المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

تـَنـْويْمَة ٌ لِعـَقـِيْل عـَلي

سقطت بعض سطور من قصيدة "تنويمة لعقيل علي " المنشورة في العدد 774 فاربكت السياق .
نعيد نشر القصيدة مصححة ونعتذر للشاعر والقراء

 

صـــادق الصائغ

حـِـذاء ٌ وســادتـُـهُ*
ُيـَََـنـَامُ عـَلـَى مِصْطـَبَاتِ الطـَريْـقْ
كـَكـِتـَابٍ مـُمـَزَّقْ
وَالمُوَيْجَاتُ تـَلـْهُو بـِهِ
وَتـَدْفـَعـُهُ
نحـْو تـِلـْكَ اللجُجْ

مُـتـْعـَــبٌ
و" َتـَنَامُ احتـِمَالاتـُه ُ"
وَ" حِـذَاء ٌ وِسَـادَتـُـهُ "
وَعـَلى مِصْــطــَبَاتِ الطـَريـْق
البــِلادُ سَــتـُطـْفـي مَـصَـابيـْـحَهَـا
الـبِـلادُ سَـتـَعْـلو
لـيَــكـُنْ
فــَمِـصــْطـَبَة ٌ وَاحِــدَه ْ
سَوْف َتـَكـْفِي عـَقـيْــلا ً
دَعْ الـمـَـوْج َ يـَلـْهـوُ بـِـهِ
دَعْ الـمـَـوْج َ يـعْــلوُ بِـه ِ
فـَعَـقــيْـل سَـيُـطـْفِـئُ مِـصْـبَـاحـَـه ُْ
عَـقـِيْـل ٌسَـيُـشْـعِــلُ أوْجَــاعَــهُ
عَــقـــِيـْل ٌ سَـيَـعْـلو
وَفــَوقَ وِسـَــادَتـهِ
كـَمـَـلاك ٍ يــَنــــَــامْ

مَصـَـائـِـر
لِكـُـل حـَيـَاتـُـهْ
فـَـبَعْــض ٌ لِـبَعـْض ٍ فَـِخـَـاخ ٌ
وَبَــعْــض ٌ كِــلاب ُ حـِـراسَــه ْ
وَبــعْــض ٌ لـَهِــيْـب ٌ
وَخـُـبْـز ٌ وَمِــلـْـحٌ
وَبَــعـْـض ٌ
عَـصَـافِــيرُ نــَار ٍ
لأعْـشَاشـِهَا رَاحِـلـَهْ

الشــَـاعِـــر
يَـتــَنـَكـَّر ُ آنـَا ً بــِدَور ِفـَـرَاشـَـة ْ
وآنـَا ً يُــرى كـَشــُعَاعْ
وَفِي كــُل ٍ بـُرْعُــمَة وَلـَه ُمـَخـــْبـَأ ٌ
َولـَـه ُ مــَرْسـَحٌ
وَقــِنــَاع ْ

وَآخِرَ دَوْر ٍلـَه ُ
كـَان َ دَوْرُ القـَتـِيـل ْ
وَمَا زَالَ يَـسْـأل ُجُمْهُــورَه ُ
مَن ْ تـُُـرى اجـْتـَز َّ رَأسَـه ْ
وَالـْقــى بـِـه ِ
فِي شِـــبَاك ِ الخــََديـْعـَه ْ؟


في الــوداع الأخــيـْر
تـَرَكـْــت َ لـَنـَا كـُل َّ شَــــئ
مُـتـْـحَـف َ المُـومِــسَــات ْ
أَلـِكـْسِـسْــوَرَات ْ
فـَرَاشِـي التـَـكـَحـُّل ْ
عَــالـَـم َ الشـَـمْع ِ وَالأقـْـنِعـَـهْ
والتَـَـمَـاثـِيـْلَ صَـائـِلـَة ً في مِـنـَصـّّـاتِــها
وَعــزّى وَلات ْْ
وَتـَرَكـْت َ الحَـرَائـِق ْ
تـَشـِب ُّ بـِأشـْجَارِنـَا العَـــارِيـَهْ
*الجملتان بين قويسين من قصيدة لعقيل علي


المحاضرة الثانية في الفولكلور العراقي منذ عام 1959 .. باسم عبد الحميد حمودي:موقف الناس والدولة والمثقفين من التراث الشعبي

 

علي ياسين - بغداد

ضمن فعالياته وأنشطته الثقافية والفكرية الأسبوعية، ضيف الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الناقد والباحث الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي، ليلقي محاضرة في الفولكلور أو التراث الشعبي العراقي تحت عنوان (أفكار في التراث الشعبي العراقي)، وقدم لمحاضرة حمودي الناقد علي حسن الفواز بالقول: الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي علم من اعلام النقد العراقي، وربما ذاكرة من ذاكرات الثقافة العراقية التي اختزنت بالكثير من الصور والتحولات، فكان شاهداً حياً على الكثير من الازمنة التي عاشتها هذه الثقافة في مراحلها السياسية والاجتماعية، وكان لحضوره ولمتابعته الكثير من الفعاليات التي التقطت ما هو خفي وما هو سري في تحولات هذه الثقافة باتجاه ان يشرح لها سياقات تعنى بمشروعه الثقافي، الذي أسسه منذ أكثر من اربعين عاماً. باسم عبد الحميد حمودي، جزء من ذاكرة العراق، جزء من ذاكرة الثقافة وجزء من ذاكرة هذا الشعب الحي.
واشار الفواز: اليوم سنستمع الى باسم عبد الحميد حمودي في فضاء آخر، هو ينتمي الى مشروعه الثقافي، لكنه يدخل في جزء من اشتغالاته البحثية ولا أقول النقدية، الذاكرة الشعبية، الموروث الشعبي، التراث الشعبي الاشتغالات المهمة التي عمل عليها الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي، وسجل في هذا المشغل حضوراً مهماً ليس من كونه قارئاً لهذا التراث الشعبي البغدادي أو العراقي، ولكنه كان يعمل في سياق محدد، يلتقط من خلاله تحولات هذا الموروث، باعتباره مشغلاً معرفياً وجمالياً وفنياً وانسانياً، ثم بدأ الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي بالقاء محاضرته الاختزالية القيمة التي جاءت غنية بالافكار والملاحظات الموضوعية مسلطاً الضوء على الاهمال الكبير لموروثاتنا الشعبية العراقية، حيث اوضح مؤكداً: اقدم لبحثي، بمقدمتين، الأولى تتعلق بهذه القاعة فانا أتردد على هذه القاعة منذ عام 1959، إذ أحضر مستمعاً ومحاضراً، ولم أجد يوماً صورة لأي رائد من رواد التراث الشعبي، فهؤلاء الرواد، كما أرى، مطرودون دائماً، لا من قاعة اتحاد الأدباء فحسب، بل من كل مكان ينتمي الى ثقافة البلد، هم عملوا بجد منذ انستانس الكرملي ومحمد رضا الشبيبي في لغة العرب، وبالتحديد منذ عام 1912 وهم يشتغلون على التراث الشعبي، ولكنهم لم يحظوا الا بالقليل ، فكتبهم كانت تطبع على حسابهم الخاص، وقد يبيع الباحث منهم، حاجات منزله لكي يطبع كتاباً، قد نتفق على ان ذلك، كان سمة من سمات العقد الخمسيني من القرن المنصرم، بل حتى جزءاً من العقد الستيني، لكن كتاب ورواد التراث الشعبي ظلوا يشتغلون على أساس ما يملكون من مادة (نقدية) قليلة، يصرفونها على كتبهم، من هؤلاء عبد اللطيف الدليشي، وعبد المحسن السوداني، والشيخ كاظم الدجيلي وغيرهم، المهم هذه نقطة تسجل لا ضد الاتحاد، وانما هذا هو السياق العام، اما المداخلة الاخرى، فانها تتعلق بموقف الناس من التراث الشعبي، فما هو التراث الشعبي وكيف يفهمونه؟ هل هو (الجرة والتنكة وقصيدة شعبية) هل هو (المهوال) ؟ هذه نقطة مهمة، أجدها ضرورية. في الحقيقة هناك مشكلة تتعلق بالتراث الشعبي العراقي، المشكلة مع الناس بشكل عام، مع الدولة ومع المثقفين، مع الناس لانهم يسمعون الحكاية الشعبية في البيت أو كانوا يسمعون ثم انصرفوا عنها بعد ذلك الى المسلسل التلفازي، هم يألفون الزي الذي يرتدونه أو يرتديه آباؤهم، ولكنهم لا يهتمون بالمادة المبحوثة أو المكتوبة أو المدونة في التراث الشعبي وينظرون اليها باستخفاف، والسبب في ذلك واضح، وبالتحديد هو ضعف عملية التراكم الثقافي الموجود داخل البلد، هذه العملية، ليس للناس وحدهم حصة فيها وانما للدولة، فالدولة العراقية منذ تأسيسها الحديث، لم تهتم بالتراث الشعبي العراقي، فقد ظلت الراية مرفوعة للشاعر وللمقالي والخطابي وللسياسي، ولم يكن لصاحب المقالة أو الدراسة في التراث الشعبي دور في هذه العملة، بالعكس كان ينظر اليه باستخفاف، ولو أخذنا الرصافي، على سبيل المثال، فالمعروف عنه انه شاعر وسياسي لكنه كتب (الآلة والاداة) وهو عمل مهم في التراث الشعبي، ولم يهتم احد بهذا الكتاب، وكذلك جعفر الخليلي، فهو معروف كروائي وصاحب جريدة الهاتف ولكنه كتب عدة مواد في التراث الشعبي، ولم يجمعها احد، بل لم يجمعها هو نفسه، وغيرهم كثير، يعني حتى الكتاب لم يكونوا يهتمون بما يكتبون، عدا القلة أذكر منهم انستانس الكرملي الذي كتب (ديوان التفتاف) وكان هذا الكتاب مجموعة حكايات شعبية عراقية في زمنها، واعتقد انه دونها بلهجة الموصل وقسم منها بلهجة بغداد، وحقق قسماً منها د. داود سلوم ونشر عزيز جاسم الحجية قسماً آخر ولم يظهر الكتاب حتى الآن، المهم ان الدولة، كانت تستخف بالتراث الشعبي العراقي، والدليل على ذلك، انها أسست مديرية عامة لهذا التراث في زمن ما، ثم الغتها، وأسست معهد الحرف والصناعات الشعبية ثم تركته يحبو، وقام لطفي الخوري والدكتور اكرم فاضل، وعبد الحميد العلوجي، بتأسيس المكتبة الفولكلورية، طبعت منها بعض الأعداد، ثم الغيت ايضاً، يعني جرة القلم، عند المسؤول، بالغاء شيء يتعلق بالتراث الشعبي واضحة جداً، كانت الرعاية ولاتزال للشاعر والروائي والسياسي بالدرجة الأساس، اما الفولكلوري فكان ينظر اليه باستخفاف ومازال كذلك، في هذه القاعة هناك محاضرتان في التراث الشعبي، الأولى اعد لها كل من خليل الشيخ علي، عبد المجيد الراضي، سعدي يوسف، سافر هؤلاء الثلاثة عام 1959 الى الاهوار ودرسوا ما يجري هناك، ثم عادوا ليلقوا محاضرتين عن الاهوار العراقية وما فيها من جوانب فولكلورية، سواء على صعيد الشعر الشعبي أو على صعيد العمارة، ومنذ ذلك التاريخ والى اليوم، هذه هي المحاضرة الثانية!! فلم يهتم اتحاد الأدباء قطعاً، بالفولكلور، لذلك، لبيت هذه الدعوة بسعادة، لكي نتحاور ونتحدث عن فهمنا للتراث الشعبي، هل هو مجلة فقط؟!
وفي تأكيده على الاهمال الذي تعرض له التراث الشعبي العراقي يذكر المحاضر: من الغرابة أنني القيت عدة محاضرات خارج العراق عن موروثنا الشعبي، في جامعة المنصورة وجامعة جرش والأسبوع الثقافي الاردني وفي دبي، واكتشفت ان تلك الشعوب تولي التراث الشعبي اهمية بالغة للموروث العراقي والعربي، ولكن العراقيين لا يحتفون بهذا الموروث. بعد هذا العرض، لنتحدث عن ماهية التراث الشعبي، طبعاً، انا لا أؤسس لما تم تأسيسه قبلي ولكنني سأحاول ان أقول شيئاً، في الحقيقة، هناك واحد وعشرون تعريفاً للتراث الشعبي بشكل عام، تضمنه معجم الفولكلور الانكليزي، بطبعته لعام 1949، ومن هذه التعاريف: لمصطلح الفولكلور أو التراث الشعبي: هو الذي يحدد فنون القول والسلوك والمعتقدات والصناعات المادية وهناك تعاريف أخرى منها من يقول، انها مخلفات الماضي الذي لم يدون وهذا تعريف توم جونز عام 1893، وهناك تعريفي الخاص الذي يقول، أن التراث الشعبي هو المهاد الجمعي لفنون القول والعمل شعبياً، بطبيعة الحال، هناك دراسات عديدة بدأت بالتراث الشعبي، عند الهولنديين والاسبان والاسكتلنديين والانكليز، ثم الفرنسيين والألمان مثل الاخوة كرييم وما فعلاه بالحكاية الشعبية والروس ايضاً، وقد حصل اتفاق على ان مصطلح فولكلور الذي حدده وليم جونز عام 1846، صار هو المصطلح الرئيس الذي تفرعت منه عدة مصطلحات، وانطلقت منه دراسات ومدارس متعددة، منها المدرسة التاريخية التي يقودها مايك ميلر، والمدرسة الميثولوجية التي يقودها ماكس ملر والمدرسة التي يقودها باسكوم، طبعاً والمدرسة النفسية التي يقودها فرويد، ثم المدرسة الالمانية، التي اتفق عليها مؤتمر اوهايم عام 1955.
واشار حمودي قائلاً: لا أريد ان أدخل في تفاصيل هذه المصطلحات لكنني أجد من الغرابة، مثلاً، ان مجموعة اساتذة، معروفين في الحقيقة هم فريق عمل تقوده دليلة مرسلي، يصدر كتاباً اسمه (دراسات لسانية) وتحت عنوان رئيس هو (نسائيات) كتب بالفرنسية وترجمه الى العربية سليم قطوف، يقول دراسات في الفولكلور والتراث الشعبي، فخلط وفصل بين مفهوم واضح هو مفهوم الفولكلور، فالفولكلور هو التراث الشعبي نفسه، بعضهم، سماه بالمأثورات وبعض آخر سماه الفنون الشعبية، ففي مصر، مثلاً أصدر د. عبد الحميد يونس مجلة بعد مجلة التراث الشعبي، سماها مجلة الفنون الشعبية عام 1964، ان اقدم مجلة عربية في هذا الميدان، هي مجلة التراث الشعبي التي صدرت عام 1963 وبمجهود فردي من مجموعة من الأساتذة هم، ابراهيم الداقوقي، شاكر صابر ، عبد الحميد العلوجي ، سالم الالوسي ولطفي الخوري ، اصدروا هذه المجلة، التي قدمت للفكر الانساني ولا اقول العراقي الكثير، إن هذه المجلة اخذتها الدولة عام 1969.
وشدد المحاضر قائلاً: لقد أردت القول هنا، ان الفولكلور العراقي، يعاني من سوء الفهم، حتى من قبل شريحة المثقفين، فالبعض منهم، يفهم الفولكلور فهماً سطحياً، مثلاً، يعتبر القصيدة الشعبية العامية، جزءاً من الفولكلور، وهذا لا يجوز، لان الفولكلور شيء مرتبط بين الحاضر والماضي، كما ان تجنيسه واضح ومحدد بأصول، ويتحدد أولاً بالمعتقدات والمعارف الشعبية، والعادات والتقاليد الشعبية، الأدب الشعبي، الثقافة المادية والفنون الشعبية، وهذا ما يتعلق بالمادة الذهنية، المعارف الشعبية، تتحدد بالأولياء، الفرق الدينية المستقلة، التصوف، المخلوقات فوق الطبيعية، السحر، الطب الشعبي، الأحلام، والمعارف الشعبية الخاصة بالانسان والحيوان والنبات والتقويم والانطلوجيا، أما العادات والتقاليد الشعبية، فتحدد بدورة الحياة، كالولادة والزواج والوفاة والاعياد الدينية والقومية والفرد في المجتمع المحلي والعلاقات الأسرية، المرأة وآدابها السلوكية، آداب السلوك الخارج عن العرف، عادات المأكل والمشرب، العادات اليومية، والقانون العرفي، اما الأدب الشعبي فيتحدد بالحكايات والأساطير والملاحم والسير والاقوال والأغاني والمدائح والأمثال والتعابير والاقوال السائرة والألغاز والنوادر، أما الشعر الشعبي، فيحدد بالزجل والاهازيج والموشحات ثم الخطب والمواعظ واللهجات والمسرح وخيال الظل وصندوق الدنيا، اما الثقافة المادية، فتحدد، بالأطعمة وإعدادها، التدبير المنزلي، الصناعات والحرف الشعبية، الفلاحة، اما الفنون التشكيلية الشعبية، فتتحدد بالتزيين وأدوات الزينة، الأزياء، الأشغال اليدوية،، الدمى، التصوير، الرسم، العمارة، الفخار، الوشم، اما الموسيقى الشعبية فتتحدد بالآلات والغناء إضافة الى الألعاب الشعبية والرقص الشعبي.
ان هذه المادة الواسعة، التي تدخل في حياتنا اليومية من الزي والطعام والعمارة وفنون القول والحكاية، هي أساس عالمنا، كاملاً.
ان العراق ثري في كل شيء لكن من يسمع ومن يهتم ومن يكتب ؟!. إذن من هنا، ندعو الى ان تفعل هذه اللجنة وان تنشأ لجنة تراث شعبي داخل اليونسكو لكي تعمل على ذلك، اذكر مرة، ان الجامعة العربية. اهتمت بمشروع، وهو مشروع قدمه رئيس جامعة الجزائر، يسمى (الذخيرة اللغوية) وتبنته الجامعة العربية وأرسلت رسائل الى كل الدول وكنت انا ممثلاً عن وزارة الثقافة، وقدمت مشروعاً كاملاً، في هذا المشروع، دعوت الى إنشاء موسوعة للتراث الشعبي العراقي، دعوت الى كتابة معجم للهجات واللغات العراقية.
وذكرت ان كل هذه اللغات، ينبغي ان تدون لهجاتها، مفرداتها، وان تبحث اصول كل مفردة، وبكل تأكيد هذه لا تبحث بين يوم وليلة، بل تحتاج الى سنوات، وكانت الجامعة العربية مستعدة للصرف على المشروع ولكنه أقفل من قبل العراق، في الوقت الذي اشتغلت عليه بعض الدول وكلفت باحثين لكتابته، من هنا أدعو الى إنشاء قرية فولكلورية عراقية في بغداد ولها فروع في بقية المدن العراقية، فليؤسسوا قرية فولكلورية في النجف ودهوك تعتني بالموروث الشعبي في المنطقة وترصد كل تقاليده.
إن التراث الشعبي هو الذاكرة التاريخية الشعبية للبلد ومن المشاريع التي ينبغي ان تحقق، إضافة الى القرية الفولكلورية والمعجم الفولكلوري العراقي، وموسوعة التراث الشعبي وموسوعة الحكاية الشعبية وموسوعة العمارة، ينبغي الاهتمام بها، فالمرحوم جعفر الخليلي، عمل شيئاً عظيماً، هو موسوعة العتبات المقدسة، كما ان هناك عملاً أنجزه، شاكر هادي غضب، حيث كتب شيئاً جميلاً عن المعمار الديني حيث رسم بيده الأبنية الدينية في مناطق متعددة من العراق وكتب عنها، فليكمل مثل هذا الاهتمام قس ويكمله آخر من الصابئة، لا بمفهوم المنظور الديني، بل بالمفهوم المعماري الشعبي، باعتبار ان هذا المصنوع الموجود أمامنا كعمارة، هو نتاج ذهنية شعبية، معمارية صنعت هذا الصرح.
ثم يعاد النظر، بعد ذلك، الى العمارة الشعبية، بدءاً من المضيف والكوخ الى البناء البغدادي وتطورات العمارة العراقية المتعددة، خلاصة لكل ما تقدم، أقول أننا بحاجة دائماً الى ان ننتبه الى تراثنا الشعبي، ونفهمه فهماً حقيقياً، باعتباره مصدراً معرفياً مهماً، لنا وللأجيال القادمة.
وفي نهاية المحاضرة أجاب المحاضر على مداخلات الأدباء الذين أيدوا بحماس دعوات الباحث في إنشاء قرية فولكلورية واعطاء الموروث الشعبي العراقي مزيداً من الرعاية والاهتمام من قبل المؤسسات المعنية بذلك.


مطبوعات حديثة: "مأزق الدستور/ نقد وتحليل"

بيروت/ المدى

صدر حديثاً عن معهد الدراسات الاستراتيجية- العراق، كتاب "مأزق الدستور/ نقد وتحليل" لمجموعة باحثين، ابرزهم فالح عبد الجبار وحسين كركوش وزهير الجزائري وناثان براون وهشام داوود ورشيد الخيون وعدنان حسين وغانم جواد وآخرون. يتناول الكتاب عملية كتابة الدستورالعراقي الجديد بوصفها تجربة غير مسبوقة، نظرياً، في المنطق وأنها وفرت فرصة فريدة لإعادة بناء الدولة العراقية، وضمان مستقبل ومصالح كل الجماعات الإثنية والدينية فيها.
ويهدف الكتاب ، من خلال وجهات نظر متعددة، إلى إجراء بعض التعديلات في مواد هذا الدستور، وخاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية، وقانون الأحوال الشخصية، وعلاقة الدين بالدولة، والتنظيم الإداري، وإدارة الاقتصاد والثروات، بالإضافة إلى ضرورة إخضاع مواد وفقرات أخرى للتدقيق حرصاً على الموازنة بين الحدود القانونية لهذه المواد، وبين الحالات التي يمكن أن تتجاوز هذه الحدود بدون أن تكون مخالفة للقانون والدستور.
يطرح الباحثون المشاركون في الكتاب صعوبات كتابة الدستور في عالم لادستوري، ويؤكدون على أهمية وضرورة حفظ حق المواطن العراقي في الدستور الجديد، بعد سنوات طويلة ومريرة عانى فيها العراقيون الكثير. وهم يتطلعون اليوم، بحسب أبحاث الكتاب، إلى حياة سياسية واجتماعية أفضل، يلعب فيها الدستور الجديد دوراً أساسياً في إرساء الاستقرار والسلام.
لقد قاربت الأبحاث قضايا خطرة في الوضع العراقي وعلاقة الدستور بتلك القضايا، ولعل اهمها كيفية تلبية مطالب اكثر المكونات في المجتمع، اذا ما عرفنا ان هناك تباينات كثيرة في الآراء والطروحات، خاصة ما يخص الفيدرالية والحريات الشخصية وعلاقة الدين بالدولة ومركزية الدولة او لامركزيتها. من هنا تتوصل كافة البحوث والمقالات والآراء الواردة في الكتاب الى حقيقة ان الديمقراطية في العراق عملية متواصلة، ومازالت تفرز نتائج قد لاتكون في بال المشرعين او السياسيين العراقيين.

الكتاب: مأزق الدستور/ نقد وتحليل. يقع الكتاب في 447 صفحة
الناشر: معهد الدراسات الستراتيجية- العراق 2006/ بيروت


أسلبة العصر والفوضى المنظمة في المسرح والمدينة
 

د. فاضل سوداني
مخرج وباحث مســرحي
 

ضمن التطور الديناميكي للمدينة والمسرح، فان المواضيع التي نوقشت على خشبة المسرح في الأزمنة التي تلت الإغريق اختلفت جذريا. فمع مسرحيات شكسبير بدأ النقد الاجتماعي للحياة وتأشير معادلة الخير والشر والصراع بينهما وازدواجية هذه العلاقة في ذات بشرية واحدة. فالبطل الشكسبيري لا يكون أحادي الجانب وانما يخضع للديناميكية، وهو لا يشكل نموذجا لمجتمعه أو عصره فحسب وإنما يمتلك القدرة على عبور الزمن وصولا لمشاكلنا الآنية. من هنا ظل شكسبير يقلقنا بل هو معاصرنا حقا على حد تعبير البروفيسور يان كوت.
وفي أزمنة لاحقة تميز المسرح بمعالجة المشكلات الاجتماعية بسخرية مرة، بما فيها معالجات مسرح القرنين السابع عشر والثامن عشر. وأكدت الكثير من الاعمال المسرحية على رفض المظالم الاجتماعية، وتطور هذا إلى التأكيد على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية ومطالبة الانسان بحقوقه، الذي بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر وانعكس هذا في أعمال الكثير من مؤلفي المسرح العالمي.
لكن التطورات العظيمة في القرن العشرين الذي مر عاصفا ومضطربا ومخيفا في الوقت ذاته ومازال تأثير حروبه المعلنة والمخفية كبيرا على وجود الإنسان، أعطت إمكانيات جديدة للمسرح فارتبط بالتطور التكنولوجي وأشر تناميا متزايدا للوعي الثوري والفلسفي في معالجته شتى المشكلات الاجتماعية والفردية ضمن الواقع المضطرب. وطبيعة هذه المشكلات وحجمها خلقت الوعي الشمولي للفنان المسرحي وساعد هذا على إمكانية المسرح وقدرته على أسلبة العصر، من خلال التأكيد على جوهر المشكلات الاساسية التي تميزه.
ومن اعتيادي القول أن المسرح يتطور وسط الاستقرار والهدوء الاقتصادي والسياسي وحرية التجريب التي تطور ديناميكية الفكر، غير ان المدن تخلق أحيانا جحيمها الأرضي وتجعل من الحرب قدرها فتفقد أمنها ليتحول كل شيء إلى أشباح ويصير المسرح خرابا. إلا إن مسرح ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية أكد حالة من الفوضى المنظمة ـ أي الفوضى البنائية من اجل خلق اللاتوازن في النظام الطبقي وكذلك في الوعي الاجتماعي للمدينة وإعادة خلق ديناميكية الوعي الفردي الجديد فارتبط المسرح بالفلسفات الطليعية (العبثية!!) وخاصة الوجودية وفلسفة تضخيم الذات التي نشأت بتأثير الحروب. وتوزع الفكر المسرحي لتأشير جانبين:
الأول: فضح النظام الرأسمالي ـ الاستغلالي وكشف الأسباب الحقيقية والعدوانية للحروب التي تقودها مخططات أرباب العمل،و المساهمة في بناء وعي جديد وإغناء روح الإنسان من خلال التأكيد على الفكر الماركسي كأيديولوجيا يمكن أن تمنح الإنسان عالما فوق الطبقات. وكان للعقل البريختي المؤدلج والمشاكس دور كبير في تأكيد الأيديولوجيا في المسرح وإعطاء أهمية كبرى لاحترام حرية الإنسان.
الثاني : إبراز الخواء الروحي والقلق المضاعف للإنسان الخارج للتو من تحت أنقاض الحرب مع الإشارة الى استلاب هذا الكائن في عالم غير حر أساسا، وفي الآن ذاته تضخيم الذات الفردية وسط تناقضات حياتية عصيبة نتيجة لخواء العصر. وقد أكد هذا الاتجاه أيضا على التناقض في الوجود والحياة والتأكيد على عزلة الإنسان، وقصور لغة التفاهم بين الانسان والعالم المحيط.
ولهذا فان مؤلفي ومنظري هذا الاتجاة كالمسرح الطليعي (اللامعقول) والتجارب الآنية كمسرح الصورة أو مسرح الحداثة وما بعد الحداثة المتأثرة بفكر ورؤى آنتونين آرتو ومايرهولد، تميزوا بالوعي الشمولي لمعالجة أي ظاهرة حتى وان كانت محلية لتأكيد شمولية مشكلة الإنسان.
إضافة الى هذا فأن هذه المسارح والاتجاهات والرؤى أرجعت المسرح إلى جذوره الطقوسية الأولى الذي لم يكن يستغني عن مشاركة الجمهور الوجدانية. ومن جانب آخر فإنها تعد تجارب ضرورية للمزج بين المسرح كطقس والمدينة كفضاء اجتماعي يمكن أن يؤثر أحدهما بالآخر.
فاذا كانت المسؤولية الاجتماعية وكذلك مسؤولية الفنان عموما (لانه خلاصة العقل الابداعي الجمعي) هي التي تتحكم في مستقبل المسرح فان هذا يدفعنا الى التفكير بالمسرح المعاصر من جديد مع تشخيص الخطورة التي تواجهه والتي تكمن في أن المسرح قد يفني ذاته كفن
لثلاثة اسباب:
ـ أما كونه فنا واقعيا فوتوغرافيا يخدعنا برؤية الواقع والطبيعة بسذاجة مرة ثانية على خشبة المسرح.
ـ أو مسرحا متأثرا بوسائل الإعلام الدعائية التي تنتج الضجيج الإعلامي المؤدلج، مبتعدا عن معالجة القيم الإنسانية والمعرفية العميقة.
ـ او باعتباره مسرحا ادبيا يعتمد الوسائل الادبية لمعالجة الواقع بدون اعتماد لغة المسرح البصرية، ومازال العراقي والعربي متأثرا بهذه الاتجاهات ماعدا بعض الإستثناءآت.
ولهذه الأسباب جميعها فان المسرح العربي يخضع للهامشية والاستهلاك الثقافي لانه لا يمتلك الحصانة الداخلية أيضا، فيتورط بالتقليد الأعمى لاتجاهات فكرية تجريدية ليس لها مدلولاتها الاجتماعية في مدينته كما هو الحال بالنسبة للتقليد غير الواعي لبعض إتجاهات المسرح الغربي.
معمارية فضاء المدينة و السرد الرؤيوي
ان الالتباس الذي يعيق تطور المسرح العربي الان ويخلق جوهر أزمته هو ان المدينة العربية غير مؤهلة لخلق المسرح، لأن المتعايشين في المدينة منشغلون عن المسرح بامور أخرى، أما أن تكون آيديولوجية او سياسية او فكاهية تخديرية، وأما الانظمة التي تسير هذه المدن فانها تعتبر المعرفة الفكرية والجمالية شيئاً ثانوياً. وعكس هذا فان المسرح لايمكن ان يوجد ويكون ديناميكيا الا في قدرته على إثارة الاسئلة الجوهرية والمصيرية في عصر تكنولوجي جديد. إضافة الى ان المسرح يشكل بالنسبة للمدينة خطورة جوهرية لانه يخلق التجمعات ويثير الاسئلة وينتج وعيا جديدا ويقوم بعدوى المعرفة، لهذا فانه يعد هامشيا في صلب برنامج المدينة العربية الحياتي، وبالذات تلك الانظمة التي تخاف الديمقراطية والحرية.
ولكن في الوقت ذاته فان المسرح يقف ضد مدينته ويخونها أحيانا، عندما يخون الفنان ذاته ومدينته حينما يكون فنانا متكيفا لشروط فوقية فيجبر على ان يقدم معلومات فكهة تخلق وعيا ساذجا، او في احسن الاحوال يقدم فكرا جاهزا ومتكيفا وغامضا نتيجة لغموض وعيه وعدم وضوحه الفكري بحجة التجريب الذي لا ينبع من حاجة ضرورية بل من مزاج طفولي خادع للكثير من الفنانين والمخرجين العرب، فينشأ نوع من البلبلة الفكرية التي تؤثر على المجتمع وعلى الذات الفردية والذات الفنية والتاريخ المسرحي. اذا عرفنا بان التكيّف هو الموقف السلبي للمثقف المتساهل مع ذاته وتاريخ كينونته، وبمعنى اخر ان مثل هذا المثقف المتكيّف لايؤثر في تطوير العملية الفكرية بمسارها الديالكتيكي في المجتمع، لانه يتخلى عن دوره ووجوده الفاعل، ويكون مستعدا للمساهمة في انتشار الثقافة والفكر السلفي الذي لايتماشى مع التطوير الجديد، وبهذا فانه يهيئ الظروف التي تخلق عدمية الثقافة والفن. اما بالنسبة الى التطور الاجتماعي والفكري العام فان التكيّف لا يسمح بالتطور الاجتماعي الطبيعي بل يؤدي الى تسطيح الانسان فكريا.
لذلك يشكل اكتشاف لغة ووسائل المسرح المؤثرة التي تخلق الوعي الفكري والجماليات الفنية أهمية قصوى. ولا يمكن للمسرح ان يقوم بهذه المهمة مالم يعد صياغة فضائه سميولوجيا، من أجل أن يخلق الحساسية الابداعية الديناميكية في وعي المتفرج اولا، ومن ثم إعادة بنائه من جديد ثانيا، والمساهمة في الوعي الاجتماعي للمدينة ثالثا. وهذا يتطلب تغيرا في المفاهيم الاساسية للغة العرض المسرحي: ـ في الجانب الفكري والجمالي أي النص المسرحي.. وفي الرؤيا الاخراجية والمكونات الجمالية واللغة التعبيرية أي فضاء العرض بحيث يصبح لمفرداته وجود ديناميكي في الفضاء والزمان والمكان ليصل الى الجمهور ذلك الوعي وتلك القيمة الضرورية لكينونة الانسان فتؤثر على بصره وبصيرته.
والجانب الآخر الذي يمتلك أهميته وتفرضه لغة الطقس المسرحي وطبيعته الفنية هو تغيير العلاقة مع الجمهور المتلقي ليتحول الى متفاعل ويقوم بفعل المشاركة كما كانت عليه وظيفته في الطقوس المسرحية قديما.
إذن هل يمكن ان يمتلك الفنان وسيلة الوضوح والقدرة على الخطاب المسرحي والتواصل مع ذاته وجمهوره بدون اعتماد الوسائل الادبية ؟ وأعني ان يكون للوسائل البصرية والصور مساحتها في العرض
ان يتحول الخطاب المسرحي من السمع الى البصر وبالعكس، أن تبنى الدلالات والاحالات السميولوجية لعمل الممثل على الاشارات والرموز والرؤى البصرية. ان يتحول جسد الممثل الى ذاكرة تعبيرية والى خزين مثيولوجي. أن يعتمد الفنان في التعبير عن بصيرته المبدعة على همس الروح، وهذيان الجسد الابداعي المؤثر في البصر والبصيرة، من اجل الوصول إلى "اللحن الجسدي".
هنا تكمن ضرورة اعادة معمارية السرد الرؤيوي والفكري للطقس المسرحي في المدينة العربية المستقبلية بحيث تكون هنالك إمكانية لإستعادة مجد المسرح حتى يصبح له ارتباط عضوي بحياة الجمهور كما كان عليه المسرح اليوناني القديم، اذ لاتطور او حضارة بدون فن، ودائما يقاس تطور أي شعب من خلال تطور فنونه، اضافة الى ان احدى أهم القيم التي تنقذ الانسان المعاصر في مجتمعاتنا المضطربة هي خلق القيمة الجمالية في الحياة وما عدا هذا فهو ثرثرات عجائز.


ويحط الغراب
 

تيد هيوز
ترجمة: عمران السعيدي

رأى الغراب اسراب الجبال ... تتبخر عند الصباح وشاهد البحر...
محفوفاً بالظلام والارض كلها في جلبته
شاهد النجوم تتبخر بعيداً في العتمة
كانها حبات فطر من غابة اللاشيء
تنفض بذورها كالغيوم
وارتعش برعب الخلق...!
وفي هذيان هذا الرعب
رأى الحدوة بلا نعل وقد بللها المطر
ممدودة فوق المستنقع
وكانت هناك علبة النفاية مليئة بالصدأ
فكان لعب الريح وسط بركة موحلة
وكان هناك هذا المعطف في الخزانة المعتمة
داخل الغرفة الصامتة... داخل البيت الصامت
وكان هناك هذا الوجه يدخن سيكارته
بين الشباك المعتم وجذوات النار
وقريبا من الوجه هذه الذراع بلا حركة
وقريبا من الذراع هذا الكاس
يرمش الغراب ... رمش .. لا شيء تلاشى
وحدق نحو الدليل ...
لم يفقد شيئاً (ولا يمكن للشيء ان يفعل ذلك).


الرسم العراقي ووهم الطابع المحلي
 

خالد خضير
لعبت هيمنة الخطاب التنويري لعصر النهضة العربية دوراً معيقاً للتطور الطبيعي للفن التشكيلي العراقي ، وفن الرسم تحديداً ، فقد افلت ذلك الخطاب ذو الطابع التوفيقي، من محدداته ليستوطن خطابات محايثة لاحقة عليه ، كالخطاب الإيديولوجي القومي العربي الذي نشط بدوره في الخمسينيات، واستولى، بمساعدة العسكرتاريا الوطنية ، على السلطة السياسية في بلدان عربية عديدة ، ومارس هيمنة على كامل الحياة العربية وعلى واقع وتطور كل انماط الإبداع العربية ، ومنها الرسم تحديداً ، باعتبارها "قرينة إيديولوجية قومجية" كما يصفها الكاتب شاكر لعيبي ، وأدت إلى هيمنة (الفكرة) النثرية المسبقة للوحة ، والإهمال المدمر لفهم اللوحة باعتبارها واقعة شيئية (= متيريالية) ، فأدى ذلك إلى "تشويه البحث الثقافي وقبله الفكر الاجتماعي والسياسي العربي".
لقد شغل تفكيري كثيراً أمران هما : اولاً ان لخطاب النهضة التنويري حسنات عرضية تماثل مثلا ما أنتجته محاولة الرسام الفرنسي جان دوبوفيه الهادفة إلى الخلاص من هيمنة مدارس الرسم (المتحضرة) على ذائقة صناع ومتلقي الفن ، ودعوته إلى الاتجاه ، بدلاً من ذلك ، نحو الرسم الخام الذي لم تنتجه أو تلوثه الثقافة ، ولم يختلط بمؤثرات الحضارة ، ولكن كانت نتيجة ذلك التوجه نشوء مدرسه (الفن الخام) التي لم يكن هنالك مفر من تصنيفها في النهاية ، ضمن مدارس حداثة الرسم ، أي ضمن المدارس الفنية التي هي ناتج اشتغال حضاري كان لا يرتضيه دوبوفيه ، بينما ادت هيمنة خطاب عصر النهضة على الرسم ، ضمن الحسنات التي تسجل لها ، في تحريك الواقع العربي الراكد خلال فترة "انبعاث يقظه الفنان العراقي الحديث التي استغرقت بحدود ثلاثين عاماً ، كمرحلة تمهيدية من 1921ـ 1951 م " (2) وشملت انماطاً إبداعية أخرى أيضا ، فأدت إلى نشوء حركة الشعر الحر ، وتأسيس جماعة بغداد للفن الحديث في نهايتها (1951)، "وكان موقف الفنان عموماً في الفترة الأولى منها متجهاً لمحاولة هضم المؤثرات الثقافية الأوربية في العمل الفني ، إما في الفترة الثانية(بعد 1951) فاتسم موقفه بالبحث عن هويته الشخصية والقومية في العمل الفني" (3) ، كما أنتجت نمطاً من الرسم يحمل الطابع التوفيقي ذاته (بل التلفيقي احياناً ) هيكلا لبنائه الفكري ، فأنتج رسماً (إسلاميا عراقياً معصرناً) هو في حقيقته نمط تعبيري يحافظ ، في أهم مواصفاته التي تجعله مقبولاً من وجهة نظر ذلك الخطاب على شكل المشخصات في الواقع المرئي ، ويحاول لتواصل مع ما أبدعه الرسامون المسلمون ، ولكن بوسائل رسم وأساليب صياغة حديثة (أوربية) يسميها شاكر حسن آل سعيد أساليب (اللوحة المسندية ) وذلك عبر "استعارة حوامل
support محلية لا غير ، للتعبير عن تجربة غير محلية" (4) ، وبذلك تكون تأثيرات خطاب عصر النهضة قد خلقت التجربة الأولى في تاريخ الرسم العربي الحديث ، وهو أمر لا نشك فيه ، ولكن الطبيعة الإيديولوجية لذلك الخطاب أدت إلى تكريس هدف (المحافظة) على القيم المطروحة فيه ، واستنفار آلياته بوجه أية محاولة لا تتفق والبناء العقائدي الذي تم بناؤه ، فادى ذلك الهدف أحيانا إلى ظهور مهيمنات (مقدسة) تالية كرست نماذج محددة باعتبارها (المتون الأولى) التي تمتثل و(التعبير عن الروح المحلية بوسائل تعبير حديثة) ، أي أنها حققت الهدف النهائي للخطاب التنويري لعصر النهضة العربية وهو الموازنة بين (التراث والمعاصرة) وهو (المطلوب) من كل نمط من أنماط الثقافة (ليتمكن) من (المساهمة) في (نهضة الثقافة العربية) .
لقد كان الأمر الآخر المهم الجدير بالملاحظة هو ماهية جوهر (الطابع التلفيقي) للخطاب التنويري لعصر النهضة في الرسم العراقي وذلك باعتباره العامل الآخر الأهم الذي أعاق أية محاولة جادة لتخطي (تجارب) الرعيل الأول نحو أفق الحداثة الذي وصله الفن العالمي وقت ابتداء الرسم العراقي الحديث.
لقد كان الطابع التلفيقي للخطاب التنويري لعصر النهضة العربية (وتحققاته في ميادين ثقافية متعددة) ، وكما يؤكد نصر حامد أبو زيد ، قائماً على مستويين هما : اولاً "البحث عن حلول وسطى لكل المتناقضات" بشكل يجعل معيار نجاحه الوصول إلى حالة (وسطى ) تجمع بنجاح (التراث) و(المعاصرة) في توليفة واحدة ، وثانياً ، "البحث عن (مبدأ واحد) يعد بمثابة (العلة الأولى) أو (علة العلل) لتفسير أية تعددية فكرية كانت أم اجتماعية أم سياسية من جهة أخرى" ، وبذلك يتم "رد الفروع إلى أصولها والبحث عن مبدأ واحد يفسرها" ، وهو التعبير عن (الطابع المحلي) الذي عد الشرط الأول والأخير لتحقق صفة الرسم ، بينما هو في حقيقته شرط خارجي لا يمت بصلة لجوهر الرسم الذي لا يخرج عن كونه (واقعة شيئية). ان هذين الأمرين هما اللذان أجهزا على هذا الخطاب في الفن التشكيلي ، وهما أيضا اللذان كانا أولى مهام الحداثة في الرسم العربي الخلاص من سطوتها لفتح مغاليق أبواب الحداثة ، وهو ما حدث عندنا في العراق ، حيث كانت أولى مهام التاسيسات الحداثة ، نسف المرجعيات الخارجية وتأسيس خطاب تلك التاسيسات من جوهر الأسئلة المكتوبة والمحرمة التي تناقش الأسس (المفروغ منها) والمرتكزات والثوابت الفكرية ، وبذلك فقد انتقل السيتينيون من المرجعيات الإيديولوجية السائدة والمستمدة من مرجعيات خارجية غير بصرية ، إلى المرجعيات البصرية التي تنطلق من اللوحة (= الخامة وعناصر الرسم المختلفة ) وطاقتها التعبيرية ، فبدأ الستينيون اولاً بحسم أمرهم ومغادرة المواقف الوسطية: التراث ـ المعاصرة) باعتبارها ثنائية لا تمت لأسئلة (الواقع البصري) الذي هو جوهر فن الرسم ، كون الرسم ، بمنظوره الحداثي ليس إلا (مشكلة بلاستيكية) تخص شيئية (متيريالية) اللوحة ، وهو الفهم الذي أنتجه التحول الهائل الناشئ من اكتشاف "اللون المسطح
Lacouleuraplat الذي كان الاكتشاف الأكبر للنصف الأول من القرن العشرين ... والاختراع الكبير لفناني مدرسة باريس" كما يقول بيرفانكا ستيل، فاستوطن اهتمام رسامي الستينيات ، عكس رسامي الخمسينيات ، سطح اللوحة وخاماتها وقيمتها البصرية ، بينما كان اهتمام جيل الخمسينيات ينصب على البحث في كيفية اكتشاف أفضل التحقيقات التي تنسجم والطروحات القبلية لخطاب عصر النهضة ، الذي هو خطاب غير بصري وذو طابع إيديولوجي .
ان التحول الحاسم في تاريخ الرسم العراقي حدث حينما اهتم الستينيون بتكريس اعتبارهم اللوحة تجربة منفردة لا يمكن ردها إلى أي من المرجعيات والعلل الأولى ، وبذلك فإنها بقدر ما تمثل إضافة واستمراراًً لمنجز عصرها ، فأنها تمثل قطيعة مضافة لذلك المنجز ، وبذلك يكون للمنجز التشكيلي العراقي المتحقق ، كأي منجز آخر، سيل من الانقطاعات بعد ان كان تراكماً من الإضافات التي تحاول ان (تنضبط) تحت معيار قبلي يتطابق وخطاب عصر النهضة العربية ، وهو الأمر الذي كبح الكثير من التجارب الشخصية للفنانين وتركها تتخبط من دائرة مغلقة ، فهي إما ان تستعيد من ذاتها مكررة ذات الموتيفات سنوات طوال كتجارب بعض الرسامين الذين كانوا يستنسخون تجاربهم لوحة عن أخرى كتجربة سعدي الكعبي ، أو تجارب تستنسخ عن تجارب أخرى (معيارية) تعبر عن الروح المحلية فقد كانت تجربة سعدي داود مثلاً تستعيد موتيفات جواد سليم بعد عقود من رحيله ، وقد تكون تجارب غارقة في وهم المرجعيات الوهمية كتجربة سعد علي الذي يصفه الناقد شاكر لعيبي بأنه "استعار حاملاً
support رئيسياً هو الباب ، وعبره سيخترع خرافة (باب الفرج) مسقطاً المفهومة الشعبية التي تستعير الباب كمخرج من الأزمات ويجعلها معادلاً تشكيليا لأفكاره ، ما هي أفكاره ؟ لا نعرف" (5) ، ونصل مع ذلك الناقد الى الاستنتاج الاهم الذي توصلنا اليه وهو ان العودة إلى الشعبي والفولكلوري كان نوعاً من الحيلة من اجل إسباغ الصفة المحلية على الرسم العربي....
الهوامش :
1) شاكر لعيبي ،(خرافة الخصوصية في التشكيل العربي المعاصر ، الشارقة ، ط ، 2003 ، ص 8
2) شاكر حسن آل سعيد ، فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق ، ج1 ، ط 1 ، بغداد ، 1983 ؟ ، ص8.
3) السابق ، ص10 .
4) لعيبي ، شاكر ، السابق ص16 .
5) لعيبي ، شاكر ، السابق ص24.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة