها طلاء الخشب (الورنيش) أو (الغرى) او تلك المادة التي تخدر بالشم ويستعملها النجارون وتشتريها من احد المحال في منطقة البتاوين، وتنام في احد البيوت سيئة السمعة او في الفنادق الرخيصة في ازقة البتاوين، حيث يلتقي الهاربون من الملاجيء وجلهم من الاطفال الذين وجدوا في مهنة التسول الخطوة الاولى للأنحراف، وهم يختلطون هنا بانواع المنحرفين والمجرمين الذين اطلق النظام المباد سراحهم من سجن ابو غريب في شهر تشرين الاول عام 2002، ويكاد شم الورنيش يكون الادمان المشترك لجميع الاطفال الهاربين من الملاجئ فها هو قاسم البالغ من العمر 10 سنوات مع مجموعة من الاطفال الهاربين من اصدقائه يتمددون في حديقة مهملة في شارع ابو نؤاس تحت ظل يوكالبتوسة يقتسمون شم الورنيش من اناء وسخ اشتروه من ذلك المحل المشبوه في البتاوين ينقعون خرقة في السائل ثم يخرجونها ويتتابعون في شمها الواحد بعد الآخر، وبعد ان يثملوا يأخذون بالهذيان وكانهم يعيشون في عالم آخر وعلى الرغم من ان اصدقاء قاسم امتهنوا التسول الا انه فضل العمل مع عصابة يقودها سالم الدب تستخدمه لتلبية حاجات افرادها اليومية مقابل مكان ينام فيه ويشاهد قنوات التلفزيون الفضائية كما يقول.
ويقول قاسم يعطيني الدب ما لا يستطيع ملجأ الرحمة ان يقدمه لي، انا افضل هذه الحياة على حياة الملجأ فانا حر هنا ولا اتعرض للضرب او الاهانة والاوامر القاسية وانا لن اعود الى الملجأ مهما حصل فانا اتمتع بحريتي وبانعدام الرقابة.صاحب المحل الذي يشترون منه الورنيش هو مراد ابو زينب وعمره 32 عاماً يقف وراء منضدته ويناول الاطفال جرعة الورنيش مقابل 500 دينار ويقول ان هذا السائل يستخدم في طلاء الأخشاب وفي استخدامات صناعية اخرى وانه لا يهمه ان يستخدمه الاطفال كمخدر الشيء الهام بالنسبة له هو انه يقوم بعمله.
ملجأ الرحمة
وعبر المدينة وفي ارض زراعية مهملة مليئة بالقمامة والاوساخ على حافة مدينة الصدر كان السيد باقر ابو جاسم مدير ملجأ الرحمة للاطفال يجلس في مكتب صغير تلاشى الطلاء من سقفه وجدرانه وكانت النافذة الوحيدة في المكتب مغطاة بالنايلون بدلاً من الزجاج قال ابو جاسم في حديثه معنا: كان الاطفال في زمن صدام يتعرضون للضرب والاغتصاب على ايدي الحراس والمعلمين، وكان احد المعلمين يأخذ الفتيات الجميلات الى قرية العوجة ليعملن في قصر عدي صدام حسين خادمات وهناك يتعرضن للأغتصاب ايضاً، ويضيف ابو جاسم انه على الرغم من معظم افراد الملاك قد استبدلوا منذ ذلك الحين الا ان الاطفال لاسيما البنات ظللن خائفات من العودة، ومن بين 500 طفل كانوا ساكنين في الملجأ قبل الحرب وفروا عاد منهم 86 طفلاً فقط وبعض هؤلاء هربوا مرة اخرى بعد مداهمة العصابات الملجأ، والآن الوضع اكثر استقراراً وهو محمي من الشرطة والاهالي.
وقال ابو جاسم: لا احد يقدم هذه المساعدة غيرنا ولكنهم لا يزالون يحدون من حرية حركة النزلاء وقال نحن لا نسمح ابداً لاية امراة او فتاة بالمغادرة دون موافقة وتخرج فقط من اجل التسوق او أي شيء مشابه وربما مرة كل شهرين تذهب النساء الى السوق لشراء الملابس وبرفقة احد الموظفين، وتدافع سهام حسن عن هذه الرقابة وهي نزيلة عمرها 19 عاماً وتعيش في ملجأ الرحمة منذ كان عمرها 4 سنوات قائلة ان الوضع هنا لا يختلف كثيراً عن الحياة وسط عائلة عادية محافظة، واضافت ان المراة العراقية لا يمكنها مغادرة البيت دون موافقة امها وابيها، وتتوقع سهام ان تعيش في الملجأ حتى يحين موعد زواجها الذي ساعد الملجأ على ترتيبه، وقالت ايضاً انه مكان جيد بالنسبة لي وحياتي فيه طيبة وان العديد من صديقاتي تزوجن وخرجن الى الحياة بمساعدة الملجأ.
ولا يكاد الامر يختلف كثيراً بالنسبة لدور الايتام في بغداد التي كانت تضم حوالي 400 طفل قبل سقوط نظام صدام ارتفع هذا العدد ليزيد عن 1000 طفل بسبب فقدانهم اولياء امورهم نتيجة تفشي العنف في شوارع واسواق بغداد ومع توفر الملبس والطعام وبعض وسائل الترفيه في هذه الدور الا ان الاطفال يهربون منها وفي اغلب الاحيان تعيدهم الشرطة بعد ان تقبض عليهم في الشوارع يعيشون حالة تشرد تامة، وعلى سبيل المثال فان دار الايتام في الوزيرية التي لا تحمل اسماً خاصاً بها تفقد يومياً عدداً من ساكنيها من الاطفال ثم يعيد بعضهم الشرطة وفي هذه الدار فناء داخلي فسيح يحوي ساحة لكرة السلة وكرة القدم وجهاز تلفزيون كبير واجهزة لالعاب الفيديو ومختبراً صغيراً للحاسبات حيث يتعلم الاطفال الطباعة ويتعاملون مع التكنولوجيا بشيء من الفهم، وهنالك اطفال يهربون من عوائلهم بسبب سوء المعاملة، فتعاملهم دور الايتام معاملتها الأيتام وتحتضنهم وقد حاولت الدولة حل مشاكل هؤلاء الاطفال بالدفع لعوائلهم للاحتفاظ بهم ولكن ذلك لم يحل المشكلة تماماً، وتقول السيدة عبير مهدي الجلبي مديرة قسم دور الايتام في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (ان العوائل تعاني من مشاكل اكثر من قبل اهمها الفقر والتفكك) وقد بذل المسؤولون جهوداً حقيقة من اجل تحديد اماكن تواجد عوائل اطفال دور الايتام وقدمت لهم رواتب شهرية تبلغ 35 دولاراً عن الطفل، وتقول السيدة سرى راضي مديرة بيت الطفل الاول (لا فائدة من وضع الاطفال الذين يهربون من عوائلهم بسبب تعرضهم للضرب في اماكن جديدة يتعرضون فيها ايضاً للضرب، وهذا ما يحصل في بعض دور الايتام بسبب مشاجرات الاطفال النزلاء وطرق تأديب مسؤولي رعايتهم في هذه الدور الامر الذي يدفعهم الى الشوارع من جديد)
يقول احمد سامي (9) سنوات من دار الايتام في الوزيرية
انه- لا يستطيع مقاومة اغراء الشارع بالحرية والكسب المفتوح فهو شحاذ محترف- على حد تعبيره، كما ان حريته هذه تتيح له (شم التنر) والنشوة التي يجلبها له ذلك.
هكذا نجد (برغم اننا لم نورد تفاصيل كثيرة) اننا امام عالم مربك لا يقدم للاطفال الا الضياع والتشرد والانحراف وذلك ما يحمل الدولة مسؤوليات واعباء مهمة يجب ان تأخذها على عاتقها بكفاءة وجدية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة