انعكاسات
الظروف الأمنية على الواقع الزراعي في بغداد
محمد شريف أبو ميسم
لم
يسلم القطاع الزراعي في محافظة بغداد من تداعيات الظروف
الامنية فهذا القطاع الانتاجي الذي يشكل ضلعاً رئيسياً في
هيكل الحياة الاقتصادية، تعرضت عناصره الانتاجية الى اضرار
كبيرة..
اذ لم تسلم الارض
من تخريب حقولها ومروزها، بعد تحول مساحات شاسعة منها الى
ساحات لتحركات الآليات العسكرية، ولم تسلم الحصص المائية
من التلاعب، نتيجة الصراعات والاختناقات الطائفية، بنفس
الوقت الذي لم يسلم فيه الفلاح نفسه من اعمال العنف،
فتقيدت حركته من اجل خدمة أرضه من خلال الحصول على الاسمدة
والبذور المحسنة والمبيدات وما شابه ذلك، والامر ينسحب على
عمليات الجني والحصاد والتسويق، ناهيك عن التلكؤ الذي اصاب
دوائر الزراعة في الكثير من هذه المناطق، جراء التدهور
الامني، آخر هذه التداعيات ظهرت جلياً في منطقة الراشدية
التي تشتهر ببساتين الحمضيات والنخيل والزراعة المغطاة
وحقول الدواجن وتربية النخيل، فقد أدى الاحتقان الطائفي
الى توقف العمل في الكثير من البساتين والحقول والمزارع،
واهمها مشروع مزرعة البيوت الزجاجية في الراشدية، الذي كان
يعتبر من اهم المشاريع الزراعية التي انشئت في العراق..
ويذكر ان الطاقة الانتاجية لهذه المزرعة، تصل الى آلاف
الاطنان موسمياً، من محاصيل الباذنجان والطماطة والخيار
والفلفل، وتساهم هذه المزرعة في تغطية جزء كبير من المعروض
الخضري في الاسواق المحلية، وبخاصة في اوقات شحتها، وذكر
أحد العاملين في هذه المزرعة ان اعمال العنف منعت جميع
العاملين من الاستمرار في عملهم، وهم اكثر من (200) عائلة
وقد هاجرت بعض من هذه العوائل الى مناطق اخرى.. ويذكر ان
اغلب بساتين الراشدية قد اصيبت بحشرة الدوباس وقد ساهم
الوضع الامني في تلكؤ مكافحة تلك الحشرة، فاللااستقرار
المستمر منع الفلاح من الحصول على المبيدات التي تخلط عادة
مع حبوب اللقاح بعد ان تعذر استخدام الطائرات في المكافحة،
وانخفض الاهتمام ببساتين الحمضيات، وحتى بقية المحاصيل
وانعكس الامر على تربية النحل، ناهيك عن الاضرار التي
اصابت بعض حقول الدواجن جراء العمليات العسكرية.. اما
منطقة التاجي التي تشتهر بالمحاصيل الموسمية وحقول الدواجن
وحقول تربية العجول وبحيرات الاسماك، فقد كانت المنتجات
الزراعية المسوقة من هذه المنطقة تشكل نسبة كبيرة جداً من
المعروض في اسواق بغداد، الا ان مستويات هذه المنطقة
الزراعية انخفضت الى ادنى مستوياتها خلال الموسم الاخير،
ومن أهم اسباب ذلك، ازدياد العمليات المسلحة والاحتقان
الطائفي الذي ادى الى هجرة الكثير من الفلاحين العاملين في
تلك المناطق اضافة الى ضعف نشاط دوائر الزراعة للاسباب
انفة الذكر.. ولم يكن حال منطقة ابو غريب والمناطق
الزراعية التابعة لها بافضل من بقية الاماكن.. هذه المنطقة
التي تشتهر ببساتين النخيل وبساتين الفاكهة والحمضيات
والزراعة المحمية والمحاصيل الموسمية عدت من المناطق
العسكرية منذ ثلاث سنوات، فأضرت العمليات العسكرية فيها
بالعديد من الاراضي الزراعية وقد ساهمت ازمة المحروقات
المستمرة، في تلكؤ عمل مضحات المياه، اضف الى ذلك الاحتقان
الطائفي الذي ولد حالة من التهجير القسري لبعض الفلاحين،
واحتكار المياه المعتمدة في السقي والتي تمر مناسيبها في
مناطق باتجاه مناطق اخرى. ونفس الاسباب تتكرر في المناطق
الزراعية التابعة لكل من منطقة المدائن والنهروان
والرضوانية واليوسفية والمحمودية وناحية الرشيد وجميع هذه
المناطق تشتهر بالبساتين وانتاج المحاصيل الزراعية
المختلفة ويتميز البعض من هذه المناطق على البعض الآخر
بوجود بحيرات الاسماك وحقول الدواجن وحظائر العجول او
الحملان كما في المدائن والنهروان.. والسؤال الذي يطرحه
المعنيون في الشأن الزراعي والاقتصادي هو.. الى متى سيبقى
القطاع الزراعي في مدينة بغداد يعاني من شلل شبه تام في
بعض مناطقه ومن تلكؤ في بعض المناطق الاخرى؟ انه هدر آخر
في الطاقات البشرية والطبيعية يضاف الى الهدر الذي تسببه
ظواهر العنف والفساد الاداري التي تتفاقم يوماً بعد آخر.
|