سينما

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مــيــت فـي طـبــعـات .. قصيدة مترعة بالهواجس والاسئلة
 

يوسف أبو الفوز

صيف هذا العام ، عرض التلفزيون الفنلندي ، القناة الاولى ، ولمرتين خلال شهر حزيران ، فلما وثائقيا قصيرا ، 18 دقيقة ، تحت عنوان " ميت في طبعات " ، اثار انتباه المشاهد الفنلندي والنقاد الفنيين ، واختاره التلفزيون الفنلندي ليساهم في تمثيل فنلندا خريف هذا العام في مهرجان اوربي للفلم القصير ، الفلم حمل توقيع المخرج وكاتب السيناريو : حسن بلاسم .
حين ترك حسن بلاسم مدينة بغداد باتجاه كوردستان عام 1997 لم يصطحب معه ، غير رزمة اوراق وحقيبة لا تتسع سوى لملابس رحلة ليوم او يومين ، لكنه سرعان ما حمل في كوردستان اسما مستعارا كورديا ، وعرف به خلال اقامته المؤقتة وعمله هناك : "أزاد عثمان " ، ولم يكن ذلك سوى ستار لحماية عائلته في بغداد من بطش النظام الديكتاتوري . بعد الاستقرار المؤقت في كوردستان ، غادرها الى تركيا ، ومن ثم عبر حدود دول اوربا الشرقية ، عن طريق الهجرة غير الشرعية ، حين حمل مرة اخرى ثلاثة قمصان وبنطالاً واوراقاً . عاش خلال هذه الرحلة حياة تشرد قاسية اكلت من عمره حوالي عامين ، وخسر على اثرها ثلاثة اصابع من يده اليسرى، شلت، بعد ان التهمتها ماكنة في مطعم ، كان يعمل فيه من اجل جمع اجور مهربي البشر والاحلام عبر حدود الارض ، ثم جاء الى فنلندا محملا باحلام السينما والكتابة ، وليقيم فيها من حوالي عامين ونصف . حسن بلاسم لمن لا يعرفه ، سينمائي وكاتب عراقي ، من مواليد بغداد 1973 لعائلة قدمت من مدينة العمارة ، جنوب العراق . دخل اكاديمية الفنون الجميلة عام 1994 ليدرس السينما ، التي عشقها من خلال القراءة ، لكنه لم يستطع اكمال دراسته للسينما لاسباب عديدة ، فاضطر لترك اكاديمية الفنون الجميلة مهموما وهو في عامه الاخير. خلال سنوات دراسته المعدودة اخرج وكتب ومثل في العديد من الاعمال السينمائية الفنية ، ويعتبرها حسن بلاسم اعمالا فنية متواضعة . في المرحلة الثانية من دراسته ، عام 1996 ، اخرج فلم "كاردينيا " وهو فلم وثائقي حاز اهتمام مشاهديه ، وحاز جائزة . ولفت ذلك الانتباه اليه كمخرج وكاتب سينمائي ، وصار البعض من الطلبة يقصدونه للاستفادة من امكانياته وقدراته . وتحت ثقل الحاجة وضيق ذات اليد ، في سنوات الحصار الاقتصادي الثقيلة ، اضطر حسن بلاسم الى ان يكتب وينفذ اعمالا فنية للعديد من الطلبة المتمكنين ماديا ليقدموها باسمائهم كأعمال تخرج ، ورغم ثقل ذلك نفسيا عليه الا انه وجدها فرصة مناسبة ليس لتوفير متطلبات حياته اليومية ، بل ولاستغلال حاجة هؤلاء الطلبة "المتخمين ماديا " والمستعدين لتمويل مشاريع تخرجهم ، فقام حسن بلاسم بالعديد من التجارب العملية واختبار بعض الأفكار حول شكل الفلم القصير. ومنحه ذلك تجربة عملية قادته لتنفيذ اعمال اخرى باسمه ، فكان ان كتب سيناريو ومثل عام 1997 في فلم " بياض الطين" ، وكتب عام 1997 فلم "كابينة" ، وكتب واخرج فلم "النهايات" عام 2000. وفي كوردستان وجد فرصة لتقديم دروس عن السينما في بعض المعاهد الفنية ، وفي عام 1999 كتب واخرج فلم " زامي كاميرا ـ جرح الكاميرا " ، فلم روائي كوردي ، ساعة ونصف ، عن الهجرة المليونية في كوردستان ، وتم تصويره بكاميرا فيديو منزلية عادية ووسط ظروف انتاج واجهتها مختلف الصعوبات الفنية والمادية ، وحاز الفلم اصداء طيبة في الاوساط الفنية .
في فنلندا ، ولقسم البرامج الثقافية ، للقناة الاولى ، كتب حسن واخرج فلمه القصير " ميت في طبعات " ، والذي عرض من خلال التلفزيون الفنلندي صيف العام الماضي . الفلم 18 دقيقة ، كتبه حسن بلاسم ، ونفذه بالاشتراك مع فريق عمل فنلندي محترف . يقول حسن بلاسم عنه " انه بطاقة تعريف" . الفلم مكتوب على اساس نص قصيدة منشورة للكاتب وبنفس الاسم . في فلم "ميت في طبعات " ، الذي يحكي فيه حسن بلاسم عن حاله وهمومه من خلال نص قصيدة مترعة بالهواجس والاسئلة ، يميل الى الاهتمام بالشكل ، فهو في كل اعماله الفنية يحاول ان يبين للمشاهد ان مصداقية صورة الوثيقة يمكن ان يجدها في شاعرية الوثيقة ضمن بناء الفيلم . فالصورة في الفلم القصير لدى حسن بلاسم تملك طاقتها الشعرية ، ولكل لقطة كيمياء خاصة لها نصيب من الموسيقى . اللقطات في فلم " ميت في طبعات " كانت تحاول اللحاق بايقاع القصيدة المقروءة بصوت الكاتب نفسه . لم تكن هناك موسيقى في الفلم ، كان المشاهد يصغي الى صوت المؤثرات الطبيعية ، صوت الحياة ، ينقله الى العالم الداخلي للصورة . في فلم حسن بلاسم القصير كان هناك ايضا ايقاع الواقع العراقي المعاصر بدماره ودمويته في لمحات فنية مكثفة . في الفلم كانت هناك محنة وحيرة حسن بلاسم كانسان وفنان ، ونلمسها في تلك المشاهد المؤثرة والعبرة في الفلم ، مثل مشهد قطار المترو في هلسنكي ، حيث يتدافع الناس للحاق باعمالهم ومنازلهم ومواعيدهم ، ويظهر حسن بلاسم بينهم ساهما ، ومع وصول القطار يركب الجميع ، ليبقى حسن بلاسم متسمرا في مكانه ، محني الظهر تحت ثقل همومه وحقيبة الظهر ناظرا في اللاشيء ، منتظرا المجهول . فلم " ميت في طبعات " ذاكرة صورية زاخرة تحمل سؤال : كيف نواصل الحياة مع زخم الارق والذكريات ؟ كانت القصيدة التي بني عليها نص الفلم زاخرة بالصور والاسئلة والحيرة ، وهذا انتقل ببراعة عبر عدسة الكاميرا الذكية والمونتاج البارع الى ايقاع لقطات الفلم . يعتقد حسن بلاسم انه لم يتمكن لحد الان من توظيف كل امكانياته الفنية ، وهو يبحث عن الفرصة المناسبة لتحقيق شيء من احلامه السينمائية ، ويحمل عدة مشاريع لافلام قصيرة يسعى لايجاد الفرصة لتنفيذها ، ويخشى ان تمر عليها شاحنة الزمن وتظل حبيسة الاوراق .
ومثلما طالبت محررة الشؤون الفنية في احدى الصحف الفنلندية بضرورة منح حسن بلاسم فرصة للعمل والانتاج ، فاني اضم صوتي الى صوتها ، واتوجه بكلامي هنا الى المسؤولين في المؤسسات العراقية واتمنى ان يمنحوا حسن بلاسم ، وغيره من المبدعين ، الفرصة المناسبة لخدمة وطنهم وتحقيق احلامهم الفنية ، واقول للقراء الاعزاء : في عالم السينما ، اوصيكم بحفظ هذا الاسم وتذكره جيدا " حسن بلاسم " ، فيوما ما سيدق باب ذاكراتكم بقوة باعمال باهرة ، ستمنح السينما بريقا خاصا متفردا .


الضربة الكبيرة.. سبايك لي ودينزل واشنطن معاً
 

غرادي هيندريكس
ترجمة: عادل العامل

يُعد "Inside Man" أفضل فلم لسبايك لي يحرز تقدماً منذ مالكولم إيكس، عام 1992. كما أنه اول فلم لسبايك لي منذ "فاز باللعبة He Got Game" يتألق فيه الممثل دينزل واشنطن، وكما كانت الحال مع جيمس ستيورات وهيتشكوك اللذين أبرز الواحد منهما افضل ما لدى الآخر، فإن دينزل وسبايك يحتاج احدهما الآخر، مثل خمر الفيرموت الأبيض وشراب الجن! فهما تمام التمام وفقاً لما يقدمه كل منهما، ولكن ذلك يمزجهما معاً وبشكل بارع بحيث انك لا تنسى فقط مشاكلك، بل تنسى حتى ماذا كانت المشاكل في المقام الاول.
ويمثل دينزل هنا دور كيث فريزير، وهو مفاوض رهائن، بعد ان دخلت جماعة من اللصوص مصرفاً وأخذت من فيه رهائن، وافلام السرقة عادةً مشوبة بالتوتر حيث يصرخ الناس بعضهم بالبعض الآخر عبر الهاتف، والمثاقب الماسية الأطراف تخترق جدران الاقبية، وتعرق ما تحت الابط ينفذ عبر القمصان، والفريق المسلح بالأسلحة الخاصة والتكتيك يقضم طعامه بصوتٍ عالٍ، وهم متشوقون لكسر النوافذ والاقتحام وملء الجميع بالرصاص.
غير ان هذا الفلم عمل راشد، ومعاصر، ويتسم بالاسترخاء تماماً، فلا احد يصرخ، والقليل من الاشخاص يتعرقون، وليس على المجرمين ان يثقبوا ابواب الاقبية، لانهم يقفون في العراء، اما فريق الاسلحة والتكتيك، فهم متعاونون جداً الى حد اني كنت اتوقع من دينزل واشنطن، في نهاية الفلم، ان يمنحهم بقشيشاً! وهو عمود من البرودة، واشد توترٍ يُحدثه يأتي من قبعته، وهي قبعة عريضة من القش تتفرج عليها بأنفاسٍ لاهثة، منتظراً شخصاً ما يجلس عليها. وبطريقة اخرى، فإن واشنطن يخطو خلال الفلم، مقاطعاً نفسه باستمرار وهو يتكلم بطريقة ناعمة الى حد أنه يُلزم أدنى الرجال بالاصغاء اليه.
وتقوم جودي فوستر بدور صغير مطول، كأشد النساء البيضاوات عصبيةً في العالم. وفوستر هنا، وهي غير مقنعة بكعبيها العاليين، سمسارة قوة مبهمة تتدبر تذاكر لأحداثٍ خيرية ويدعوها آل بن لادن عندما يحتاج أبن اخيهم شقة في مانهاتن وهي مأجورة لمؤسس المصرف، كريستوفر بلومر، لحماية السر الغامض، العميق، الذي كان عليه إخفاؤه في احد صناديق الايداع، كما للمجرمين أسرارهم، فبدلاً من حشو حقائب بالمال، يبدون منكبين على انجاز نوع من الحيل السحرية المعقدة التي تتضمن نقل الرهائن من غرفة الى غرفة.
ويتضح في آخر الامر ان هذا ليس بفلم سرقة بالرغم من كل شيء، وإنما هو مزيج من فلم "القطن يأتي الى هارلم"، وتكملة لم تنجز لفلم "صوت الموسيقى" ، حيث يعود كابتن السيد كريستوفر بلومر، فون تراب، الى ارض الوطن ويدخل في شغل مع النازيين، وفي نيويورك سبايك لي، يكون الاغنياء والاقوياء قد دفنوا جثث ضحاياهم الماضين في أسس مدنهم الجديدة اللامعة، والقلة من الناس فقط يمكنهم التصريح بأنهم يشمون الرائحة الكريهة، وقد مال النقاد الى اختزال سبايك لي الى حزمة من التحريضات وجعلوه متحدثاً باسم العنصر
race، بما أنه تقريباً المخرج الوحيد الذي سيذكره، والنتيجة النهائية هي انه على مدى السنوات القليلة الماضية، كان النقاد يميلون الى تجاهل صناعته السينمائية، وما تحمسهم لفلم "Inside Man" المرح إلا كما لو كانوا تقريباً يقولون له: "لو توقفت عن التصرف بشكل شائن وحضرت الى الطاولة وفقاً لشروطنا، فإننا سنصغي لك عند ذاك".


هوليوود و 11 أيلول
 

جودت جالي

ليس من شعب كالشعب الأمريكي يتمتع بحساسية شديدة تجاه مايمس صورة الأمة العظيمة التي رسمها لنفسه وآمن بها وجند كل طاقاته الفكرية والأعلامية والتربوية للحفاظ عليها كأسطورة لاتغيب ولاتضعف . تساءل الكثير من المراقبين والنقاد ( ماالذي عناه يوم 11 أيلول بالنسبة الى بلد يعتمد جزء من هويته على تمكنه من رواية تأريخه وفبركة ( أبطاله الأمريكيين ) ؟ أن العزوف الطويل عن الأنغمار الواسع في هذه الفبركة خلال أكثر من ربع قرن أنما عبر عن قوة الجروح التي أحدثتها مغامرات الخمسينيات والستينيات العسكرية والسياسية في نفس الشعب الأمريكي وذاكرته ، ولم يكن الفن السابع أستثناءاً غير أن الوضع أختلف في الفترة التي أعقبت الهجوم على مركز التجارة العالمي . أضطرت المعارضة الديمقراطية الى السكوت عن الأخطاء في غمرة ( التوحد الوطني ) المطلوب وضرورة مواجهة الأخطار . غاصت وسائل الأعلام تحت الموج المرتفع حالها حال المعارضة الديمقراطية ، وماكنة الأحلام الهوليوودية هي أيضا نالت حصتها من ( التضحية الواجبة ) فأعيد النظر بأفلام صورت قبل 11 أيلول ولم تكن قد عرضت على الجمهور فأجريت عليها تعديلات وألغيت مثلا المشاهد التي يظهر فيها أنهيار مركز التجارة العالمي ، لابل حتى صورته قبل الهجوم لكي لاتحرك المواجع . كان مارتن سكورسيزي قد أكمل تقريبا فيلمه ( عصابات نيويورك ) عندما حلت كارثة 11 أيلول فأعتبرها فرصة سانحة أن يضمن لقطات منها المشهد الأخير من فيلمه هذا غير أن فيلمه ظل سنتين فوق الرف بعد ذلك ولم تظهر اللقطات كما أراد في النسخ المتاحة للجمهور العريض . أما الأفلام التي صورت بعد هذا التأريخ فقد تجنبت توجيه كاميراتها ناحية جنوب مانهاتن حيث كان يقوم مركز التجارة العالمي . أن الشئ الذي له أعمق الدلالات هو أن أوليفر ستون حين أراد تناول الموضوع في فيلمه تخلى عن أسلوبه فأبتعد عن غموضه المعتاد ، تجنبا للتأويل غير المرغوب فيه ، وعن الحبكة المعقدة التي برع فيها ليرجع الى الأسطورة الأمريكية القديمة ، أسطورة (( الناس العاديين )) حين يرتفعون في الأزمات الى ذرى البطولة والمثال ، وهذه ثيمة لاتنفك تصادفنا ونحن نقرأ التأريخ الأمريكي منذ بطولات حرب الأستقلال وحتى بطولات رجال مطافئ نيويورك . أحتاط المخرج والشركة المنتجة للفيلم بارامونت من تحريك سوء الفهم وكان حذرا أشد الحذر من صدم الرأي العام الذي لايزال يضمد جروحه . أن 11 أيلول يعادل أيلاما في الضمير الأمريكي نهب الأنجليز البيت الأبيض عام 1814 . لطالما تصور الأمريكيون أبطالهم مختلفين عن باقي أبطال العالم وبطولاتهم في موضع خاص لاتشاركهم فيه بطولة شعب آخر . لكن الواقع المعذب يقول أنه عدا عن 3000 قتيل فأن تهديدا دائما ينوء بكلكله منذئذ على رموز القوة العظمى فنيويورك والبنتاغون والكونغرس وحتى مقر الأقامة الرئاسي في مرمى نار العدو . ماالعمل؟ أن لم تكن أمريكا قادرة على حماية نفسها من هجوم عليها في عقر دارها ؟

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة