الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

شعراء شباب عالميون معاصرون واستنباط النظام من الفوضى

الشاعر أريك بانكي

عبد العزيز لازم

أنه صوت متصاعد يمارس اشغال مساحته البارزة في الحياة الادبية  الأمريكية والعالمية، فقد استطاع هذا الشاب أن يشق طريقه وسط غابة بالغة النشاط من المواهب الأدبية النادرة  التي ترعاها اكاديمية الشعراء الأمريكيين واصبح الأبرز فيها .

حين بلغ الخامسة والعشرين من عمره نال ديوانه الأول (من اجل السنة الجديدة ) ( اثينيوم 1984) جائزة والت وايتمان المقدمة من قبل اكاديمية الشعراء الأمريكيين . يقول بانكي: ( لقد كان الديوان في الحقيقة أطروحتي إلى الجامعة بشكل أساسي) واضاف: ( كان الحظ حليفي في ان ينال الديوان اهتمام احدهم ، فانا شاعر شاب يحاول طرق اصوات متنوعة ، لكن صوتي الذي يشبه الصرير قد ارتفع فوق الأصوات الأخرى).

غير ان ديوانه المذكور وكما يحصل مع معظم الشعراء لم يقدم الكثير من الطعام على الطاولة . لقد بدأ بتدريس اللغة الأنكليزية في مدرسة عالية المستوى وكتابة مقالات في الشعر واستعراض الكتب في وقت الفراغ . ثم في عام 1987 بعد اربعة اعوام فقط من حصوله على شهادة الماجيستير من جامعة آيوا التحق بجامعة واشنطن في سانت لويس . ان بانكي في كل نشاطه ألأكاديمي الدي يسير بخط متواز مع نشاطه الأبداعي في مجال الشعر يطرح مسألة مثيرة للجدل شغلت جميع المشتغلين في مجال نظرية الأدب وخاصة اولئك العاملين في النقد ألأدبي  وهي ماهية العلاقة بين العمل ألأكاديمي وألأبداع الفني والأدبي . فقد درج العديد من النقاد واصحاب  النظريات الأدبية على التشكيك في امكانية تحول النشاط الأكاديمي للمبدع الى وسط مساند لأبداعه الحر . إن هؤلاء يعتقدون ان النهج الأكاديمي في المعرفة يخلق قوالب و أطراً معرفية لا يستطيع الخلق الملهم للمبدع ان يمارس امتدادته الطبيعية الممكنة ضمن رحابها. غير إن بانكي يقول : ( انه لأمر غريب ان يوفر لي تدريس خمس حصص او ست في اليوم الكثير من المهارات التنظيمية التي كنت في حاجة لها لأدارة برنامج الكتابة ألأبداعية )  وكان الشاعر قد ادار بحذق ذلك البرنامج في جامعة واشنطن في سانت لويس فبل أن يلتحق بجامعة جورج مايسون ، وكان ديوانه الرابع في  الوقت نفسه يغزو رفوف المكتبات.

في عام 1988 كان ديوان بانكي الثاني ( خشب الصميم) تحت الطبع ، وظهرت في ذات الوقت اثنتان من قصائده في مجلة ( شعر) هما ( لجلب الحظ) و ( العمل) . أما في عام 1990 فقد ظهرت قصيدة ( تجريد) في مجلة ( إنسان نيويورك ). يقول: ( كنت مولعا بالقصص ألآسرة وبالحديث باستقامة وبصوت واضح ) . كان بانكي يعمل على ديوان ثالث بعنوان ( كتابات مشكوك في مؤلفها ) اكمله في عام 1991. لقد كتب ديفد بيكر في مجلة ( كينيان ريفيو) ( إن بانكي هو ألأبرز بين جيل من الشعراء البارزين الموهوبين البارعين... وان ( كتابات مشكوك في مؤلفها ) هو واحد من اكثر الدواوين دقة في التأليف وقصائده من اكثر القصائد مهارة في البناء من بين كل ما قرأته في السنين الأخيرة , انه اكثر الدواوين  اثارة .)

          ان هذا الديوان يشير بتكرار الى الـ ( هو ) والـ( انا) التي يقول عنهما بانكي بأنهما لا تعبران بالضرورة عن سيرة ذاتية ، ( ان تلك الشخصية تعبر عن انسان كان يمتلك ايمانا عميقا ثم فقده بعد ذلك، رغم ذلك فهو يشعر بالحنين الشديد الى الكمال والسكون الروحي ) . ان هذا الصوت يتبدى في الأبيات القليلة الأولى من قصيدة ( كنز الأحمق ) :

      لست ممن يطلق النداء للملائكة ،

     غير اني ان قلت ان ثمة سنونو يرتفع

      حين يحوم

      حول الأنبساط الأبيض للافنية المقضبة ،

      متابعا مطارداته الاهليلجية الطويلة

      ستصدقني . فلدي هذه المقولة

       أنظر إلى الطيور ، فأرى كمال

        الهندسة

         

ان احترازات بانكي تقوم على انه لم يتخل عن الروحانية ( انه يعلم بأن الأرتياب بحد ذاته هو وسيلة لتكريم الأيمان ) . وهذا الحوار الداخلي يشكل زبدة كتابه الجديد ( قصص الحب الأخيرة ) ( لقد اصبحت "الروحانية "  تأملا عميقا في معنى الحياة المادية ) كما يقول .

لقد اصبح بانكي قادرا مع الأختبارات الأخيرة لـ ( قصص الحب الأخيرة ) في دور النشر على التركيز على دوره الجديد :كأستاذ مشارك في جورج مايسون . يرى بانكي بأ عتباره نصيرا للتعليم الشعبي  بان طلبة مايسون غالبا ما يختلفون جدا عن نظرائهم في الجامعات الخاصة .( لذلك لدى العديد من طلابي اعمال اخرى بدوام كامل او جزئي ) ويضيف بانكي ( فالناس  إذ يعتمدون  على انفسهم في دفع الثمن  ينظرون الى المدرسة بمنظار جدي جدا . انهم يطالبون بالأشياء مني ويطالبون بها كذلك من انفسهم .)

لقد كان مسرورا بشكل خاص  ببرنامج الكتابة الأبداعية لخريجي مايسون ،( ان طلبتي من الخريجين في  هذا الفصل هم افضل مجموعة عملت في أي ورشة اخرى  ، فهم  يقرأون بسخاء ويسعون للبحث عن القصيدة الأفلاطونية الكاملة في اعمال كل منهم دون فرض مفاهيمهم الشخصية في الاسلوب او في المضمون .)

لم يعد خيال المبدع إذن ولم تعد المعاناة الوجدانية للفنان  تصطدم في اغلب الأحوال بجدران القيم الأكاديمية في المعرفة وقيم الكشف المنظم التي تعتمدها  أنشطة التحليل والتقييم فضلا عن أنشطة الوضع الأدبي والفني  الأكاديمي . إن بانكي وزملاءه يقفون فيما يبدو موقفا مضادا لهذا النهج محاولين ( تساندهم أكاديمية الشعراء الأمريكيين ) إثبات اضمحلال مصداقيته ، وذلك من خلال إثبات إن سعي  الفنان المبدع لابد وان يتجه نحو استنباط نظام ما من اللانظام المتمثل في الفوضى التي  تلف الكيان الإنساني .

بالنسبة لبانكي  يعتبر هذا النوع من الأنفتاح حساسا في برنامج الماجيستيرفي الفنون الجميلة، فهو يلاحظ انه على العكس مما هو موجود في معظم الأنظمة ألأكاديمية : ( نحن لا نسعى لأثبات أي شىء بالمعنى التعليمي او العلمي . نحن منخرطون في الفن الجميل حيث نحاول تشكيل نظام ما من الفوضى التي تحيق بنا ) انه يؤمن ببرنامج كتاب ذي تميز عظيم . ( اعتقد أن الناس ينسون إن برنامج الماجيستير في الفنون الجميلة  يخلق كذلك " تاريخا شفاهيا" للشعر في أمريكا . فنحن جميعا مسكونون  بأشباح أساتذتنا ومعلمينا السابقين ، ونحن نمرر بعض ذلك  إلى طلبتنا . إنها الروح المهنية بشكل أساسي .)

يبدو إن الأستاذ المؤهل لتطبيق برنامج مايسون هو الأستاذ الذي يمكنه إدامة ذلك النوع من الإرث الشعري وهذا لاشك ينطبق على الشاعر الكفء بانكي  ، تقول زميلته أستاذة اللغة الأنكليزية الشاعرة كارولاين  فورك: ( لقد جذب برنامجنا الخاص بشهادة الماجيستير في الفنون الجميلة الشعراء الملهمين الموهوبين من كافة ارجاء البلاد في السنين الاخيرة، ونحن مسرورون إذ يلتحق بنا شاعر يمتلك مثل تلك المواهب الشعرية المذهلة  ويمتلك سمعة مؤثرة أيضا كمدرس ملهم ومتفان).

ان بانكي بعد ان يبتسم لهذا الإطراء  يقول انه  يواصل البحث عن ذلك الصوت الخالص ، ذلك التعبير الخالص: (مثل معظم الشعراء اشعر برعب حقيقي حين اكف عن التقدم في مادتي القديمة ، فأنا أستطيع ان أذوق القصيدة التي أريد كتابتها ، لكن من النادر ان تظهر كما أذوقها بالضبط . ان كل عودة إلى قصيدة قديمة يوفر فرصة للاقتراب قليلا من ذلك . )

ان هذا الشاعر الجريء المعبأ بقناعاتة الراسخة  والمسلح بالمؤسسات الثفافية عالية التطور التي ترعى النشاط الابداعي الشبابي في بلاده يلقي امامنا اتجاها ذا  هوية خاصة يحتضن حلماً وجدانياً شديد التعقيد وعميق الاغوار وهو الحلم الشعري  لدى الانسان الموهوب . فمنذ زمن طويل يتجه الشعراء بعيدا" عن النهج الاكاديمي في المعرفة حفاظا وصيانة" للفطرة الشعرية من ان يتم اعتقالها في تضاعيف العمل الثقافي  المنظم . ويؤيد هذا الاتجاه بروز كافة الشعراء العظام في التاريخ من الذين اضافوا الى المصير الإنساني والكوني  كشوفات روحيةعملاقة لا غنى عنها دون ان يتكلفوا عناء حضور او القاء محاضرات في الشعر  أو الأدب  أو الحصول على شهادات عليا في ذلك ، بل ان انتاجهم كان وما زال  الموضوع الاثير لدى أصحاب الدراسات الاكاديمية واصحاب الرسائل المقدمة الى كبريات الجامعات لنيل أعلى الشهادات  . مع ذلك نرى إن تجربة الشاعر بانكي جديرة بالدراسة من قبل شعرائنا الشباب ونقادنا في العراق من الناطقين بالعربية وغيرها من اللغات الشرقية.


الجحيم

شعر: حمد  شهاب الانباري

كل جيلٍ يظن ولا شك أنه مقدر له أن يعيد بناء العالم أما جيلي فانه يعلم انه لن يبنيه ولكن يبدو أن مهمته اعظم لأنها قائمة على دفع العالم من الانهيار.

(البيركامو)

سقر أم جبل من نار؟

أم دمي المسفوح على ارجاء الله فصار الكون جحيماً؟ -

لم يقرأني العرافون ولا الكهان -

ولكني كنت تحسست دمي الموار -

دمي العابث في النار وفي معصيتي.

يا ايتها الاكوان ويا ايتها الازمان.. أنا اكبر منكم -

أن حدود دمي سبع سمواتٍ والارضون فمن يكبرني؟

كبر الدم الاسمى وصار سفوحا

فارحم بقلبك راسه المذبوحا

وانظر بعينك قاتليه فانهم

ملأوا صبابته أسىً وقروحا

........

جبل من نارٍ أم فاكهة مشتعلة؟

ها انت توهجت الآن فابطلت الرؤيا -

ابطل دمع العين -

وابطلت الساعة نظرتك المنخذلة.

.......

شجر من نارٍ أم فاجعة الموسم تحت قميص النوم -

انتبهوا لهواي -

انتبهوا لحصاد الرؤيا في النوم -

فاني مرتبك هذي الليلة... مشتعل حد جنوني -

وانتبهوا قد تقع الفأس على الرأس هنا لا عاصم غير دمٍ مسفوح.

فدعوني أسلم بالجلد وبالريش ورأسي المذبوح.

........

قمر من نارٍ يطلع هذي الليلة فوق ربوعي -

قمر في الروح وحجر يتوهج في الكفين.

الليلة صاعقة هبطت فارتقبوا -

قد يشتبك الحابل بالنابل والصاعد بالنازل -

فانزل فوق مراقي الروح.. فقلبي لا يسع اثنين.

نار على قلبي وحجر في يدي

وهواي يذكيه الدم الموار

قدر تظل الروح يعصرها الاسى 

فعلى جناحي حطت الاقدار

........

قدر أم حجر الفلوات؟

يصعد فوق معارج هذا الجسد الناحل -

يا زمن العصيان حنانيك فلا تكسرني -

قد وهن العظم فخذ بيدي -

واحمل بلواي على ظهر الريح فاني جد ضعيف -

وشراعي مزقه العصف -

وقلبي صديء فترفق بالجسد المقتول.

فلعل الطعنة حين تجيء تضيع بوادٍ مجهول.

........

مشتعلاً كان وفي عينيه دم مر -

وعلى الشفتين دم كالنار.. كماء المهل سخين -

ها انكمو الساعة تعتصمون بحبل دمي -

تعتصمون ببلواي -

أنا الجسد المقتول ولا حول لدي -

فاني مرتبك هذي الساعة.. محتشد بالهم وبالبنين.

فدعوني علّ الخطوة تفلت من شرك مكائدكم -

لكن من اين؟

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة