آرنو بوردا
ترجمة جودت
جالي
تمتلك
الولايات المتحدة مثل كل البلدان المهيمنة تأريخيا ثقافة
شعبية حية ومتفاعلة للغاية ولذلك يجب علينا أن لانكون
مندهشين لرؤية هذه الثقافة وهي تعاود نشاطها دون تأخير بعد
هجمات 11 أيلول وتهيء نفسها لمراجعة المواقف في طول البلاد
وعرضها. حمي وطيس النقاش غداة المأساة في هوليود حين لم
يتردد سينمائيون مثل روبيرت آلتمان و وودي آلان في التصريح
بأن (الشيء الحسن الوحيد الذي يمكن أن نخرج به مماحدث هو أن
نتخلص من أفلام العنف الهزيلة المتخمة بالمؤثرات الخاصة) كما
أعلن مخرج آخر عن رأيه بصوت عال (كتاب السيناريو يجلسون على
حافة أحواض السباحة في بيوتهم ويحلمون بهذا النمط من
الأفلام. أننا نصنع النماذج التي تغذي هذه المآسي). الأحاديث
عن مثل هذه الحماقات تدور خلف كواليس محجة السينما. المنتجون
وأهل السينما عموما يشعرون بالذنب ويفكرون بأن الجمهور بحاجة
الى الأعمال الكوميدية ليغير تصوراته. حتى الممثل بروس ويليس
كان له شكواه معلنا بأنه بعد مثل هذه الأحداث لايرغب في لعب
أدوار (منقذي العالم). المتمرد أوليفر ستون وحده أسمع،
منسجما مع نفسه، صوتا نشازا منذ شهر تشرين الأول (لست على
وفاق مع الرأي العام القائل أن الفيلم الوحيد الذي يرغب
الجمهور بمشاهدته في هذا الوقت هو من نوع زولاندر (وهو
كوميديا شاذة عن المألوف). أرى أنه بالامكان عمل فيلم ذي صلة
بالهجمات. أحب أن أصنع سوبر فيلم عن الارهاب ونشاطه وبامكان
هذا أن يكون فيلم أثارة مدهشا يسلي الجمهور فعلا).
في هذه
الأثناء تعيش هوليود حالة الصدمة ، نظمت سهرات مأتمية في
مواقع التصوير، والبنتاغون وهو تحت تأثير الفوضى شكل
خلية أزمة غير محتملة مكونة من عدة شخصيات هوليودية بهدف
التصدي للهجمات القادمة الأكثر سوءا وطريقة الاستعداد لها.
وهكذا أستدعي ستيفن دي سوزا (كاتب سيناريو فخ كريستالي)
وجوزيف زيتو (مخرج كان متهما هو وتشاك نوريس بأخراج سلسلة
من الأعمال التهجمية مثل حمولات مفقودة و غزو الولايات
المتحدة) وديفيد أنجيلباخ (كاتب سيناريو المسلسل التلفزيوني
مكجيفر) وديفيد فينشر (مخرج سيفن وفايت كلاب) وراندل كلايزر
(مخرج ….. شحم). بعض المشاريع أألغيت مثل(الحرب العالمية
الثالثة) أنتاج جيري بروكهايمر والذي تمحى فيه سان دييغو
وسياتل
بالنار
النووية، ومثل(الرعاف) وهو عبارة عن كوميديا حركة حيث يقاتل
جاكي شان ارهابيين ينوون تدمير مركز التجارة العالمية، وسحب
غداة الهجمات اعلان الرجل العنكبوت من المقرر أن يعرض الصيف
المقبل وفيه يظهر مجرمون يرتكبون سرقة في برجي التجارة
العالمية ويهربون بطائرة هليكوبتر ليجدوا أنفسهم سجناء شبكة
نسجت بين البرجين، وكذلك بالنسبة للاعلان السابق الذي وزع في
كل مكان يظهر فيه انعكاس البرجين في عيني الرجل العنكبوت،
وتبقى في الفيلم لقطة مؤلمة فيها رجل عنكبوت مثبط الهمة
يراقب بصمت، وهو مقرفص على سقف، برجي التجارة العالمية
يختفيان في ظلمة الليل.
مشاريع ملغية ومشاهد تحت الرقابة
عانت تكملة
كوميديا الخيال العلمي(رجال السواد) هي أيضا من الأحداث،
فمشهدها الأخير يصور رجلي السواد يجسدهما ويل سميث وتومي لي
جونز في قبضة ارهابيين متفوقين على قمة البرجين. في اللحظة
الأخيرة وفيما كان التقنيون ينجزون قسما لا بأس به من المشهد
الختامي يلغى وينقل الى أعلى بناية كريسلر لتتحمل الميزانية
تكاليف أضافية باهظة. شهد خريف 2001 كذلك نجاحات في صالات
الكوميديا أو أفلاما عظيمة (كالحلقات الأولى من هاري بوتر
وسيد الخواتم) في حين أن الأفلام التي تصور الحرب وتتعامل مع
الأرهاب أو أعتبرت مفرطة في العنف أجلت أشهرا عديدة، هكذا
كانت بشكل خاص حالة فيلم خسارة أضافية حيث يمثل أرنولد
شفارتزينيغر دور رجل أباد عائلته اعتداء أجرامي أو فيلم صفير
الرياح من أخراج جون وو والذي يتخذ الحرب العالمية الثانية
خلفية له.
أن كانت
هوليود تبدو زمنا قد شلت ميدانا آخر مهما من ميادين الثقافة
الشعبية الأمريكية هو ميدان الهزليات (هذا المعنى الحرفي لكن
الكوميكس بمعنى أوسع هي مطبوعات قضاء وقت الفراغ وهي أخطر
جانب تستثمره استراتيجية الثقافة الشعبية في البلدان
المتقدمة لعلاقته بأوسع القطاعات الاجتماعية –المترجم)
فسرعان ماتمثلت السينما بسرعة فائقة أحداث 11 أيلول داخل
قصصها. حركت أكبر دارين للنشر أشهر مؤلفيها وفنانيها فورا
لأصدار ألبومات تكريم للضحايا، فأصدرت مارفيل (دقيقة صمت –
كتب المقدمة له رودولف جولياني عمدة نيويورك) وهو مجموعة
حكايات دون كلام تروي أغلب الوقت أحداث آخر يوم لشخص اختفى
تحت أنقاض البرجين، في الوقت نفسه طبعت دي سي كوميكس ألبومين
سميكين يضمان قصصا مصورة ورسوما عن المأساة. هذه المطبوعات
تبرز البطولة الفائقة في أعادة بناء نيويورك وتضحيات الشرطة
ورجال الاطفاء والمواطنين عموما. كرست المجلة الدورية (الرجل
العنكبوت المدهش) العدد 36 بغلافه الأسود عددا تذكاريا يشهد
فيه الأبطال الخارقون مذعورين كارثة البرجين ويتلقون لوم
سكان نيويورك لأنهم لم يستطيعوا منعها قبل أن يبادروا أخيرا
لمساعدة الاطفائيين في انتشال الناجين من الأنقاض. أبطال
خارقون آخرون يهرعون لمساعدة الرجل العنكبوت فيما يتأمل
الرجل الشرير الخارق الدكتور فاتاليس (الغراوند زيرو) وهو
يذرف دمعة (؟؟). لم تتوقف الهزليات عند هذا الحد بل أوجدت
مارفيل سلسلة (نداء الواجب) أبطالها هذه المرة من الاطفائيين
والشرطة ورجال الاسعاف.
في
التلفزيون أيضا برزت أمثلة على الرقابة الذاتية فالمسلسل
الشهير (الحدث على مدار الساعة) الذي يروي بزمن واقعي حبكة
اغتيال الرئيس القادم للولايات المتحدة شهد بث حلقته الأولى
(في 6 تشرين الثاني 2001) مليئة بعدة مشاهد تنفجر فيها طائرة
وهي تحلق في الجو بعد اعتداء أجرامي.
بين الانفعال والرغبة في الانتقام
التلفزيون
في هذه الأثناء حاله حال مطبوعات قضاء وقت الفراغ وسيلة
أعلام مباشرة وكبنية تحتية أقل ثقلا من السينما ليس بمستغرب
أن نشاهد فيه مسلسلات شهيرة أخرى مثل (في البيت الأبيض) أو
(نيويورك 11/9) أستجاب للحدث بسرعة وخصص عددا من حلقاتها
للمأساة وقد ذهب المسلسل الأول الى حد اعلان خطاب في الفرق
بين المسلمين والأرهابيين الاسلاميين، أما بالنسبة لمسلسل
(أصدقاء) الذي كرس حلقة لسكان نيويورك فأن البرجين المبرزين
في مقدمة الفيلم يمحوهما كومبيوتر شخصي. ما أن انتهت المشكلة
حتى ظهرت رغبات الانتقام وشيئا فشيئا ضمن كادر الجهد الحربي
عاودت هوليود اشعال جذوة روح المواطنة. صفير الرياح الذي ظهر
أخيرا في حزيران 2002 يعلن بفخر (هذا الصيف سيكون لأمريكا
الكلمة الأولى)، ويظهر الرجل العنكبوت على الشاشات في الوقت
نفسه ويبلغ أعلى الايرادات. في الفيلم يخاصم النيويوركيون
الشرير الذي يحارب الرجل العنكبوت دون هوادة ويقولون له (لا
تلمس الرجل الوطواط. من يهاجم نيويوركيا فأنما يهاجم
النيويوركيين جميعا).
تدريجيا
يستعيد الأمريكيون الثقة بالنفس ويباشرون معركة المنقذ،
وأجمل مثال دون شك هي الأنشودة الجنائزية الرائعة (الساعة
الخامسة والعشرون) التي ظهرت نهاية 2002 على الشاشات.
السينمائي سبايك لي الذي كان فيما مضى ثائر الأعصاب ومناضلا
يقص في عمله اليوم الأخير لتاجر وهو حر قبل أن يدخل السجن
بينما كانت نيويورك تعاني من كارثة 11 أيلول ويظهر أمام
الكاميرا قائلا بغضب (…… أبن
لادن). بين
كانون الأول 2001 وكانون الأول 2002 الفترة التي تأخر فيها
ظهور فيلم (عصابات نيويورك) أفاد مارتن سكورسيزي من التأخير
فأضاف اضافات مهمة وبشكل خاص المشهد الذي يجد فيه ليوناردو
دي كابيريو ودانيال دي لويس نفسيهما وسط معركة في الشارع
ويتخبطان خلال غيمة من الغبار تعيد الى الأذهان بشكل قوي صور
11 أيلول. الفيلم يستفيد فائدة أخرى ختامية حيث يمازج مشاهد
من نيويورك 1863 بمشاهد من 2001، وآخرها يكشف عن البرجين
وهما منتصبين وسط مانهاتن.
ولكن
الثقافة الشعبية الأمريكية لم تنتهي من تعزيماتها لطرد
الأرواح الشريرة لما بعد 11 أيلول ففي هذه الأوقات الأخيرة
دخلت الفكاهة موضة المعارضة وليس بعيدا عن الذاكرة انتصار
العمل الهجائي المعادي لبوش من أخراج مايكل مور (11/ 9
فهرنهايت)على صعيد الايرادات، ولكن يوجد أيضا فيلم طويل مثل
(اليوم المقبل) وهو فيلم كوارثي شديد النقد أزاء السياسة
البيئية رغم حقيقة أن مخرجه هو رولاند أيميريش الذي أخرج
أفلاما وطنية مثل يوم الاستقلال، والوطني. اذا كان البعض قد
ركب نفاقا موجة المعارضة هذه فأن آخرين لم ينتظروا حدثا مثل
11 أيلول. تري باركر ومات ستون الفوضويان اللذان صنعا مسلسل
الحركة (ساوث بارك) وعادا الى الجمهور سريعا بفيلم (فريق
أمريكا) وهو فيلم دمى فيه نشاهد جنودا يقاتلون الإرهابيين من
كل جنس، بقي أن نقول أن جورج بوش وأبن لادن من الشخصيات
الرئيسية في الفيلم
|