الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

القانون الدولي خروقات لدوافع سياسية ودعوات عالمية لتفعيله

المحامي/ حميد طارش الساعدي

في الخطاب الاخير للامين العام للامم المتحدة امام الجمعية العامة، قال: نريد للمجتمع الدولي قانوناً يكون مصدراً للقوة وليس العكس، وهكذا بعد المسيرة الطويلة للانسانية وهي تسعى الى تقنين قانون يحكم العلاقات فيما بينها، لترسيخ مبادئ السلام والامن مازالت المخاوف مستمرة من خروقات القانون الدولي التي، غالباً ما يكون مصدرها المصالح السياسية والقوة العسكرية للدول الكبرى، وليس هذا من باب التخمين والاحتمال وانما نتيجة التجارب العديدة لحكم القانون الدولي في اماكن  وازمان مختلفة.

مصادر القانون الدولي

وتبدأ بإتفاقية لاهاي في عامي 1899 و 1907 التي نصت على الالتزام بالاعراف الواجب مراعاتها وتطبيقها التي من شأنها ان تمنع وقوع اشكال معينة من الاذى البدني والمشاق على غير المحاربين وايضاً على فئات معينة من المحاربين كالمرضى والجرحى وضحايا تحطم او غرق السفن الحربية واسرى الحرب، وتجد هذه الاعراف اساسها في المبدأ القائل بأن، الدول التي تخوض نزاعاً مسلحاً سوف تلحق بالضرورة الموت والاذى والاضرار بالممتلكات، وهو لذلك يسعى الى الحد من هذه الآثار بالحيلولة دون الحاق المعاناة والاضرار الغير ضرورية لأنها لا تخدم اغراضاً عسكرية نافعة. ويذهب القانون الى ما هو ابعد من ذلك حيث يتطلب حتى في الحالات التي يكون فيها للتدمير غرض عسكري، وجود توازن بين تحقيق هذا الغرض والقيم الاخرى، كالمحافظة على حياة المدنيين، كما انه يحظر شن هجوم عندما يكون الاخلال بهذه القيم ارجح كفة من المنفعة العسكرية.

ولهذا السبب، سميت الاتفاقية المذكورة بالقانون العرفي ولكن ما يجب التأكيد عليه هنا، ان هذه الاعراف ليست وليدة الفترة الزمنية التي تمت فيها الاتفاقية وانما تمتد لفترة زمنية تقارب خمسة آلاف سنة ساهمت عدة حضارات في ارسائها وعلى الرغم من البعد الجغرافي بين تلك الحضارات وانقطاع وسائل الاتصال آنذاك، يشير التاريخ الى وصول تلك الحضارات في فترات زمنية متقاربة للايمان بتلك الاعراف مما يدلل بوضوح على الاشتراك الانساني بتلك القيم النبيلة وهذا ما اكدته ديباجة اتفاقية لاهاي المبرمة في عام 1907، وهي ان هذه القيم المشتركة تؤلف القوانين الانسانية. ويمكن وصف هذه القيم المشتركة بأنها على ما يأباه الضمير الانساني والسلوك الاخلاقي من افراط في استخدام القوة والعنف لإيقاع المزيد من الايذاء والخسائر غير الضرورية في حالة الحرب. وسجل لنا التأريخ مواقف رائعة، تجاوزت التفسير اعلاه للقيم المشتركة، منها ما قاله دوق الى سونج حاكم احدى السلالات الصينية في عام 1638 قبل الميلاد بعد الحرب مع ال تشو الصينية (ان النبيل لا يسبب جرحاً ثانياً لا يأسر صاحب الرأس الاشيب...) فأنني لا ادق طبولي للهجوم على عدو لم ينته من تنظيم صفوفه) وفي احدى قصائد الهند البطولية

رامايانا، كان السلاح الاسطوري الذي يمكنه ابادة دولة معادية بالكامل محظوراً بشكل صريح لأن مثل هذا التدمير الشامل محظور من قبل قوانين الحرب القديمة، حتى ولو كان العدو يخوض حرباً غير عادلة وبهدف جائر. وفي ملحمة هوميروس (الاوديسة) كان استخدام اسلحة مسممة يعد من قبيل الانتهاكات الجسيمة لمسلك الآلهة حيث ورد فيها (ان المعابد والكهنة والمبعوثين لا ينبغي انتهاك حرمتهم، وينبغي اظهار الرحمة للاسرى الذين لا حول لهم، ويجوز دفع فدية عن الاسرى وتبادلهم والسماح بسلامة المرور واحترامه، كما يتم ابرام الهدنات واحترامها بأمانة في مجمل الاحوال، كما انه لا يجوز قطع امدادات المياه عن العدو او تسميمها، او استخدام اسلحة مسممة، وتتم ادانة الخدع الغادرة بكل انواعها بإعتبارها متعارضة للاعمال الحربية المتحضرة وبالمثل).

وقد جاء في العهد القديم (سأل ملك  اسرائيل ايليا: يا والدي هل اذبحهم؟ فاجاب: لن لن تذبحهم هل ستذبح من اسرتهم بسيفك وقوسك؟ ضع الخبز والماء امامهم حتى يأكلوا ويشربوا ويذهبوا الى سيدهم).

اما الحضارة الاسلامية التي قامت على القرآن الكريم فقد ارست قواعد محددة تتعلق بمشروعية الحرب وكيفية القيام بها وكان يتم التأكيد عليها قبل التوجه الى القتال مذكرين الجند بها مثل (لا تقدموا على اية خديعة، ولا تحيدوا عن الصراط المستقيم، واياكم والتمثيل بالجثث او قتل الاطفال او الشيوخ من الرجال او النساء، او قطع اشجار النخيل او حرقها او قطع اية شجرة مثمرة واياكم ايضاً وذبح اي من القطعان او المواشي او الابل الا لتتقوتوا منها. وقد تمرون بقوم كرسوا حياتهم للرهبنة، دعوهم لما كرسوا حياتهم لأجله).

وعليه، نجد ان القيم الاخلاقية التي جسدتها اتفاقيات لاهاي ليست موجودة في الحضارة الغربية الحديثة، فحسب بل هي موجودة في الحضارات القديمة كالحضارة البابلية والصينية والمصرية والهندية والديانات السماوية التي كان مهبطها في منطقة الشرق.

فحتى ما يمكن اعتباره تطوراً في هذا الميدان من تحريم للاسلحة السامة والفتاكة نجد اساسها في الحضارات القديمة للانسان.

واستمرت الانسانية، على المستوى الدولي، في سعيها الحثيث من اجل ايجاد قانون دولي يخفف من وطأة الحروب ونتائجها المأساوية وكانت الاعراف، التي تمت الاشارة اليها آنفاً،  من اهم المصادر لهذا القانون لكن بعد اندلاع الحربين العالميتين المدمرتين، شعر المجتمع الدولي بضرورة ايجاد قانون اكثر فعالية، فكانت اتفاقيات جنيف الاربع في عام 1949 وبروتوكولاتها عام 1977.

تأثير المصالح السياسية في القانون الدولي الانساني

القانون الدولي الانساني يتجه لمعالجة مسارين، الاول، في الحد من استخدام القوة المفرطة غير الضرورية وحماية الاشخاص غير المحاربين والمحاربين الذين القوا السلاح بسبب المرض او العجز او الاسر، والثاني، في معاقبة مجرمي الحرب، وبالتالي الحد او القضاء على الجرائم التي تحدث اثناء الحروب، لكن الاعتبارات السياسية ادت دوراً سلبياً في هذا الاتجاه، وهذا ما حدث بشأن اعفاء الاتراك المسؤولين عن قتل الارمن في عام 1915 بسبب القوى السياسية الفاعلة آنذاك وبالتحديد، الولايات المتحدة واليابان، واللتين ارادتا دعم التوجه الجديد للحكومة التركية من خلال هذا العفو ولم تلتفتا الى امكانية تكرارها عند ترك هذه الجريمة بدون عقاب وهذا ما حدث بالفعل في الحرب العالمية الثانية وعند انشاء الاتفاقية الخاصة بمنع ومعاقبة مرتكبي الابادة الجماعية، تم تحديد فئات الجماعات المحمية بموجب هذه الاتفاقية بثلاث فئات هي، جماعات الوطنية والعرقية والدينية وتم استبعاد الجماعات السياسية والاجتماعية ولم يكن هذا الاستبعاد عفوياً بل جاء نتيجة ضغوط ستالين حيث بدأ بعملية التطهير السياسي والاجتماعي، واستفاد منها فيما بعد نظام الخمير الحمر في كمبوديا عندما قتل مليون شخص يشكلون 45 % من مجموع السكان والاستفادة حصلت بسبب ان القتلة والضحايا ينتمون الى مجموعة عرقية واحدة، وكان تأثير السياسة واضحاً بجلاء في عدم محاكمة امبراطور اليابان بسبب موافقته، وبدون شرط، على استسلام اليابان ولضمان تعاون سياسي افضل من قبل المجموعة الجديدة الحاكمة لليابان ولتغطية على استخدام السلاح الذري ضد اليابان والتخفيف من الآثار السياسية للهجمات الذرية، ولمنع النفوذ السوفيتي في منطقة الشرق الاقصى، ويجدر التأكيد هنا على الاهمال الكامل والمتعمد للجرائم التي يرتكبها افراد القوات المنتصرة وهي بلا شك جرائم كبيرة تقتضي العدالة المعاقبة عليها بغية منع حدوثها مستقبلاً، لكن القوة هنا هي القانون وليست القانون!.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حدث ما يقرب من (250) صراعاً مسلحاً ذا طابع دولي، ومحلي، ووصل عدد الضحايا في هذه الحروب الى ما يقرب من (170) مليون شخص، و ما زالت الصراعات المسلحة مستمرة وسقوط الضحايا يزداد والمصالح السياسية تتشابك ويمعن المحللون السياسيون في الحديث عن هذه الاهداف او تلك المبررات ويتصاعد خلط الاوراق والمواقف، لكن تبقى القدرة على الرؤية الواضحة موجودة متمثلة في نبذ القتل.. تجريم القتل الغاء القتل كوسيلة حل لأية مشكلة تحدث.. الخضوع للقانون .. صياغة قانون دولي انساني واضح دون لبس وغموض بعيداً عن المصالح السياسية عند الصياغة وعند التطبيق ليكون مصدراً للقوة التي تحمي الانسانية من الشرور ويكون لها ملاذاً آمناً عند حدوث اي نزاع.


ثقافة حقوق الانسان حقوق الطفل

يوجب القانون الدولي الانساني للاطفال الحق في الرعاية والحماية وحددت المادة (1) من اتفاقية حقوق الطفل السن المشمولة بهذه الحقوق بالنص على (يعني الطفل كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه) واتفاقية حقوق الطفل هي اشمل صك حول هذا الموضوع، اذ تشمل الاعتراف بالحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وانواع الحماية الخاصة التي يتطلبها تحديداً الاطفال، وقد حظيت الاتفاقية بعدد من التصديقات يزيد على حظيت به اي معاهدة اخرى من معاهدات حقوق الانسان وهي بذلك تمثل اداة فعالة لموظفي حقوق الانسان وهم يؤدون واجباتهم في عمليات الرصد والمراقبة.

وقد حددت لجنة حقوق الطفل اربعة مبادئ اساسية لتطبيق اتفاقية حقوق الطفل وهي:

1 .عدم التمييز (المادة 2) حيث تكفل الاتفاقية الحماية للاطفال من التمييز القائم ليس فقط على اساس ظروفهم الخاصة، بل ايضاً بسبب ظروف آبائهم او اوصيائهم القانونيين او افراد اسرهم الآخرين.

2. مصالح الطفل الفضلى (المادة 3) التي ينبغي ان تولي الاعتبار الاول في جميع الاجراءات التي تتعلق بالاطفال سواء قامت بها هيئات عامة او خاصة.

3. الحق في الحياة والبقاء والنمو (المادة 6) الذي لا يشدد فقط على حق الاطفال في عدم حرمانهم من الحياة تعسفاً، بل يشدد ايضاًُ على حقهم في حياة تكفل نموهم البدني والعقلي والروحي والاخلاقي والاجتماعي على اكمل وجه.

4 . احترام آراء الطفل (المادة 12) ينبغي ان تتاح للطفل القدرة على التعبير عن آرائه بحرية وينبغي الاستماع اليها وايلاؤها الاعتبار الواجب وفقاً لسن الطفل ونضجه.

واما المادة (24 فق1) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تتطلب قيام اي دولة طرف بإتخاذ تدابير خاصة بحماية الاطفال، بما في ذلك:

أ. حماية الاطفال من الضرر البدني او العقلي او الاهمال.

ب. ايلاء اهتمام خاص للاطفال الذين لهم مشاكل مع القانون.

ج. حق الاطفال المعوقين في معاملة خاصة وفي التعليم والرعاية.

د. الرعاية الصحية لجميع الاطفال.

هـ. التعليم الابتدائي المجاني والالزامي.

و. الحماية من الاستغلال الاقتصادي.

ز. الحماية من جميع اشكال الانتهاك الجنسي والاستغلال الجنسي.

ح. حظر تجنيد الاطفال الذين لم تتجاوز اعمارهم الخامسة عشرة سنة في القوات المسلحة.

واصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة رسمياً في 20 / 11/ 1959 القرار (1368) الذي تضمن اعلان حقوق الطفل حيث جاء في الديباجة، وبما ان للطفل على الانسانية ان تمنحه خير مالديها، ان الجمعية العامة تصدر رسمياً اعلان حقوق الطفل هذا لتمكينه من التمتع بطفولة سعيدة ينعم فيها، لخيره وخير المجتمع بالحقوق والحريات المقررة في هذا الاعلان وتدعو الآباء والامهات، والرجال والنساء كلاً بمفرده كما تدعو المنظمات الطوعية والسلطات المحلية والحكومات القومية الى الاعتراف بهذه الحقوق والسعي لضمان مراعاتها بتدابير تشريعية وغير تشريعية تتخذ وفقاً للمبادئ التالية، ونذكر منها المبدأ الثالث الذي نص على (للطفل منذ

مولده حق في ان يكون له اسم وجنسية).

اما المبدأ الرابع فقد نص على: يجب ان يتمتع الطفل بفوائد الضمان الاجتماعي وان يكون مؤهلاً للنمو الصحي السليم، وعلى هذه الغاية، يجب ان يحاط هو وامه بالعناية والحماية الخاصتين اللازمتين قبل الوضع وبعده، وللطفل حق في قدر كاف من الغذاء والمأوى واللهو والخدمات الطبية.

اما المبدأ السادس فقد نص على: يحتاج الطفل لكي ينعم بشخصية منسجمة النمو مكتملة التفتح، الى الحب والتفهم، ولذلك يراعى ان تتم تنشئته الى ابعد مدى ممكن، برعاية والديه وفي ظل مسؤوليتهما، وعلى اي حال في جو يسوده الحنان والامن المعنوي والمادي، فلا يجوز الا في ظروف استثنائية، فصل الطفل الصغير عن امه، ويجب على المجتمع والسلطات العامة تقديم عناية خاصة للاطفال المحرومين من الامومة واولئك المفتقرين الى كفاف العيش. ويحسن دفع مساعدات حكومية وغير حكومية للقيام بنفقة اطفال الاسر الكبيرة العدد.

اما المبدأ السابع فقد نص على: للطفل حق في تلقي التعليم، الذي يجب ان يكون مجانياً والزامياً في مراحله الابتدائية على الاقل. وان يستهدف رفع ثقافة الطفل العامة وتمكينه، على اساس من تكافؤ الفرص من تنمية ملكاته وحصافته وشعوره بالمسؤولية الادبية والاجتماعية، ومن ان يصبح عضواً مفيداً في المجتمع، ويجب ان تكون مصلحة الطفل العليا هي المبدأ الذي يسترشد به المسؤولون عن تعليمه وتوجيهه، وتقع هذه المسؤولية بالدرجة الاولى على ابويه ويجب ان تتاح للطفل فرصة كاملة للعب واللهو، اللذين يجب ان يوجها نحو اهداف التعليم ذاتها، وعلى المجتمع والسلطات العامة السعي الى تيسير التمتع بهذا الحق.

ونص المبدأ الثامن على: يجب ان يكون الطفل في جميع الظروف بين اوائل المتمتعين بالحماية والاغاثة.

ونص المبدأ التاسع على : يجب ان يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الاهمال والقسوة والاستغلال، ويحظر الاتجار به على اية صورة. ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه السن الادنى الملائم، ويحظر في جميع الاحوال حمله على العمل او تركه يعمل في اية مهنة او صنعة تؤذي صحته او تعليمه او تعرقل نموه الجسمي او العقلي او الخلقي.

 


نظرة قانونية : مراحل العملية الانتخابية

د. فــلاح إسماعيل حاجم

ان العملية الانتخابية تتألف من سلسلة من المراحل التي تبدأ بتحديد موعد الانتخابات وتنتهي بفرز الاصوات واعلان النتائج النهائية؛ واشرنا ايضا الى ان التشريعات عالجت مسألة الاشراف على سير العملية الانتخابية حيث انيطت مهمة التحضير ومن ثم اجراء الانتخابات واعلان نتائجها باجهزة تختلف نسبة استقلاليتها باختلاف الانظمة السياسية؛ اذ تتمتع تلك الاجهزة باستقلالية تامة؛ شأنها في ذلك شأن السلطات القضائية؛ في ظل الانظمة الديمقراطية.  في حين تكاد تكون تابعة للسلطة التنفيذية والحزب الحاكم في ظل الانظمة الشمولية والدكتاتورية. واستعرضنا كذلك المراحل الاولى من العملية الانتخابية والمتمثلة بتحديد موعد الاقتراع و  بتقسيم مساحة الدولة الى دوائر انتخابية واقامة المراكز الانتخابية في تلك الدوائر.  ولابد من الاشارة الى ان جميع مراحل العملية الانتخابية مترابطة  بعضها ببعض ويؤدي الاخلال ببعضها الى الاخلال بكامل العملية.

تعتبر عملية تسجيل الناخبين واعداد الجداول الانتخابية  واحدة من الحلقات الرئيسية في العملية الانتخابية   اذ يتوقف على دقتها نجاح الحلقات التالية وتحقيق مبدأ  العمومية الذي يعتبر واحدا من المبادئ الانتخابية الرئيسة. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الاعداد المسبق لجداول الناخبين سيغني اللجان الانتخابية عن التدقيق عند حلول موعد الاقتراع  في احقية او عدم احقية المواطن المساهمة في الانتخاب.  ان كون المواطن بالغا وكامل الآهلية لا يمنحه الحق بالمساهمة الكيفية في الانتخابات؛ اذ ان  واحدا من الشروط التي تضعها التشريعات لمزاولة ذلك الحق هي ان يكون المواطن مسجلاً في احدى القوائم الانتخابية. ويعرف القانون الدستوري نظامين لتسجيل الناخبين هما: 

1- النظام الطوعي- ويعني هذا النظام ان التشريع الانتخابي لا يدخل مهمة تسجيل الناخبين ضمن اختصاصات الاجهزة المسؤلة عن اجراء الانتخابات (سواء الاجهزة الحكومية او اللجان الانتخابية المختصة) بل تركها للناخب ذاته الذي عليه ان يراجع الجهات المختصة لاضافة اسمه الى جداول الانتخابات؛ وتنحصر مهمة الاجهزة المختصة هنا  بالتدقيق في صلاحية المواطن المساهمة في الانتخابات او عدم استيفائه للشروط المطلوبة.                                                

ويمكن العثور في التشريعات الانتخابية على صنفين من التسجيل الطوعي هما التسجيل الدائم والذي يعني تسجيل الناخب مرة والى الأبد(الولايات المتحدة الامريكية)؛ والتسجيل الدوري حيث ينبغي على الناخب اعادة  تسجيل اسمه بشكل دوري؛ وفي كثير من الاحيان قبل كل دورة انتخابية (في اغلب دوّل امريكا اللاتينية).                                                                

2- النظام الاجباري- بخلاف النظام الطوعي يفترض النظام الاجباري اعتبار مهمة تسجيل الناخبين من الواجبات الاساسية للاجهزة الانتخابية او اجهزة الدولة؛ وخصوصا تلك التابعة لوزارة الداخلية او اجهزة الحكم المحلي؛ وتشير دراسة التشريعات الانتخابية لمختلف الدوّل الى وجود نوعين من  قوائم الناخبين ايضا؛ هما القائمة الدائمة والقائمة الوقتية (او المتغيّرة)؛  حيث تتم مراجعة وتعديل الاولى خلال فترات زمنية محددة؛ كل سنة مثلا ( في فرنسا  وايطاليا و والمملكة المتحدة و اليابان).  اما القائمة الوقتية فتتميّز باعداد القوائم  قبل كل دورة انتخابية ويتم ابلاغ الناخبين خطيا بامكانية ممارسة الحق الانتخابي؛ وقد وجد هذا النوع تطبيقاته في المانيا الفيدرالية وبعض الدوّل الاخرى. 

ان واحداً من الاشكالات  التي طالما واجهت الاجهزة الانتخابية؛  وخصوصا في الدول الديمقراطيات الناشئة؛ هي امكانية التزوير عن طريق التصويت في اكثر من مركز انتخابي؛ مما يعتبر اخلالا بالمبدأ الانتخابي المعروف (صوت واحد لناخب واحد) لذا عادة ما تقوم الاجهزة الانتخابية بتوزيع هويات خاصة  يتم ختمها عند تسلم الناخب لورقة الاقتراع.

ولا تقل اهمية عن المراحل السابقة مرحلة تسجيل المرشحين لشغل المقاعد البرلمانية او مقاعد المجالس البلدية وغيرها من اجهزة الدولة المنتخبة؛ وتتم المعالجة القانونية لهذه المسألة اما في التشريعات الانتخابية او في القواعد والانظمة الاخرى (المراسيم؛ القرارات؛ الانظمة الداخلية.....الخ). ويعتبر المواطن الذي تتوفر فيه الشروط اللازمة مرشحا لخوض المعركة الانتخابية حال ضمه رسمياً لقائمة المرشحين. وتعرف التشريعات الانتخابية جملة من اساليب الترشيح منها:

1- الترشيح من قبل الاحزاب والمنظمات السياسية -  لقد بات هذا الاسلوب الاكثر انتشارا في العالم في الوقت الراهن؛ حيث تتميّز به الدوّل التي اخذت بنظام التمثيل النسبي وخصوصا لانتخاب مجلس النواب (المجلس الاسفل في البرلمان). ومن بين الدوّل التي اخذت بهذا النظام المانيا وفنلندا واليابان والمكسيك  واسرائيل وغيرها الكثير. ولتأمين الفوز باغلبية اصوات الناخبين تسعى الاحزاب السياسية الى اقامة التحالفات وخوض الانتخابات بقائمة واحدة (الانتخابات الاخيرة للمجلس الوطني العراقي المؤقت). 

2- ترشيح الافراد لأنفسهم- حيث يتطلب ان يقوم الشخص الذي تتوفر فيه شروط الترشيح بتقديم طلب خطي موقع؛ وتشترط بعض  التشريعات ان يتضمن الطلب توقيعين لشاهدين (كفيلين) يقومان بتزكية مقدم الطلب؛ اضافة الى ذلك اشترطت الكثير من التشريعات الانتخابية ان يكون طلب الترشيح مرفقا بتأمين مالي محدد تتم اعادته في حالة فوز المرشح بالانتخابات او في حالة حصوله على عدد معين من الاصوات حتى وان لم يفز؛  اما في حالة انسحابة او عدم حصوله على العدد المحدد قانونيا فتتم مصادرة التأمين او التصرف به في المشاريع الخيرية(المادة 21 من قانون الانتخبات لمجلس الامة الكويتي) . ويرى اغلب المختصين في القانون الدستوري ان الهدف من ذلك هو تقليص عدد المرشحين وقطع الطريق على الترشيحات غير المؤهلة. 

 3- الترشيح من قبل هيئة الناخبين - حيث يقوم الناخبون بترشيح من يودون ان يمثلهم في اجهزة السلطة المنتخبة. وقد اختلفت التشريعات الانتخابية في تحديد العدد الادنى للناخبين (في فرنسا ناخب واحد؛ في كندا وبلجيكا ليس اقل من ناخبين اثنين؛ وفي كل من بريطانيا وايرلندا واستراليا ما لا يقل عن عشرة ناخبين اما في بلغاريا فيشترط القانون على ان لا يقل العدد عن 500 ناخب). 

4- الترشيح من قبل عدد من اعضاء البرلمان والاجهزة التمثيلية الاخرى- ويتبع هذا الاسلوب في الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية في فرنسا ورئيس جمهورية مصر العربية وغيرها. وقد عرفت دوّل المنظومة الاشتراكية اسلوب الترشيح  عن طريق المجاميع العمالية الكبيرة وذلك لتزكية مرشح الحزب الى الانتخابات البرلمانية وانتخابات اجهزة الادارة الذاتية (السوفيتات). 

ان تصفح التشريعات الانتخابية  للكثير من الدول يوّضح ان الاغلبية منها  يسمح باعتماد الاساليب الواردة مجتمعة وذلك لتوسيع دائرة المنافسة الانتخابية وبالتالي اشاعة الديمقراطية.  لكن ما مكتوب في القوانين لا يتفق ؛ في كثير من الاحيان؛ مع الواقع المعاش  حيث تسعى الاحزاب الكبرى في المجتمع الى الاستئثار باغلبية المقاعد البرلمانية وتأمين الفوز في الانتخابات اللاحقة حتى وان تطلب ذلك استخدام ماكنة الدولة البيروقراطية ذاتها؛ كما تشير اغلب التجارب. 

تتوج المراحل المذكورة آنفاً بالتصويت الذي يثبت موعده؛ في التشريعات الانتخابية التي تقوم بتناول هذه العملية بالتفصيل لمنع تأويل القواعد القانونية المنظمة للتصويت. وعادة ما تقوم الدولة والاحزاب المشاركة بالعملية الانتخابية بتحويل يوم التصويت الى كرنفال للفرح وذلك لتشجيع الناخب على الادلاء بصوته؛ لكن تزايد خطر الارهاب في السنوات الاخيرة جعل من حراسة المراكز الانتخابية واحدة من المهمات الاكثر تعقيدا وقلل بشكل ملموس من اندفاع الناخبين للمساهمة بعملية الاقتراع مما يدفع الاجهزة الانتخابية المختصة الى اللجوء لتمديد ساعات التصويت لأكتمال النصاب المطلوب لأعتبار الانتخابات شرعية. وقد ذهبت الدوّل المختلفة الى استقدام مراقبين دوّليين للتأكد من سلامة سير العملية الانتخابية والتزام الاجهزة القائمة عليها (العملية الانتخابية) بالقواعد المتعارف عليها دوّليا؛ كما يتيح الكثير من التشريعات امكانية اشتراك ممثلين عن الاحزاب السياسية المتنافسة في مراقبة سير عملية التصويت. 

ان ما  ينتظر التجربة العراقية الناشئة في مجال الانتخابات ليس بالقليل؛ واعتقد ان مهمة اجتياز التجربة الوليدة  بنجاح يتوقف على مدى مصداقية وجديّة القوى التي تزمع المساهمة بالانتخابات القادمة؛ وفي جميع الاحوال فان الكلمة الفصل تعود الى شعبنا الذي تحمل الكثير في سبيل تحقيق ما يصبوا اليه وهو جدير به دون شك.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة