الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

المثقفون والإرهاب!

سعود الناصري

بادرني صاحبي إلى القول: لا شك إنك راغب في مواصلة حديثنا الأسبق؟

قلت: أجل أيها (الغريب) فقد تجاوزناه في الأسبوع الماضي.

قال: لست واعظاً، ولكن من البديهي القول أن الإرهاب لا يعرف حدوداً ولا يفرق بين فئة أو طائفة وأخرى أو ديناً أو مذهباً وآخر. فالكل مستهدفون. وها أنت ترى بأم عينك أن العراقيين هم ضحايا التفجيرات وأعمال العنف وبخاصة أولئك الأبرياء الباحثين عن لقمة العيش لأطفالهم وعوائلهم.

قلت: الأمر واضح ويزداد وضوحاً يوماً بعد آخر مع تصاعد عمليات الإرهاب والتخريب التي تتصاعد معها إدانة الشارع العراقي لها يوماً بعد آخر.

قال: إن هذه الإدانة تفتح آفاقاً واسعة للعمل الجماهيري باتجاه تشكيل حاجز رادع للإرهابيين وأعوانهم، شريطة استنباط الأساليب الكفيلة بتوظيف طاقات المواطنين توظيفاً صحيحاً.

قلت: سنناقش ذلك في وقت لاحق، ولكن ماذا عن موضوع اليوم؟

قال: ما زلت منشغلاً بدور مثقفينا في هذه المعركة التي لا تقل عن سواها من المعارك من أجل حرية الكلمة والرأي والإبداع، فهي معركة من أجل الأمن الذي بدونه لا مكان للحريات الأخرى، وعليها يتوقف مستقبل البلاد وإعادة إعمارها وازدهارها من عدمه.. إنها معركة وطنية حقيقية، ويعز علينا عدم سماع صوت مثقفينا الذين كانت لهم صولات وجولات في معارك الوطن التحررية، ويؤسفنا ألا نسمع منهم حتى الآن إلا إشارات خجولة من هنا وهناك.

قلت: مع إنهم مستهدفون بشكل كبير من قبل الإرهابيين الذين يخشونهم كثيراً. ولم تكن عبثاً تلك الحملة المنظمة، قتلاً وخطفاً، ضد الفكاءات والعقول العراقية في محاولة لتهجيرهم وتحجيم دورهم، والتي حققت الكثير من أهدافها.

قال: إنك على حق، وإذا لم يستوعب مثقفونا ومبدعونا هذه الحقيقة، فإنهم سيقعون في الفخ واحداً بعد آخر.

قلت: وما الذي تقترحه؟

قال: لست واعظاً كما أخبرتك. ولست في موقع من يقدم النصائح لمثقفينا، ولكنني قادر على التفكير بالمخاطر الهائلة التي تنتظرنا جميعاً إن لم نفعل شيئاً، وأترك لهم مهمة البحث في أفضل السبل الجديرة بتنظيم مشاركتهم الفعالة في محاربة الإرهاب من خلال ابداعاتهم ونتاجاتهم الفكرية والأدبية والصحفية والاجتماعية والفنية.. الخ، كي لا يسمحوا للهامشيين من أدعياء الثقافة الذين (يغازلون) الإرهابيين أن يسلبوا دورهم ويفرضوا سيطرتهم على الساحة الثقافية العراقية، الأمر الذي بدأت بوادره تتضح شيئاً فشيئاً.

قلت: وهل لديك اقتراح محدد؟

قال: إنها مجرد فكرة تراودني، ولعلها تصلح كبداية، وملخصها عقد مؤتمر ثقافي وطني يضم كل التجمعات والمنتديات والشخصيات الثقافية، مهمته مناقشة الأوضاع والمشاكل والتحديات القائمة والخروج بتصورات ومقترحات وأساليب واضحة المعالم حول دور مثقفينا في المرحلة الخطيرة الراهنة، على أن يكون مؤتمراً شاملاً واسعاً تتمثل فيه كافة الأطياف الثقافية العراقية.

قلت: وماذا بعد؟

قال: شريطة أن يكون للمبدعين من مثقفينا دور متميز في المعركة ضد الإرهاب والتخريب.

قلت: آمل أن يجد اقتراحك أذاناً صاغية وأن يجد طريقه إلى حيز التطبيق.


زوارق على ضفاف دجلة الخير

فاتن جبار القيسي

تصوير/ نهاد العزاوي

في الواقع، حين كتبت موضوعي هذا لم أفكر بالزورق كبطل ولم أعن بخصائصه ولم أرصد منه سوى ما يفيد عملي، لكن إحساسي وتصوراتي حول هذه الزوارق النهرية الجميلة التي شكلت لفترة طويلة عصب الحياة الاجتماعية لبغداد ظهرت من خلال تصويري لهذا الموضوع وكانت مهمتي أن أرصد مقولات (البلامة) في هذه الزوارق وإيقاع الزورق لدى البلام، فلكل بلام إحساسه الخاص بالمكان عبر بنائه الذاتي والآني الذي يصوره وقبل أن أبدأ حواري مع (البلامة) لاحظت أن هناك عدة زوارق ملونة بألوان زاهية وقد وضع في بعضها مسجلات مع سماعات معلقة على قمرية الزورق بالإضافة إلى الزهور المنتشرة على جانبي الزورق.

التقيت البلام السيد ستار محمد الخفاجي فسألته:

*من أي خشب تصنع الزوارق؟

-تصنع الزوارق عادة من خشب الزان وهو خشب روماني الأصل وهو من النوع الجيد والغالي الثمن لذلك يتعذر عمله في الوقت الحالي مع إن الزورق المصنوع من خشب الزان يعد من الأنواع الجيدة والقوية والتي لها قدرة عالية على التحمل.

أما النوع الآخر من الزوارق فهو ذلك المصنوع من خشب الجام النمساوي والزورق في هذه الحالة يكون أضعف نسبياً من الزورق المصنوع من خشب الزان كما يكون غير متين وليس له قدرة كافية على التحمل، وهذا النوع هو الذي يصنع حالياً، وثالث هذه الأنواع من الزوارق هو الزورق المصنوع من خشب الأثل المحلي ويمتاز هذا الزورق ببطء شديد في السرعة لأن خشبه ثقيل جداً.

ما هي المراحل التي يتم فيها صناعة الزورق؟

-تتم صناعة الزورق: أولاً بعمل هيكل هندسي انسيابي ثم يتم هذا الهيكل بخشب (ترايش) عرضها إنجين في طول الزورق ثم يتم وضع القطن مع الغراء بين جانبي الخشب، وهذه العملية مهمة جداً لأنها تمنع تسرب الماء إلى الزورق ولا يمكن نقل الزورق إلى الماء إلا بعد إتمام هذه العملية، ثم يتم طلاء الزورق (بالبوية) للحفاظ على نوعية الخشب لأطول فترة ممكنة، وتستغرق هذه المراحل مجتمعة نحو أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تقريباً.

والتقيت (البلام) السيد علي محمد الدليمي وعمل هذا (البلام) هو نقل (العابرين) من الناس بين الضفتين.

*هل يقتصر استخدامك للزورق على نقل الناس من مكان لآخر أم إن هناك أعمالاً أخرى تزاولها؟

-في أغلب الأحيان أستخدم الزورق لنقل الناس من جانب الكرخ إلى جانب الرصافة، وعادة لا ينطلق الزورق إلا بعد اكتمال عدد الراكبين فيه، وأجرة نقل الراكب مائة دينار ويتسع لخمسة أشخاص.

*هل هناك من يأتي لغرض التنزه النهري؟

-كثير من العوائل تأتي لغرض التنزه بواسطة التنقل بالمركب خاصة عوائل المنطقة وغالباً ما تأتي هذه العوائل عند الغروب فيطلبون أن أنقلهم من جسر الشهداء إلى جسر الأحرار وفي هذه الحالة تكون أجرتي 1000 دينار أما إذا أرادت العائلة الذهاب إلى منطقة أبعد من جسر الأحرار فعندها تزيد أجرتي إلى الضعف.

*هل تقصد العوائل متنزهات معينة من خلال التنقل بالزورق؟

-نعم، فتحت جسر الصرافية هناك أماكن جميلة جداً كثيراً ما تقصدها العوائل وفي بعض الأحيان يسألنا رب العائلة الذهاب والعودة إليه بعد عدة ساعات وأحياناً أخرى يسألنا المكوث معهم ومشاركتهم الطعام.

وبينما أنا أتحدث مع (البلام) السيد حسين جاءته عائلة لغرض التنزه، فانتهزت الفرصة وسألت السيد أحمد صادق الخفاجي وهو رب العائلة.

*هل أنت معتاد على التنقل بواسطة الزورق؟

-في الواقع، إن جميع العوائل هنا تقريباً معتادة على التنقل بواسطة الزورق سواء للعبور إلى ناحية الرصافة لغرض التبضع أو للتنزه، حيث كنا نرى أهلنا يستخدمون الزورق للعبور إلى شارع النهر.

*ما هي الصعوبات التي تواجهكم عند التنقل بالزورق؟

-تواجهنا الصعوبات عند حلول فصل الشتاء فقيادة الزورق تكون صعبة جداً لارتفاع الأمواج مما يتطلب شجاعة كبيرة للبلام والراكب معاً لأن أي خلل قد يتسبب بانقلاب الزورق، ويستحسن أن يقود البلام زورقه ببطء في هذه الحالة للحفاظ على سلامة الركاب فيقود الزورق باتجاه الهواء وليس عكسه لذلك فإن هذه الأجواء تحتاج إلى (بلام) ماهر. باستثناء ذلك ليس هناك صعوبات أخرى، لكن هناك بعض العوائل الغريبة عن المنطقة يخافون ركوب الزورق في البداية لكنهم يصعدون إليه في النهاية ليقطعوا المسافة بين الضفتين يغمرهم جمال دجلة الخير...


على الطريق بائع الفلافل

جلال حسن

بمحاذاة بناية القشلة في الركن الأيسر، وتحديداً قبالة مقهى الشابندر بنى "ابو حسين" مطعمه المتخصص في بيع الفلافل، وقد تجمهر حوله الشباب وأصحاب عربات الحمل بطريقة لا تذكرنا بأي زمن ولا أية حياة. الجميع منهمك في عمله، "أبو حسين" يقلي الفلافل بقالب خاص أعد لذلك وما أن يملأه بالعجينة حتى يرميه في مقلاة الدهن المغلي، والزبائن يقضمون لفات الفلافل، كأنها صيد سمين، ربما لأنها حارة ورخيصة الثمن وقريبة من عملهم.

*سألته متى مارست هذه المهنة؟

- فقال: منذ أربعين سنة مضت عندما كانت اللفة بـ(عشرين فلساً) حيث فتحت مطعماً في منطقة الدوريين في الكرخ، ولاقى وقتها نجاحاً منقطع النظير حيث تزامن مع مطعم "أبو سمير" في شارع الخيام. وهذه المهنة قديمة لأن هناك اعتقاداً خاطئاً من أن المصريين أدخلوها للعراق. فكنت أبيع يومياً أكثر من 500 (صمونة)، وقد شكلت مع جاسم " أبو الفلافل" ومحمد محسن من تحقيق شهرة واسعة في الوسط العمالي، فكان الناس يسموننا بأسمائنا الأولى مضافاً إليها كلمة "أبو الفلافل".

*كيف تصنع الشهرة؟

- لا أخفي عليك أن للحظ دوراً كبيراً في ذلك، لكن هناك مقومات للنجاح منها الديكور الجيد والموقع القريب من الناس ومعرفة سر المهنة وتقديم الخدمات بزيادة العمال مضافاً إليها طيبة النفس بالنسبة للمطاعم.

خذ مثلاً بسيطاً كبة "أبو علي" في بداية سوق السراي لها شهرة تاريخية كبيرة ويرتادها كثير من الزبائن، فلو غيرنا اسمها الآن إلى أي اسم آخر فإنها ستفشل فالاسم هو الكفيل - أحياناً - بالنجاح لسهولة نطقه وفيه شيء من الجاذبية. وفي مطعمي القديم حققت شهرة واسعة، لأن زبائني يعرفون أني صافحت الزعيم عبد الكريم قاسم.

*كيف؟

- في أحد الأيام أخذت بنت عمتي المريضة إلى مستشفى المجيدية - مدينة الطب حالياً - فرأيت الزعيم يخرج من وزارة الدفاع من الباب المقابل للمستشفى فركضت نحوه لأسلم عليه، فانزل زجاجة السيارة الجانبية وصافحني وهو يبتسم وسألني عن اسمي فقلت له: اسمي علي عبد الحسين وحين أروي هذه الحادثة للشباب لا يصدقها أحد والله زمن!

*ما مطيبات أكلة الفلافل؟

- تأتي "العمبة" بالدرجة الأولى حيث أني اختصاص في صنعها، لمعرفتي بنسب الخلط والتي تتكون من حلبة وكركم وليمون دوزي وملح وشطة، وأي خطأ في مزج الكميات تصبح مرة أو مالحة أو حارة بما لا يرغب الزبون فبعضهم يفضلها حارة وهناك من يرغبها باردة.

إضافة إلى "الصاص" الذي أعمله بيدي والذي يحمل مذاقاً لذيذاً وتأتي باقي المقبلات من الزلاطة والبصل والبهارات.

*ماذا تفعل في حالة بقاء الأكل؟

- أبيع "الصمون" بنصف السعر والباقي أوزعه على الأصدقاء والجيران، وأخذ ما يكفي للبيت، لأنه لا يفيد لليوم التالي، لأن الزبائن يفضلون الصمون الحار مع الفلافل الحارة لأنها تكون لذيذة.

*والآن كيف العمل؟

- بعد الحرب الأخيرة انحسرت ظاهرة بيع الفلافل، بسبب زيادة القدرة الشرائية للمواطنين، وتحولت بعض المحال الخاصة بالفلافل إلى مطاعم للكص، والهمبركر، والكباب، بدلاً من هذه الأكلة الخالية من الفيتامينات والفقيرة والتي تذكر المواطن بزمن الحصار القاسي.

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة