الحدث الاقتصادي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

وقائع طاولة المدى المستديرة .. تحديات الحالة التضخمية في الاقتصاد العراقي
 

محمد شريف ابو ميسم

عرضنا في الاقسام الثلاثة السابقة لبحثي الدكتورين مظهر محمد صالح وابراهيم الورد، وتعقيبي الدكتورة هناء عبد الحسين والدكتور حسن الياسري كانت امامنا المشاركة المتحمسة للدكتور ماجد الصوري الخبير في البنك المركزي العراقي والتي جاء فيها:  

(الجزء الرابع)

قال: شكراً لكل من تقدم في الكلام في هذه الندوة المهمة وشكراً لمؤسسة المدى لتصديها لهذا الموضوع المهم.. في الواقع سأتناول في الموضوع الاول، التعليق على القضايا النظرية فيما يتعلق بالتضخم.. فهو في البداية سمي بالتضخم النقدي وهذه مسالة اساسية نظرية واضحة، ثم تبعها موضوع التضخم في الاسعار وهذا نتيجة للتضخم النقدي، ولذلك فان تعريف التضخم بشكل عام، هو زيادة كمية العملة في التداول يؤدي الى نقص كبير ومفاجئ في قيمتها ومن ثم زيادة الاسعار، وينجم هذا التضخم عادة عن كمية العملة المتداولة في السوق، ويؤدي ذلك الى انخفاض في قيمة هذه النقود وزيادة في الاسعار وينجم ذلك عن كمية النقود الصادرة لتغطية عجز الميزانية او زيادة حجم الذهب المستخرج، او زيادة في نسبة الانفاق، في الوقت الذي لا يستطيع العرض من تلبية الامور الناجمة عن زيادة الطلب نتيجة لزيادة النقود، وهذا الموضوع بالذات كان سائداً لغاية عام 1983، ولكن بعد عام 1983 ولغاية الـ 2000 اصبح التضخم هو زيادة مستمرة في اسعار السلع الاستهلاكية او انخفاض في القوة الشرائية للنقود، ناجم عن زيادة في حجم النقود لذلك فان السبب صار نتيجة وليس النتيجة هي السبب، اضافة الى ذلك هنالك مسألة مهمة جداً يمكن ان تؤخذ بنظر الاعتبار ان التضخم اذا ما اخذناه بمعناه العلمي فهو ليس مجرد تغير في الاسعار الحسابية، يحصل في مستوى اسعار السلع الاستهلاكية، لكن هذا التغير يجب ان يكون متناغما ومتناسقا، لا يكون مفاجئا الى سلعة بشكل كبير، بينما تبقى سلعة اخرى منخفضة القيمة فمن المفروض ان يكون هنالك تناسق وتناغم في تغير الاسعار، ممكن ان يدلل على وجود تضخم في الاسعار، يشير الى اسباب تعزز باشياء اخرى.
الاقتصاد العراقي معرض الى مفاجآت كبيرة:
اذا ما اخذنا الوضع الاقتصادي في العراق وفي الوقت الحالي.. فان هذا الوضع لا ينطبق عليه اي موضوع متعلق بالتضخم العلمي الذي يحدث في الدول المستقرة لاسباب مختلفة.. واهمها هو عدم وجود سياسة اقتصادية مستقرة ومتبعة وهذا ما اتفق فيه مع الدكتور مظهر والاساتذة الآخرين
اذ يوجد اقتصاد عراقي حالي يعاني من مظاهر الفوضى الاقتصادية والسلوكية الفردية لمؤسسات الدولة نفسها ومؤسسات المجتمع المدني، فحتى التجار لهم سلوكيات فردية لا تنسجم مع متطلبات التطور الاقتصادي، فكيف لنا ان نقيس التضخم في مثل هذه السلوكية؟ الاقتصاد العراقي في الوقت الحاضر معرض الى مفاجآت كبيرة واصبح حقل تجارب، فكل من قال يتوجب عمل كذا وكذا.. فاننا نقوم بعمل ذلك.. الا اننا لم نستطع ان نجد حلولاً لمشكلة الكهرباء ومشاكل الوقود والخدمات الاخرى، نتيجة للتضارب في الآراء والسلوكيات والتجارب. فكيف لنا ان نتكلم عن مشكلة تضخم عام في الوقت الذي لا تستطيع فيه ان نسيطر على جزئيات مسببة لبعض مظاهر التضخم. وبالاضافة الى ذلك فان الوضع الامني مضطرب وليس هنالك استقرار سياسي مع وجود قوات اجنبية، ولا وجود باي شكل من الاشكال لخطة اقتصادية عامة ومتكاملة.. فاذا لم نتوصل الى حلول لهذه المشاكل الامنية والسياسية مع وجود خطة اقتصادية عامة ومتكاملة لا يمكن لنا ان نتكلم عن موضوع التضخم والسياسة التصخمية والسياسة السعرية بشكل علمي ومنطقي وباجراءات نظرية واضحة ومعروفة.. اما الانفاق الحكومي فهو بشكل عام يتجه الى الرواتب والاجور وبعض النفقات الاخرى، ولكن اغلب الانفاق الحكومي يذهب الى خارج البلاد، لاستيراد البانزين والمواد التموينية والقضايا الاخرى، بمعنى لا وجود لانفاق حكومي يؤدي الى زيادة في التدفق النقدي وزيادة في القدرة الشرائية للجمهور.. اما موضوع الفساد الاداري والمالي فانه يلعب دوراً كبيراً في تهريب الاموال الى خارج البلاد.. وهذا دليل ايضا على ان ما نتكلم عنه بخصوص وجود سيولة نقدية كبيرة في البلد غير صحيح، وانما قد تكون هنالك سيولة نقدية في المصارف او تحت الوسادة، والمصارف لا تستيطع حتى الان ان تلعب دوراً كبيراً جداً في السيطرة على موضوع هذه السيولة فعندما زاد البنك المركزي العراقي موضوع الفائدة، فان من المفروض ان تأتي جميع المدخرات الى المصارف، والمصارف تمنحها قروضاً لزيادة العرض واقصد به عرض الانتاج.. فالمصارف لم تقم حتى الان بهذا الدور ولا يمكن ان تقوم بهذا الدور، وذلك لوجود اسباب عملية وفعلية غير قابلة للتطبيق في الوقت الحاضر، واذا قامت هذه المصارف بدورها فانه دور ضعيف جداً في هذا المجال.. ولذلك فانني استطيع القول ان لا وجود لتضخم نقدي في العراق نهائياً في الوقت الحاضر.. فالسيولة موجودة في المصارف وتحت الوسادة والعجز في الميزانية عادة اذا ما اردنا تغطيته فاننا نغطيه باصدار عملات نقدية جديدة، ولكن هذا لا يحدث في الوقت الحاضر فالعجز لا يغطى باصدار عملة جديدة لزيادة التضخم النقدي وانما يجري بالزيادات الموجودة في الميزانيات السابقة او نتيجة لمعونات دولية اخرى.. وانا اؤكد على ما قاله الدكتور مظهر، وهو ان التضخم في اسعار بعض المواد ناجم عن كل هذه التركيبة الاقتصادية غير المنسجمة وعن المضاربة والفساد الاداري والنفسي وهذه مسألة مهمة، فالعراق اصبح بؤرة الفساد النفسي فجزء كبير جداً من النفوس العراقية، فسدت، والدولة لا تستيطع ان تسيطر عليها ولا السلوك الاقتصادي يستطيع ذلك. اضافة الى وجود البطالة، التي تعني عدم وجود النقود وهذه مسالة مهمة ايضاً.. وهذا يعزز عدم وجود الفائض النقدي، والمسألة المطروحة حالياً هي.. اننا حتى في عملية تقييم التضخم ما زلنا نعتمد الاساليب القديمة، التقليدية ولا ندرس مسببات هذه الظواهر، وحتى الان ما زلنا نعتمد الارقام والاساليب القديمة الموجودة في تحديد عملية التضخم. وحتى الان نعتمد في تقييم اسلوب التضخم، اما على البنك المركزي ، مع احترامي للبنك المركزي وانا عضو في هذا البنك او على وزارة التخطيط والجهاز المركزي للاحصاء ومع احترامي الشديد لهم، لكنهم ما زالوا يتبعون الاساليب الكلاسيكية غير الدقيقة في تحديد الوضع الجديد للظاهرة التضخمية في العراق.. لذلك فانني اعتقد ان من الضروري جداً ان تكون هناك مؤسسة مدنية خاصة تابعة، لدراسة عملية التضخم ومسبباته وتساعد البنك المركزي ووزارة التخطيط في عملية تشخيص التضخم.. وهنالك مسألة مهمة ايضا. وهي ان الثقافة الاقتصادية في عملية التضخم وبالذات بالنسبة للصحفيين (وارجو المعذرة لهذا القول) اذ انهم لا يستطيعون ان يصفوا عملية التضخم بشكل صحيح، فيخلطوا التقليدي والتضخم الناتج عن اسباب معينة وقتية يجب القضاء عليها. شكراً جزيلاً..
ثم علق الزميل حسام الساموك مدير الجلسة، قائلاً: بودي ان اعقب تعقيباً صغيراً، فانا اعتقد ان هنالك اطرافاً اخرى تساهم في عملية التضخم ينبغي ان تؤخذ بنظر الاعتبار وينبغي ان تؤشر .. فالسياسات المزاجية وغير المسؤولة لوزارات معينة لاتخاذ اجراءات، وعلى سبيل مثال.. الزيادة غير المدروسة في اسعار المشتقات النفطية، وما لعبته من دور كبير في الزيادة الكبيرة والمفاجئة والتي حدثت وفق مبدأ الصدمة بالاسعار مما زاد من حالة التضخم الى ارقام خيالية، هنالك مثال آخر هو ما تم الاعلان عنه على لسان السيد وزير التجارة حول ايجاد بدائل نقدية للبطاقة التموينية، انا لا اقول، ينبغي ان تبقى البطاقة التموينية الى ما لا نهاية لكن ينبغي ان تكون هنالك بدائل تأخذ بنظر الاعتبار موضوع تحاشي التضخم او تجنبه.. هنالك مثال آخر.. وهو ما اعلنه وزير المالية، بخصوص العمل على حذف ثلاثة اصفار من الدينار العراقي.. وهذه المسائل سبق ان عرضناها على السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية، فأكد بان هذا الخبر لم يعرض بمعنى ان ليس هنالك اي نية بهذا الاتجاه وبالتالي فهي وجهة نظر الوزير الشخصية، هذه الاجراءات والتصريحات لعبت دوراً كبيراً في التحفيز على تصعيد التضخم.
لا اريد ان اطيل ونفتح الآن باب المناقشة ونبدأ باول الاسماء ضمن قائمة من طلبوا المناقشة وهو الدكتور جميل الدباغ الخبير الاقتصادي في وزارة الزراعة.. فتحدث قائلاً: بداية أقدم الشكر لمؤسسة المدى وللسيد رئيس القسم الاقتصادي الذي دعاني إلى هذه الندوة المثمرة كما أشكر الباحثين على محاضرتيهما.. وفي الحقيقة أشكر الدكتور مظهر على طروحاته وهي حقيقة طروحات جديدة في محاولة لتحليل مظاهر التضخم الاقتصادي وهنا استخدم هذا التعبير بدلاً من (النقدي) وذلك للجمع بين هذه المظاهر في وضع الكثير من النقاط على الحروف خارج النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، بالرغم من أنه عرج على موضوع الكساد التضخمي، والكساد التضخمي كما أذكر في الأدب الاقتصادي، هو ظاهرة أولى ظهرت في نهاية الحرب العالمية الثانية وعلى ما اعتقد في عهد (آيزنهاور)، إن مسببات وآثار ذلك الكساد التضخمي تختلف عما هو موجود في العراق.. وقد أسعدني تعريج الدكتور مظهر على موضوع (أن هناك ثلاث سلع أساسية أدت إلى زيادة نسبة التضخم في الاقتصاد العراقي التي هي الغذاء والوقود والسكن) ويبدو في هذا الصدد أن الأرقام قد تضاربت حول نسب التضخم في الاقتصاد العراقي، فوزارة التخطيط تشير إلى 52.2% وفي كثير من المصادر الأخرى يشير الرقم إلى 76% وقبل يومين سمعت أن هذه النسبة هي 71% ويبدو لي أن لابد من ضرورة وضع معايير جديدة لحساب نسبة التضخم في الأقل على وجه الدقة كما يقولون، ويبدو لي أن الجزء المسبب لهذا الاختلاف في حساب نسبة التضخم هي موضوعة الأوزان، فهل الأوزان التي تستخدمها وزارة التخطيط في طريقتها واعتقد أنها طريقة (لاسبيرز)، هل لا تزال دقيقة حتى الآن؟ أذكر منذ كنت موظفاً صغيراً في الستينيات ووزارة التخطيط تستخدم هذه الطريقة وبنفس الأوزان.. فبالنسبة للوقود والإضاءة أعطت 2% وبالتالي لم تظهر نسبة الزيادة الكبيرة في الوقود في أرقام التضخم التي وضعتها وزارة التخطيط، واقترح أن تعيد وزارة التخطيط النظر في الأوزان المتبعة نحو 450 أو 470 سلعة غذائية.
إلى أي مدى سيصمد البنك المركزي في مزاد الدولار؟
ولدي سؤال للدكتور مظهر وهو إلى أي مدى يستطيع البنك المركزي في الظرف الراهن بأن لا يجعل سعر الصرف للدينار العراقي بالعملات الأجنبية وبالدولار الأمريكي على وجه التحديد.. إلى أي مدى يستطيع الصمود في ظل هذه الظروف؟ النظرية الاقتصادية تقول على المدى البعيد يستطيع العرض النقدي من العملة الأجنبية أن يضع الموازنة ما بين الدينار والدولار، طالما أن هنالك ظروفاً أخرى ومشاكل كبيرة جداً تعصف بالاقتصاد العراقي.. الأستاذ الدكتور إبراهيم الورد عرج على النظرية الكنزية في قضايا زيادة الطلب، حيث تظهر على الأسعار ولا تظهر على الإنتاج.. يا سيدي الفاضل سؤالي هنا.. يتعلق بالسيطرة على العرض النقدي على الأمد المتوسط والبعيد، حيث يؤدي بالضرورة إلى الكساد وبالتالي استمرار جمودية الإنتاج، سواءً كان صناعياً أو زراعياً، سؤالي هنا متعلق بالقطاع الزراعي وأنا من المهتمين بالزراعة.. وهو أن زيادة الطلب على الغذاء سارت بنسبة كبيرة لاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة بعد تحسن القدرة الشرائية للناس وللموظفين على وجه التحديد، فهل هذه الحالة سوف لا تؤدي إلى زيادة في الإنتاج، وكما تفضلت وقلت أن مرونة الطلب هي قليلة أو جامدة؟
بمعنى آخر هل نشجع الاستثمار في قطاع الزراعة أم لا نشجعه؟ بحسب ما تفضلت - أن أي زيادة في الاستثمار الزراعي قد لا تؤدي إلى زيادة في الإنتاج الزراعي.. وشكراً.
*ثم جاء دور السيد جمال محمد من التجمع الصناعي العراقي.. فجاء في مداخلته ما يأتي: أشكركم ولدي سؤال بسيط.. اعتقد إننا نعاني الآن من مشكلة كبيرة متعلقة بالبطالة والصناعة العراقية أصبحت متخلفة جداً، والسياسة الضريبية لا تساعد على تطوير الصناعة العراقية، وسياسة الإنفاق تتم في مجالات غير منتجة، تشجيع الاستثمار العراقي يؤدي إلى تطوير الصناعة العراقية بحكم الارتباط الكبير ما بين الزراعة والصناعة السؤال هو.. هل في جعبة وزارة المالية أو وزارة التخطيط والبنك المركزي خطط لتطوير الاقتصاد مثلما حصل في تركيا مثلاً، من خلال تشجيع الاستثمار؟ أنا اعتقد أن في تجربة إقليم كردستان نموذجاً متواضعاً ممكن أن يساعد في بعض المعالجات من خلال النظرة الثاقبة لبعض مفردات تلك التجربة.. نحن الصناعيين حالياً نعاني من مشاكل كثيرة وكبيرة.. ففي الكثير من المصانع نجد أن من كان لديه 200 عامل أو 300 عامل أصبح الآن لديهم 6 إلى 7 عمال، فما هي الخطط الموضوعة لدعم الصناعيين في الوقت الحاضر؟
*وجاء في مداخلة السيد عبد الحسن الشمري رئيس التجمع الصناعي العراقي ما يأتي:
- الحقيقة.. أريد أن أعرج على نقطتين رئيستين.. النقطة الأولى متعلقة بموضوع الضرائب التي يتطرق إليها أغلب الأكاديميين من أجل فرضها على المواطن العراقي أو على قطاعات الزراعة أو الصناعة، بدليل إننا شاهدنا فشل الضرائب على الموظفين، فهؤلاء منحتهم الحكومة رواتب ربما تكون جيدة، إلا أنها عادت فاستقطعت منهم مبالغ ضريبية كبيرة، ومبلغ هذه الضريبة كان يمكن أن يستغله الموظف لتطوير عائلته وبيته.. صحيح أن الضرائب مورد مهم من موارد ميزانية الدولة ولكن نحن في ظرف يحتم علينا أن نخفف من أعباء المواطن العراقي المثقل.. فهو خرج من كبوات كثيرة ونحن نعالج هذه الكبوات ببطء شديد ولكننا لا نعالجها بشكل دقيق وكبير من أجل أن نرفه هذا المواطن ونجعل منه مالكاً لبيت أو مصنع أو شركة سياحية أو شركة زراعية من أجل أن يكون لنشاط ذلك المواطن فائدة تعود على البلاد وتدر عليه موارد بالعملة الصعبة.. إذن نحن بصدد مجيء الاستثمار الأجنبي آجلاً أم عاجلاً.. ولكن ما هو موقف المواطن العراقي من هذا الاستثمار؟ فهل سيتمكن من مجاراة الاستثمار الأجنبي صاحب الرساميل الكبيرة جداً؟ العراقي ليس له مورد وليس لديه إمكانية.. نعم هنالك عدد من العوائل وبعض الشخوص يمتلكون الأموال وربما يمكن لهم مجاراة الاستثمار الأجنبي... ولكننا يجب أن نعطي الفرصة للقطاع الصناعي والزراعي والسياحي من أجل أن يأخذ دوره الصحيح ويدخل موارد للميزانية وهذا الأمر سيؤدي وبالضرورة إلى التقليل من استيراد السلع والبضائع من خارج العراق، فنحن منذ ثلاث سنوات نستورد بضائع رديئة وليس عليها أي نوع من أنواع الرقابة، وليس عليها ضرائب.. علماً إن هذه السلعة المستوردة يمكن لها أن تعمر لمدة شهر أو شهرين أو ستة أشهر على الأكثر باستثناء بعض السلع المعمرة من بعض المناشئ ذات السمعة الجيدة.. ولكن السلعة عراقية الصنع المنتجة سابقاً، تتميز بعمرها الطويل.. وأبسط مثال أضربه لكم هو (سخان فايركنك) العراقي.. هذا السخان عمره (50) سنة ولكننا الآن نستورد سخاناً إماراتي الصنع وآخر إيراني الصنع، وكلاهما لا يعمر أكثر من ثلاث سنوات، بينما يمتاز السخان العراقي بسعره الرخيص مقارنة بالأجنبي.. فلماذا لا نعيد الصناعة العراقية؟ وهنا سأتحدث عن موارد الميزانية وهي النقطة الأخرى التي أود الخوض فيها فعندما ندعم قطاع الزراعة وقطاع الصناعة وقطاع السياحة، فإننا سندر مداخيل ضخمة على الميزانية العراقية، واعتقد إن الأساتذة يعرفون هذا أكثر مني.. الآن أو قبل شهرين قامت الحكومة بدعم القطاع الصناعي العام وعدنا إلى الأسطوانة السابقة نفسها في العهد السابق.. وأضرب لكم مثلاً.. تم دعم الشركة العامة للصناعات الكهربائية في ديالى بمبلغ (خمسة وعشرين مليون دولار) وكذلك شركة الاسكندرية بمبلغ (خمسة عشر مليون دولار) وخمسين شركة في القطاع العام تم دعمها بملايين الدولارات.. والسؤال هو ماذا قدموا للقطاع الصناعي اليتيم وماذا قدموا للقطاع الزراعي اليتيم أيضاً ماذا قدموا للسياحة العراقية سواءً منها الدينية أو غير الدينية؟ البعض يعرج على الوضع الأمني ويجعل منه سبباً في هذا التلكؤ.. ولكن لدينا أقاليم ومدن تتمتع بظرف أمني هادئ كما في الجنوب وفي كردستان.. أنا الآن لدي عمال من أهالي الجنوب وجميع الأخوة الأكراد يعلمون أن مصانع كردستان قد غصت بالعاملين من أهالي الجنوب، أليس ذلك بسبب عدم وجود فرص عمل في الجنوب؟ لذلك يسعى هؤلاء العمال للعمل في مناطق أخرى من أجل أن يحققوا موارد لعوائلهم.. ومن أجل امتصاص البطالة ومن أجل تدفق الأموال على الميزانية العامة وتقليل الاستيراد حيث إن الحوالات في مزادات البنك المركزي تذهب إلى الاستيراد، إذن لابد من خلق قطاع خاص صناعي فاعل ودعمه بشكل كبير، ثم أن أصحاب المعامل الخاصة لن يطلبوا مليوناً أو مليوني دولار إنما سيطلبون مئتين أو ثلاث مئة ألف دولار من أجل إقامة مشروعاتهم أو تطويرها من أجل أن يكون الناتج يضاهي الإنتاج الأجنبي إن لم يكن أفضل.. نحن لا ندعي أن إنتاجنا سيكون أفضل من الإنتاج الأمريكي والإنتاج الفرنسي أو الألماني، إنما سيكون إنتاجنا أفضل من الإنتاج الصيني والسنغافوري والتايواني والإيراني والتركي.. وقد يلومني البعض على هذا الموضوع ولكنني أتكلم كصناعي من معاناة حقيقية.. فهل سنخرج بتوصيات في مثل هذه الندوة نقدمها إلى السلطة وهل سنقدم أفكارنا وطموحاتنا إلى وزير المالية ووزير التخطيط ورئيس الوزراء؟ واقترح أن نصدر توصيات في نهاية هذه الندوة نقدمها إلى الوزراء المتخصصين وشكراً.


لكي نحقق طموحنا في الطاولة!
 

حسام الساموك

كانت طاولة المدى التي اهتمت بإشكالية التضخم النقدي، والتأمت يوم الأربعاء الفائت ساحة خصبة للتعاطي بين أطراف العملية الاقتصادية بما يعرض بدائل متنوعة وفقاً لقراءة كل طرف وصولاً إلى الصيغة الأكثر تلاؤماً مع الواقع وبما يتجنب كل الآثار السلبية المحتملة.
لقد احتشد جمع من توجهات اقتصادية متنوعة مشكلين فريق عمل تداول الإشكالية من زوايا متنوعة، فكان المهتمون الفنيون من البنك المركزي ورهط الباحثين الأكاديميين، والجمع المتنوع من المعنيين بالعملية المصرفية من مديرين مفوضين ومستشارين في المصارف الأهلية فضلاً عن عدد لا يستهان به من رجال الأعمال بما يتعلق بموضوع التضخم وأنشطتهم المهنية. ومع تحفظنا على الجهات التي لم تستثمر تلك الفعالية وما تشكله من مؤشر فاعل - وربما خطر - في الواقع الاقتصادي المتردي أساساً في العراق. لكن الآليات التي اعتمدتها الطاولة أولاً، والتداولات المسؤولة التي تخللتها وشارك فيها غالبية الحاضرين، جسدت دور مثل تلك الفعاليات في دعم مشروعنا الطموح في أن يكون للمعنيين بالشأن الاقتصادي حضورهم في تقييم البرامج والمفردات والإشكالات الاقتصادية بكل توجهاتها، سعياً وراء إنضاجها وتعزيز تطبيقاتها ومجابهة كل ما من شأنه أن يعترض سبيل معطياتها.
إن النجاح الباهر الذي حققته طاولة المدى المستديرة بما أنجز من بحوث وأعقبتها تعقيبات رصينة ومتنوعة التوجهات وما تلتها من مناقشات واعية ومسؤولة ومقترحات وبدائل متنوعة للسياسات النقدية والاقتصادية المعتمدة، هذه المفردات الطموحة عكست ما أفلح فريق العمل الذي تضامن فيه جميع المشاركين لإنجاز ما تحقق وما تطلع إليه المساهمون كي يثمر عطاؤهم في استقراء إشكالية التضخم وتداعياتها القائمة والمستقبلية فضلاً عن إرساء قواعد لمواجهة المشكلة ومجابهة آثارها.
وبقدر تطلعنا المشروع لتواصل تقليدنا الشهري في إنجاز حلقات الطاولة المستديرة، ومتابعتها الجادة كل جوانب أزمتنا الاقتصادية المتفاقمة التي نعتز جميعاً بالسعي إلى التعاطي معها. ما زلنا نرقب وبثقة كاملة، أولويات تفاعل الأطراف المختلفة المعنية بالشأن الاقتصادي، من وزارات ومؤسسات حكومية، وأطراف أكاديمية رصينة ومنظمات مجتمع مدني تعنى بالفعاليات الاقتصادية، ومحاولة تجاوز كل أنماط التردد في الإسهام بالجهد العلمي الخلاق لما فيه تدعيم مسيرة العمل البناء وحمل شرف المساهمة الفاعلة في تعزيز توجهات الرصانة والمسؤولية وإرساء قيم الخلق والإبداع والتواصل.
ومن خلال تجربتنا المتواضعة في تتابع حلقات الطاولة نتهيأ لإنجاز طاولات قد نفلح في جعلها نوافذ أكثر فعلاً في تفاعل هذا التقليد، من خلال تنظيم حلقات مناظرة بين شتى المعنيين بالشأن الاقتصادي والوزراء والمعنيين بإدارة المؤسسات الاقتصادية والمالية والنقدية، لتكون الحوارات والتداولات أكثر مسؤولية، وأقدر على إيصال الأفكار ووجهات النظر إلى أصحاب القرار الاقتصادي بكل توجهاته.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة