قراءة في
آليات البنك المركزي العراقي للتعامل مع ظاهرة غسيل
الأموال
محمد
شريف ابو ميسم
يولي
البنك المركزي العراقي على ما يبدو، بعضاً من الاهمية
لظاهرة غسيل الاموال وكيفية التعاطي معها في ضوء التحول
الجاري لاقتصاد العراق باتجاه اقتصاد السوق.. فإضافة إلى
الندوات والدورات التي يقيمها مركز الدراسات المصرفية في
البنك المركزي، فقد سعى البنك ومن خلال مكتب مكافحة غسيل
الاموال إلى تعميم مجموعة من الاجراءات على مصارف الدولة،
للتعاطي مع هذه الظاهرة ومحاربتها، على ان يتم العمل بهذه
الاجراءات وبكل دقة اعتباراً من 15 / 9 / 2006.. وهنا
يفترض ان يكون موظفو المصارف الحكومية قد اطلعوا على قانون
غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004 بيد ان دراسة اعدها كاتب
المقال، وقدمت إلى وزارة المالية حول تحسين اداء المصارف
الحكومية، أظهرت ومن خلال استبيان اجري على ثلاثة فروع من
المصارف الحكومية وهي مصرف الرشيد (فرع العطيفية) 517 مصرف
الرافدين (فرع براثا) 267 المصرف الزراعي فرع بغداد 722،
ان 75.6% من الموظفين لم يسمعوا بظاهرة غسيل الاموال، وان
14.6 من الموظفين، سمعوا بها ولكنهم لا يعرفون شيئاً عنها..
بينما ذكر 6.1% من الموظفين انهم سمعوا بها وانها تتعلق
باموال غير شرعية وحسب، وجاءت نسبة الاجابات الصحيحة لتشكل
3.7% فقط من مجموع الموظفين.. ونتائج هذا الاستبيان تظهر
بوضوح ان قانون غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004 لم يعمم على
موظفي مصارف الدولة، وان هذه النسبة الكبيرة من موظفي
المصارف الحكومية لم يسمعوا بظاهرة غسيل الاموال وليس
لديهم ادنى فكرة عنها، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟ بعد أن
تسلمت الادارات العامة في مصارف الدولة، المنشور رقم (1)
الصادر من البنك المركزي العراقي في 31 / 7 / 2006.
والذي جاء استناداً إلى الفقرتين (2 و5) من المادة (4) من
قانون البنك المركزي العراقي رقم (56) لسنة 2004 والمادة
(24) من قانون مكافحة غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004...
وقد جاء في ذلك المنشور مجموعة من الاجراءات يتوجب القيام
بها لمحاربة ظاهرة غسيل الاموال حيث جاء في الفقرة (10) من
هذه التعليمات.. (في حالة عدم الامتثال لما ورد اعلاه يصار
إلى فرض العقوبات المنصوص عليها في قانون مكافحة غسيل
الاموال). والسؤال هو، هل يعلم موظفو المصارف الحكومية او
موظفو التعامل المباشر في هذه المصارف على وجه التحديد ان
المادة (3) من هذا القانون تعرف المتورط في هذه الظاهرة
غير المشروعة بانه: كل من نفذ أو حاول تنفيذ اية معاملة
مالية ينتج عنها أي نشاط غير مشروع باية صيغة كانت - وكل
من نقل او حول اية ادوات مالية او نقدية التي تنتج عن اية
صيغة لنشاط غير مشروع وهو يعلم انه كذلك، ومن حاول اخفاء
او التستر او التمويه في أي تصرف يشكل حماية للعمل غير
المشروع او عدم الافصاح عنه، فانه يتعرض لعقوبة الغرامة
التي لا تزيد على (40) مليون دينار، او عن ضعف قيمة
الممتلكات التي جرت عليها المعاملة، او عقوبة السجن مدة لا
تزيد على الاربع سنوات او بالعقوبتين معاً.. هذه التشريعات
من المفترض ان تكون قد وصلت إلى اسماع منتسبي مصارف الدولة،
لان الجهل في القانون ليس عذراً.. وقد جاء في المنشور
المذكور آنفاً عند القيام بفتح حساب او اجراء اية عملية
تحويل او معاملة مالية لزبائنكم داخل او خارج العراق،
فيتوجب اتباع ما يلي: اذا كان المبلغ خمسة ملايين دينار او
اكثر يجب ان يسجل اسم الزبون الكامل واللقب اذا كان (طبيعياً)،
ويستند الى الوثائق الرسمية وهي (هوية الاحوال المدنية
–
شهادة الجنسية العراقية
–
جواز سفر
–
اية هوية تعريفية بشرط
وجود صورة الزبون
– عنوان الاقامة
الدائمة) وكذلك تاريخ ومحل الولادة
–
اسم الام
–
عمل الزبون
–
وتسجيل عنوان الزبون
بالاستناد الى تأييد من المجلس البلدي
–
بطاقة السكن
–
رقم المحلة
–
رقم الهاتف
–
عناون العمل
–
والاحتفاظ بصورة من
المستندات المقدمة ... هذه البيانات والوثائق التي سيتم
اخذها من قبل موظف التعامل المباشر، ربما تسبب الامتعاض
لزبون المصرف اذا ما اخذت بطريقة التعامل الموروث، اي
بصيغة موظف الدولة الذي يفترض انه يخشاه المراجعون
ويتوددون إليه.. هذا الموظف ينبغي ان يمتلك الفكرة الكاملة
عن طبيعة عمل المصارف التي تبيع الخدمة وليست مؤسسات
الدولة المركزية الشمولية التي تعلم فيها ان يكون الموظف
دوماً على حق وليس الزبون الذي يفترض انه يكون هو دوما على
حق.. ومن هنا تقتضي الضرورة ان يتم اعداد موظفي التعامل
المباشر في اقل تقدير، ان لم تدع الضرورة الى تدريب جميع
موظفي المصارف الحكومية على آليات التحوط لمحاربة ظاهرة
غسيل الاموال وبنفس الوقت تدريبهم على حسن التعامل وكياسة
الحوار مع زبائن المصرف، بالطريقة التي لا تجعل الزبون
يلجأ الى المصارف المتوقع نشاطها في ظل التحول باتجاه
اقتصاد السوق.. وقد جاء ايضا في المنشور رقم (1) المذكور
آنفاً على الاشخاص الذين يرومون تحويل مبلغ اكثر من (15)
مليون دينار الى الخارج او ما يعادله من العملة الاجنبية ،
تقديم تقرير الى مكتب غسيل الاموال في المصرف المعني
متضمنا (الشخصية القانونية
–
الجهة المراد تحويل
العملة اليها –نوع
ومقدار العملة –
الوسيلة
–
اية معلومات اخرى يطلبها
البنك) بموجب استمارة سميت بالاستمارة رقم (1) وبالنسبة
للمبالغ الواردة للقطر بموجب استمارة سميت بالاستمارة رقم
(2) وهنا وضعت العربة قبل الحصان، فاغلب المصارف الحكومية
ليس لديها ما يسمى بمكتب غسيل الاموال.. ومن المفترض ان
يتم اعداد وتهيئة الكوادر المصرفية لتتم الاستعانة بها في
تأسيس مثل هذا المكتب داخل المصرف، وهذا الامر لم يحدث في
اي مصرف علماً ان تنفيذ تعليمات المنشور رقم (1) الصادر من
البنك المركزي العراقي الزم ابتداءاً من 15/8/2006 وقد جاء
في هذا المنشور ايضا : على المصارف والجهات المخولة
الاخبار عن أية معاملة مشبوهة خلال مدة لا تتجاوز اسبوع
واحد من تاريخ تقديم المعاملة الى مكتب غسيل الاموال في
البنك المركزي العراقي وفق استمارة سميت الاستمارة رقم (3)
مع تحديد الامور المشكوك بها محددا فيها مبررات ودلائل
الشك، مرفقة مع جميع المستندات بعد التحفظ على تحويل
المبالغ وعدم تمشية المعاملة لحين صدور توجيه مكتب غسيل
الاموال. وهذه الاستمارة يوقع عليها موظف مسؤول ومن
المفترض ان يكون قد اعد اعداداً قانونياً جيداً من اجل
اداء ما موكل اليه، اذا علمنا ان هذه المصارف (التي يساء
لنا فيها) لم تحدد بعد هذا الموظف.. ان الجدية التي
يتعاطاها والبنك المركزي العراقي مع هذه الظاهرة ليس لها
ما يشابهها على ما يبدو في المصارف الحكومية فالادارات
العامة في مصارف الدولة وادارات فروعها تظهر قدرا كبيرا من
الروتينية مع اي جديد من التعليمات والقوانين او من
الاليات الحديثة في التعامل المصرفي، وهذه الادارات تحتاط
دوما بخبراتها في تجنب المساءلة القانونية المترتبة على
ذلك، ولهذا فان بعض الادارات في بعض فروع المصارف الحكومية،
ربما رزمت ذلك المنشور في اضبارة الحفظ او القتها في
الادراج من دون تعميمها على الموظفين لان ما جاء في الفقرة
(10) من تلك التعليمات ربما لم يفهم او لم يقرأ اصلاً.
|