تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

عشرات الالاف من التلاميذ للمرة الاولى على مقاعد الدراسة .. أتتذكــر كيـف قضيـت يومــك الأول فـي المـدرسة؟
 

-البنات اقل توتراً من الاولاد واكثر تكيفاً
-تبني سياسة المحاولة والخطأ للوصول الى الصواب تمكن التلميذ المبتدئ من اكتشاف العالم المحيط به وامتلاك الثقة والجرأة.

بغداد/عامر القيسي

يوم لا يشبه غيره من الايام.. تسبقه تحضيرات متنوعة.. ترافقه مشاعر القلق والخوف، يوم سينتقل فيه الطفل هذا الكائن الجميل المدلل، من عالم يعطيه من كل شيء دون عناء الى عالم سيطالبه بأشياء كثيرة من عالم الفوضى واللامبالاة الى عالم الانضباط والمسؤولية انتقالة صعبة كما لو ان احداً يدخل غابة في ليلة مظلمة لا يرى امامه شيئاً ولا يعرف ما في اعماقها من اشياء، انه عالم الخوض في المجهول، ذلك هو اليوم الاول في المدرسة بالنسبة للطفل.
من منا لم يخض هذه التجربة المفعمة بالدهشة والاكتشاف؟ ذاكرة متقدة، تلك التي اخفت في صندوقها، تلك اللحظات المشحونة بالتوتر والتردد يوم تنشغل فيه العائلة بكاملها وتبذل ليلتها جهوداً واحاديث تختلف عن ايامها السابقة، في تلك الليلة يستمع الطفل اول مرة الى لاءات كثيرة لا تركض، لا تتشاجر لا تتملعن، واملاءات اكثر منها، وحتى مرحلة الروضة لا تخفف الشيء الكثير من توترات تلك اللحظات، ذلك ان عالم الروضة، هو الاخر، عالم من اللعب والغناء وتبديل الجو من عالم جدران غرفة البيت.
ماذا يقول علم نفس الطفل؟
يهتم علماء نفس الطفل كثيراً بهذه المرحلة وايامها الاولى ويذهب البعض منهم، الى انها، القاعدة الاساسية لتشكل شخصية الطفل المستقبلية وان أي صدمة اكثر من المقدار، في هذا اليوم تحديداً تترك اثاراً سلبية على سلوكيته الجمعية ونظرته القادمة الى المدرسة والتعليم وارتباطه بهما، خصوصاً اذا ارتبطت هذه الصدمة مع مشاعر الخوف عالية التردد.

ولكن ممَّ الخوف؟
حسب علم نفس الطفل، فان أي وسط جديد مجهول يلج اليه الطفل، يثير عنده الريبة والخوف، فالوسط بنية متكاملة يحتاج الدماغ الى زمن لاستيعاب نظام العلاقات فيها، لان الحس الادراكي لا ينتقل من ردة الفعل الى الفعل الا بعد التعرف الكامل الى المكان، ومن هنا ينشأ خوف الصغير يقول دكتور علم نفس الطفل (عبد الواحد محمد الطائي): إن لهذا اليوم بالتحديد خصوصية ذات تأثير غير محدود على شخصية الطفل، وهو الذي يصنع اللبنات الاولى لانطلاقته، وان كان الامر لا يبدو واضحاً للعيان.. لان العملية برمتها تجري في ذلك الصندوق العجيب (الرأس) المحتوي على تلك الملايين من الخلايا التي قد لا تعطيك ردود افعال سريعة ومباشرة للتأثيرات الخارجية خصوصاً في هذه المرحلة، حيث التراكمات الكمية للافعال (شدتها، نوعيتها، سلبيتها او ايجابيتها) وارتباطها بمجموعة اخرى من الافعال ذات الاتجاه المتوازي او المتقاطع او المتداخل، هي في الحقيقة اذن عملية معقدة جداً لذلك ننبه الى ضرورة الحذر الشديد والتصرف المدروس مع الطفل في هذه المرحلة، لان بعض ردود الافعال السلبية تظهر بعد سنوات، وتخلق للأهل والمجتمع مشكلة ليس من السهل حلها، واضرب لك مثلاً واقعياً، احدى الحالات التي تابعتها من خلال ابوين صديقين، انهما في صباح ذلك اليوم اجبرا ابنهما على الذهاب الى المدرسة في تظاهرة صاخبة من البكاء والصراخ والضرب بعد ان فشلت وسائل الاقناع في ثني الطفل عن عناده برفض الذهاب الى المدرسة بسبب عدم رغبته في الانفصال عن ابويه وخوفه من الجو المجهول الذي سيذهب اليه، وتم كل شيء بطريقة قسرية لا تنم عن وعي وزاد الطين بلة، ان المدرسة استقبلت الحالة بنوع من التهديد والوعيد، فأضافت الى العنف عنفاً، وكانت النتيجة ان رضخ الطفل المسكين لهذه الضغوط التي كانت اكبر من طاقته على التحمل، وكان ان اصبح تلميذاً خاملاً، يمزق دفاتره وكتبه، ويتبول داخل الصف وبعد ان وصل الى الصف الرابع بشق الانفس، وبالكاد مع المساعدات، توقف قطاره هناك، وكانت القشة التي قصمت ظهر ابويه فصله من المدرسة بعد ان كان يتربص لمعلمه خارج المدرسة ويمطره بالحجارة ولتكرار هذه الحالة، فانه نجح في ارغام خصومه على الإذعان لرغبته في رفض المدرسة من خلال سلوكه العدواني العنيف ضد المدرسة التي ارغموه على التعامل معها، وهو ما نطلق عليه عندنا بـ(رهاب الوسط) والاثر الاكبر هو ان شخصيته تتسم الان كما قال لي بعض اصدقائه بالعنف واللامبالاة وعدم مشاركته وسطه الاجتماعي في افراحهم واحزانهم، وتستطيع ان تقيس على ذلك الكثير من الحالاة المشابهة بل الاكثر سلبية.
ماذا تقول الامهات؟
للامهات هموم من نوع خاص، فليلتها تلك مشحونة بالقلق والتهيؤ لصباح جديد له مستلزمات خاصة تساعد الطفل نفسياً للانتقال (السلمي) لحياة المدرسة، وحتى الطفل لو رصد بعناية وانتباه فان تصرفاته وردود افعاله، لا تخلو من سلوكيات مشاكسة ومطلبية تصاحبها بعض الاحيان كوابيس وفقدان الشهية والتبول اللاارادي في حالة التوتر الشديد.
وتأخذ هذه الليلة الكثير من اهتماماتها التقليدية تجاه البيت والاولاد والزوج، تقول السيدة سناء حميد (23 عاماً) وهي موظفة وام لثلاثة اولاد واحد من الاوقات العصيبة في حياتي العائلية، هو صباح اصطحاب ابني الى المدرسة وبالرغم من ان لدي تجربتين سابقتين ومن التهيئة لهذه المرحلة من خلال السنة السابقة في الروضة، الا ان هذه التهيئة في الحقيقة ،غير كافية لكي يكون الوضع طبيعياً، فانا واثقة من ان صباح هذا اليوم سيجلب لي الكثير من الازعاج، فنزق الطفل يتصاعد وجهود اقناعه مضنية، فهو يعرف جيداً عكس بعض التصورات الخاطئة انه سيذهب الى محيط مجهول، وبالتالي فان احساسه بالخوف امر طبيعي وينبغي التعامل معه على هذا الاساس.
لماذا يغيب الاباء؟
اما ربة البيت سعاد سالم (40 عاماً) وهي ام لثلاث بنات وثلاثة اولاد فترى بان تخفيف شدة هذا اليوم تكون من خلال ترتيب ذهاب جماعي للطفل مع اقرانه في المحلة وتؤكد: هذه التجربة نجحت مع خمسة من اطفالي، اذ اتفق عدد من الامهات على خوض هذه التجربة وقد لمسنا تجاوباً معقولاً من قبل جميع الاطفال الذين ينشغلون فيما بينهم، بعيداً عن اجواء التفكير في العالم المجهول الجديد، وفي تجربتي فان تجاوب البنت لهذا الصباح اكثر ايجابية من الولد الذي تتسم سلوكيته عادة بالعناد والمشاكسة من خلال لقائنا بعض العوائل لمسنا ان الاب، بعيد الى حد ما عن هذه المشكلة فمساهمته بسيطة، وهو يتدخل في بعض الاحيان من باب الترغيب والترهيب، وهو موقف خاطئ بطبيعة الحال تقول السيدة (ام محمد) ينبغي ان تكون المعالجة مشتركة ليس فقط من الابوين ولكن حتى من اخوان الطفل بالحديث عن حلاوة هذا اليوم.

مثلث الأمان
الابوان والمعلم والمدرسة (كجو عام) ركائز هذا الصباح ومثلث امان تجعل منه صباحاً سعيداً لكل الاطراف واذا ما نجح اولياء الامور في تسهيل الامور وتسهيل المهمة مع اطفالهم- تلاميذهم فان مهمة نجاح هذا الصباح تقع على مسؤولية المدرسة والمعلم، بالنسبة للمدرسة فان عليها ان تخلق جواً احتفالياً خاصاً لتلاميذ الصف الاول بحيث تجعل من لحظات دخولهم الى المدرسة، دخولاً مبهجاً ومشوقاً ومشبعاً بالفرح، لا بأس من ان ترافق هذه الاحتفالية على بساطتها- الموسيقى والغناء استقبالاً لهم من قبل تلاميذ المدرسة انفسهم خصوصاً تلاميذ الصف الثاني والثالث اما دور الركيزة الثالثة المعلم فيحدثنا المعلم خلف (ابو علاء) (ثلاثون عاماً) اختصاص صف اول، اتذكر في اول تعيين لي، كان الصف الاول بلا معلم وذلك في مدرسة بلواء العمارة (سابقاً) فبادرت الى سد هذا الشاغر، وصدقني منذ ذلك اليوم وحتى الان، فأن الصف الاول من حصتي، في جميع المدارس التي تنقلت بينها، وبالرغم من صعوبة التعامل مع تلاميذ هذه المرحلة ، الا انني احببت عالمهم الطفولي البريء ولكي تستطيع ان تنجح معهم عليك ان تتحلى بالصبر المضني اولاً وبحبهم ثانياً فالايام الاولى من دوامهم، ليس من هم معهم سوى الغناء معاً والاكل ايضاً، وكنت احياناً اسمح لبعض الامهات ان يدخلن الى الصف مع طلاب ذوي اوضاع نفسية خاصة، وقد وصل الحد إلى ان بعض تلاميذ هذا الصف كانوا يتشبثون بيدي لاذهب معهم الى بيوتهم، وفعلاً كنت ارافقهم مع اولياء امورهم الى البيوت القريبة من المدرسة وايضاً في احيان كثيرة اوزع بينهم الحلوى.
وكانت النتيجة ان الكثير منهم
حسب قول اولياء امورهم- كانوا يستيقظون صباحاً ويحثون امهاتهم ليس للذهاب الى المدرسة بل للذهاب الى استاذ خلف!!

معلمة تصاب بالصداع!
وفي تجربة اخرى، التقينا المعلمة سميرة عبد الله (خدمة عشر سنوات) قالت ان تكليفها مهمة الارشاد للصف الاول تسبب لها صداعاً مستديماً، ذلك ان هذه المرحلة تمتاز بالحساسية العالية وخصوصاً الايام الاولى لدخول التلميذ الى عالمه الجديد، وانا ارى ان اعطاء أي معلم او معلمة هذا الصف يجب ان يكون ضمن امكانات خاصة.
فاجبار المعلم على دخول هذا الصف يشابه تماماً اجبار التلميذ على دخوله من ناحية تاثيراته السلبية، ان اليوم الاول في المدرسة ينبغي ان يتم في اجواء تقبل ومحبة وصبر باختصار هذا اليوم وهذا الصف يحتاج الى معلم من طراز آخر، وليس الى معلم يحمل العصا.
اما الباحثة الاجتماعية وفاء محمد فترى ان المبالغة بفرش الورود لطالب هذه المرحلة امر مضر ايضاً وعليه ان يواجه الكثير من المشاكل، وعلينا ان نساعده على تذليلها لان مشاعر النقص (خارج وضعه المثالي) تدفعه لتبني سياسة المحاولة والخطأ التي من دونها لا يمكنه اكتشاف العالم المحيط به وامتلاك الشجاعة لولوج اوساط غريبة والتعامل معها بثقة وجرأة.
كيف نحصل على نتائج أفضل؟
طبعاً لا نستطيع ان نقدم لتلاميذ هذه المرحلة ما تقدمه لهم الدول المتقدمة، ابتداءً بالدولة وانتهاء باهالي المدينة، لاسباب عديدة ليس اقلها الفلسفة التربوية الخاطئة من عشرات السنين التي هيمنت على عقلية المؤسسة التربوية والتعليمية، الا اننا نستطيع ان نضع بعض المقترحات لتخفيض وزر هذا اليوم وهي مقترحات من حصيلة تجارب عديدة لمربين واولياء امور، لاقت بعض النجاح على مستوى تجربته.
اولاً: ضرورة التحاق الطفل قبل هذه السنة بمرحلة الروضة لتساعده في تخفيف معاناته من هذا اليوم.
ثانياً: ينظم الاهالي بالتعاون مع سلطة محلية (منظمة مجتمع مدني مثلاً) ذهاباً جماعياً الى المدرسة بشكل احتفالي.
ثالثاً: يجب ان تكون دروس الصف الاول قصيرة زمنياً في الايام الاولى والصفوف واسعة لاستقبال التلاميذ من دون تزاحم.
رابعاً: تهيئة وتدريب مشرفين مختصين للصف الاول ذوي كفاءات تربوية مشهود لها.
بالرغم من ان هذه المقترحات ليست طموحة بدرجة كاملة لتحقيق افكار اكبر، لكن الاكيد ان نتائجها ستكون ملموسة، ومفيدة لمن يخوضون هذه التجربة بلا سلاح!!

تجارب
عمو بابا
شاكست وعوقبت بالفلقة

لا اذكر اليوم الاول تحديداً لكن الاكيد انني كنت تلميذاً مشاكساً، وفي كل مرة كان عقابي (الفلقة) ولهذا السبب كان المدير انطوان.. يحملني كل مشاكسات التلاميذ ويعاقبني نيابة عنهم وحدث ان احدهم رمى حمامة ميتة داخل الصف، فكان نصيبي ان تلقيت المزيد من العصي (بالفلقة) والفاعل الحقيقي يبتسم ويتفرج على عقوبتي!!

احمد راضي:
عوقب صديقي في اليوم الأول

في اول يوم ذهابي الى المدرسة، رايت المعلم يعاقب صديقي
المشاغب حتى الان- بالضرب فشكل عندي هذا المشهد رهبة من المعلم والمدرسة، وظل صديقي مشاكساً حتى اليوم، وبقيت تاثيرات ذلك المشهد في نفسيتي حتى اليوم ايضاً، كانت المدرسة بالنسبة لنا شيئاً مقدساً ولا اعتقد بانها بقيت على هذه الدرجة من القدسية لهذا اليوم.


الخــوف من المـدرسة عـاد تكتسب من الكبـار
 

مكتب المدى-بابل/محمد هادي
نادراً ما شاهدنا أطفالنا وهم راغبون بالذهاب إلى المدرسة بل أن رهبة اليوم الأول تبقى عالقة بأذهان الجميع ولم نلحظ أي جهد يبذل من الأهل ومن إدارات المدارس لمعالجة الأسباب التي تجعل الطفل يخاف الذهاب إلى المدرسة في اليوم الاول.

بعض الأسباب نفسية والأخرى موجودة في المدرسة مثلاً الإهمال وعدم وجود مكان مريح ولا حتى مرافق صحية مع أجواء الخوف والرهبة إضافة إلى صعوبة فراق والدته لذلك تراه يرغب في بقائها بقربه ثم نظرته للمعلم وهو يحمل عصاه ويهدد ويتوعد وغير ذلك من الأمور التي يراها التلميذ في يومه الأول وقد حاولنا في هذا الموضوع معرفة استعدادات تربية بابل وآراء بعض المختصين.
الكتب المدرسية
يقول السيد خضر عباس مدير إعلام المديرية العامة لتربية بابل إن المديرية استكملت تسلم الكتب المدرسية الخاصة بالصفوف الأولى وهي تحاول جاهدة تأمين كل ما من شانه استمرار العملية التربوية سواء في مركز المحافظة أو الاقضية والنواحي أما القرطاسية والحقائب فلم تستلم بعد
الملاكات
عالجت تربية بابل النقص الحاصل في الملاكات واتخذت جميع الإجراءات وأعطت الفرصة لجميع من يشعر بالغبن لتقديم الاعتراضات وحاولت تلافي النقص الحاصل وبجهود من المدير العام تم تعيين محاضرين لسد النقص وقامت بمفاتحة الوزارة لغرض تعيينهم على الملاك الدائم وننتظر الموافقة النهائية .
مدارس جديدة
وقامت المديرية بافتتاح مدرستين جديدتين هما ثانوية الرازي والأخرى ابتدائية في حي المهندسين وأضافت أجنحة بعدة صفوف لمدارس ابن الأثير وميثم التمار وحيدر الحلي والحبوبي مع ترميم عشرات المدارس مع تجهيز المدارس والصفوف والأجنحة بالأثاث المدرسي وجميع المستلزمات ومفاتحة الوزارة لغرض تامين كل ما تحتاجه .
إذن الكل يعمل على قدم وساق في ان يكونوا جاهزين لاستقبال اليوم الدراسي الأول
الدكتور حسن علوان بيعي/ اختصاص طب المجتمع وخبير منظمة الصحة العالمية تحدث عن اليوم الدراسي الأول قائلاً من منا لايتذكر ذلك اليوم المهم الذي حضرنا فيه أول مرة في حياتنا إلى المدرسة فذكرياته مفرحة او مؤلمة تظل راسخة في نفوسنا ماحيينا .
إن الإعداد والاهتمام بالتحضير لاستقبال الأطفال استقبالاً مدروسا من قبل هذه المؤسسة الاجتماعية بهذا اليوم يساعد الأطفال كثيرا على تجاوز الاضطرابات النفسية والخوف من المدارس وبالتالي يؤدي الى قبول الطفل لهذا العالم الجديد ويشعر بسعادة لا حدود لها تفتح عينه على عالم التعليم والمعرفة والتطبيع الاجتماعي ليكون مواطن المستقبل الصالح المتحضر والمتسلح بالعلم ليبني بالتالي مجتمعه السعيد.
ان الخوف من المدرسة عادة يكتسب من الكبار او من خلال خبرات الطفل المتراكمة من إخوته الذين سبقوه في الدراسة والذين ينقلون له قسوة المعلم وصرامة الضوابط المتبعة في هذه المؤسسة الاجتماعية المهمة التي يأتي دورها مكملا لدور الأسرة .
قد تولد لديه مخاوف الولوج الى هذا العالم الجديد الذي تسوده أجواء العمل المنضبط المبرمج كما ان الطفل وخاصة وحيد أسرته يكون أكثر التصاقا بأمه ويرفض الانفصال عن والديه لذا فهو أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب النفسي كما ان بعض العوائل المنطوية على نفسها تحرم أطفالها من اللعب في سنين ، قبل المدرسة مما يجعلهم يعانون أكثر من غيرهم إن السياسة التي يمارسها المعلمون في مدارسنا باستخدام العقوبات كوسيلة ناجحة للتربية والتعليم تسهم في زيادة حالات الخوف لدى الأطفال وتؤدي إلى تكوين اتجاهات وميول سلبية لدى الأطفال تؤثر في مستقبلهم التعليمي وتضعف تحصيلهم الدراسي ويصاب البعض منهم بصدمات نفسية وما يرافقها من عواقب الكرب بعد الشدة من هذا نرى أن الاهتمام من قبل المدرسة والأسرة والمجتمع ككل (مؤسسات الدولة الحكومية أو المنظمات غير الحكومية ذات العلاقة ) لها دور مهم في تخفيف الآثار النفسية التي يعانيها الطفل في يومه وأسابيعه وأشهره الثلاثة الأولى في المدرسة
ومن تجربتي الخاصة مع اليوم الأول في مدرسة الفرات الابتدائية قبل نصف قرن حيث كان المعلم يتمتع بمكانة عالية جدا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وكان عدد المدارس قليلا . أتذكر جيدا عندما اصطحبني والدي للتسجيل في هذه المدرسة وكان عمري ست سنوات فقابلني المدير وكان رجلاً طويل القامة يرتدي القميص والبنطلون في حين كنت أنا ارتدي الدشداشه و يرتدي أبي الزي العربي المعروف وكان في غرفة المدير أربعة من المعلمين احدهم أكثر نشاطا يبدو انه المعاون .
رحب بنا المدير وتسلم من أبي أوراق التقديم والصور الخاصة بتسجيلي في المدرسة .
كنت مندهشا مذهولا وبصري يتفحص بدقة وجه المدير والمعلمين والأثاث وخاصة المذياع الذي كان صندوقا كبيرا إلى الجانب الأيمن من منضدة المدير المرصوفة بالكؤوس العديدة التي كانت تقف شامخة على احد الرفوف فوق رأس المدير ولكني أصبت بوعكة وألم نفسي شديد عندما رأيت فوق منضدة صغيرة ثلاثاً من العصي بألوان وأشكال وأطوال مختلفة . وقف نظري على هذا المشهد المخيف وجالت في ذهني الغض أفكار وأوهام وتصورت بان الجالسين في هذه الغرفة سوف يضربونني بقسوة لأنني لم اجب على اسئلتهم بشكل صحيح أو لان احد أصدقائي في الصف وشى بي أو اتهمني باطلا فاصدر المعلم الحكم عليَّ من دون أن يرى وجه الحق والإنصاف لقد سألني المدير آنذاك بعض الأسئلة لقياس قدراتي العقلية أتذكرها جميعا حتى الآن.

نشيدهم
الأستاذ صلاح السعيد كاتب ومترجم حدثنا عن اليوم الدراسي الأول قائلا ما زلت اذكر الاصطفاف حيث كان تلاميذ المدرسة الشرقية الابتدائية يرددون في هدير الصوت الصباحي والمعلم يقف متحفزا في وسط ساحة المدرسة
لحصاها فضل على الشهب
وثراها خير من الذهب

تتمنى السماء لو لبست
حلة من ترابها العجب

ولن أنسى اليوم الأول لتلاميذ الصف الأول الباكين يستطلعون الوجوه وهم ينتقلون من عالم البيت إلى عالم جديد هو عالم المدرسة ومن كان لديه أخ سبقه في الدخول إلى المدرسة فهو ذو حظ عظيم حيث تتطلع عيوننا برهبة إلى ذلك اليوم
وما زلت أتذكر المفارقات الطريفة حيث النسوة تزغرد مشجعة الأبناء وهم يدخلون عالم المدرسة في يومه الأول.


زهور المدرسة .. يـوم لا ينسـى
 

بغداد/صافي الياسري
هو يومي الذي خفته كثيراً بداية، ثم احببته بعدها حد العشق حتى لحظتي هذه، وما زلت قادراً على استحضار صورتي ذلك اليوم، أقادُ جراً الى بوابة ذلك المعتقل السحري المزهوة بازهار الخريف العابقة بعطر القرنفل والبنفسج الذي ما زلت اشمه وكانه انطلق الآن من ورق الورد الخريفي في حديقة المدخل على جانبي البوابة تداعبها انامل فلاحها الفنان، البستاني أو (الحدقجي) ابو جاسم، وما زلت كلما استحضرت لحظات ذلك اليوم المعرشة في ذاكرتي وصفحاتها المنشورة دوماً شجيرات ضحك ومرح لاتني تتجدد فلا تكبر ولا تجف اغصانها ولا تساقط اوراقها الخضر ابداً، الطرية دوماً.
ارى "ابو جاسم" منحنياً على زهرة او نبتة ظلية او احدى نباتات "دم العاشق" او "السجاد العجمي" او (اليهودي التائه) التي كان يلذ له ان يزرعها، يعدل عودها ويثبت التربة حولها وينزع من حولها الاعشاب الطفيلية، وحين حاولت ذات مرة ان اقطف وردة (روز) حمراء او كما نسميها (محمدية) طلع لي ابو جاسم لا ادري من اين، وضربني بخفة على يدي، ثم ابتسم وقال لي.. تعلم.. لم تخلق الازهار لتقتل بالقطف فهي بعد مدة وجيزة ستذبل وتموت ويرحل عطرها ولونها، الازهار وجدت لنرعاها ونشم عطرها حية.. تعلم.
وبعد سنوات عدة تمكنت من قراءة اللافتة الخشبية التي كان يدقها كل موسم وسط الحديقة وقد كتب عليها (ازرع ولا تقطع).
قادني اخي الأكبر يومها عبر بوابة المدرسة التي كنت اخالها معتقلاً، وكأني خروف يقاد الى ساحة النحر، وكنت احرن مرة وابكي اخرى واتوسل ثالثة، من دون فائدة، فقد كان اخي كل مرة يعدني بشيء جميل سأكتشفه في المدرسة وكانت ثيابي الجديدة وحقيبة القماش التي وضعت فيها والدتي رحمها الله بعض الدفاتر والاقلام ومبراةً وممحاةً ورغيف خبز (تازة) وقطعة جبن وبيضة مسلوقة ، تضفي على كلماته صدقية لا مجال للشك بها.
ومن غرفة المدير الذي تبادل مع اخي كلمات لم افقه منها سوى عبارات الترحيب، ولم اذكر له سوى انه ربت على كتفي ومسح رأسي بكفه الفلاحية الغليظة، فقد كان والده فلاحاً من ريف مدينتنا الموغلة في انتمائها الجنوبي، الى الصف الذي كان لداتي من التلاميذ الجدد قد توزعوا على رحلاته، وعيونهم وجلة دامعة فهي المرة الاولى التي يفارقون فيها احضان امهاتهم وتغلق عليهم ابواب "حجرة" هي الصف، فلا شوارع ولا ازقة ولا لعب وانما رهبة وتوقع ما لا يمكن تخيله، وفي الساعة الاولى تركنا المعلم نتحرك بحرية في الصف ونراقب بعضنا ونتحدث قليلاً قليلاً عما حولنا ونبتدع من اخيلتنا وقائع لا واقع لها، ومع ان الرهبة بدأت تخف الا انها لم تزل تماماً، وبقينا نشعر ان اهلنا قد خذلونا وانهم تركونا في مواجهة ثوران البحر وحدنا، وحين خرجنا الى الساحة في (الفرصة) كنا نحتمي ببعضنا ونحن نواجه تلاميذ الصفوف المتقدمة الذين راحوا يسخرون منا، وكانوا يضغطون علينا لنكرر خلفهم كلمة (زيزي)، فكنا نتلعثم ونحن نلفظها بلثغتنا الطفولية (ذيذي) فيتعالى ضحك اولئك الشياطين الصغار ولم نكن نعرف سبب هذا الضحك، حتى كبرنا ومارسنا اللعبة نفسها على من جاء بعدنا، لقد كان ذلك هو يوم الايام الذي ما زالت حلاوته على أطراف السنتنا وما زال نهاراً مضيئاً في نهارات اعمارنا، فهل سيستمتع اولادنا واحفادنا بمثله اليوم؟ ان ظلمة الارهاب ستغتال شمسه بدكنتها الدموية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة