اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

إشكالية الدولة في المجتمعات الإسلامية (1-1)
 

د. علي وتوت *
* باحث أكاديمي في سوسيولوجيا السياسة

في التنظيرات السياسية الحديثة تبدو الأديان جميعاً وهي لا تستقيم مع المفهوم الحديث للدولة بشكلٍ عام (نعني بذلك قضية الفصل بين المؤسسات)، ولكن الإسلام يضيف إلى العامل السابق، تقاطعه مع فكرة البعد الجغرافي للدولة، فالمنظور الإسلامي يتعامل مع مفهوم (الأمة) الذي لا تحدده الجغرافيا، فأمة المسلمين يمتد وجودها وانتشارها بانتشار المسلمين على وجه البسيطة، بدون اعتبار لمسألة الحدود السياسية للدول.
بينما تنشأ الدول الحديثة وفقاً لقواعد القانون الدولي باكتمال العناصر المكونة لها من: إقليم جغرافي ذي حدود واضحة، وأفراد وجماعات يسكنون هذا الإقليم، ونظام سياسي متبلور في حكومة تحكم معترف بها من قبل السكان، وأخيراً اعتراف بقية المجتمع الدولي بهذه الدولة الجديدة(1).
وإذا ما كانت دول الغرب المسيحي قد تخلصت من الوصاية السياسية للكنيسة، فقد بقي الشرق المسلم (بمجتمعاته التي لم تستطع إنضاج فكرة الدولة) تحت وصاية رجال الدين المسلمين. وعلى الرغم من أن التراث الإسلامي لا يذهب مثلما تفعل المسيحية، إلى تعيين طبقة اللاهوت أو رجال الدين، فإن هذه الفئة من الأفراد أسهمت بشكل فاعل في صياغة الإشكالية (السياسية/الدينية) التي يعيشها المشهد السياسي في مجتمعات الشرق المسلمة. فقد شكلت (هذه الفئة) مصدر الإحراج الأول في هذه المجتمعات، وذلك في التأثير على عدد من أفراد المجتمع، قلوا أم كثروا، مؤيدين لاعتبار الدين مصدراً للسلطة السياسية.
ولو تتبعنا كتاب الشيخ علي عبد الرازق الذائع (الإسلام وأصول الحكم) نجد أن عجز الممارسة الإسلامية بمختلف مشاربها وتوجهاتها عن حل مسألة الحكم يبدو واضحاً ! وإذا ما كان المسلمون الشيعة لوحدهم يشعرون بعقدة الذنب تجاه مسألة شخص الحاكم، فإنهم في الحقيقة يشتركون مع باقي الفرق الإسلامية في عدم الإشارة إلى مسألة شكل الحكم !!
وإذا ما حاولنا العودة إلى النظام السياسي في الإسلام فلسوف نجد أن الأمة الإسلامية التي أسسها وأرسى قواعدها ووضح اتجاهاتها، وأشرف على بنائها الرسول الكريم محمد (ص)، كانت تقوم على مبادئ واضحة تكون فيها السيادة العليا لله سبحانه وتعالى، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، مالك كل شيء، وإليه تُرجع الأمور. وتوضح آيات القرآن الكريم القواعد العامة التي يسير عليها المجتمع بهديٍ من الله تعالى. فالقرآن دستور هذه الأمة الذي تتمثل فيه المصالح العامة للمسلمين، فالأموال العامة المرصودة لمصالح المسلمين هي مال الله، والقتال من أجل الأمة هو قتال في سبيل الله. أما (المجتمع) الإسلامي، أو بصورةٍ أكثر دقة الأمة الإسلامية فكانت تتكون من الأفراد الذين يؤمنون بمبادئ الدولة الجديدة ويعملون من اجل بقائها وديمومتها، وكان أفراد هذه الأمة يتماسكون بالعقيدة المشتركة والمثل الأخلاقية الموحدة والعمل من اجل هدف مشترك يقوم على الحرص على ما فيه خير الجميع، فمصلحة الأمة وخيرها هما الغاية العظمى، وأفراد الأمة متساوون في الحقوق والواجبات. وكل فرد فيها مسؤول عن أعماله، وله الحرية التامة في العمل والتنقل والتفكير ضمن نطاق المصلحة العامة من دون الإضرار بالآخرين أو بما يضعف الأمة(2).
إن المسلمين بعامة يميلون غالباً إلى الاعتقاد أن النبي (ص) كان ملكاً رسولاً، وأنه أسس بالإسلام دولة سياسية مدنية، كان هو ملكها وسيدها. لعل ذلك هو الرأي الذي يتلاءم مع ذوقهم العام، ومع ما يتبادر من أحوالهم في الجملة، ولعله أيضاً هو رأي جمهور العلماء من المسلمين، فانك تراهم، إذا عرض لهم الكلام في شيء يتصل بذلك الموضوع، يميلون إلى اعتبار الإسلام وحدة سياسية، ودولة أسسها النبي (ص). وكلام الماوردي في (أحكامه السلطانية)(3)ينحو ذلك المنحى، إذ جعل الخلافة حراسة الدين وسياسة الدنيا، في حين يؤكد ابن خلدون في (مقدمته) أن الخلافة التي هي نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا، شاملةً للملك، والملك مندرجً تحتها(4).
ولم يعد هناك شك في أن النظام الذي أقامه رسول الله (ص) والمؤمنون معه في المدينة يمكن وصفه بأنه (سياسي)، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى(5).
لقد أقام الرسول الكريم (ص) عند هجرته إلى المدينة المنورة أول نظام سياسي يجسد وحدة جميع أفراد المجتمع في (الدولة/المدينة) في (يثرب)، وذلك تحت فكرة (المواطنة)، إذ عقد الرسول (ص) اتفاقاً مع المسلمين، من المهاجرين والأنصار ومع القبائل اليهودية ومع المشركين في المدينة. فاتفق معهم على حماية بعضهم الآخر من أي اعتداء خارجي قد يقع على المدينة وكذلك اتفق معهم على حرية كل فئة في معتقداتها، ولكن اليهود خالفوا العهد وتعاونوا مع مشركي المدينة ومشركي مكة ضد المسلمين فانتهى ذلك الاتفاق الذي أطلق عليه اسم (صحيفة المدينة). ونلاحظ أن الرسول (ص) وصف المسلمين واليهود وغيرهم ممن دخلوا في الاتفاقية بأنهم أمة من دون الناس بمعنى إنهم جماعة لديها اتفاق يخصها دون غيرها، وهذا يتطابق مع مفهوم المواطنة القائم على أتفاق دستوري بين أفراد المجتمع الواحد(6).
لكن شيئاً لم يذكر عن شكل الحكم بعد الرسول، وهو ما قاد في ظننا إلى خلافات كبرى ما زالت محل جدل كبير بين المسلمين لغاية الوقت الحاضر. فمن الجدير بالملاحظة أنه ومنذ بداية نشوء السلطة السياسية في الإسلام بعد وفاة النبي (ص) كان السؤال المتقدم الملحّ: (مَنْ يحكم ؟)، بمعنى أية قبيلة أو عشيرة سوف تحكم، وتأخر السؤال السياسي الأكثر أهمية وموضوعية: (كيف يكون الحكم بعد النبي في الدولة الجديدة ؟ بأي منهاج وبرنامج استنباطاً من مبادئ الإسلام السياسية التي جاءت عامة مرنة تتطلب التحديد والتقنين ؟) هكذا حولّت (ذاتية) القبيلة مسألة الحكم في تاريخ الإسلام من (موضوع) الحكم، كيف يؤسس ويُدار.. إلى (ذاتية) الحاكمين: مَنْ يكونون، من أية عشيرة أو قبيلة، وأي (ذات) منهم تفضل (الذات) الأخرى(7).
وعلى الرغم من أن العقيدة الإسلامية منذ ظهورها، وكما يؤكد أحد الباحثين الغربيين، لم تعترف قط بأي فصل أو تمييز بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، أي الدين والدولة(8)، كما فعلت المسيحية، فقد ظلت مسألة الخلافة تشكل معضلة لم تحل اشكالياتها لغاية الوقت الحاضر. فالخلافة لدى المسلمين هي كما يقول ابن خلدون: حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا كلها ترجع عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به(9).
لقد أوجد المسلمون القائمون على الأمر (هكذا يدعوهم الجابري) أو من أصحاب الكلمة والرأي، على رأس الدولة الإسلامية منصب الخليفة (بمعنى خليفة رسول الله، وكان أبو بكر الصديق (رض) هو أول من شغل هذا المنصب في اجتماع سقيفة بني ساعدة الذائع الصيت). هذا المنصب الذي تم ترشيح الخلفاء الأربعة إليه بطرق عدة، مرةً بإجماع فئةٍ من مهاجري قريش تحديداً، كما حصل في البيعة لأبي بكر الصديق(رض)، ومرةً بتوصية من الخليفة السابق كما حصل في بيعة عمر بن الخطاب (رض)، ومرةً بتعيين ستة على أن يتم ترشيح أحدهم فيما بينهم كما حصل في بيعة الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض)، أو بطريق الانتخاب (الاختيار) المباشر كما حصل في بيعة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (رض).
إن هذا التنوع في الطرق والآليات لاختيار الرجل (تحديداً !!) الذي ستكون صلاحياته مطلقة، وغير محدودة بحدّ فيما يخص شؤون السياسة في الحكم والدولة. فالخليفة هو المسؤول عن إدارة الشؤون العامة وتوجيهها، وله السلطة العليا في إرسال الجيوش وتعيين الولاة وعزلهم وتحديد حقوقهم وواجباتهم. ويستمد الخليفة قوته من مسؤوليته في تسيير أمور الدولة كلها، وواجبه في تامين سلامتها (كذا !!). ومع أن الخليفة هو صاحب السلطة العليا فانه كان يستشير من يرى استشارتهم من الصحابة لسماع آرائهم وتوجيهاتهم، إلا أن القرارات تصدر باسمه وهو المسؤول الأول عن إصدارها ومتابعة تنفيذها (كذا !!).
هذا التنوع والتعدد في طريقة الاختيار سيحيلنا إلى الملاحظة السابقة ل (محمد جابر الأنصاري) عن تأخر السؤال الأكثر أهمية وموضوعية: (كيف يكون الحكم بعد النبي في الدولة الجديدة ؟، بأي منهاج وبرنامج استنباطاً من مبادئ الإسلام السياسية التي جاءت عامة مرنة تتطلب التحديد والتقنين ؟). وهو ما سوف يستفيد منه معاوية بن أبي سفيان ويستغله في تكوين ما سيطلق عليه الجابري دولة (الملك السياسي)(10). فمؤسسة الخلافة الإسلامية التي لم ينص عليها صراحة لا القرآن ولا السنة وإنما استحدثها القائمون على الأمر من المسلمين عقب وفاة النبي وساروا بها، كنتاج اجتماعي، مع توالي عهود الخلافة(11)، وبالتالي فإن بإمكان مسلم آخر أن يوجد شكلاً آخر من الحكم (هو الملكية المحض، يورث الأب الملك لابنه، ويرث هذا الأخير الملك عن أبيه)، هذا من جهة.
ومن الجهة الأخرى، فإننا نرى إمكانية الفصل بين المؤسستين السياسية والدينية منذ وفاة الرسول الأعظم (ص). إذ إن المسلمين كانوا يرون النبي محمد (ص) كملكٍ ورسول، تؤكد حقيقة جمعه السلطتين السياسية (بحكم كونه الحاكم الأوحد في الأمة الإسلامية) والدينية (بحكم كونه رسول الله وخاتم الأنبياء). ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو:
- مَنْ خولَّ من أتى بعده من الحكام السياسيين (الخلفاء) تبوؤ زعامة السلطة الدينية، بل الحكم (الشرعي) على أفعال الأشخاص وفقاً للنص الذي صار هم من يفسرونه ؟
إذ أصبح من حق الحاكم (الخليفة) تكفير الناس (يذكر لنا التاريخ بهذا الشأن أن من بين ما سميّ بحوادث الردة، بعد وفاة الرسول (ص) حادثة الصحابي الجليل مالك بن نويرة الذي قام بقتله الصحابي خالد بن الوليد خطأً وكيف تم تبرير ذلك)(12)، بل والحضَّ على قتلهم استناداً إلى تفسيرات دينية كان يضعها الخليفة نفسه (بعَّدِهِ الأكثر علماً دينياً أيضاً !!).


هل من حلول عملية لأزمة السودان الشاملة؟
 

كاظم حبيب*

* كاتب وسياسي عراقي

لم تلعب الجامعة والحكومات العربية المبتلاة بذهنية ذات نزعات محافظة ومتشددة دوراً ايجابياً في معالجة مشكلات السودان الاثنية والدينية، بسبب رفضها رؤية وجود دولة فيدرالية
كان السودان منذ ما يزيد على ثلاثة عقود ولا يزال يعاني أزمات متلاحقة ومشكلات متراكمة عجزت كل النظم السياسية التي توالت على الحكم عبر انقلابات عسكرية متلاحقة، منذ إحراز الاستقلال، عن إيجاد حلول عملية لها. وكانت نظم الحكم السياسية بطبيعتها غير الديمقراطية، تشكل من حيث المبدأ لبّ أو أساس المشكلة التي كانت تعانيها شعوب السودان. إذ أن المشكلة في حقيقتها تبرز في رفض نظم الحكم الاعتراف بكون المجتمع السوداني والدولة السودانية يواجهان أزمة حقيقية شاملة ومتراكمة في مكوناتها ومتفاقمة في تعقيداتها وما يضاف إليها سنوياً من جديد، وبالتالي لم تكن النظم الحاكمة تتحرى عن حلول عملية لتلك المشكلات.
والأزمة المستمرة هي حصيلة منطقية لعجز الحكومات المتعاقبة عن الإقرار بوجود مجتمع سوداني متعدد الأقاليم وشاسع ومتعدد ومتباين في الأثنيات والثقافات واللغات والأديان، وأن هذا التعدد هو نعمة لا نقمة إذا ما أحسنت النظم السياسية التعامل الواعي مع هذا التنوع البشري والثقافي الرائع. ولا شك في أن جزءاً أساسياً من الأزمة ناشئ عن الذهنية التي كانت وما تزال تهيمن على الحكام أو بعض القوى السياسية ذات النزعات القومية اليمينية التي ترفض الاعتراف بوجود اثنيات أو قوميات أخرى غير العرب من جهة، وترى وتعمل على صهرها في بوتقة العروبة والإسلام! وزادت الأمور سوءاً حين سيطرت القوى الإسلامية السياسية اليمينية المتشددة، الترابي وعمر البشير، على السلطة عبر انقلاب عسكري غير مشروع، وعمدت إلى تصفية الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وسعت بالقوة إلى فرض الشريعة على كل الشعب السوداني.
ولم تلعب الجامعة العربية وجميع الحكومات العربية تقريباً، وهي كلها حكومات مبتلاة بذهنية ذات نزعات قومية يمينية أو دينية محافظة ومتشددة، دوراً إيجابياً في معالجة مشاكل السودان الإثنية والدينية بصورة عقلانية وإيجابية، بل شاركت في زيادة تعقيدها، بسبب رفضها رؤية وجود دولة فيدرالية في أي دولة من الدول الأعضاء في الجامعة العربية، إذ أنها كانت هي الأخرى ترى في كل حكم فيدرالي انفصالاً عن البلد الأم وبالتالي عن الوطن العربي.
وبعد مرور ما يزيد على ثلاثة عقود وحرب تجاوزت العقود بين الجنوب والحكومة المركزية أجبر الحكم السوداني، بقيادة عمر البشير، أن يعترف بحق إقليم وشعب جنوب السودان بحق إقامة فيدرالية فيه وأن يضع هذه التجربة في الاختبار، فان نجحت فيها سيبقى السودان موحداً، وأن فشلت بسبب سياسات الحكومة السودانية فمن حق شعب الجنوب أن ينفصل عن الدولة السودانية ويقيم دولته الوطنية المستقلة.
وعلى أهمية هذا الحل الراهن لمشكلة جنوب السودان، فأن هناك العديد من المشكلات المرتبطة بفيدرالية الجنوب ومنها تعيين حدود الإقليم ومن ثم علاقته بدول الجوار والمشكلات العملية الأخرى، من جهة، كما أن هناك الكثير من المشكلات الأخرى التي تواجه السودان، ومنها مشكلات غربي وشرقي السودان، من جهة أخرى. ويمكن فيما يلي تلخيص جوهر وجوانب المشكلة التي يعانيها السودان في المرحلة الراهنة والتي تجلت في أكثر من مؤتمر وأكثر من ندوة عقدت في مناطق كثيرة من العالم، ومنها برلين حيث دعت مؤسسة فرديدريك أبرت إلى عقد ندوتين، وعقدتا فعلاً في عام 2004 و عام 2006 وقبل ذاك أيضاً، للمشاركة في الحوار بين أطراف المشكلات والتحري عن حلول عملية لها:
1. الغياب الفعلي للحياة الديمقراطية والحرية الفردية والتجاوز المستمر والصارخ على حقوق الإنسان وحقوق القوميات والأديان المختلفة.
2. وجود نظام سياسي عسكري يهيمن بالكامل على السلطة عبر حزب سياسي إسلامي واحد ويرفض حتى الآن التعددية، وخاصة في شمالي وغربي وشرقي السودان، ويعمل على تهميش مستمر لبقية القوى والأحزاب السياسية.
3. تخلف المجتمع المدني وضعف مؤسساته والتجاوز على حريتها في العمل واستمرار وجود المجتمع القبلي بكل عنعناته ومشكلاته المعروفة وتخلف الوعي التنويري الديني والاجتماعي في الأوساط الشعبية..
4. مواصلة العمل من أجل فرض الشريعة الإسلامية على المجتمع في الشمال وفي الغرب والشرق، بعد أن عجزت عن فرضها على شعب وإقليم جنوب السودان.
5. وجود حكومة مركزية ترفض الاعتراف بالواقع السوداني المتكون من أقاليم مختلفة ذات اثنيات مختلفة يفترض أن يسود الحكم اللامركزي الذي يعتمد الفيدرالية. ويلاحظ هذا بوضوح في الموقف من شعب غربي السودان ( دار فور) أو المشكلات التي ستتصاعد قطعاً وتهدد بأزمات جديدة في شرقي البلاد.
6. تدهور الأوضاع الاقتصادية وتنامي البطالة والفقر والحرمان لدى نسبة عالية ومتزايدة من السكان، وخاصة في الريف. إلى جانب ذلك توجد الفئات الغنية التي تعيش على حساب الفقراء والكادحين وأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة بالاتساع.
7. شيوع الفساد المالي والإداري في البلاد وتأثيره السلبي المتزايد على الفقراء والكادحين من الناس.
8. ممارسة السلطة العنف الشرس في مواجهة حركات المطالبة بالحقوق، مما يدفع على ممارسة العنف المضاد.
9. ومما يزيد الطين بلة بروز ظاهرة التشدد الأكثر تطرفاً في وجهة بعض قوى الإسلام السياسي من أتباع النظام السياسي أو من غيرها.
من هذا العرض السريع للمشكلات يمكن القول بأن الحل العملي يتطلب استخدام عدة أساليب عملية، وهي:
1. رفض القتال والبدء بالحوار الديمقراطي والعقلاني لمعالجة المشكلات القائمة.
2. اعتبار المشكلات القائمة متداخلة في ما بينها وتستوجب الحل برؤية شمولية واضحة ومن دون تجزئة المشاكل بما يعيق الحلول العملية لها، كما أشار إلى ذلك رئيس تحرير صحيفة سودانية والحائز جائزة النضال من أجل حقوق الإنسان والسلام التي تمنحها مؤسسة فرديدريك أيبرت السيد محجوب محمد صالح.
3. مشاركة جادة من الأمم المتحدة لمساعدة السودانيين على إيجاد حل سوداني لمعضلاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحرية الدينية، إضافة إلى ضرورة قبول السودان بوجود قوات دولية لحفظ الأمن والسلام في (دار فور) بدلاً من القوات الأفريقية أو بعد خروجها أو حتى بالاشتراك معها لمنع احتمال وقوع مجازر رهيبة في هذه المنطقة، تذكرنا بما وقع في رواندا قبل عدة سنوات أو ما حصل في مناطق أخرى من العالم، كما جاء في التقرير الذي تقدم به الأمين العام للأمم المتحدة بشان مشكلة دار فور وتعقيداتها المحتملة في حالة رفض السودان وإصراره على رفض دخول قوات الأمم المتحدة إلى دار فور.
4. ويفترض أن تلعب الجامعة العربية دوراً أكثر إيجابية وعقلانية من الدور الذي لعبته حتى الوقت الحاضر، إذ يفترض فيها أن تعترف بحق الشعوب القاطنة في السودان في إقامة الفدراليات في الأقاليم السودانية المختلفة، وعدم الإصرار غير المقبول بأن السودان كلها ذات هوية عربية، وكأن ليست لها هوية أفريقية مثلاً، وأن هناك إثنيات أخرى غير الإثنية العربية وديانات أخرى غير الإسلام.
5. تقديم العون المادي للسودان للنهوض بأوضاعه المالية المتدهورة.
6. كما يتطلب الواقع السوداني أولاً وقبل كل شيء العودة إلى ممارسة الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والسياسة والتعبير، وكذلك الاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية ورفض الهيمنة من طرف حزب واحد أياً كان ذلك الحزب، وإيجاد أرضية عمل مشتركة بين الأحزاب السياسية الفاعلة في الشمال للوقوف معاً لمعالجة المشكلات القائمة. وهذا يتطلب إنهاء الهيمنة الحزبية للحزب الحاكم على الحياة السياسية والحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي إلغاء احتكار السلطة، أو توزيعها الراهن بين الحزب الحاكم في الشمال والحزب الحاكم في الجنوب فقط وحرمان بقية القوى السياسية والأقاليم من المشاركة في الحكم، ومواصلة الحوار مع الأطراف الثلاثة في غربي السودان لإيجاد حل سياسي ابعد من اتفاقية أبوجا تقبل بها بقية الأطراف.
إن الحل السلمي والديمقراطي يتم عبر الحوار فقط وليس عبر الحرب والقتل والتدمير أولاً، ويتم عبر سيادة الديمقراطية والحرية الفردية والتعددية ثانياً، ويتم عبر الاعتراف بالآخر وحقوقه كاملة غير منقوصة ثالثاً، ويتم عبر الاستجابة لحاجات بنات وابناء المجتمع وتأمين العيش والعمل الكريم ومكافحة الفقر والفساد في البلاد رابعاً، ويستوجب دعم الجامعة العربية والأمم المتحدة ودول العالم والرأي العام العالمي في التحري عن الحل السلمي وفي دعم جهود التنمية ومكافحة التخلف وتنشيط عملية التنوير الديني والاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني في السودان خامساً.


تعديل قانون الانتخابات وفقاً لرؤية شعبية وأخرى نخبوية
 

علي البهادلي
ان طريقة القوائم الانتخابية تجعل من أي خطأ في أداء أي مرشح وبالاً ينعكس على القائمة ككل، وبهذا يزداد العزوف الشعبي عن الحزبية أساس النظام الديمقراطي.

هناك حاجة ماسة لتعديل قانون الانتخابات وفقا لارادة شـعبنا التي تتحكـم في وضـع القانون الجديد، وانطلاقا من المفهوم الصحيح للديمقراطية والحرية بلا تخوف من امكانية ضياع مصالح كتل او احزاب من خلال اي تعديل ، فالتعديل هو حاجة ماسة وضرورية وليس محاولة لارضاء طرف على حساب طرف اخر.
بودي من خلال هذه الاطروحة ان اسلط الضوء على اهم الفقرات التي يفترض بقانون الانتخابات ايجاد حلول لها ، فالمختصون او الباحثون في مسالة القوانين الانتخابية وقبل الشروع بسن اي اطر قانونية يبحثون في اجابات محددة عن مجموعة من الاسئلة منها : كيف يصنف القانون؟ ما الأهداف التي يجب ان يسعى اليها أي قانون انتخابات؟ ماذا يجب ان يسعى القانون ليحققه؟ ما هي الحاجات الملحة التي يجب ان يعالجها القانون ؟ ، من وجهة نظر وطنية عامة، وليس من وجهة نظر فردية او حزبية او طائفية او عرقية!!
كذلك يجب ان يوجد قدر من الاتفاق على الاطر العامة التي تتحكم بتشكيل أي قانون انتخابات لمجلس نيابي او لمجلس تمثيلي وطني، وان يعكس القانون الجديد التعددية الموجودة في المجتمع، فلا يعقل ان يكون هناك قانون يعطي افضلية لجزء من الشعب سواء من الناحية الجغرافية او الاثنية او اللغوية او الطائفية على حساب الاطراف الاخرى، اي بمعنى ادق يجب ان يكون القانون متوازنا في انعكاساته للتعددية.
في تصميم الفقرات ذات الاهمية القصوى في القانون (الدوائر الانتخابية) يجب ان توجد نصوص واضحة بخصوص عددها وفقا للقانون وان يكون ذلك العدد متوازيا مع التطور في العملية السياسية وفسح المجال امام الكفاءات المتخصصة التي يفتقر اليها مجلس النواب الحالي.وان لا يقصى أي من اللاعبين الاساسيين في العملية السياسية ، لكن ليس على حساب الكفاءة والخبرة والقدرة على العطاء ، بمعنى ان يقصي القانون الجديد اية مجموعات قد يكون لها فاعلية في المجتمع، او دور ما.
حقيقة الامر ان مسألة تعديل قانون الانتخابات مدار نقاش وجدل نخبوي منذ عدة اشهر، حيث يكاد يجمع المتخصصون القانونيون على اهمية اجراء تعديلات جوهرية على القانون وان لا يغفل القانون الجديد المزمع سنه عن مواضيع واجراءات مهمة ، ولنكن صريحين أكثر ففي الوقت الحاضر يوجد الكثير من المواطنين الذين يحتجون على قانون الانتخابات الحالي ، أي بمعنى انهم يعتقدون ان هذا القانون لا يعكس التمثيل الحقيقي، ولا يعكس مراكز القوى في المجتمع، ويعطي حصة أكبر للبعض ، ويخرج البعض كليا من نطاق التمثيل، وبالنتيجة يجب ان لا يكون القانون اقصائيا، وهذا جانب مهم جدا، يؤخذ به عند تصميم أي قانون نيابي او تمثيلي.
ان احد المبادئ المهمة في تصميم أي قانون انتخابات هو مد جسور الثقة وردم الهوة الموجودة في المجتمع، مثلا كحالة العراق لابد من معالجة التمثيل العادل للمناطق معالجة صحيحة وبتمثيل حقيقي لتلك المناطق ذات التكوين المتشابك كما في بغداد وكركوك وديالى وواسط ونينوى.
هناك مبدأ عام آخر مهم على المشرع العراقي الانتباه اليه ، وهو ان على القانون توفير اكبر قدر ممكن من الشرعية الداخلية لاي مجلس نيابي منتخب سواء اكان على المستوى الوطني ام المستوى المحلي ، وان المجالس يفترض ان تحظى بأكبر قدر ممكن من الشرعية التي لا تأتي الا عبر شقين مهمين يلاقح احدهما الاخر ويغني احدهما الاخر وهما (الشرعية الشعبية والشرعية النخبوية)، وهذا الموضوع لا يحتمل صفة الاطلاق، كون ان الشرعية نسبية فربما يحتمل ان يكون هذا القانون مهما دفعنا باتجاه اكسائه جلابيب الشرعية هو قانون يغفل جانباً من الجوانب، وهذا طبيعي جدا ومتوقع ، لكن غير الطبيعي وغير المتوقع ان يتم سن قانون انتخابات يتجاهل اهم عناصر الشرعية وهي الشعبية والنخبوية.
في حالتنا توجد عدة أسباب تدعو للتفكير الجدي والسعي الدؤوب لتعديل قانون الانتخابات الحالي، ولعل ابرز هذه الاسباب هو ان المجتمع يتسم بالتعددية السياسية والفكرية، وهذه سمة اساسية وايجابية من السمات الرئيسية لدولة متعددة الاعراق والطوائف و الثقافات كالعراق وبالتالي كيف يمكن لقانون انتخابات لمجلس نيابي جديد ان يعكس هذه التعددية، و لا يكون اقصائيا فالاقصائية لا تساهم في انعكاس سمة التعددية في المجتمعات ولا تنمي عناصر السلام الاجتماعي .
وحين يتطلع اي منصف الى قانون الانتخابات الحالي فسيجد بانه يفتقر الى عنصر مهم يستشعره المواطن وهو ان المرشح لا احد يعرف كفاءته ولا يدري من هو ، وكل ما هناك فان الناخب مجبر على ان يختار قائمة مغلقة بغض النظر عن محتواها .
ان مثل تلك الطريقة في الاختيار تجعل اي خطأ في أي مرشح وبالا على القائمة ككل ، وبهذا تزداد حالة العزوف الشعبي عن الحزبية لما لها من تقوية لدعائم النظام الديمقراطي وبالتالي لا يسمح التجاوب السياسي الشعبي بإعادة بناء الاحزاب السياسية وفق اطر صحيحة، ولا يسمح ايضا بظهور احزاب جديدة.
اذا كنا بصدد بناء وطن ومد الجسور لردم هوات ومحو مقولات تقسم الوطن، لا بد ان يكون هناك قانون يوحد الشعب، ولا يسمح للمجتمع بالانقسام على نفسه الى مجموعات صغيرة، والى طوائف واعراق وعشائر، فالطوائف والعشائر والاعراق ليست هي وحدات سياسية، الوحدات السياسية الاساسية المكونة للمجتمع الحديث هي الاحزاب السياسية، ولا يوجد مجتمع ديمقراطي من دون وجود احزاب تمثل قطاعات مختلفة ومصالح مختلفة.
ايضا من الاسباب المهمة للسعي الدؤوب لتعديل القانون هو ما يخص تجربة مجلس النواب الحالي، فهذه التجربة تدلل على ان هذا الاطار كان في معظم الاحيان ضعيفا، امام السلطة التنفيذية ، وأحد اسباب ضعفه ان الكتل هي المشكل الرئيسي للحكومة وعلية فان غياباً مبدأ الاغلبية في تشكيل الكتل الجديدة لما بعد الانتخابات يلقي بأعبائه على تكوين حكومات ائتلافية او حكومات توافق وهذا يعني غياباً لمبدأ المعارضة والمساءلة وبروز مبدأ جديد اسمه التوافق حتى على الاخطاء والثغرات.
وفي نفس الوقت هناك اشكالية اخرى قد يطرحها المؤيدون للطريقة الحالية في التوزيع والتمثيل ، فهؤلاء يعتقدون بأن النظام الفردي يمثل في الأساس الافراد وبغض النظر عن موقعهم السياسي واهتماماتهم الحزبية، فهؤلاء لا يمثلون كتلا، والكتل في المجلس تظهر بعد الانتخابات وليس قبلها. وهذا انما يطيل من امكانية تشكيل كتل قوية يمكنها تشكيل الحكومة او سينتج عنه تكوين كتل هشة سرعان ما تنهار او في احسن الأحوال ستتشكل تلك الكتل بناءا على مساومات وتنازلات قد تأتي على حساب المصلحة الوطنية او كفاءة من سيتسلمون المناصب والحقائب.
إذن وفقا لتلك الاطروحة فنحن بحاجة ماسة للتعددية السياسية، وهي التي تتيح المجال لتحالفات حسب القضايا المطروحة، وتذكي وتفعل الحياة السياسية الداخلية ، لكن بنفس الوقت نحن بحاجة لان يعرف الناخب مرشحه لكي يمر هذا المرشح بمصفاة الناخب قبل وصوله الى البرلمان وايضا نحن بحاجة الى كتل قوية ودوائر متعددة والى دائرة كبيرة الى غيرها من التفاصيل المعقدة.
يحتاج الوضع العراقي الخاص الى وضع نظام انتخابي وقانون انتخاب بالقياس الى هذا الوضع الخاص ، فالقانون الحالي يبنى على اساس نظام التمثيل النسبي وفقا للقوائم المغلقة الذي يقسم العراق الى 18 دائرة انتخابية، وكما هو معروف فكلما صغرت الدائرة كانت اسس الانتخابات محلية اكثر، وكلما كانت الدائرة اكبر بات من الطبيعي المراهنة على قوائم قومية وطائفية .وقبل السرد في هذا الموضوع ، لنمر على اهم النظم الانتخابية في العالم لمعرفة اي النظم يحتاج العراق.
تقسم النظم الانتخابية الى ثلاثة انواع اولها هو النظام الاغلبي الفردي وهو الاكثر انتشارا ويقوم على اساس انتخاب الدوائر، وهذا النظام يقسم الى نوعين، النوع الاول يوزع المقاعد على عدد البرلمان، بمعنى اذا كان عدد البرلمان 275 مقعداً يكون هناك 275 دائرة، ولكل دائرة نائب واحد ينتخب في الدائرة، والانتخاب للمرشح الواحد اما ان يتم بالاغلبية وفي عديد من البلدان تشترط الاغلبية المطلقة وفي مثل هذه الحالة يتم الانتخاب بجولة ثانية في حال انه لم يحصل احد من المرشحين على النسبة المطلوبة وهي 50% + 1، وهذا لتعزيز تمثيل المرشح في الدائرة.
والنوع الثاني من نظام الاغلبية الفردي يقوم على اساس تقسيم الدوائر، كما اعتمد في الاردن وفلسطين، فينتخب الناخب عدد المرشحين حسب المقاعد المخصصة للدائرة وعدد المقاعد المخصصة لهذه الدوائر.
ويعرف عن الانتخابات بالنظام الاغلبي الفردي، انه لا يعطي النتيجة الدقيقة للمقاعد، أي ان النتيجة لا تعكس التقسيم السياسي او الانتخابي.
وهناك نظام انتخابي آخر هو التمثيل النسبي، وتعمل به بلجيكا واسرائيل او كما عمل به في الانتخابات التي جرت بالعراق لانتخاب جمعية وطنية انتقالية ويعامل البلد كله على اساس انه دائرة انتخابية واحدة وهناك نسبة حسم يجب ان تتجاوزها القائمة وتأخذ المقاعد بناء على نسبة ما تحصل عليه. وهذا النظام يعطي للقوة السياسية حجمها في الواقع العام ، والأصوات المهدورة فيه قليلة وتتراوح بين 10-15% بينما لايعطي للأحزاب الفتية او المستقلين حصة مناسبة ويفسح المجال لقيام حملات تزوير غير مكلفة .
في النظام النسبي هناك نوعان للتمثيل، الاول اعتماد البلاد كلها دائرة انتخابية، والثاني تقسيم البلاد الى دوائر كبيرة وتقسيمها على اساس التمثيل النسبي، مع الحفاظ على نسبة حسم والحفاظ على حق القوائم لان تأخذ نسبتها الدقيقة بالنسبة للمقاعد كما حصل في انتخابات المجلس النيابي العراقي الحالي. وهذا النظام بحاجة الى مستوى متقدم من العمل السياسي والحزبي والى ديمقراطيات عتيدة ودول تقوم انظمتها السياسية على اساس قومي او ديني متقارب.
هناك نظام اخر جديد ظهر في المانيا منذ عقد ونصف وهو النظام المختلط، ويجمع بين النظامين الاغلبي والنسبي. ويعني هذ النظام بان يكون للمواطن صوتان: الاول يمارسه في دائرته على اساس محلي وينتخب مرشحه في دائرته، والصوت الثاني للقائمة على اساس التمثيل النسبي وهو يلائم الانظمة السياسية التي تؤمن بالتعددية وتنطلق منها لبناء مشروعها الديمقراطي.
في المانيا مثلا يقسم البرلمان الى قسمين، نصف المقاعد يتم انتخابها عبر دوائر فردية محلية، والنصف الاخر على اساس تمثيل نسبي للاحزاب والقوائم وكذلك الحال مع العديد من الدول وخاصة الاوروبية الشرقية، حيث اخذت تعمل بهذا النظام بعد التحولات الديمقراطية التي حصلت بها في اعقاب انتهاء الحرب الباردة ، فهناك مايقارب 25 دولة تعمل بهذا النظام ومن اهمها اليابان التي خصصت 300 مقعد للتمثيل الفردي و 200 مقعد للتمثيل النسبي، وروسيا تعمل به الان اذ خصصت 225 مقعداً للفردي ومثلها للنسبي.
ان العديد من العراقيين لو سنحت لهم فرصة فهم الانظمة الانتخابية سيؤيدون النظام المختلط، وسيطالبون به ولكن في الحقيقة ان اقرار قانون الاحزاب سيقوي من سبل نجاح تطبيق هذا النظام، اذ ان قانون الاحزاب يشكل عائقا امام اعتماد النظام المختلط .
واشير الى ان النظام المختلط، يخفف كثيرا من سلبيات النظامين الاغلبي والنسبي، وهو بالتاكيد لا يعكس العدالة المطلقة بالنسبة لتمثيل القوى السياسية ولكنه الافضل، وهو الاقرب للشرعية، اذا ما قورن بالنظام الفردي او النظام النسبي وهو يجعل شرعية المجالس التشريعية اعلى، خاصة اذا ما اخذنا نصف المقاعد للاحزاب، والنصف الاخر للفردي،.
اذا أردنا ان نصل الى تنمية سياسية حقيقية وتعددية للمشاركة فان النسبة يجب ان لا تقل عن 50% للقوائم والنصف الاخر للمحلي، واذا ما اعتمدت نسبة اخرى بأي تقليل في تلك النسب لمصلحة الاحزاب على حساب الفردي او العكس فلن يكون لها نتيجة فعلية على الانتخابات وعلى التحولات الديمقراطية وبناء مؤسسات ناضجة، لان الحزب اما مستفيد بصورة غير عادلة على حساب الافراد او العكس ، وهنا ستبرز مشاكل قد تدفع بالعملية الانتخابية الى تعقيدات او سينتج نوع من الاصرار على انتهاج وسائل غير نزيهة لكسب تأييد الناخبين لحساب طرف على الاخر .
اما فيما يخص وضع المرأة والكوتا النسائية، فبامكان القانون الجديد ان يضمن تلك الكوتا عبر مجموعة من اجراءاته وكما جاء في الدستور فلا خوف على تلك النسبة .
وفيما يخص دور الشباب في العملية السياسية فمن المعروف ان رفد الساحة السياسية بقادة جدد سيقوي من دعائم المشروع الديمقراطي ، خصوصا ان الفئة العمرية من 18 عاما الى 30، تشكل 50% من القوة الصوتية في العراق، والفئة العمرية من 18 عاما الى 35 تشكل اكثر من 60% من القوة الصوتية.
عادة سن الترشيح مختلفة من بلد الى آخر، فهناك من يعتمد سن ال 25، وهناك من يعتمد سن الـ 28، وهناك من يعتمد سن 21، وهناك من يعتمد سن الـ 18 وهي نفسها سن الاقتراع. لذا فان البحث في هذه المسالة يعتبر ضروريا الان للحاجة الماسة لتهيئة قيادات سياسية شابة .
من الممكن ان يكون سن الترشيح 25، وهذا العمر سيشجع الشباب على المشاركة في العملية السياسية عموما والانتخابية على وجه الخصوص، وسيكون لهم دور حاسم في تحديد خيارات الامة ، خاصة ان المؤشرات التي وردت في استطلاعات الرأي التي اجريت من قبل مجموعة من الجهات تشير وبسبب الاوضاع التي نمر بها، الى تراجع الشباب في المشاركة في العمل السياسي والحزبي، اذا ما قورن الوضع بما كان عليه في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
الخلاصة من هذه الاطروحة: ان لا ديقراطية من دون انتخابات، ولا ديمقراطية بلا تعددية سياسية ولا ديمقراطية من دون مراجعة وتقييم ، لذا لابد من التوقف قليلا لدراسة اي مقترح لتعديل قانون الانتخابات وان يستمع السياسيون الذين يتولون اليوم مهام برلمانية الى راي الناس والنخب فاليوم هم في هذه المقاعد وغدا ابناؤهم سيعانون الامرين ومناطقهم ستعزف عن العملية الديمقراطية عند اصرارهم على الاستماع فقط الى رأي احزابهم ومــصالح كتلهم .

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة