كتب

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

هذا الكتاب: الديمقراطية.. تطويرها وسبل تعزيزها
 

تاليف: لاري دايموند
ترجمة/ فوزية ناجي الدفاعي
عرض/ عادل العامل

تشكل الديمقراطية الليبرالية دعماً جيداً لحقوق الإنسان التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، وحظي باعتراف ودعم 111 دولة حضرت المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا عام 1993 . وبرغم ذلك، فليس هناك ما يحتم سير الديمقراطية القائمة على الانتخابات جنباً إلى جنب مع الحرية.
فنجد، من الناحية التاريخية، إن الحرية - التي تؤمنها حكومة دستورية وحكم القانون - قد سبقت الديمقراطية سواء في إنكلترا أم في غيرها من الدول الأوروبية.
وهكذا يمضي لاري دايموند في استعراضه لأوجه العلاقة بين الديمقراطية والحرية في كتابه (الديمقراطية - تطويرها وسبل تعزيزها) الصادر مؤخراً عن دار المأمون التابعة لوزارة الثقافة العراقية، الذي ترجمته بأسلوب سلس وسليم السيدة فوزية ناجي الدفاعي، التي سبق أن ترجمت العديد من الكتب، مثل (الإسلام والنضال من أجل الديمقراطية)، و(الباراسايكولوجيا) وغيرهما.
وقد وضع المؤلف كتابه هذا في ستة فصول، هي: الفصل الأول - تعريف الديمقراطية وسبل تطويرها، الذي يبين فيه أن الحرية قد سبقت الديمقراطية في تجارب الحكم الغربية، غير أن ذلك لم يعد صالحاً أو ممكناً في عالم اليوم والمستقبل "لسبب واضح، وهو أن الليبرالية تؤكد على حق الشعوب في تقرير نمط حكوماتها. وفي عصر يسود فيه الوعي السياسي وتغزوه نظم الاتصالات، يتوقع الناس أن تكون مشاركتهم السياسية أكبر بكثير مما كانت عليه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وتقييد الحرية هو الطريق الوحيد نحو إضعاف مثل هذه المشاركة السياسية الحقيقية. وعليه، فإن الصلة بين الديمقراطية والحرية عميقة جداً. وغالباً ما نرى أن الدول التي تجرى فيها انتخابات حرة هي أكثر تحرراً من تلك التي لا تجرى فيها انتخابات.. ولذلك فإن نسبة احترام حقوق الإنسان في الأولى أوسع من الأخرى".
ثم يتحدث المؤلف عن الموجات المعاكسة التي هددت وتهدد الحرية السياسية وحقوق الإنسان، والسلام العالمي، كالموجة التي ساعدت على توسيع رقعة الأنظمة الفاشستية فقادت إلى الحرب العالمية الثانية، والموجة التي صعدت من الحرب الباردة وفاقمت من الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية.
وبعد أن يشرح لنا المؤلف مفهوم الديمقراطية من خلال أنواعها ومنظورها التطوري وما يؤدي إليه تحسن الديمقراطية من انعكاسات إيجابية على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، ينتقل بنا إلى الفصل الثاني (هل تشهد الموجة الثالثة للديمقراطية نهايتها؟!). فقد لاحظ أن الديمقراطية في عصرنا الحديث تحقق تقدماً مطرداً. "فمنذ بدء الموجة الثالثة والديمقراطية تشهد توسعاً كبيراً خاصة مع سقوط الدكتاتورية في البرتغال في نيسان 1974. ففي أواسط ذلك العام كان هناك 39 نظاماً ديمقراطياً في العالم، تتعدى نفوس 28 من هذه الدول المستقلة المليون نسمة.. أما ال11 دولة الأخرى فقد كان عدد سكانها يقل عن المليون. وارتفع عدد الديمقراطيات الانتخابية في العالم منذ بداية 1998 إلى 117، أي أنه ارتفع على نحو يزيد كثيراً على الضعف أي بنسبة 60 بالمئة ويشكل هذا الأمر قفزة لا مثيل لها في تاريخ العالم".
غير ان الارتفاع الذي شهدته الديمقراطية الانتخابية كان ضئيلاً على صعيد الديمقراطية الليبرالية، أي المرتبطة بالحريات العامة وحكم القانون وحقوق الإنسان، كما لاحظ المؤلف.
بل وحصلت هناك إخفاقات خطرة، حتى "إن 22 دولة عانت من نكسات ديمقراطية، خاصة ما بين الأعوام 1974 لغاية 1991، وما زال التدهور قائماً حتى اليوم". ويبدو أن الموجة الثالثة للديمقراطية تفقد زخمها الهائل من التوسع الذي حققته عبر العقدين الماضيين، كما يقول دايموند. وليس هناك شك في أن الديمقراطيات الانتخابية غير الليبرالية ستشهد خلال السنوات القليلة المقبلة، كما يقول، انحساراً كبيراً، ولو درسنا عن كثب خصائص ديمقراطيات الموجة الثالثة، لوجدنا أنها تعاني من مشاكل حادة قد تؤدي إلى تداعي المحتوى الديمقراطي لها إن لم تقض على الديمقراطية برمتها.. هذا إن لم تتم معالجتها وتصحيحها، بمعنى البحث عن السبل الكفيلة بتعزيز هذه الديمقراطيات. وهذا ما يركز عليه الفصل الثالث من الكتاب، (تعزيز الديمقراطية).
أما الفصل الرابع فيتناول الفيدرالية والديمقراطية، وهو من الأمور الهامة فيما يتعلق بتجربة العراق الجديد. ذلك أن السياسات المركزية تضعف مشاركة المواطنين في الحكم المحلي، وبالتالي لا تكون هناك ممارسة ديمقراطية بالمعنى المطلوب. ومن هنا تأتي أهمية النظام الفيدرالي بالنسبة لإشاعة الديمقراطية في حياة الناس على صعيد المجتمع وسلطة اتخاذ القرار وتنفيذه. ذلك أن الديمقراطية لوحدها لا تستطيع "أن تضمن تمثيل الجماعات القومية في الدول متعددة القوميات.
فحكم الأغلبية قد يغلق الباب وبشكل دائم أمام الأقليات لاحتلال مواقع ضمن السلطة المركزية وتحت ظل مثل هذه الظروف من الوعي العرقي المنظم، فإن الجماعات العرقية من الأقليات ستبقى مبعدة وغير آمنة وضعيفة ولا شك في أن عدم اعتراف النظام السياسي باهميتها وشرعيتها سيجعل من تلك الجماعات عرضة للبحث عن البديل الوحيد، ألا وهو الانفصال، ولا شيء غير الفيدرالية يمكن أن يعوق مثل هذا الانفصال.."
أما الفصل الخامس من هذا الكتاب، فهو بعنوان (المجتمع المدني)، فلهذا المجتمع أهميته الكبيرة في الحفاظ على الديمقراطية وتعزيزها.
و"تترسخ أهمية الجماهير في عملية البناء الديمقراطي عبر مظهرين: أولهما دورها الحيوي في تعزيز الانتقال نحو الديمقراطية، وثانيهما، تطلعاتها المستمرة لتعميق وإضفاء المزيد من البنية الهيكلية للديمقراطية.." وتتطلب الديمقراطية الليبرالية، بوجه خاص، كما يقول المؤلف، جماهير منظمة ومستوعبة للمفهوم الديمقراطي في حد ذاته، ومهيأة لتقبل القيم والأحكام المقترنة به.. وأنها لا تقف عند حدود ضيقة من المصالح والتطلعات، بل تمتد لتعم كل مفردات المواطنة، أي الانتماء للوطن، ومثل هذه الجماهير الواعية المتميزة بالحس الوطني وحدها القادرة على مدة "المجتمع المدني" بالحياة.
وأخيراً، يتساءل المؤلف في الفصل السادس: (هل هناك موجة رابعة للديمقراطية؟).
ربما تعطي الموجة الثالثة للديمقراطية، وهي تعاني حالة من التدهور، يقول المؤلف، مظهراً قاتماً للتطلعات نحو الموجة الرابعة من البناء الديمقراطي. فمعظم الدول التي تتوفر فيها الشروط الملائمة للديمقراطية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لا يبدو واعداً بالاحتفاظ بديمقراطيته في مرحلتها الانتقالية في غضون عقد أو عقدين قادمين. وعليه ينبغي العمل على منع حصول موجة جديدة معاكسة للديمقراطية، بل وتعزيز الديمقراطية الليبرالية، أي باحترام الحريات العامة وحكم القانون وحقوق الإنسان. وهذا ما يبينه الفصل السادس على ضوء التجارب الديمقراطية الحاصلة في عدد من البلدان والنظام الراهن.
ويجدر، أخيراً، بجميع المهتمين بقضية الديمقراطية حقاً والمشاركين في العملية السياسية، وغير المشاركين أيضاً، الإطلاع على هذا الكتاب القيم، كي يزدادوا فهماً للديمقراطية، الجديدة على الشخصية العراقية، ومعرفة الإيجابيات الخيرة التي سيجلبها التطبيق الواعي السليم، على جميع مكونات الشعب العراقي وأجياله القادمة.


ماوتسي تونغ و ثورته الثقافية
 

نقد لكتاب: ثورة ماو الأخيرة
المؤلفان: رودريك ماكفاركار وميخائيل شينهالز

ترجمة: فاروق السعد

عن الايكونومست
"لو إن ماو قد مات في عام 1956، فان إنجازاته ستبقى خالدة على مر العصور. و لو انه مات في 1966، فسيبقى رجلا عظيما و لكن بعيوب. و لكنه توفي في 1976. وا حسرتاه، ماذا يمكن للمرء أن يقول؟" هكذا حاول جين يون، من قادة الحزب الشيوعي الكبار لمدة عقود من الزمان، أن يلخص الإرث التاريخي المعقد لماو تسي تونغ. كان ماو بالطبع مسؤولا عن الكثير من الأمور قبل عام 1966. و لكن بالتركيز على ذلك العقد الاخير المضطرب من حياة القائد، والإشارة إلى مدى مذهل من المصادر، فان ماكفاركار و شينهالز ذهبا بعيدا في دراستهما الجديدة المؤثرة باتجاه إثبات صحة وجهة نظر السيد جين. فالسنوات الأخيرة كانت صعبة بالنسبة إلى ماو و ارثه- في الخارج، على أية حال. وفي داخل البلاد، استمر المؤرخون الرسميون يعاملونه بما يكفي من الجدارة، باعترافهم بأنه قد ارتكب أخطاء خطيرة في حين يؤكدون بان الأفعال الجيدة تفوق بكثير السيئة منها. بالطبع لا يوجد أمامهم من خيار- فما زالت الحكومة الصينية و الحزب الشيوعي يخضعان لقيادة ورثة ماو الذين يستمدون شرعيتهم السياسية منه. ورغم ان قادة البلاد قد قاموا بإلغاء جميع إجراءاته السياسية تقريبا، الا انهم لا يجرؤون بعد على التحدث علنا عن الجانب المظلم منه. فبعد ثلاثين عاماً من رحيله، ما زال جسد ماو - الذي يبدو اكثر تشمعا بمرور الوقت- يحتل مكانا بهيا في ضريح وسط بكين، في حين تزين صوره كل من البوابة المجاورة في "السلام المقدس" و كل ورقة نقدية جديدة في البلاد. ان الضرر الذي أصاب سمعة ماو قد جاء بدلا من ذلك من كتاب ينشرون في الخارج. يشير " الحياة الخاصة للزعيم ماو"، وهو كتاب صدر في 1994، من قبل طبيبه الخاص، لي تسيسوي، إلى تفاصيل غير لطيفة لاتعد عن كل شيء من عاداته الصحية الشخصية غير السليمة وإلى مقارباته السياسية المتقلبة و الانتقامية. وفي السيرة الذاتية المؤثرة التي نشرت العام الماضي، ركز يونغ جانغ و يون هاليدي جهودا لا تلين على موضوعهما، مصورين كل شيء قام به في اسوأ صورة ممكنة، و الرجل ذاته على انه وحش حقيقي. ان ذلك الكتاب " ماو: القصة غير المعروفة" قد اصبح من حينها عرضة لبعض النقد المهلك على نفس الشاكلة من الباحثين الذين- رغم قبولهم مسالة وجود شيء من الوحشية في ماو - طرحوا أسئلة حول موضوعية الكاتبين. ومع ذلك، كان لذلك الكتاب تأثير محدود على وجهة نظر الغرب عن ماو. ان " ثورة ماو الأخيرة" ليس فيه شيء ما يمتع عند القراءة. في الحقيقة، أن التفاصيل المجهدة هي من بين اكبر نقاط القوة التي يتصف بها و التي قد تجعل منه شيئاً لا يطاق بالنسبة إلى القراء الذين لا يستهلكهم الولع بالصين. لكن باتباع طريقتهما البحثية الموثوقة، الانتقاء الحريص و استخدام المصادر و مقاربتهما المنصفة، فان السيدين ماكفاركار و شينهالز قد اخرجا عملا سيعد افضل بكثير. فهنالك، على سبيل المثال، عملية كشف النقاب المفيدة عن القوى السياسية المحركة الداخلية و الدولية التي أوحت إلى ماو كي يقوم بثورته الثقافية: لقد شعر ماو بان سيطرته مهددة من قبل منافسين في الداخل، و إن مستقبل الثورة الشيوعية مهدد في الاتحاد السوفيتي من قبل تحريفية خروشيف و، ربما الأكثر دقة، شجبه لستالين. إن " الثورة الثقافية" كما يكتب المؤلفان " كانت دوما تدور حول دعم الخلف الثوريين." لو إن هنالك تفسيرات مقدمة فلن يحجم عن الصراحة في إعادة سرد التهور و القسوة التي رد بها ماو على تلك المخاطر الملحوظة. إن جوهر الكتاب هو تاريخ مفصل عن كيفية قيام ماو بتحريف الأيديولوجيا و التعامل مع أولئك الذين يحيطون به، وشنه هجمات هستيرية و إجرامية على كل شيء من الأخلاق الكونفيشوسية و الثقافة البرجوازية وعلى المثقفين، "أصحاب النهج الرأسمالي" و "الأعداء الطبقيين". وباستخدام مصادر تشمل وثائق الحزب الرسمية و الوثائق الحكومية و الرسائل، المذكرات و المقابلات مع الناجين من المشاركين و الضحايا، وثق الكاتبان الأوامر التي صدرت، الفوضى التي تلت و الرعب الذي أصاب قلوب الناس في جميع أنحاء البلاد. كما إنها مادة تثير القشعريرة. ففي آب وأيلول من عام 1966، على سبيل المثال، عندما كان يقتل الآلاف في بكين، وشانفهاي و في أماكن أخرى، دعا ماو في كلمة له الشرطة أن لا تتدخل. و استنادا إلى تعليمات ماو لقوة شرطة بكين، أكد لهم وزير الأمن الداخلي بأنه" بعد كل ذلك، إن الأشخاص السيئين هم سيئون، لذلك ان ضربوا لحد الموت، فما المشكلة؟". اذا تصرف ماو بشكل سيئ، فان هنال ايضا الكثير في هذا الكتاب مما يدين المجتمع الصيني و الثقافة السياسية أيضا، لسماحها للماوية غير السليمة مطلقة العنان لتتجذر و ان تحكم بشكل همجي، لعقد كامل مدمر من الزمان. وكما يشير السيدان ماكفاركار و شينهالز، كان الحرس الأحمر في حالة استنفار في المصانع الصينية، والمدن، والمدارس و الدوائر الحكومية لمهاجمة اهداف متغيرة باستمرار من اختيار ماو و بحماس صلب منقطع النظير.


بنت الصحراء .. حياة جيترود بيل المثيرة في كتاب
 

بقلم: جورجينا هاول
ترجمة: المدى

عن الايكونومست
إن هذه السيرة الرائعة لجيترود بيل، تذهب بعيدا لحد جعلها بطلة حقيقية، جيترود العرب لتكون نظيرة إلى لورنس العرب. و في الواقع، هنالك لحظات عندما تبدو فيها جورجينا هاول مولعة صغيرة: وبنات أفكارها، وتألقها اللغوي، وعبقريتها الإدارية، ناهيك عن عينيها الخضراوين و شعرها الأحمر. وعليه من يستطع ان لا يعبر عن إعجابه؟ فمن جميع الأوجه كانت جيترود بيل تشكل ظاهرة. إضافة إلى إنها كانت ترتدي حللا جميلة. وهنالك شيء ما يذكر في ان تكوني امرأة في عالم الرجال إن كنت تمتلكين الفطنة و الشجاعة لتحقيق الهدف. ان فتاة يوركشاير، جيترول بيل كانت تمتلك الاثنتين. ففي اوكسفورد، كانت أول امرأة تنال الأولوية في التاريخ الحديث. و وقعت بحب الصحراء و أطلالها المعمارية، و بين 1900 و 1910 قطعت ما يقارب 20000 ميل (أكثر من 30000 كم)، من اسطنبول إلى الصحراء السورية، ومن دمشق إلى الفرات. فتاة غير محجبة، تقود قافلتها، تحدثت إلى شيوخ عشائر محاربين و كتبت كل ذلك في مذكراتها: النزاعات و التحالفات، والطرق و مصادر المياه، الزهور والآثار. قد تكون لحد الآن مجرد مغامرة رومانسية خصوصا، خلال الرحلات، كانت هنالك علاقتا غرام محزنتين. و لكن الحرب العالمية الأولى قد غيرت كل ذلك. فقد دخلت تركيا إلى جانب ألمانيا. و كانت جميع صداقاتها الآن معلومات طازجة. وفي عام 1915 جاء الأمر: على الرائدة الآنسة بيل أن تلتحق برجال المخابرات في القاهرة، " أول ضابطة في تاريخ الاستخبارات العسكرية". " اعتقد بأنه قلما كان هنالك مثل هذه السلسة اليائسة من الحماقات التي ارتكبها الغرب بحق الشرق منذ وقف إطلاق النار." هكذا كتبت عن مؤتمر السلام في باريس عام 1919. إن قصة وعود البريطانيين حول حق تقرير المصير للعرب مقابل تعاونهم ضد الأتراك هي معروفة جيدا مثلما هو الحال مع خيانتهم لاتفاق سايكس بيكو، التي وضعتهم تحت "الانتداب" الذي تقاسمته القوى الغربية. إن الفهم العميق لجيترود بيل للعلاقات بين الغرب و الشرق يرن صداه بقوة إلى درجة إن السيدة هاول تستحق الثناء لعدم التأكيد على هذه النقطة. وسواء أحببت ذلك أم كرهته، وقع العراق من حصة بريطانيا، وان جيترود بيل، التي كانت تعمل بالفعل في البصرة وبغداد كسكرتيرة شرقية منذ 1916، كانت تحب الأمر بما يكفي لان تشعر بحماس بان ذلك كان يمثل فرصة قيمة. كانت لندن تفكر في نفط العراق، و لكن المسالة بالنسبة لها كانت العلاقات العامة المعهودة: " لا يوجد مكان ما في هذا العالم المنهك بسبب الحرب" كما كتبت، " يمكننا أن نبدأ بشكل سريع لإصلاح الخسائر الهائلة التي تكبدتها البشرية." وبمهارة ووضوح يتناسب وبطولتها، تستدعي السيدة هاول التنوع الديني، والمصالح والتقاليد التي كانت جيترود بيل تتفهمها تماما. وان ما يظهر للعيان هو امرأة، رغم إنها رسميا جزء من عالم الذكور، لم تكن تتطابق معها. كانت عملية بناء المؤسسة عبارة عن علاقات شخصية. لقد تحدثت مع الجميع: مزارعين، تجار، رجال دين، أمراء" على المرء التمسك بالناس" كما كتبت. " انه لشيء حميم... وهو ما سيخلق العالم الجديد. وعندما توفيت، في بغداد عام 1926، ذكر بان المدينة برمتها، مع القادة الإسلاميين و شيوخ العشائر، قد خرجت وراء جنازتها.


إطاحة Over throw سجل تاريخي للتدخلات الأمريكية في العالم

اناتول ليفين

عن
International Herald Tribune
أخبرني عضو رفيع المستوى في جماعة للبحوث بواشنطن ذات يوم أنه "لم يستطع أن يصدق" أن الولايات المتحدة ستساعد القوات المسلحة الباكستانية في الإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطياً في باكستان على الإطلاق إذا ما رفضت تلك الحكومة تقديم العون في الحرب على الإرهاب. والآن، فإن هناك رجلاً يحتاج في الواقع أن يقرأ آخر كتاب للمراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز، ستيفن كنزر. وهذا الكتاب، "إطاحة (
Over throw)، هو تاريخ تغييرات الحكم القسرية التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها المحليون على مدى ال110 سنوات الماضية، بدءاً بتقويض النظام الملكي في هاواي عام 1893، ومروراً بكوبا 1898، والفليبين 1898، وإيران 1953، وغواتيمالا 1954 وأماكن أخرى، وانتهاءً بعراق الوقت الحاضر. لقد ألف كنزر، بعمله هذا، كتاباً مقنعاً، ومؤثراً، ومفصلاً، من فصول عديدة تتسم بالبراعة والفهم والإثارة. وينبغي أن يشكل قراءة جوهرية لكل من يرغب في فهم كل من السجل التاريخي الأمريكي في الشوق الدولية، والسبب في إثارة ذلك السجل للغضب والارتياب في الكثير من العالم. والأكثر أهمية، خارج أوروبا الشرقية، أن البيانات الرسمية الأمريكية بشأن نشر الديمقراطية والحرية، كما تكرر ذلك إدارة بوش، تقابل بالتشكك الواسع الانتشار.
والمحبط جداً فيما يتعلق بكتاب كنزر هذا، على كل حال، هو التصادم الذي يضعه بين الأخلاقية الأمريكية المزعومة والسلوك الأمريكي الفعلي. ذلك، وبالرغم من كل شيء، أن السجل التاريخي لقوى أمبراطورية أخرى، مثل بريطانيا وفرنسا، قد كان حتى أسوأ من ذلك الذي للولايات المتحدة. فالعمل في عالم الواقع كقوة عظمى ليس شغلة بالنسبة لشديدي الحساسية أكثر مما ينبغي. ولكن إذا كنت ستستخدم الحجة القائلة بأن عمل أومليت (أي عجة بيض) جيوبوليتيكي يتطلب أن تكسر بيضاً، فالأفضل أن يكون لديك شيء صالح للأكل لتري الجميع القشور المتناثرة هنا وهناك. وكما يبين كنزر، فإن المشكلة هي أن التدخلات الكثيرة جداً التي يعدها لم تكن فقط قاسية كلياً. فقد كانت غير ضرورية تماماً. وينبغي أن يكون قد أصبح واضحاً ان الإضرار بالبلدان المعنية كان على الأرجح غير متناسب مع المكاسب الممكنة للولايات المتحدة. لكن خلال الحرب الباردة كانت هناك زمر رسمية أيديولوجية جاهلة في واشنطن وراحت تقنع نفسها بصورة متكررة ب"إنك معنا أو ضدنا"، وأن تلك الحكومات القومية هنا وهناك، المعادية بدرجة أو بأخرى لأمريكا، جزء من المؤامرة العالمية السوفيتية ويجب تدميرها.
وفي الكثير من الحالات، كانت الانقلابات ناجحة، أما النتائج الطويلة المدى المترتبة عليها فقد برهنت على أنها كارثية - ليس فقط بالنسبة لسمعة أمريكا في الخارج بل وبالنسبة للمصالح الأمريكية أيضاً. وكان ذلك حقيقياً بوجه خاص، على سبيل المثال، عن إسقاط وكالة المخابرات الأمريكية (
CIA) رئيس وزراء إيران الوطني الديمقراطي، محمد مصدق - الذي اتهم زوراً بكونه مناصراً للشيوعية - وإعادة الحكم الأوتوقراطي للشاه.
وقد تم تنفيذ تلك العملية، التي أدارها كيميت روزفلت، بطريقة ذكية، فانجزت إسقاط مصدق حتى بعد أن كان الشاه نفسه قد فقد أعصابه وفر إلى إيطاليا. ولكن كنتيجة لذلك، فإن دور معارضة الشاه أدعاه الأصوليون الدينيون لأنفسهم، وانتهى بثورة 1979 الكارثية، وهكذا، فإن الخوف الشعبي الإيراني العميق من الولايات المتحدة الذي غذاه انقلاب 1953 يستمر في ملازمته للعلاقات الأمريكية - الإيرانية إلى يومنا هذا.
أما في حالة كوبا، فإن القرار في عام 1898 بخيانة المتمردين الكوبيين ضد أسبانيا وفرض الهيمنة الأمريكية على الجزيرة قد أجج وطنية معادية لأمريكا تستمر إلى اليوم في الإبقاء على الحكومة الشيوعية. كما أن التأييد الجماهيري لحكومات مثل حكومتي كاسترو وهوغو شافيز الفنزويلي تغذيه تدخلات أمريكية أخرى في المنطقة.
وكان أبشع هذه التدخلات إطاحة حكومة جاكوبو أربنز غوزمان الاشتراكية الديمقراطية في غواتيمالا عام 1954 وإحلال دكتاتورية عسكرية تمثل مصالح الأوليغاركية المحلية (أي حكم القلة)، وشركة الفواكه المتحدة. وكانت النتيجة عصياناً مسلحاً شيوعياً بشكل حقيقي وحملة عسكرية وحشية أمريكية الدعم من القمع الذي أدى إلى مقتل أكثر من 100.000 من هنود ألمايا - وهو أمر كان في ظروف أخرى سيوصف في الولايات المتحدة بأنه إبادة جماعية، بالتأكيد.
ولابد لي من الاعتراف بأني وضعت هذا الكتاب الرائع جانباً وانا مثبط الهمة إلى حد عميق. إذ ما الغاية، بعد كل شيء، من مثل هذه الدراسات الموثقة بالتقارير بصورة شديدة التدقيق إذا كان الرأي العام الأمريكي سيظل يمسح تكراراً مثل هذه الأحداث المتسلسلة من وعيه الجمعي، وستظل المؤسسة الأمريكية ترتكب أخطاءً مماثلة مرة بعد أخرى، مغطية أفعالها في كل مرة بنفس الخطاب عن نشر "الحرية" ومقاتلة "الشر"؟ وكما يكتب كنزر قائلاً عن أزمة الرهائن الإيرانية، "ولأن أغلب الأمريكيين لم يعلموا بما كانت الولايات المتحدة قد فعلته لإيران عام 1953، فإن قليلين فقط كانت لديهم فكرة ما عن السبب في كون الإيرانيين على تلك الدرجة من الغضب على البلد الذي دعوه ب"الشيطان الأكبر". وما زالوا لا يعلمون.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة