الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

العرب في فرانكفورت

الطاهر بن جلون

خاص بـ(المدى)

لا يمكننا إلا أن نهنيء منظمي معرض فرانكفورت للكتاب لأنهم  فكروا  هذا العام بدعوة العرب للمشاركة. إنها لمبادرة  جيدة وعلامة انفتاح نحو ثقافة غير معروفة على نطاق واسع. كما أنها خطوة شجاعة في هذه اللحظة التي أصبحت فيها صورة العالم العربي تختلط بالإرهاب. غير أن العالم العربي لا يوجد كعالم موحد بل هناك دول وشعوب عربية متنوعة ومعقدة.  فلم يعد العالم العربي سوى  فكرة ويوتوبيا. العرب يعرفون ذلك لكنهم لا يعترفون به. وكثيرا ما يشاع عنهم بأنهم اتفقوا على ألا يتفقوا. والأنظمة السياسية تختلف  من دولة إلى أخرى. وكل الذين حاولوا توحيده فشلوا  كجمال عبد الناصر والقذافي اللذين وصلا إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية.

الخطأ الجسيم الذي اقترفه المسؤولون الألمان في معرض فرانكفورت  انهم خاطبوا الحكومات وليس الكتاب والأدباء.  وتجدر الإشارة هنا إلى  أن غالبية اتحادات الكتاب والأدباء العرب تابعة إلى سلطة  الدولة. ولوحده اتحاد الكتاب والأدباء في المغرب كان هاربا على الدوام من وصاية الحكومة والقصر ولكنه لم يكن هاربا عن الأحزاب. ستقوم الدول العربية بإرسال  كتاب وأدباء لن يقوموا بإزعاجها أو يدينوا  ممارساتها. بينما ينبغي أن يكون  دور كل كاتب  نقديا ومتمردا. ومن أجل فهم الخطوات الألمانية الخاطئة يمكن أن نتخيل أنفسنا في سنوات الستينات والثمانينات : كأن يقدم معرض فرانكفورت  على خطوة أن تكون دول الكتلة الاشتراكية الشرقية  المدعو الأساسي  في المعرض. في هذه الحالة لـكُنّا أمام أدب رسمي وكتاب وأدباء متواطئون. ولكان الكتاب والأدباء المنشقون غير حاضرين. خمس دول رفضت المشاركة هذا العام وهي : الجزائر والمغرب والعراق والكويت وليبيا. وكل بلد له مبرراته وأسبابه. صحيفة " العلم " المغربية قالت أن  " معرض فرانكفورت  لم يوجه دعوة  إلى  أهم وأبرز المفكرين والأدباء المغاربة منهم : محمد عابد الجابري وعبد الله العروي والطيب الصديقي ". وبعيدا عن هذه الهموم هناك أسئلة لا بد  من طرحها وهي : هل يوجد أدب عربي أم آداب عربية خاصة بكل بلد؟ الأدب هو اللغة ولكن ماذا نفعل بالكتاب والأدباء الذين يكتبون بالفرنسية أو الهولندية على سبيل المثال ؟ أين يتم تصنيفهم ؟ وهل يعرف الجمهور الغربي الواسع الكتاب والأدباء الذين يكتبون باللغة العربية ؟ أية هوية يمكن أن نعطيها  إلى أمين معلوف وآسيا جبار وفؤاد العروي أو إدريس شراييبي ؟ وهؤلاء الكتاب والأدباء يعبرون بقوة عن حقيقة بلدانهم في لبنان والجزائر والمغرب. ما هو موقعهم   بين الكتاب والأدباء الذين  يكتبون باللغة العربية ؟ وما هو موقعهم في هذا المعرض في الوقت الذي يعتبر فيه الكتاب والأدباء الذين يكتبون باللغة العربية هم الممثلون الشرعيون للثقافة العربية ولا يتم الاعتراف بالكتاب والأدباء الذين يكتبون  بلغة أخرى ؟ كان موضوع الهوية مدار نقاش في العالم العربي لفترة طويلة. وفي الوقت الذي يعاني فيه الكتاب والأدباء الذين يكتبون بالعربية من الكبت يتألق  بعض زملائهم ممن يكتبون باللغة الفرنسية  على الصعيد العالمي ويقومون  بلعب  دور الجسر بين عالم الغرب والشرق. ولكن زملاءهم   الكتاب والأدباء الذين يكتبون بالعربية  يعتبرونهم  في أسوأ الحالات ك " عملاء للغرب "  ويعتبرون أدبهم  " أدباً مجلوباً يكتب من أجل إمتاع الجمهور الغربي " في احسن الأحوال.

 يمر العالم العربي  بأزمة والبعض يذهب إلى حد الكلام عن الانحطاط وآخرون  ومنهم الأكثر  تشاؤما يتحدثون عن اللعنة والكارثة وبمواجهة إسرائيل لم يأخذ الكلام العربي على مأخذ الجد بينما يموت المدنيون  الفلسطينيون برصاص الإسرائيليين دون أن تستطيع أية دولة عربية من فعل شيء ما  العرب ليس لهم موقع في التاريخ والأصولية والإرهاب وصلا من أجل القضاء على الأمل القليل المتبقي لدى بعض الدول التي تحاول النهوض مثل الأردن والمغرب. الصراع العربي الفلسطيني وحرب الخليج وحرب العراق  شوهت العالم العربي.  في حين أصبح البترول العربي عائقا في تطور الثقافة والروح  النقدية.  فالمشكلات السياسية تسمم الفضاء الثقافي  على الدوام. وثمة تقليد قديم  يؤكد  على أن السلطة السياسية لها شعراء مرتبطون بها. فهي تمولهم من أجل مدحها. انهم شعراء لا يتذكرهم أحد لكنهم يملؤون  صفحات الجرائد الرسمية. ويمكن أن يكونوا حاضرين بأعداد كبيرة في فرانكفورت. أما الآخرون ‘ الذين لا يتقبلون هذه المساومة فيعيشون المصاعب. وكلما  استطاعوا هاجروا إلى المنافي.  كان على معرض فرانكفورت أن يخصص مكانا للمنفيين.

ولهذا فأن اكثر الموضوعات المطروقة في البد العربي هي السياسة. فالكاتب العربي لا يستطيع أن يعيش رفاهية عدم لالتزام وعدم المبالاة أمام البيئة السياسية والاجتماعية التي هي مصدر استيحاءاته. وعلى الرغم من أن الكتاب العرب   ليس لهم قراء كثيرون  إلا أنهم  مطالبون من قبل القراء بأن يكونوا كل شيء : كتابا  "شعراء" معينين اجتماعيين  "حماة" مناضلين  "أبطالا" شهداء بل  واكثر من ذلك. والمشكلة الأخرى التي تواجههم هي أنهم لا يستطيعون العيش من كتاباتهم لذا يضطرون لممارسة أعمال ومهن أخرى  وفي الحالات الجيدة أن يكتبوا للصحافة. ومن جهة أخرى هناك الناشرون ومنهم الناشرون السوريون بالذات الذين "لا يستحقون هذه التسمية " يسرقون الكتب التي  تطبع في لبنان ومصر أو المغرب وينشرونها بدون التوقيع على عقد  أو دفع الحقوق لأحد. الكتاب ذاته يمكن العثور عليه في الأسواق العربية بثلث سعره. وحتى الكتاب الفرانكوفونيون  يعانون من هذه الممارسة وهو مسموح من قبل الإدارة السورية بحجة أن سوريا لم توقع على معاهدة جنيف لاحترام الملكية الفكرية وحقوق المؤلف  من أجل أن يعطوا تبريرا لهؤلاء الناشرين المزيفين الذين لا يصلح لهم أسم سوى " القراصنة ".

عندما حاز نجيب محفوظ على جائزة نوبل في عام 1988 "قامت الصحافة العربية بتقديم استنتاج مفاده أن الأكاديمية السويدية  أرادت أن تصلح هذا الظلم لأن أي كاتب لم يفز بهذه الجائزة من قبل. وفي الوقت نفسه أن هذه الجائزة  ألقت الضوء  على الأدب العربي برمته.  واليوم  لم يتطور الوضع كثيرا. منظمو فرانكفورت بينوا  كم هو  معقد هذا العالم. أنه غني وفقير في الوقت نفسه" عالم  يكثر فيه عدد الشعراء  بينما  يندر فيه الروائيون وببساطة لأن المجتمع العربي لا يعترف بالفرد لأنه  يمنح امتيازا إلى القبيلة والجماعة. مؤلف الرواية العربية الأولى " زينب " 1914  محمد حسين هيكل عاش في باريس وتأثر بفلوبير لكنه  أتهم بالهرطقة.  يبقى الشعر هو المذهب الأدبي الأكثر شيوعا في العالم  العربي. وشاعر  كمحمود درويش  أو أدونيس يجذب جمهورا يتألف من آلاف المستمعين. لذا كان على معرض فرانكفورت أن يهتم بالشعراء أو يخصص لهم  مكانة واسعة. ولم تعمل  دعوة العالم العربي  سوى تأجيج الصراعات العربية الداخلية  دون التفكير بالواقع المعقد للثقافة العربية حيث تهيمن السياسة على حرية الإبداع والخلق. وعلى الرغم من ذلك فالمعرض يشكل فرصة للناشرين الأوروبيين للإقدام  على ترجمة روايات ومسرحيات  وأشعار العالم العربي الذي  يمكن أن  يفهم  بشكل أفضل عبر إبداعاته.


ذلك الفنار... البعيد

جمعة الحلفي

جرت مياه كثيرة في بحر الشعر العربي منذ رحيل بدر شاكر السياب قبل ما يقرب من نصف قرن، وحتى اليوم، إلا أن الينبوع الذي تدفق بين يديه ليسقي " أزاهير ذابلة" ويطلق " أنشودة المطر" وما بعدهما، لا يزال يرفد القصيدة العربية ويمد نسغها بوعود البرق والضوء والتجدد، ذلك أن تجربة السياب الشعرية لم تكن تجربة قائمة بذاتها ولذاتها، كما هو الحال مع تجارب بعض شعراء الحداثة العربية البارزين، إنما كانت تلخيصاً مستقبلياً لمسيرة الحداثة  الشعرية العربية إجمالا، ولهذا خُلص، غير ناقد وشاعر عربي بارز، إلى اعتبار السياب أوضح وأبرز العلامات في تلك النقلة الكبرى، التي شهدها الشعر العربي في نهاية النصف الأول من القرن العشرين.

كذلك لم تكن ريادة السياب وحدها هي التي أبقت أثره حاضراً في عالم الإبداع الشعري العربي، بل أن متانة شعره وحداثته وغنائيته العذبة وارتباطه الوثيق، فنياً، بالحياة وموضوعاتها الجمالية والإنسانية، هي التي أمدت أسمه بأسرار الديمومة وجعلت منه حداً فاصلاً، تؤرخ به مسيرة الشعر العربي الحديث.

وإذا ما استعرنا عبارة الكاتب الكبير ستيفن سبندر " الشاعر محور العالم" فقد أستحق السياب، عن جدارة وموهبة فذة، أن يكون محور العالم العربي على صعيد الحداثة الشعرية. ولأنه كذلك، بامتياز، فقد ظل، رغم رحيله المبكر، أشبه بفنار بعيد، اهتدت به وإليه أجيال المغامرة الحداثية.

لكن هل يمكن الحديث عن السياب أو استذكار تجربته الشعرية الريادية،  بدون الوقوف عند مأساته الشخصية الإنسانية؟ ربما سيبدو الحديث عن هذه المأساة زائداً عن اللزوم أو في غير محله، بعد مضي كل هذه العقود من السنوات، خاصة وإن موهبة السياب الإبداعية، هي محصلة لثقافته ورهافة وعيه وحساسيته إزاء العالم، لكن لمثل هذا الحديث فائدة أخرى تتجاوز مثال السياب إلى مثال أعم واشمل يتعلق بموقف المؤسسة السياسية العربية (الدولة على وجه التحديد) من المبدع ومن توقه الدائب للحرية والحياة الكريمة، ذلك أن هذه المؤسسة لا تزال، منذ فاجعة رحيل السياب، على سرير المرض والعوز والغربة، وحتى اليوم، تنظر إلى المبدع كمشروع عدو إلى أن ينضوي في عداد القطيع، وعدا ذلك فهي تزدريه وتعامله بإهمال وبشعور من الدونية. بل هي ستذهب بعيداً في تعاملها الفظ ما أن تهجس بنزوع هذا المبدع نحو أي شكل من إشكال المعارضة وحرية القول والتعبير، ومثال العراق، خلال العقود الثلاثة السالفة، أبشع واكبر من أن نحصره بنموذج أو برهان. فالسياب نفسه، وهو لم يبق منه سوى أيقونة واقفة على ضفاف شط العرب في البصرة، كان نصيبه الإهمال والنسيان والازدراء، في مماته كما في حياته من قبل. وليس من دون معنى أن تنتصب تماثيل جنرالات الحرب على بعد أمتار من نصبه الفقير، لتسرق منه الأضواء والطيور والعصافير ومجال الرؤية. فأية مفارقة محزنة تلك التي تجعل من جنرالات الموت، يزاحمون صّناع الحياة والجمال والإبداع، على بضعة أمتار من الأرصفة والضفاف، بعدما كانوا سرقوا منهم الحياة والوطن ولقمة العيش والحرية؟!


بعد ثلاث سنوات من هجمات 11 أيلول : وجه الثقافة الشعبية الأمريكية الجديد

آرنو  بوردا

ترجمة جودت جالي

تمتلك الولايات المتحدة مثل كل البلدان المهيمنة تأريخيا ثقافة شعبية حية ومتفاعلة للغاية ولذلك يجب علينا أن لانكون مندهشين لرؤية هذه الثقافة وهي تعاود نشاطها دون تأخير بعد هجمات 11 أيلول وتهيء نفسها لمراجعة المواقف في طول البلاد وعرضها. حمي وطيس النقاش غداة المأساة في هوليود حين لم يتردد سينمائيون مثل روبيرت آلتمان و وودي آلان في التصريح بأن (الشيء الحسن الوحيد الذي يمكن أن نخرج به مماحدث هو أن نتخلص من أفلام العنف الهزيلة المتخمة بالمؤثرات الخاصة) كما أعلن مخرج آخر عن رأيه بصوت عال (كتاب السيناريو يجلسون على حافة أحواض السباحة في بيوتهم ويحلمون بهذا النمط من الأفلام. أننا نصنع النماذج التي تغذي هذه المآسي). الأحاديث عن مثل هذه الحماقات تدور خلف كواليس محجة السينما. المنتجون وأهل السينما عموما يشعرون بالذنب ويفكرون بأن الجمهور بحاجة الى الأعمال الكوميدية ليغير تصوراته. حتى الممثل بروس ويليس كان له شكواه معلنا بأنه بعد مثل هذه الأحداث لايرغب في لعب أدوار (منقذي العالم). المتمرد أوليفر ستون وحده أسمع، منسجما مع نفسه، صوتا نشازا منذ شهر تشرين الأول (لست على وفاق مع الرأي العام القائل أن الفيلم الوحيد الذي يرغب الجمهور بمشاهدته في هذا الوقت هو من نوع  زولاندر (وهو كوميديا شاذة عن المألوف). أرى أنه بالامكان عمل فيلم ذي صلة بالهجمات. أحب أن أصنع سوبر فيلم عن الارهاب ونشاطه وبامكان هذا أن يكون فيلم أثارة مدهشا يسلي الجمهور فعلا).

في هذه الأثناء تعيش هوليود حالة الصدمة ، نظمت سهرات مأتمية في مواقع التصوير، والبنتاغون وهو      تحت تأثير الفوضى شكل  خلية أزمة غير محتملة مكونة من عدة شخصيات هوليودية بهدف التصدي للهجمات القادمة الأكثر سوءا وطريقة الاستعداد لها. وهكذا أستدعي ستيفن دي سوزا (كاتب سيناريو فخ كريستالي) وجوزيف زيتو (مخرج كان متهما هو وتشاك نوريس  بأخراج سلسلة من الأعمال التهجمية مثل حمولات مفقودة و غزو الولايات المتحدة) وديفيد أنجيلباخ (كاتب سيناريو المسلسل التلفزيوني مكجيفر) وديفيد فينشر (مخرج سيفن وفايت كلاب) وراندل كلايزر (مخرج ….. شحم). بعض المشاريع أألغيت مثل(الحرب العالمية الثالثة) أنتاج جيري بروكهايمر والذي تمحى فيه سان دييغو وسياتل

بالنار النووية، ومثل(الرعاف) وهو عبارة عن كوميديا حركة حيث يقاتل  جاكي شان ارهابيين ينوون تدمير مركز التجارة العالمية، وسحب غداة الهجمات اعلان الرجل العنكبوت من المقرر أن يعرض الصيف المقبل وفيه يظهر مجرمون يرتكبون سرقة في برجي التجارة العالمية ويهربون بطائرة هليكوبتر ليجدوا أنفسهم سجناء شبكة نسجت بين البرجين، وكذلك بالنسبة للاعلان السابق الذي وزع في كل مكان يظهر فيه انعكاس  البرجين في عيني الرجل العنكبوت، وتبقى في الفيلم لقطة مؤلمة  فيها رجل عنكبوت مثبط الهمة يراقب بصمت، وهو مقرفص على سقف، برجي التجارة العالمية يختفيان في ظلمة الليل.

 

مشاريع ملغية ومشاهد تحت الرقابة

عانت تكملة كوميديا الخيال العلمي(رجال السواد) هي أيضا من الأحداث، فمشهدها الأخير يصور رجلي السواد يجسدهما ويل سميث وتومي لي جونز في قبضة ارهابيين متفوقين على قمة البرجين. في اللحظة الأخيرة وفيما كان التقنيون ينجزون قسما لا بأس به من المشهد الختامي يلغى وينقل الى أعلى بناية كريسلر لتتحمل الميزانية تكاليف أضافية باهظة. شهد خريف 2001 كذلك نجاحات في صالات الكوميديا أو  أفلاما عظيمة (كالحلقات الأولى من هاري بوتر وسيد الخواتم) في حين أن الأفلام التي تصور الحرب وتتعامل مع الأرهاب أو أعتبرت مفرطة في العنف أجلت أشهرا عديدة، هكذا كانت بشكل خاص حالة فيلم خسارة أضافية حيث يمثل أرنولد شفارتزينيغر دور رجل أباد عائلته اعتداء أجرامي أو فيلم صفير الرياح من أخراج جون وو  والذي يتخذ الحرب العالمية الثانية خلفية له.

أن كانت هوليود تبدو زمنا قد شلت ميدانا آخر مهما من ميادين الثقافة الشعبية الأمريكية هو ميدان الهزليات (هذا المعنى الحرفي لكن الكوميكس بمعنى أوسع هي مطبوعات قضاء وقت الفراغ وهي أخطر جانب تستثمره استراتيجية الثقافة الشعبية في البلدان المتقدمة لعلاقته بأوسع القطاعات الاجتماعية –المترجم) فسرعان ماتمثلت السينما بسرعة فائقة أحداث 11 أيلول داخل قصصها. حركت أكبر دارين للنشر أشهر مؤلفيها وفنانيها فورا لأصدار ألبومات تكريم للضحايا، فأصدرت مارفيل (دقيقة صمت – كتب المقدمة له رودولف جولياني عمدة نيويورك) وهو مجموعة حكايات دون كلام تروي أغلب الوقت أحداث آخر يوم لشخص اختفى تحت أنقاض البرجين، في الوقت نفسه طبعت دي سي كوميكس ألبومين سميكين يضمان قصصا مصورة ورسوما عن المأساة. هذه المطبوعات تبرز البطولة الفائقة في أعادة بناء نيويورك وتضحيات الشرطة ورجال الاطفاء والمواطنين عموما. كرست المجلة الدورية (الرجل العنكبوت المدهش) العدد 36 بغلافه الأسود عددا تذكاريا يشهد فيه الأبطال الخارقون مذعورين كارثة البرجين ويتلقون لوم سكان نيويورك لأنهم لم يستطيعوا منعها قبل أن يبادروا أخيرا لمساعدة الاطفائيين في انتشال الناجين من الأنقاض. أبطال خارقون آخرون يهرعون لمساعدة الرجل العنكبوت فيما يتأمل الرجل الشرير الخارق الدكتور فاتاليس  (الغراوند زيرو) وهو يذرف دمعة (؟؟). لم تتوقف الهزليات عند هذا الحد بل أوجدت مارفيل سلسلة (نداء الواجب) أبطالها هذه المرة من الاطفائيين والشرطة ورجال الاسعاف.

في التلفزيون أيضا برزت أمثلة على الرقابة الذاتية فالمسلسل الشهير (الحدث على مدار الساعة) الذي يروي بزمن واقعي حبكة اغتيال الرئيس القادم للولايات المتحدة شهد بث حلقته الأولى (في 6 تشرين الثاني 2001) مليئة بعدة مشاهد تنفجر فيها طائرة وهي تحلق في الجو بعد اعتداء أجرامي.

 

بين الانفعال والرغبة في الانتقام

التلفزيون في هذه الأثناء حاله حال مطبوعات قضاء وقت الفراغ  وسيلة أعلام مباشرة  وكبنية تحتية أقل ثقلا من السينما ليس بمستغرب أن نشاهد فيه مسلسلات شهيرة أخرى مثل (في البيت الأبيض) أو (نيويورك 11/9) أستجاب للحدث بسرعة وخصص عددا من حلقاتها للمأساة وقد ذهب المسلسل الأول الى حد اعلان خطاب في الفرق بين المسلمين والأرهابيين الاسلاميين، أما بالنسبة لمسلسل (أصدقاء) الذي كرس حلقة لسكان نيويورك فأن البرجين المبرزين في مقدمة الفيلم يمحوهما كومبيوتر شخصي. ما أن انتهت المشكلة حتى ظهرت رغبات الانتقام وشيئا فشيئا ضمن كادر الجهد الحربي عاودت هوليود اشعال جذوة روح المواطنة. صفير الرياح الذي ظهر أخيرا في حزيران 2002 يعلن بفخر (هذا الصيف سيكون لأمريكا الكلمة الأولى)، ويظهر الرجل العنكبوت على الشاشات في الوقت نفسه ويبلغ أعلى الايرادات. في الفيلم يخاصم النيويوركيون الشرير الذي يحارب الرجل العنكبوت دون هوادة ويقولون له (لا تلمس الرجل الوطواط. من يهاجم نيويوركيا فأنما يهاجم النيويوركيين جميعا).

تدريجيا يستعيد الأمريكيون الثقة بالنفس ويباشرون معركة المنقذ، وأجمل مثال دون شك هي الأنشودة الجنائزية الرائعة (الساعة الخامسة والعشرون) التي ظهرت نهاية 2002 على الشاشات. السينمائي سبايك لي الذي كان فيما مضى ثائر الأعصاب ومناضلا يقص في عمله اليوم الأخير لتاجر وهو حر قبل أن يدخل السجن  بينما كانت نيويورك تعاني من كارثة 11 أيلول ويظهر أمام الكاميرا قائلا بغضب (…… أبن

لادن). بين كانون الأول 2001 وكانون الأول 2002 الفترة التي تأخر فيها ظهور فيلم (عصابات نيويورك) أفاد مارتن سكورسيزي من التأخير فأضاف اضافات مهمة وبشكل خاص المشهد الذي يجد فيه ليوناردو دي كابيريو ودانيال دي لويس نفسيهما وسط معركة في الشارع ويتخبطان خلال غيمة من الغبار تعيد الى الأذهان بشكل قوي صور 11 أيلول. الفيلم يستفيد فائدة أخرى ختامية حيث يمازج مشاهد من نيويورك 1863 بمشاهد من 2001، وآخرها يكشف عن البرجين وهما منتصبين وسط مانهاتن.

ولكن الثقافة الشعبية الأمريكية لم تنتهي من تعزيماتها لطرد الأرواح الشريرة لما بعد 11 أيلول ففي هذه الأوقات الأخيرة دخلت الفكاهة موضة المعارضة وليس بعيدا عن الذاكرة انتصار العمل الهجائي المعادي لبوش من أخراج مايكل مور (11/ 9 فهرنهايت)على صعيد الايرادات، ولكن يوجد أيضا فيلم طويل مثل (اليوم المقبل) وهو فيلم كوارثي شديد النقد أزاء السياسة البيئية رغم حقيقة أن مخرجه هو رولاند أيميريش الذي أخرج أفلاما وطنية مثل  يوم الاستقلال، والوطني. اذا كان البعض قد ركب نفاقا موجة المعارضة هذه فأن آخرين لم ينتظروا حدثا مثل 11 أيلول. تري باركر ومات ستون الفوضويان اللذان صنعا مسلسل الحركة (ساوث بارك) وعادا الى الجمهور سريعا بفيلم (فريق أمريكا) وهو فيلم دمى فيه نشاهد جنودا يقاتلون الإرهابيين من كل جنس، بقي أن نقول أن جورج بوش وأبن لادن من الشخصيات الرئيسية في الفيلم


كلاكيت: السينما في انتخابات الرئاسة الأمريكية

علاء المفرجي

السينما كانت حاضرة وبقوة في معركة الرئاسة الاميركية، وهذه المرة ليس من خلال استثمار نجوم السينما في الترويج والدعاية للحملات الانتخابية لاستقطاب مزيد من الأصوات لمرشح بعينه. وهو الأمر الذي أصبح مألوفاً في كل معركة انتخابية، ولكن من خلال فيلم كرس موضوعه وتوقيت تنفيذه، وحتى الإعلان عنه. بالكامل لصالح احد مرشحي الرئاسة.. ونحن نتحدث هنا عن فيلم المخرج مايكل مور (فهر نهايت 11/ 9). فقد دخل هذا الفيلم معترك السياسة من كونه انجازاً سينمائياً استثنائياً، فهو فيلم تسجيلي صار فوزه بسعفة كان وهي الجائزة الاهم في عالم السينما، سابقة بالنسبة لهذا النوع من الأفلام، هذا فضلاً عن الضجة الإعلامية التي رافقت تنفيذه وايراداته العالية، وهو ما يكفي لإثبات جدارته في التأثير في الناخبين، حيث أشارت استطلاعات الرأي لها ان الفيلم تخطى بتأثيره ناخبي الحزب الديمقراطي إلى ناخبي الوسط الذي لم يحسموا أمر اختيارهم لمرشحي الرئاسة.

وعلاقة الفن بالسياسة في اميركا علاقة اشكالية، لا يمكن تحديد ملامحها بسهولة فقد بدأت بمحاربة واقصاء عدد من كبار نجوم السينما بسبب شقهم عصا الطاعة الهوليودية أمثال شارلي شابلن، وفرنسيس فارمر وغيرهم، مروراً بالقرار الحكومي المعروف ببرنامج (ضمان وسائط الاعلام) للترويج لاساليب الحياة الأمريكية والذي كانت الشركات السينمائية المستفيد الأكبر منه، خاصة بعد انضواء السبع الكبريات منها تحت سيطرة الشركات العابرة للقارات، وليس انتهاءً بحملة السناتور جو مكارثي المتمثلة بمحاكمة نجوم السينما المتهمين بالترويج للفكر الشيوعي.

وتصدي نجوم السينما للمهمات السياسية ليس جديداً في هذا الشأن، التاريخ حافل بذلك، فلطالما أنقسم ولاء هؤلاء النجوم بين الحزبين الرئيسين على مدى تاريخ الصراع الرئاسي في اميركا. وصعود النجم آرنولد شوارزنيجر كحاكم لولاية كاليفورنيا اخيراً اقرب مثال على ذلك.. فيما نتذكر من التاريخ القريب اسهام جون وين في حملة الرئيس نيكسون. وفرانك سيناترا ودين مارتن في موز رونالد ريجان، الذي ولج هو نفسه السياسة من بوابة نجوميته السينمائية، والممثل سوني بونو الذي أصبح عضواً في الكونغرس، وايستوود الذي تبوأ منصب العمدة وهو أمر يفسر النتيجة الايجابية للاستفتاء الذي أجرته احدى محطات التلفزة حول امكانية اعتبار نجوم هوليوود ملاكاً غير مستثمر، وجدوى تشجيعهم لولوج عالم السياسة.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة