تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

سوق السراي والعام الدراسي الجديد .. اشراقة أمل رغم ارتفاع أسعار القرطاسية
 

بغداد / أدهم يوسف

مع اقتراب دقات أجراس المدارس والجامعات يشهد شارع السراي وسط بغداد حركة كثيفة للطلاب وأولياء أمورهم. فهو شارع يحتوي على مستلزمات الطالب من قرطاسية وكتب ومراجع وبين مكتبات ومعالم شارع السراي توقفنا لتغمرنا رائحة الكتب العتيقة من جهة ودفاتر الطلاب وقرطاسيتهم التي تنشط عمليات بيعها وشرائها مع بداية العام الدراسي الجديد
يقول هيثم مجيد، وهو صاحب محل لبيع القرطاسية، انه يمارس هذه المهنة منذ اثني عشر عاما وهي تزدهر هذه الأيام لقرب بدء العام الدراسي. إما محمد قدوري فهو زائر دائم للسراي كما يقول فهو يقضي أكثر من ثلاث ساعات يوميا بالجلوس في هذا المكان ويلتقي أصدقاءه الذين عرفهم منذ سنوات طويلة ولا يحلو له مكان أخر أكثر من السراي لان لديه ذكريات جميلة فيه. وفي إثناء حديثنا مع قدوري تقدمت عائلة لشراء بعض اللوازم المدرسية.استوقفنا رب الأسرة فقال.. إن الأسعار مرتفعة جدا والسبب يعود لاقتراب الموعد الدراسي مما يدفع أصحاب المحال إلى رفع الأسعار لأنهم يدركون تماما انه لا مناص من التوجه إليهم...
إما السيد فلاح منشد سلطان وهو معلم في إحدى المدارس الابتدائية والذي كان يصطحب ابنه الطالب في كلية الهندسة فقال.. ان بداية عام دراسي جديد يعني بداية أزمة جديدة في كل بيت..! أقلام ومساطر ودفاتر، أدوات كثيرة لا حصر لها ترهق كاهل رب الأسرة وتأكل من ميزانيته، ولي الأمر أصبح اليوم بين هم المدارس وطلباتها وارتفاع أسعار الأدوات المكتبية، الأب يلقي اللوم على المدارس، والمدرسة تلقي اللوم على ولي الأمر الذي يصنع لنفسه الأزمة حينما يتكاسل في شراء مستلزمات أبنائه وينتظر حتى اللحظة الأخيرة فيكون فريسة سهلة لارتفاع أسعار المحال التجارية والمكتبات التي تحرق جيبه..
أيضا الطالب قد يكون له دور كبير في حدوث هذه الأزمة،هذا ما قاله السيد سلام عبد الهادي احد زوار السوق فبعض طلبة المدارس يتنافسون في شراء قرطاسية قد لا يحتاجون لها، والبعض الآخر ينظرون الي زملائهم في محاولة لتقليدهم فيما يشترون من مستلزمات! معتبرين إن تلك القرطاسية هي غاية وهدف وليست وسيلة لكسب العلم والتفوق الدراسي الذي ينسونه وسط الأشكال والأحجام والألوان المختلفة من القرطاسية التي تذهب عقولهم في ظل هذا التنافس السلبي الذي لا يحمل أي وعي أو مسؤولية أو مراعاة للظروف الاقتصادية لأسرهم!!ويضيف السيد مازن خليل معلم في مادة التاريخ.. من خلال تجربتنا في المدارس والعمل بمختلف مراحلها فقد وجدنا إن طالب المرحلة الابتدائية تختلف متطلباته والمسؤوليات الواقعة عليه عن طالب المرحلة الإعدادية أو الثانوية، حيث إن طالب الابتدائي تكون أعباؤه المادية وحجم متطلباته أكثر من أي مرحلة أخرى. لأن الطالب يكون صغيرا في هذه المرحلة ولا يستطيع الحفاظ على أدواته المدرسية وبالتالي يفقد الكثير منها ما يضطر والده الى إن يشتري بديلا لها، وهذا يشكل عبئا ماديا كبيرا على الأسرة، إضافة الى إن طالب الابتدائي ينظر إلى زميله ويسعي الى تقليده، وقد تختلف المستويات الاجتماعية بين كل طالب وآخر فيحاول طالب متوسط الحال إن يقلد زميلاً له قد يكون أحسن حالا منه ماديا أو اجتماعيا، أما في المرحلة الإعدادية فيصبح لدي الطالب وعي أكبر للحفاظ على أدواته ولكن هذا لا يمنع فقدان بعض منها...

هموم أولياء أمور الطلبة
قال السيد محمد ناصر..إنني ألمس عن قرب مدى معاناة الآباء مع أبنائهم خاصة في المرحلة الابتدائية فإنني أب وجميع أبنائي في المرحلة الابتدائية وأعاني فقدهم أدواتهم المدرسية نظرا لصغر أعمارهم.. أما السيد إيهاب عبد اللطيف.. فيؤكد إن متطلبات التلميذ تنقسم إلى قسمين مادية ومعنوية والمادية هي ما قد يحتاجه من أدوات مكتبية وقرطاسية وقد تكون هذه المتطلبات مكلفة بعض الشيء حيث أنها تأخذ أحيانا الطابع الشكلي فنجد الطالب يشترط علي والده شكلا معينا أو لونا مميزا عند شراء أدواته.
يضيفون للحياة نكهة
سوسن وتمارة واحمد في المرحلة الابتدائية كانوا يتبضعون الدفاتر والقرطاسية من أحد المحال توقفنا بجانبهم فقالوا.. في بداية كل عام دراسي جديد يجلبنا والدنا إلى هذا السوق كي نتبضع منه مستلزمات المدرسة من أقلام وممسحات ومساطر وورق تجليد وغيرها.. فسألنا رب الأسرة عن تلك الاحتياجات فقال انتم تعرفون أن حياتنا السابقة تختلف عن حياة الأطفال في الوقت الحاضر. إذ كنا في السابق لا نشتري إلا الشيء الضروري من أقلام وممسحات تكاد تكون بسيطة جداً.. اما الأطفال الان فلهم متطلبات عديدة وكثيرة منهم من يطلب أشياء لا تناسبه في المرحلة الابتدائية مثل أقلام السوفت والمسطرة الهندسية وحتى الحقائب التي يستخدمها طلبة الماجستير! وغيرها من الكماليات المعروضة إمامهم.. الطفل يريد أن يشتري كل شيء حتى ولو كان ذلك لا ينفعه.. إما بخصوص الأسعار فأنا اختصرها بكلمة إذا كانت هناك رقابة على أسعار القرطاسية فنحن بخير... إما السيدة أم حاتم التي اصطحبت أولادها الثلاثة كي تشتري ما يلزمهم من قرطاسية وغيرها فقالت.. والله حتى لو قامت إدارة المدرسة بتوزيع القرطاسية والدفاتر الملونة على الطلبة فانهم لا يرضون بذلك أبدا لا اعرف ما الفرق بينهما وانتم تعرفون أن الأسعار عالية والحال متعب جدا هذا هم جديد يضاف إلى هموم العائلة..

والدوائر الحكومية أيضا
عندما انتهينا من كلام السيدة تجولنا في السوق اذ وجدنا رجالاً يحملون صناديق كبيرة ومتوسطة.. توقفنا وشرحنا وجهة نظرنا لهم سألنا السيد غسان مطر موظف في وزارة الإسكان والتعمير عن البضاعة التي معهم فقال: إن هذه قرطاسية نحتاجها في عملنا داخل الوزارة إذ يعتبر هذا السوق الأول في تجهيز الطلبة وبعدها دوائر الدولة وحتى المطابع الأهلية. وانتم تعرفون أن هناك محال في المناطق تبيع بالمفرد وهذا غير مجد لذا أتينا هنا لشراء كل ما نحتاجه من محل واحد فقط وبسعر ربما أفضل من باقي المناطق الأخرى.
إنني أتذكر طفولتي عندما كان يصطحبني أبي بهذا الشارع لشراء قرطاسية المدرسة واعتبر هذا اليوم هو أجمل يوم في حياتي.
في حين قال لنا أبو حسين صاحب مكتبة عن علاقته بهذا الشارع: نحن في سوق السراي نعتبر أنفسنا عائلة واحدة لا يمكن مغادرة هذا المكان المشبع بعبق الماضي الجميل انظروا من بداية السوق وحتى النهاية لا تجدون محلاً يبيع غير القرطاسية والشيء الجميل عندما تبدأ المدارس ونرى الأطفال يتبضعون من هذا السوق تاركين خلفهم الاحداث المدمرة والمزعجة فهي أجمل اشراقة أمل..


أمنيات للعام الدراسي الجديد..
 

علي المالكي

يحلم الآباء العراقيون في ان يواصل اولادهم وبناتهم الدراسة على نحو يكون فيه مستقبلهم زاهراً، ويكدحون ويعملون من اجلهم الكثير لتهيئة الظروف المناسبة للدراسة؛ إلا ان الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، تقطع على الابوين حلمهما الانساني هذا، ما ان تزيد ساعات قطع الكهرباء، والتي تقطع على الابناء دراستهم فيتحول الحلم إلى حلم في ان تعود الكهرباء كما كانت، وهكذا نتمنى ويتمنى كل الآباء ان تحل معضلة الكهرباء؛ ويمتد الحلم ليتحول إلى قلق واقعي في انتظار عودة الابناء سالمين من مدارسهم او جامعاتهم، فالخطر الذي يكمن في الشوارع ويقلق الاباء، ويثير خوف التلاميذ والطلاب، ولهذا فالجميع يتمنى ان يكون العام الدراسي في هذه السنة عاماً لسلامة الابناء من اخطار الطريق بكل اشكالها والوانها.
وثمة امنية عامة، ربما يمكن للاساتذة الافاضل ان يحققوها للعراقيين ولابنائهم، امنية تتعلق باداء امانة التعليم والتربية، ونشر قيم الفضيلة والاستقامة والمواطنة والمحبة والسلام والوحدة الوطنية في نفوس ابنائنا، وقد ينجح المعلم في تخليص التلاميذ من تخلف الوسط الاجتماعي اكثر مما تنجح الاسرة، فهل سيشارك اساتذتنا بمهمتهم النبيلة بنشر القيم التي يحتاجها العراقيون الآن؟
كما نتمنى على الاساتذة التعامل بروح العصر والثقافة والقيم مع اولادنا وبناتنا، وان يتخلى المعلم او المدرس عن عقده النفسية او الاجتماعية ويتحول إلى مثال يقتدي به التلاميذ والطلاب، ويعلم الجميع ان المجتمع العراقي يجل شخص المعلم ويقدره حق قدره واظن ان من العدل ان يحترم المعلمون والاساتذة ثقتنا بهم وبالدور الانساني الذي يؤدونه، انهم بناة الانسان في حملة اعادة اعمار العراق، لذا فان واحدة من امنياتنا للعام الدراسي هي ان يعمل بناة الانسان العراقي بما ينفع الناس ويريح ضمائرهم.
ومثلما نتمنى ان تتهيأ ظروف جيدة فيما يخص توفر الخدمات والامان والسلامة للأولاد والبنات وهم يباشرون عامهم الدراسي الجديد، فان ثمة امانٍ تتصل في ان يثابر الاولاد والبنات على دراستهم، وينكبوا على اداء واجبهم الدراسي بعينين تنظران للمستقبل ولابوين ينتظران الشهادة عن نهاية العام الدراسي.
وتمنياتنا الصادقة للاساتذة الافاضل ولابنائنا الطلبة في ان يمضوا عاماً دراسياً مليئاً بالسعادة والتفوق...


بسبب الظروف الأمنية .. الأعراس تقام ظهراً !

حسين ثغب

عرفت الافراح الريفية بانها ذات جمالية خاصة تميزها عن سواها من المناطق الاخرى في بلدنا. لما تمتاز به من برنامج يمتد لفترة طويلة قد تصل إلى أسبوع. ولكن أخذت مظاهر الفرح والبهجة تتلاشى تدريجياً وغابت جميع اشكال الاحتفال المميزة وصار الحفل يقتصر على بعض الاصدقاء والاقارب.

وجبة عشاء عصراً!
يقول المواطن (محمد قاسم) من قرية (طجاج) في منطقة التاجي. كنا حين نسمع بمشروع زواج في القرية نفرح ونواصل تحرياتنا لمعرفة العريسين اليوم اختلف الوضع عما كان عليه كثيراً وصارت اخبار الزواج لدينا لا تهم احداً والمناسبات المفرحة اصبحت خالية من مظاهر السعادة وصارت الاعراس لدينا عبارة عن وجبة عشاء نتناولها عصراً لان الحضور من مناطق اخرى عليهم الذهاب إلى منازلهم قبل مغيب الشمس باكثر من ساعة.

نقل العروس
وحدثنا المواطن (محمد سعد) من احدى قرى منطقة الراشدية. اصبحت مراسيم الزواج مقتصرة على حضور بعض الاقارب والاصدقاء المقربين من العريس حصراً. وتتم مراسيم الزفاف ونقل العروس من بيت اهلها إلى دار الزوجية ظهراً مع خلو موكب الزفاف من مظاهر البهجة والسرور التي كانت في السابق تسر الناظرين عند مرور احد مواكب الاعراس. وأضاف عندما تكون دار العروس بعيدة عن دار العريس يتم نقل العروس إلى بيت احد اقاربه قرب منزل عائلته لتلافي حدوث أي اشكال محتمل لكي لا يؤجل الزفاف وهذا من الامور التي بدأت تتكرر باستمرار.
غياب الفرق الغنائية
وتقول (أسماء عبد الرحمن) من قرية في ريف ابي غريب: اصبح الظرف الذي يعيشه البلد يؤثر سلباً في جميع مفاصل الحياة بلا استثناء. حتى وصل هذا التأثير إلى الافراح والمناسبات السعيدة وقلبها رأساً على عقب وصار الاقارب والاصدقاء والجيران يحضرون لقضاء الواجب الذي بذمتهم. وهكذا فقدت الافراج جماليتها تدريجياً حتى وصل الحال إلى عدم سماع أي صوت في بيت العريس (الهلاهل) البسيطة مثلاً غابت عن كثير من المناسبات السعيدة (بالاسم فقط) وصارت هذه المناسبات في الأرياف عبارة عن تجمع بسيط من الناس يضم عدداً من الاصدقاء والاقارب والجيران. بعد ان كان يعد لها قبل اسابيع وتؤجر الكراسي والفرق بانواعها الجوبي والغنائية وايام الحنة وتقضى ليالٍ جميلة مفعمة بالمحبة والسعادة.

تلاشي الأحلام
وقال (محمد حميد) (26) عاماً احد العرسان الجدد. كنت في السابق اقول سأقيم حفلة تتضمن فعاليات عديدة تفوق التي اقامها اصدقائي او اقاربي. واعد الكثير منهم باني سأقيم حفلة هي الاولى من نوعها. وعندما قررت الزواج خلال الايام الماضية خاب ما كنت اصبو اليه.
فقد اقتصر يوم الحنة على ذهاب والدتي وشقيقاتي إلى اهل العروس وانتهت مراسيم الحنة قبل مغيب الشمس بعد ان كانت تستمر إلى ما بعد منتصف الليل. اما يوم الزفاف الذي اقتصر على ثلاث سيارات فقط لاحضار العروس ظهراً. وهكذا تلاشت احلامي واحلام الشباب الذين يطمحون إلى أن يكون زفافهم يوماً فريداً من نوعه.
احتفال مغاير
(محمد حسين) اختصاص علم نفس يقول عن هذه الظاهرة: معروف لدى الجميع ان يوم زفاف الانسان يكون من اجمل ايام حياته ويبقى وقعه في خيالهم مع امتداد عمره. اليوم فكرة الاحتفال الكبيرة بعيدة عن اذهان العوائل العراقية لصعوبة التنقل واقامة احتفال واحضار عدد كبير من الناس برغم التأثير النفسي على العريسين. ولهذه الاسباب تغيرت نوعية الاحتفال بالمناسبات إلى حدود لم يكن يتصورها المجتمع الريفي المعروف باقامة الاحتفالات الصاخبة في مثل هذه المناسبات.

من دون ضوضاء
وقال المحامي (مالك يوسف) نحن في المحاكم على تماس مع عقود القران التي تنظم في المحاكم. وهناك تغيير كبير حصل في طبيعة الحضور إلى المحكمة كان يحضر إلى جانب عوائل العرسان عدد من الاقارب وبعد اتمام العقد تنثر الحلوى وتسمع اصوات (الهلاهل) الشعبية الجميلة وترى ان هناك افراحاً تقام حولك اما اليوم فمراسيم العقد تقتصر على عدد قليل من الاشخاص تتم بكل هدوء من دون ضوضاء.


ذاكرة مكان: (البوحاجي) قرية منسية على ضفاف الفرات

عباس الشطري

البو حاجي اسم منسي لقرية في جنوب العراق وتحديدا في محافظة الناصرية تمثل صورة مصغرة لقرى الجنوب العراقي بكل تفاصيل المعاناة والالام والامال التي عاشها خلال الثلاثين عاما الماضية.
لم يداهم وعي سكانها البسطاء الخوف من ولادة صبي ذي ذنب قصير برغم ايمان نسوتها بالاساطير يعزز ذلك الخوف من الزيارات المتكررة (للغجر) الى القرية في بداية فصل الربيع والذين يقومون بقضاء حاجات الاهالي في الحدادة وقراءة الفال.

على صهوة الجواد
كانت هذه وغيرها من القرى المزدهرة يوما ما ملاذا للعديد من الفلاحين البسطاء الذين ضاقت بهم السبل ايام ازمات المعيشة المتكررة والهاربين من عسف (السراكيل) في المحافظات المجاورة في اثناء فترة ماقبل النفط في بحثهم للحصول على عيش كريم، حين كانت الزراعة تمثل المصدر الاول للدخل في العراق يدلل على ذلك عدم التجانس بين العديد من سكانها الذين ينحدرون من قبائل شتى.
عن سبب هجرة هؤلاء الاغراب الى القرية والسكن والتناسب مع العوائل القاطنة فيها يقول السيد عامر حسين: ان ازدهار الزراعة في منطقتنا في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي جذب العديد من سكان المناطق المحيطة بالناصرية الى القدوم والعمل فيها.واندمج هؤلاء المهاجرون بمرور السنوات وارتبطوا بزيجات مع عوائلها حتى بعد نهاية المجد الذي رحل شمالا!

ملاذ اخر
بعد انحسار الرقعة الزراعية في السبعينيات تدفق ابناؤها الى العمل في الجيش خاصة ان الظرف الاقتصادي الصعب لم يتح المجال امامهم لاكمال دراستهم. جعفر محمد عسكري متقاعد يقول: كانت ظروفا بالغة الصعوبة،ولما كانت طبيعة السكان فيها الزواج مبكرا والتوالد بشكل كبير من دون الاهتمام بالوضع المعيشي وهذا ما خلق صعوبات جدية امام رب العائلة،ويضيف تحملنا نحن الشباب المسؤولية في توفير دخل منتظم لمعيشة افراد الاسرة فتطوعنا في الجيش برغم ان معدلاتنا في المرحلة الاعدادية كانت جيدة وتفي بالغرض في اكمال دراستنا،تصور البؤس حين طرقت والدتي ابواب اقربائه واحدا تلو الاخرمن اجل اقتراض مبلغ بسيط لا يتجاوز العشرة دنانير لتوفير سكن وطعام لي في المدينة ايام امتحانات البكلوريا.

بلا اطباء
قد يفهم القاريء ان المقصود بكلمة بلا اطباء هو ندرة وجودهم فيها وهذا صحيح لكن المقصود هو عدم وصول اي من ابنائها في دراسته الى كلية الطب دلالة على تردي التعليم فيها فالمدرسة الوحيدة التي تؤمن الدراسة لهم ولابناء القرى القريبة الاخرىوالتي قارب عمرها الاربعين عاما لم تستطع تخريج تلاميذ يصلون فيما بعد الى مستوى متقدم في الدراسة،بل ان عدد المدرسين من ابنائها لا يتجاوز الستة برغم ان سكانها اكثر من ثمانمائة شخص، ويعود السبب في ذلك كما يقول السيد جاسم محمد: إلى ان ادارة المدرسة لم تكن كفؤة طوال تلك السنوات وان نسبة رسوب الطلبة يكاد يتفوق على نسبة الناجحين منها خاصة اثناء فترة الحصار الاقتصادي اذ تسرب العديد منهم وتركوا مقاعد الدراسة مبكرا وساعد في تفاقم الحالة غض البصرمن قبل اسرهم وعدم متابعتها،ويضيف اذاكانت فترة السبعينيات قد دفعت ابناء القرية الى ترك الدراسة والتطوع في الجيش فان التسعينيات دفعتهم الى تركها والسفر الى الاردن من اجل توفير مبلغ من المال يسد رمق عوائلهم. وتشهد المدرسةحاليا نسبة رسوب عالية بسبب اللامبالاة من قبل ادارتها وعدم متابعة ومحاسبة مديرية التربية في المحافظة لهم.

وضع جديد
السيدة ام علي معلمة هجر والدها قريته وسكن في المدينة مما وفر امامها وامام اخواتها فرصة اكمال دراستهن: لولم يهاجر والدي الى المدينة لما اصبحت ما أنا عليه الان فليس من تقاليد القرية وصول البنات الى مستوى تعليمي افضل ولذا تجد العادات الصحية غير موجودة نتيجة قلة المعرفة لدى النساء فيها وتضيف تصور ان احداهن لم تتابع معالجة ولدها البكر بذرائع واهية، تاركة الباب مفتوحا امام رحيله المبكر.

ارض يباب
حين تقلصت الرقعة الزراعية في الجنوب بسبب قلة الحصة المائية وعدم العناية بالمبازل ابتكر سكان القرية طريقة اخرى للعيش تمثلت بمعامل الطابوق الصغيرة والمسماة (الكورة) وبرغم انها ساهمت في توفير مصدر للدخل ادى الى الحد من هجرة ابنائها الى المدينة الاان تلك الحيلة في طلب الرزق سببت انقراض المساحة الخصبة المجاورة لها والتي بذل اصحابها جهودا لابقائها حية خصبة كما يقول السيد طالب داخل ويضيف: هناك عقبات كبيرة امام اصلاح الارض في المستقبل (فالكور) خلقت جزرا متباعدة داخل الارض الزراعية وتحتاج الى جهود كبيرة لتسويتها والتلوث اصاب الاراضي المجاورة اضافة الى اصابة اطفالنا وكبار السن بامراض الربو والحساسية التي تسببها هذه المعامل.
عادات متوارثة
عادت للقرية امراض عدت يوما ما من الاشياء المنقرضة،اذ لم يسجل تاريخ القرية حادثة قتل واحدة خلال الاربعين عاما الماضية. لكن قلة فرص العمل والبحث عن كل ما يمكن زراعته اعاد النزاعات العشائرية بسبب الارض الى الحضور في ذاكرة المكان مرة اخرى فالبؤس ايام الحصار الاقتصادي سبب نزاعا على قطعة ارض ادى الى مقتل شخص تاركا وراءه عدداً من الاطفال وارملة شابة وكان على العائلة المسببة بقتله (الجلاء عن القرية) كجزء من الفصل العشائري وتصحر الارض سبب النزاع لان ليس هناك من يتقدم لاصلاحها؟

سوق النخاسة
طالما حلم سكان القرى الواقعة على الطريق الترابي المسمى(خديدان) ان يكون لهم طريق معبد يقيهم من الاوحال شتاءا ومن الغبار الذي يسبب لهم الحساسية صيفا واستبشروا فرحا حين قررت الحكومة في عام 1980 انشاء طريق معبد حديث يحل محل دربهم النيسمي الذي كان يمر بمرحلة الشيخوخة! ووافقوا على ان يتوسط الطريق اراضيهم الزراعية املا في الخلاص. لكن ذلك لم يحدث، و بعد خمس وعشرين عاما تحمل الاهالي كل معاناتها كشفت الوثائق في اثناء مراجعتهم الدوائر ذات العلاقة بعد سقوط النظام ان الطريق قد بيع! الى قرية اخرى وان رجلاً صاحب حظوة ونفوذ قد رتب ذلك الامرلمصلحته فما كان منهم الا الخضوع الى رؤية مجلس المحافظة بتسويته ب (السبيس) الذي لم يصل بعد برغم اربعة اشهر من التسوية والتعديل!

أمل العودة
كان علي حسين شابا في العشرينيات من عمره حين اندلعت الحرب العراقية - الايرانية وكرسالة احتجاج عليها ورغبة في المحافظة على حياته قرر الرحيل الى الكويت ومنها وصل الى الدول الاسكندنافية تاركا زوجة واربعة اولاد بعهدة والده وقد حالفه الحظ واكمل دراسته في الوقت الذي كان فيه ابناء القرية يتساقطون صرعى الحرب الرهيبة... واستطاع في نهاية التسعينيات من سحب ابنائه خفية الى حيث يعيش بعد ان اسس لهم مستقبلا زاهرا.
عاد الى عشيرته واخوته في العام الماضي زائرا ومكث عندهم شهرا لكن يبدو ان ذاكرة المكان واستحضار الماضي لم يساعداه على تحمل البقاء في بلد تتلاطمه أمواج المجهول كما يقول وعاد ادراجه بسرعة الى غوتلاند السويدية.
في حين رحل ا بناء القرية الى بغداد مرة اخرى للعمل في مساطر تحت رحمة وزحمة الموت.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة